يتشوّه مفهوم القوة والسلطة لدى العديد من الناس، فيظنون أنها تعني الحكم بالسوط والنار، وذلك بسبب انتشار الأنظمة الدكتاتورية عبر الزمان وإلى يومنا هذا. فكانت هناك على سبيل المثال أنظمة طبقية كالفرعونية التي قسمت الناس إلى خمس طبقات، أعلاها الحكّام وآخرها العبيد، وأخرى استبدادية كالرومانية التي ابتزت أموال شعوبها لرفاهية حكامها دون غيرهم. وفي العصر الحديث، لا تكاد تخلو دولة في المنطقة العربية -على سبيل المثال- من هذا النوع من الأنظمة، والتي نجدها تشترك جميعها في تأليه الحاكم واستعباد الشعب ومنعه من حرية التعبير وانتقاده للسلطة.
ولكن نجد تلك الدول في نفس الوقت وقد أعياها الضعف في تحقيق التنمية الداخلية وفي فرض هيمنتها على الآخر. كما فشلت الفرعونية في التوسّع، وأصبحت الحضارة الرومانية دون النامية لاعتمادها على الاستهلاك ما أدى إلى فقرها علمياً وتقنياً. ومعظم دول المنطقة العربية نجدها مفككة، وفاشلة بسبب هروب العقول منها، وقمعها للحريات واضطهادها للعلماء، ما أدى إلى انتشار الفساد والفقر والعنصرية فيها وهدر لمواردها من سوء توزيع وسرقة واستغلال. إضافة إلى تبعيتها للدول الأقوى منها والتي تعمل باستمرار على تحديد اقتصادها وتعليمها ودوائها وحتى مصيرها! وعلى صعيد آخر نجد أنظمة دول العالم المتقدمة مثل أميركا، اليابان، وألمانيا تملك قوة حقيقية قادرة من خلالها على بسط سلطتها ونفوذها. فنجدها تمتلك القدرة على التحكم في مصيرها وحتى في مصير الدول والشعوب الأخرى. ومن المثير في هذه الأنظمة اتباعها لنظام حكم مبني على أسس ومعايير مشابهة لتلك التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). فما هو المعنى الحقيقي للقوة والسلطة؟ وما تطبيقاتها في السيرة النبوية الشريفة؟ هذه المقالة تحاول الإجابة على ذلك: بداية، لأي أمة تريد النهوض والتمسك بزمام أمورها أن تملك قائداً. والسبب، بحسب نظرية أبراهام ماسلو (1943)، هو حاجتها لمن يعينها على البقاء ولدرء الاعتداء عنها؛ مثل توفير الغذاء والأمن والأمان، إضافة إلى مساعدتها في إيجاد معنى لوجودها يحفزها على العمل والإنتاج والطاعة. ولا يعني ذلك أن القائد سيكون قادراً على تحقيق ذلك لوحده، وإنما هو أيضاً، سيكون بحاجة إلى مساعدة الآخر والتعاون معه لتحقيق ذلك. وهذا سبب تمايز البشر؛ ليتعاونوا فيما بينهم لما فيه الخير لهم: » وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)» – المائدة. ثانياً، مع تعدد القادة المميزين عبر الزمان وفي الشرق والغرب من أمثال: توماس جيفرسون والمهاتما غاندي ونيلسون مانديلا وغيرهم، قمنا باختيار سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كنموذج للقوة والسلطة لعدة أسباب، منها:
وقد حاولت اليهود اختبار علم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أكثر من مرة، مثل سؤاله عن عقوبة الزاني المحصن، وإشارتهم على قريش بسؤاله عن أهل الكهف وذي القرنين والروح. فالرسول كان معلماً وبشيراً ونذيراً، وبيّن أن العلماء ورثة الأنبياء، وأهمية توليهم لمناصب الحكم؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة»، ولذلك يشترط في الأئمة تفوقهم في الدين، وأن يكونوا من العلماء في حكم الشرع؛ ليتمكنوا من توظيف خبرتهم وحكمتهم في تسيير أمور الناس لما فيه الخير لهم، وإن تخلّفوا على ذلك فلا شرعية لهم؛ لما سينتج عن ذلك من ظلم على العباد، وتشتت شملهم، وانهيار أمتهم. 4. طلب المشورة والعمل بها: على القائد استشارة الآخرين، واتخاذ القرار الذي تم الإجماع عليه، وهو من الأهمية البالغة لما له من أثر في إشعارهم بقيمتهم واحترامهم وكسب ثقتهم وإخلاصهم، إضافة إلى إتاحة الفرصة للاستماع إلى الأفكار الجديدة وتشجيع المبادرة والإبداع. قال تعالى: «وَالَّذِينَ استجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» (الشورى: 38)، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يستشير صحابته في أكثر من موضع، وفي ذلك قال أبو هريرة: «ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم»، حتى قبل وضع الولاة والأمراء وقادة الجيش كان -عليه الصلاة والسلام- يستشير المسلمين في ذلك، كما استشار أصحابه في اختيار مكان غزوة بدر بقوله: «أشيروا عليَّ أيها الناس»، وكان أن أشاروا عليه أيضاً في غزوة أُحُد بقتال المشركين بدلاً من التحصّن داخل المدينة، وعمل بنصيحة الصحابي سلمان الفارسي بحفر الخندق في غزوة الأحزاب. كما كان -عليه الصلاة والسلام- يأخذ برأي زوجاته أمهات المؤمنين، فمثلاً، أشارت عليه زوجته أم سلمة بالنحر والتحلل من الإحرام في صلح الحديبية أمام المسلمين ليقتدوا به.
نيل الطاعةخامساً، «أعط الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء» لا يستطيع القائد أن ينال الطاعة بالأمر والجلد! وإنما سيعمل ذلك على إيجاد الفرقة بين الأفراد وسيعزز لديهم نوزاع التمرد والثورة. وهذا ما سجله التاريخ من ثورات حول العالم، كالفرنسية والكوبية والإيرانية وغيرها. فنيل الطاعة عملية تتطلب فهم الآخر واحترامه وتقديره وتلبية احتياجاته الفيسيولوجية التي سبق توضيحها. فلكل إنسان حقوق على الحاكم عليه تلبيتها ليمنحه الطاعة. وبحسب نظريات المفكّر جاك جاك روسو، وتوماس جيفرسون التي قامت عليها ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يجب توفير الحرية والمساواة والأمن وسيادة القانون. والإسلام بيّن أن هذه الحقوق ضرورات ليتمكّن الإنسان من القيام بالخلافة. فبدأ بتحقيق حرية الجسد بتجفيف روافد نظام الرق الذي كان سائداً في الجاهلية، حتى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نهى عن تسميتهم بالعبيد بقوله الشريف: (لا يقول أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي). وليس ذلك فحسب، وإنما تمكّن الإسلام من تحقيق الحرية الفكرية، وذلك من خلال دعوة الناس إلى التفكّر والتأمل: » قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101)» – يونس. كما لم يفرض الرسول الإسلام بالإكراه، فالله بعثه ليكون مبشراً ونذيراً: » وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54)» – النور. ثم على القائد عدم الانفراد باتخاذ ما يمس أمته من أحكام وقرارات دون استشارتهم والأخذ برأيهم. لما فيه من إشعار الآخر بالاحترام والتقدير ولمنع الظلم والاستبداد ولتحقيق أكبر منفعة للعامة والبلاد. وكان الرسول أكثر الناس مشورة لأصحابه كما سبق وتم توضيحه. ولا يتم تحقيق السلطة دون تحقيق العدل بين الناس؛ وذلك من خلال معاملتهم سواسية دون تفضيل فئة على أخرى. فالإسلام أمر بتقسيم الثروات بينهم بالعدل ومنع بيع مصادر الماء والنار. كما نفّر الظلم بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (من أخذ شبراً من الأرض ظلماً، طوقه إلى سبعين أرضين). وقد شمل الله تعالى أشكال العدل بقوله جلّ وعلا: » قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)» – الأنعام. إنشاء جيش من المخلصينسادساً، «لا يستمع العقل حتى يستمع القلب» بهذا المفتاح يتمكّن أي قائد من استمالة الناس ونيل ثقتهم وإخلاصهم. وبحسب فانفليت، فإنه ينبغي على القائد معرفة ما يريده الآخرون وما يحركهم ليتمكّن من نيل إخلاصهم. لذلك على القائد العمل على تحقيق المصلحة الشخصية للتابعين له قبل مصلحته، ويشترك الجميع بالرغبة في نيل الكرامة والعدالة والمساواة. والإسلام أول من رفع من شأن حقوق الإنسان والمرأة على وجه التحديد، من خلال تحريم الربا والبغاء ووأد البنات. كما ألغى العنصرية والتفاخر بالأنساب بقوله الشريف: (لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى). ولذلك نجد أن الفرقة الأولى التي لحقت بركب الإسلام كانت من الملونين والفقراء والنساء. كما في التواصل الدائم مع الأمة وتحفيزها وتذكيرها بأهمية الإخلاص والثواب، الأثر في المحافظة على إخلاصهم وولائهم. وكان الرسول عليه والسلام يحرص على التخاطب الدائم مع المسلمين وبكلمات بسيطة بعيدة عن التعقيد تلمس القلوب قبل العقول. مثل: (فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف). خلاصةوأخيراً، بحسب نظرية ابن خلدون للدولة، فإن هلاكها يأتي من الدعة والترف والبعد عن اتباع الحق. فمتى نزح الاهتمام بالإنسان إلى البنيان والعمران وإلى الرفاهية على حساب الرغيف والكرامة، سيبدأ الضعف ينخر بالدولة وستسقط بأيدي المرتزقة! وفي كل الحضارات التي اندثرت والأمم التي أبادها الله كانت بسبب ظلم وجور حكامها واستعبادهم لشعوبها؛ مثل مدين وثمود وفرعون وغيرهم. وكما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). فالقوة والسلطة ليست تلك التي تجبر الناس على الرضوخ للظلم، وإنما التي تسهر على خدمتهم فـ (خادم القوم سيدهم). والإسلام الوحيد الذي رفع أمته إلى مراكز القيادة العالمية وأمدها بالقوة لفتح أقاصي الأرض، وذلك لأنه جعل الناس جميعاً متساوين تحت راية التوحيد وسيادة القانون المستمد من الشريعة الإسلامية، وبالتالي حقق لهم الرفاهية والفوز في الدنيا والآخرة. بعد أن تمر بضع سنوات أو حتى بضعة شهور على الزواج، تبدأ العلاقة بين الكثير من الأزواج في الفتور تدريجياً، ولأسباب كثيرة. ويعدّ إنجاب الأطفال ورعايتهم من الأسباب الرئيسة لبرودة العلاقة بين الزوجين؛ وذلك حينما تقتصر على توفير ما يحتاجه الأطفال، فيتضاءل الوقت الخاص بينهما مسبباً الحرمان العاطفي والجسدي لكل منهما، وقد يصل أحياناً إلى درجة تدفع أحدهما إلى خيانة الآخر. وهذا ما أدركه كلٌّ من دوغلاس براون وزوجته آني، اللذين لديهما طفلتان ومتزوجان منذ أكثر من 10 أعوام. إذ اتفقا على العمل معا لإعادة الحميمية لعلاقتهما خلال مئة يوم بعد أن وجدا نفسيهما عالقين في روتين العمل وتلبية احتياجات الطفلتين فقط.
ويندهش القارئ لقصتهما بمدى جديتهما في مشروعهما من خلال التخطيط له والالتزام به والتعاون فيما بينهما لإنجاحه، ما كان له الأثر على سعادتهما وسعادة ابنتيهما. إذ قام الزوجان بتوثيق تجربتهما في كتاب نشراه عام 2008 تحت اسم «Just Do It» أو «فقط افعلاها». وهي تجربة حقيقية عاشاها واكتشفا من خلالها أسس السعادة الزوجية في كل يوم تقريباً. فهو كتاب تطبيقي بامتياز يمكن لأي زوجين عيش ذات التجربة. وبهذا المقال أقدم لكم ملخّص تجربتهما هذه: فبحسب الكتاب، على كلا الطرفين العمل معاً لإعادة الحميمية إلى العلاقة الزوجية، لا أن يقتصر الأمر على طرف دون آخر. كما بيّن أن مهمة إعادة الحميمية إلى العلاقة الزوجية أكبر على الزوج منها على الزوجة. وهنا أستذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً». فمثلاً، تم توزيع المهام فيما بينهما حول رعاية الأطفال وإدارة شؤون المنزل، لا أن يقتصر ذلك على الزوجة فقط، وذلك حتى تتمكن من إيجاد وقت خاص بها للاسترخاء والراحة، كممارسة اليوغا أو لتطوير مهاراتها كحضور دورات مهنية وخلافه. ثم قام الزوج بتخصيص وقت أكثر لزوجته، من خلال اصطحابها إلى رحلات برية، والتخييم وشرب القهوة وحدهما خارجاً، وحتى بقضاء بضع ليال في مختلف الفنادق الصغيرة لتجديد العلاقة بينهما. وكانا يتركان طفلتيهما في ذلك الوقت مع مربية استأجراها لذلك الغرض. حتى أنه اصطحب زوجته للسفر معه إلى إحدى المؤتمرات الخاصة بعمله ولثلاثة أيام في ولاية أخرى لتجديد علاقتهما، وهنا لجآ إلى مساعدة الجد والجدة للعناية بالطفلتين. ثم عمل الزوج على تحسين مستوى التعبير عن حبه لزوجته، من خلال المرور بالمنزل من حين لآخر أثناء العمل لسؤالها عن أحوالها أو لإهدائها وردة مفاجئة. كما كان يقبلها ويضمها بشكل مفاجئ من وقت لآخر، مما كان له الأثر في إسعادها. وزاد من وقت التحدث معها ومناقشتها بمختلف الأمور الحياتية، ودعم أفكارها. كما شجعها على مختلف خططها المهنية والخاصة. وأكد باستمرار في الكتاب أن أساس نجاح العلاقة هو المصارحة والنقاش بين الزوجين. وهذا ما لاحظته بانتشار المشاكل التي تسأل القراء الحلول على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. فمعظمها ناتج عن عدم مصارحة الشريك بما يحب وبما يكره، ظناً أن على الطرف الآخر اكتشاف ذلك بنفسه! كما شاركها في ممارسة الرياضة التي تحبها، ما كان له الأثر في إبهاجها. وهنا أستذكر قيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالتسابق مع عائشة (رضي الله عنها). ثم بدأ بعمل ما تحبه من شراء مختلف الهدايا لها من وقت لآخر والاهتمام بعيد ميلادها كما تحب، وبتحضير وجباتها المفضلة. وزاد اهتمامه بلباسه وبصحته وبشكل جسده وبرائحته لأجلها. وهذا من سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم). إذ حينما سُئلت عائشة (رضي الله عنها) بأي شيء كان النبي يبدأ إذا دخل بيته، قالت بالسواك، وكان يدهن شعره ويرجّله، ويقول: «من كان له شعر فليكرمه». وقال عبدالله بن عباس (رضي الله عنه): «أحب أن أتزين لزوجتي كما تتزين لي». فالمرأة تحب الرجل الحسن الهيئة والملبس. أما هي فقد قامت بزيادة الاهتمام بلبسها وزينتها ونظافتها. وبدأت بمبادرة إهدائه ما يحتاج بحسب ملاحظتها. فكان لتبادل الهدايا بينهما الأثر الكبير في إحياء الحميمية بينهما من بعد المصارحة والتحدّث. وقد بيّن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أثر الهدية بقوله الشريف: «تهادوا تحابوا». كما عملت على تحويل غرفة النوم إلى مكان دافئ وجميل، حيث قامت بتجديد مفارش السرير وتغيير الإضاءة وإشعال الشموع المعطرة كل ليلة. ولم ينسَ الزوجان مشاركة طفلتيهما سعادتهما، وذلك من خلال إشراكهما في بعض الأنشطة الخاصة، مشثل اصطحابهما للتزلج، وقضاء ليلة في غرفة فندقية والاستمتاع بمرافقه من مسبح وملعب، إضافة إلى الرحلات البرية. وظهرت نتائج ما قاما به قبل انتهاء مدة المشروع؛ أي الـ100 يوم. فقد شعر كلاهما بصحة أفضل وسعادة أكبر. كما عبّرت الزوجة عن مدى شعورها بالقرب من زوجها والراحة معه والثقة به، والأمان معه لتفصح له بشكل أكبر عن مختلف مشاعرها وأفكارها، وحتى مشاركته تفاصيل يومها، فأضحى صديقاً مفضلاً لها إلى جانب كونه زوجها. كما وجدت في نفسها نشاطاً أكبر لرعاية البنتين وخدمتهما، وفي تطوير مهاراتها في الطبخ وتحضير ما تهواه الأسرة من مختلف الأطباق وترتيب المنزل. أما هو فقد بيّن شعوره بالقرب أكثر من زوجته، وبزيادة حبّه لها وتقديره لما تفعله. كما أدرك أهمية مشاركتها مسؤولية رعاية الأطفال والمنزل، كونه كان يشعر دوماً بالإنهاك عندما يأتي دوره في رعاية الأطفال حين تكون في وقتها الخاص. وبذلك يمكن لأي زوجين تبني ذات التجربة. بل وتعديلها بما يناسب ثقافتهما وظروفهما، لتسود الحميمية بين الأزواج في مختلف فئات المجتمع، خاصة أن الأسرة نواته، وسعادة المجتمع من سعادة الأسرة. بالنهاية، حميمية العلاقة الزوجية هي أساس نشأة الأبناء. وكما قال أحدهم: «جاءت لذة الحميمية لتعين الزوجين على تكاليف إنشاء ورعاية أطفالهما. ومتى فترت تلك العلاقة لن يعاني الزوجان فقط نتيجة ذلك، وإنما سيؤثر سلباً على جودة رعايتهما للأطفال ومنها إلى صحة وسلامة المجتمع». الرابط: https://arabicpost.net/opinions/2018/09/12/%D9%84%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B2%D9%88%D8%AC%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%82%D8%B7-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B9%D9%84/ بقلم إشراق كمال عرفة
مع تطوّر نمو الطفل بشكل كافٍ لينفصل عن ذويه بذهابه إلى المدرسة، تأتيه أولى تعليمات السلامة حول عدم التكلّم مع الغرباء أو الاستجابة لأي أحد؛ وذلك خوفاً عليه من استغلال براءته من قِبل أحدهم والإضرار به. ولكن مع تطوّر تقنية الإنترنت وانفتاح العالم بعضه على بعض، أصبحت هذه النصيحة ضرورية داخل المنزل أيضاً، ولبقية الفئات العمرية. فلم يعد يقتصر وجود الغرباء في الشارع، وإنما أصبحوا قادرين، من خلال الإنترنت، على الوجود داخل أي منزل واستهداف أي مستخدم من أية فئة عمرية، وبطرق متنوعة تستغل حاجاته واهتماماته المختلفة، مما يسبب له ضرراً لا يمكن إصلاحه في معظم الأحيان. فمع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك، انتشرت العديد من الحسابات الوهمية التي تطلب صداقة أحدهم لسرقة البيانات الشخصية له أو لأجل الابتزاز أو لانتحال شخصيته. وكانت معظمها تستهدف مستخدمي الفيسبوك من الأطفال والمراهقين ممن تسهل استجابتهم في مشاركة بياناتهم الخاصة ظنا ًمنهم أن الطرف الآخر صديق حقيقي، أو من الجنس ذاته ممن يمكن البوح له دون حرج! ولا يقتصر الاحتيال في الفيسبوك على طلبات الصداقة. فقد أصبح هناك استغلال للإنسانية من خلال الصفحات والمجموعات الخاصة فيه لأمور غير مشروعة، مثل تلك القصة التي انتشرت حول قيام أحد الأشخاص بمساعدة أحدهم عبر صفحة خاصة للمغتربين في نقل أدوية إلى الدولة التي يعمل فيها، فكان أن تعرّض للاعتقال على الحدود بعد أن تبيّن أن الدواء نوع من المخدرات. كما أصبح هناك استغلال سيئ لرغبات الإنسان المختلفة من زواج وعمل وربح للجوائز وغيرها. فمثلاً، تم استهداف بعض الباحثين عن عمل من أجل عمل علاقات غير مشروعة مع الجنس الآخر؛ إذ أفادت الكثير من الفتيات ممن شاركن في مجموعات البحث عن عمل في الفيسبوك بتعرضهنّ للتحرّش أو أنه تم جذبهن للعمل في أمور مشبوهة! وانتشرت على تطبيق الواتساب مجموعات مماثلة، تعرضت فيها الفتيات لمحاولة تحرّش من قِبل الأعضاء الآخرين من خلال إرسال رسائل غير لائقة لهنّ وعلى حساباتهن الخاصة. كما ظهرت مواقع متخصصة من أجل الزواج، ومعها انتشرت الكثير من قصص الاحتيال؛ أكثر ضحاياها من الفتيات. فكان كثير من الشباب ممن شاركوا في تلك المواقع لا يهدفون إلى الزواج وإنما للتسلية، ولمشاركة صور الفتيات وغيرها مع آخرين! وهناك صفحات وحسابات متخصصة في الإعلان عن جوائز قيِّمة مقابل متابعتها، مثل ادِّعاء إحدى الصفحات التي تحمل اسم شخصية مشهورة في الفيسبوك عن مسابقة لربح سيارة فارهة، وأخرى على موقع تويتر لربح هاتف آيفون بشرط إعادة التغريدة ومتابعة أحد الحسابات، ليتبيّن لاحقاً أنها كاذبة، وأن الهدف كان لزيادة عدد متابعي الصفحة ولأمور أخرى غير معروفة. وانتشر هذا النوع أيضاً على تطبيق واتساب، بحيث تصل رسالة فجأة من رقم مجهول إلى أحد الحسابات الخاصة تدَّعي فوز صاحب الحساب، وأن عليه الاتصال أو إرسال بياناته البنكية لتسلُّم الجائزة. وكثيراً ما كانت ترافقها صور الجائزة؛ لإضفاء نوع من المصداقية الخادعة. ولا تقتصر طرق الاحتيال على مواقع التواصل الاجتماعي والواتساب، وإنما تنتشر عبر الرسائل الإلكترونية أيضاً التي ترد إلى البريد الخاص للمستخدم، سواء كان على الهوتميل، أو الياهو، أو الجي ميل، وغيرها. وتدّعي تلك الرسائل أن المرسل شخص منكوب من حرب أو حادثة ما، وتطالب المستخدم بالرد عليه فقط لترِده التفاصيل في رسالة ثانية! وهنا الطامّة الكبرى، فقد يرسل له رسالة يدّعي فيها وجود رابط ما أو صورة لتكون مجرد فيروس يخترق حساب المستخدم وجهازه لسرقة بياناته أو لتوريطه في أمور هو بغنى عنها. وهناك رسائل أخرى يظهر العنوان البريدي لها وكأنه لشركة معروفة، مثل ياهوو أو آبل، تطالب المستخدم باستحداث بيانات الدخول لحسابه بهدف سرقتها. وهناك رسائل تبدو أنها مرسلة من البنك الذي يتعامل معه المستخدم، تطالبه بتحديث عاجل لبياناته وإلا فسيتم إغلاق الحساب الخاص به، فيقوم الضحية بوضع بياناته دون تردد على النموذج المرفق وإرساله، ليظهر أنه نموذج احتيال لسرقة حسابه. ومن الرسائل الإلكترونية الكاذبة ما يفيد بفوز المستخدم بجائزة مالية كبيرة أو بسؤاله المساعدة على تحويل مبلغ مالي كبير مقابل نسبة ما، وكلها تهدف إلى الاستحواذ على بياناته البنكية من أجل سرقتها واستخدامها في الاحتيال على الآخرين. إذن ما السبيل لتجنّب الوقوع ضحية للاحتيال؟لتجنّب احتيال مواقع التواصل الاجتماعي، فالأمر بسيط؛ إذ على المستخدم حصر استخدامه إياها في الترفيه والتواصل مع الأقارب والأصدقاء فقط، وفي التفاعل مع الصفحات الخاصة بالأعلام المشهورة التي تحتوي على وسم التوثيق، وهو عبارة عن إشارة زرقاء تأتي مع اسم الشخصية أعلى صفحته، وعدم الاستجابة لأي منشور صادر من صفحة تحمل اسماً دون توثيق، وخاصة إن كان إعلاناً عن جائزة ما! أما الفتيات بشكل خاص، فيجب ألا تنشر إحداهن بياناتها الخاصة في أي صفحة أو مجموعة مختصة بالبحث عن عمل أو زواج، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها. فإن كانت تبحث عن عمل، فعليها إرسال السيرة الذاتية الخاصة بها مباشرةً إلى صاحب العمل بعد التأكد من وجود مكان العمل على أرض الواقع من خلال وزارة العمل في بلدها أو من خلال سفارة البلد الموجودة فيه. كما يمكنها وضع بياناتها على مواقع معروفة للتوظيف، مثل موقعي «بيت» و»لينكد إن» وغيرها، وتجنّب مواقع التواصل الاجتماعي. وإن أرادت الزواج، فيفضّل أن تلجأ إلى الطرق التقليدية على أرض الواقع، مثل المشاركة في مختلف الحفلات والمناسبات الاجتماعية، والإعلان عن رغبتها في الزواج للأقارب والأصدقاء. أما فيما يتعلّق بالرسائل الإلكترونية المشبوهة، فيستطيع المستخدم تحرّي البيانات الخاصة بها بالضغط على رابط تفاصيل الرسالة الواردة إليه، والتي من شأنها أن تُظهر له بياناتها ومنها عنوان المرسل إليه، فإن كان فارغاً، فهذا يعني أن الرسالة لم يتم إرسالها له بشكل خاص ومباشر، وإنما تم إرسالها بشكل عشوائي وإلى مستخدمين آخرين تم إخفاؤهم. كما في التدقيق لعنوان البريد الإلكتروني للمرسل، فمن شأنه أن يظهر إن كان حقيقياً أم مختلقاً. كما عليه الحرص على عدم الضغط على أية روابط تأتيه مع الرسالة المجهولة، سواء كانت على شكل روابط مرفقة أو داخل نص الرسالة. وعادة تأتي هذه الروابط مع عناوين جذابة ومثيرة، لتثير فضول المستخدم لمعرفتها، سواء كانتش لها علاقة بالفن أو الرياضة أو السياسة وغيرها. ومن الطرق الأخرى لاكتشاف الرسائل المزيفة، الطريقة المكتوبة بها؛ فإن كانت تحتوي على أخطاء إملائية أو بيانات غير مكتملة، حينها تكون رسالة احتيال يجب إهمالها وعدم الاستجابة لها. كما للهجة المكتوبة بها إشارة إلى زيفها، مثل الاستعطاف أو الاستعجال في الاستجابة والرد. بالنهاية، تبقى هناك ضرورة على نشر مختلف الحملات التوعوية حول استخدام الإنترنت بشكل عام، ومواقع التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات الإلكترونية بشكل خاص، وأن تكون مختلف مؤسسات المجتمع هي الرائدة في ذلك، مثل المدارس والبنوك والوزارات الحكومية وغيرها. على أن تكون حملات دائمة، لازدياد نسبة مستخدمي الإنترنت وتطبيقاته يوماً بعد يوم. بقلم إشراق كمال عرفة
لا يملك المرء عند قراءة السِّير الذاتية للرؤساء والقادة الناجحين إلا أن يُعجب بطموحهم وعملهم الجاد وحبهم لتطوير الذات، من قراءة وثقافة وتعلُّم، وصقل للمهارات وتنمية للأخلاق. إضافة إلى تفانيهم وإخلاصهم في العمل، وبُعدهم عن أسباب اللهو من المسكرات والنساء والمقامرات. فيندمج القارئ في تفاصيل حياتهم، ويسعد بنجاحهم وكأنه يعيش معهم. وهؤلاء هم من يجب تسليط الضوء على حياتهم في مختلف مؤسسات المجتمع، إضافة إلى مختلف الأعلام الذين تمكنوا من إحداث تغيير إيجابي في العالم ليكونوا قدوة للآخرين، وفرصة لتعلُّم طرق تحدي الحياة وتحقيق الأحلام. وفي قراءتي للسيرة الذاتية لأبراهام لينكولن، وجدت تميُّز حياته بالجدية وحب العمل والتعلّم. لقد كان مجتهداً منذ صغره، فساعد والده توماس لينكولن في أعمال الزراعة. وفي شبابه عمل بالتجارة وفي صنع عربات التحميل، وفي القيام بمختلف الخدمات للمنازل، فلم يكن ينأى عن أي عمل طالما يحقق له ما يحتاج من مأكل ومبيت، مجنِّباً نفسه الكسل والتسوّل. كما ابتعد عن تناول المسكرات من الكحول والتبغ، ولم يخالط النساء كما كان منتشراً بين الشباب في عصره، وإنما انكبَّ على تعليم وتثقيف نفسه بقراءة مختلف كتب اللغة والأدب والفلسفة. ثم اكتشف حبه للسياسة والخطابة، فعمل على تطوير نفسه ليكون سياسياً ناجحاً ومحبوباً. فوضع هدفاً وسار نحوه بالعمل والجد والاجتهاد، حتى إنه درس القانون ليكون أكثر قدرة وكفاءة في العمل السياسي. وفي عمله كمحامٍ، لم يكتفِ لينكولن بمعالجة مختلف القضايا المحلية، وإنما وسَّع من خدماته في مختلف الولايات، فأصبح معروفاً ومحبوباً في الشرق والغرب. وتألق نجمه واشتهر ببراعته في مختلف المحاكم، ويعود ذلك إلى دراسته المجدّة لكل قضية وتحليلها من كافة الجوانب. وعندما أصبح رئيساً، لم يكن يملك الخبرة العسكرية والإدارية الكافية لإدارة الحرب الأهلية، فانكبَّ على دراسة مختلف الكتب واستشارة أعضاء إدارته وأصدقائه، ونجح في تحقيق السلام والمحافظة على اتحاد الولايات الشمالية والجنوبية، إضافة إلى تحرير العبيد من كافة الولايات الأميركية. وفيما يلي تفصيل لبعض الدروس والعبر من رحلة كفاحه: 1. الصدق والنزاهة لاكتساب السمعة الجيدة نال لينكولن العديد من الألقاب في حياته التي عكست صدقه ونزاهته. فمثلاً، تم تلقيبه بالصادق، لأنه لم يتهرَّب من ديون المتجر الذي افتتحه مع شريكه ويليام بيري كما كان شائعاً في ذلك الوقت. فكان لذلك أثر في اكتسابه لسمعة جيدة وتكوين صداقات أكثر. وأقرَّ الجميع بأنه كان قائداً بطبيعته ومحباً لمساعدة الآخرين. وأفاد صديقه ديفيد تورنهام إثر قراءته لقصص الأخلاقيات على تصرفاته. 2. الجدّ والاجتهاد للتعلّم ولإعالة النفس كان الفقر منتشراً في الحياة الأميركية بالقرن التاسع عشر. كما لم تكن هناك مدارس نظامية، وإنما كانت هناك صفوف مؤقتة تستمر من شهر إلى ثلاثة، ثم ينتقل الطلبة إلى الحقول للعمل فيها. وهذا لم يمنع لينكولن من الدراسة، فكان يجدّ في الدراسة ومطالعة كل ما تطاله يده من كتب أدبية وفلسفية، إضافة إلى القصص والأساطير الأخلاقية. ثم عمل في العديد من المهن لأجل الحصول على الطعام والشراب والمبيت، وكان سعيداً بأي فرصة عمل. فعمل أولاً في الترحال لأجل بيع البضائع. فكانت أول مرة يسافر فيها وحده إلى نيو أورلينز من إنديانا، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 1828. ثم عمل في مزارع الآخرين وموظفاً في متجر، ونال فرصة للعمل في مكتب البريد عام 1832، وفيه وجد فرصة للتعرّف على الناس من مختلف الولايات، وقراءة كافة الصحف التي كانت تصل المكتب، مما أسهم في زيادة أفق تفكيره وثقافته والإلمام بالشؤون السياسية. ثم عمل مسَّاحاً، فعمل على مسح الطرق والمزارع والمدن في ألباني ونيو بوسطن وبيتسبيرغ، وأراضي المدارس العامة. وكانت هذه الوظيفة تجارة محبوبة في ذلك الزمن، وفرصة له للتعرّف على البشر من كافة نواحي الحياة. وعندما بدأ العمل السياسي، لاحظ أن مختلف السياسيين المرموقين هم من حملة شهادة القانون، فقرَّر دراستها ذاتياً لعدم توفّر جامعة حينها في ولاية إيلينوي، ليتمكن بعد فترة من فتح مكتبه الخاص. 3. الشغف أساس النجاح أدرك لينكولن أن شغفه في التعلُّم والمطالعة، وليس كأسلافه في التجارة وشراء الأراضي، فعمل حينها على تحفيز نفسه رغم عدم تشجيع والده له على التعلّم. إلا أنه كان يجدُّ في الدراسة لساعات متأخرة من الليل، وكان فضوله يجعله يقرأ كل ما يقع تحت يده من مختلف الكتب. وعندما أدرك ميله للسياسة، عمل على تطوير مهاراته في الكتابة والخطابة، وزيادة جماهريته لدى الناس ومن مختلف الولايات، مستغلاً عمله في مختلف المهن. وبذلك نجد أن للشغف دوراً مهماً في تحفيز الإنسان وفي توجيه تركيزه نحو تحقيق الأهداف بخطوات مدروسة، وهذا ما نذكره بالتفصيل في النقطة التالية: 4. تحقيق الأهداف بخطوات مدروسة عندما اكتشف حبه للسياسة بعد فشله في الترشّح لأول مرة في اللجنة التشريعية لولاية إلينوي وهو بعمر 23 عاماً، عقد لينكولن العزم على توسيع قاعدته السياسية، فداوم على حضور مجتمع المناظرات الذي كان يتم عقده مرتين شهرياً، وهو تقليد منتشر في كافة الولايات حينها. وبدأ بالخطابة أمام الناس حول مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية، وكانت تتمثل خطاباته السياسية بالصدق والحماس، ثم بدأ بدراسة قوانين اللغة الإنكليزية ليتمكّن من الخطابة بشكل أفضل. ثم عمل على إدارة حملة لنفسه من أجل دخول اللجنة التشريعية لولاية إيلينوي عام 1834، فنجح وتم انتخابه. وكان لفضوله دور كبير في أن يصبح محامياً ناجحاً فيما بعد. إذ حرص على حضور المحكمة العليا لمعرفة كيفية سير المحاكمات والمناقشات السياسية، وتحضير المحامين لمختلف قضاياهم، إضافة إلى حضوره لاجتماعات مجلس الولاية التي واظب عليها. ثم عمل على تطوير مهاراته في الكتابة من خلال مراسلة صحيفة ويغ في سبيرنفيلد حول الجلسات التشريعية. وفي أول خطاب له عام 1830، اكتشف لينكولن أن لحِس الدعابة والسخرية دوراً كبيراً في استمالة القلوب، فاعتمدها كأسلوب لباقي خطاباته، خاصة في مناظراته حول الرق مع الديمقراطي ستيفن دوغلاس. فكان لذلك دور في زيادة الطلب عليه لإلقاء مختلف الخطابات السياسية. وعندما حصل على رخصة المحاماة في ربيع 1837، أصبح لينكولن يملك خبرة في كافة القضايا ومن مناطق أبعد، فأصبح معروفاً أكثر لدى المزارعين وأصحاب المتاجر، خاصة أنه كان يعمل فيها إلى جانب المحاماة من أجل توسعة قاعدة معارفه ومؤيديه، وأصبح بذلك يملك مركزاً قيادياً وثقافياً في مجتمعه. ثم اشترك لينكولن في الحملة الرئاسية لويليام هاريسون عام 1840، وصار المتحدث عن حزب الويغ، فناظر الديمقراطيين، وبعد فوز هاريسون، ذاع صيته كمخاطب ومدير ناجح للحملات الرئاسية. وتمت دعوته للتحدّث في واشنطن عام 1842. وفي 13 أبريل/نيسان 1859، أخبره المحرر توماس بيكيت برغبة الجمهوريين في ترشيحه للرئاسة، فعمل لينكولن على التخطيط لزيادة تأثيره السياسي بإلقاء الخطابات في العديد من الولايات. 5. عدم الاستسلام للفشل خسر لينكولن في حياته أكثر من مرة في تحقيق أهدافه السياسية، ولكن لم يجعله ذلك انهزامياً ومنسحباً. فمثلاً، خسر بداية ترشّحه في اللجنة التشريعية لولاية إيلينوي، ولمقعد حزب الويغ في الكونغرس، فلم يستسلم، وأدرك أن سبب ذلك هو عدم امتلاكه لقاعدة عريضة من المعارف والمؤيدين له، فعمل على استغلال مختلف أعماله، ومن ثم إدارة حملات خاصة لنفسه، لينال بعدها ما أراده. وفي الحرب الأهلية وبعد خسارة المعركة الأولى في بول رن، كتب لينكولن الدروس المستفادة من هذا الفشل، وعمل على تثقيف نفسه حول الأمور العسكرية لمحدودية معرفته فيها، وليتمكّن من إدارة الحرب. فلم يكن يخشى من قصور معرفته، وإنما أقر بها وعمل على تقويتها بالمطالعة واستشارة الآخرين. 6. احترام سيادة القانون رغم رأيه الشخصي حول الرق وأنه أمر يجب منعه، إلا أنه لم يحاول أبداً كرئيس فرض ذلك، احتراماً للقانون الذي يجيزه. فمثلاً، في مناظراته مع ستيفن دوغلاس حول الرق، بيَّن لينكولن أنه لا يسعى للتفرقة بين الولايات الجنوبية التي ينتشر فيها الرقيق والولايات الشمالية التي تحررت من الرق. وفي خطابه الأول بعد تنصيبه رئيساً، ذكر احترامه لقانون الرق، وأنه لا داعي لخوف ولايات الجنوب من قيامه بالتعدي على الدستور. وخلال الحرب الأهلية، وضع لينكولن جورج فريمونت رئيساً لوزارة الغرب، فأصدر قراراً بتحرير العبيد المنتمين للمتمردين في الولاية، وذلك في 30 أغسطس/آب 1861، فغضب لينكولن وأخبره أن عليه سحب القرار لأن ذلك من شأنه أن يقلب الجنوب على الحكومة. فبرَّر أن الجيش يحتاج إلى وجود العبيد للمشاركة معهم في القتال. فأقاله من منصبه. وأفاد بعدم الخلط بين الأمور السياسية والعسكرية، وأنه أقسم على احترام الدستور، وسيحافظ على ذلك. 7. تحمّل المسؤولية وعدم الخوف من ارتكاب الأخطاء كان أكبر خطأ سياسي ارتكبه لينكولن هو تجاهله لمطالبات الجنوب بالانفصال، عندما تم تنصيبه رئيساً لأميركا عام 1860. واستمر تجاهله حتى مع مطالبات صحف الجنوب بالخروج من الاتحاد. وخلال الأربعين يوماً من بداية انتخابه صوَّتت كلٌّ من مسيسبي، فلوريدا، ألاباما، جورجيا، لويزيانا، وتكساس بالخروج من الاتحاد. وبدأت الحرب الأهلية عندما وافق على زيادة الجيش الذي كان مرابطاً في كارولاينا الجنوبية. فأدرك مسؤوليته في الحفاظ على وحدة البلاد، فحرص على متابعة سير الحرب واستبدال القادة العسكريين ممن لم يثبتوا جدارتهم في قيادة المعارك. 8. الاسترخاء والاستلهام لتجديد الفكر والروح من المهم للإنسان أن يوازن بين احتياجاته العقلية والنفسية والروحية ليتمكّن من العمل بكفاءة وتحقيق النجاح. وهذا ما كان يقوم به لينكولن في فترة رئاسته، إذ كان يحرص على قضاء فترة الصيف في منزل بعيد عن البيت الأبيض، يسمى بمنزل الجندي، وذلك من أجل الاسترخاء والتفكير والتأمل والاستلهام مع عائلته وأصدقائه، ولزيادة مخزونه الثقافي من مختلف الكتب الأدبية والحربية. بقلم جانسي دون
عندما تودين كتابة كتاب بعنوان: ”كيف لا تكرهين زوجك بعد الأطفال“، سيبدأ الناس بإخبارك بأشياء خاصة. وسمعتها كلها حتى هذه اللحظة. تقول إحداهن: ”لم أتكلم مع زوجي لمدة عام بعد إنجابي لطفلي الأول. لا أملك سوى أن أشعّ بكل كراهية تجاهه وفي كل وقت“. وأخرى تقول: ”إنني أفزع عند عودة زوجي شون من رحلات العمل، لأنني أشعر بالكراهية تجاهه، والوضع أكثر أمنا من دونه“. وكانت هذه الإعترافات تحصل بالهمس، وذلك لأن ضميرهن حي ويشعرن بالخزي. وأنا أعلم من أين تأتي تلك المشاعر. فقبل أن ألد ابنتي سيلفي ربيع عام 2009، كنت نادرا ما أتشاجر مع زوجي توم وعندما أصبحنا أبوين، أصبح الشجار من الروتين اليومي. لقد كنت أناديه بأسوأ الألقاب، وأهدد بالطلاق. وفي أوقات أخرى كانت علاقتنا فاترة جدا ولعدة أيام، لا تزيد عن مجرد السؤال عن أماكن الأشياء داخل المنزل. ولم أتمكّن من إخبار أمي بذلك أو أخواتي، ولأنني لم أسمع من صديقاتني أي شيء عن الشجار مع أزواجهن، كنت أظن أنني الوحيدة التي تظن أنها تكره زوجها، وأزيد حنقا عندما يقوم بأشياء بسيطة، مثل عدم إلقائه للنفايات، أو عند ترك صحنه متسخا داخل حوض المطبخ. وكان تصفحي لمواقع التواصل الاجتماعي يزيد من شعوري سوءا، وذلك في كل مرة أجد فيها صورة لعيد ميلاد أحد الأطفال محاطا بوالديه السعيدين، وكنت أفكر في نفسي إن كنت الوحيدة التي تقوم بحركات بذيئة خلف رأس زوجي وحول طفلتنا!! وكان الفشل الأبوي هذا مؤلم لي أكثر من توم. فنحن على بعد عدة أجيال من القواعد التقليدية التي كان يملكها أجدادنا. فالضغوط الاجتماعية والأمومة وإدارة المنزل تعد من هوية المرأة أكثر من الرجل، سواء أحببنا ذلك أم لا. ولكن من الطبيعي الشجار، وحتى بأسوأ ما يمكن، وذلك لأن كلا الزوجين يعانين من تأرجح الهرمونات، وقلة النوم، وازدياد كمية ملابس الغسيل. ولكن ما يجعلنا نحن الأمهات أكثر عصبية، هو أننا نقوم بعمل أكثر داخل المنزل وفي رعاية الطفل وإن كنا مثل الزوج نعمل خارجا. فلا يوجد مساواة في العمل الداخلي. وفي هذه الحالة، أنا لست وحدي. فبالرغم من تغيّر حياة النساء بشكل كبير في الثلاثة عقود الماضية، وذلك بما يتعلق بعمل المرأة في مختلف الوظائف، إلا أنه لم يحدث الكثير من التغيير للنساء. ففي دراسة نشرتها مجلة العائلة والزواج عام 2015، تبيّن أن الأزواج يساعدون زوجاتهم مناصفة في أعمال المنزل إلى أن يصبحوا آباء. وفي الوقت الذي يصل فيه عمر الطفل 9 أشهر، تقوم النساء بعمل بما يعادل 37 ساعة، موزعة بين إدارة المنزل ورعاية الطفل، أما نصيب الرجل فيكون 24 ساعة. كان لا بد من القيام بشيء وإلا سننفصل! إنني محرجة من القول أن سبب رغبتي في إصلاح علاقتي مع زوجي هو طفلتي. لقد بدأت ألاحظ تأثر شخصيتها بمشاجراتنا. فقد أصبحت طفلتنا ذات الأربعة أعوام من سعيدة إلى أكثر حذرا ومراقبة لنا. والأسوأ، أنها بدأت تقفز بيننا وتقول: (لا تصرخي على أبي!) وبيأس، استشرت العديد من الخبراء، من مستشاري الزوجية، إلى علماء النفس الاجتماعيين، وفيما يلي الحلول التي نجحت معنا أكثر من أي شيء آخر: 1. توقفت عن متابعته وتركته يقوم بالأمور بطريقته لقد أدركت أنني كنت أبعد زوجي عني بانتقادي المستمر له وتصحيح ما عليه فعله، وخاصة بما يتعلق بطفلتنا. حينها تركته ليقوم برعاية الطفلة بما يراه مناسبا من إطعامها وإلباسها وحتى طريقة اللعب معها. 2. تعلمت الشجار بشكل معتدل الشجار أمر طبيعي، ومع تكويننا لعائلة، علينا التشجار بشكل أقل صخبا. أي بدون تنابز للألقاب أو الصراخ. إضافة إلى تعلّم كيفية طلب المساعدة من الطرف الآخر بلطف. وتعلمنا كيف نصف المشكلة التي نعاني منها من دون تبادل اللوم، وإنما بمناقشة الحلول الممكنة. 3. تقسيم المهام أخبرنا الخبراء أنه عند وجود طفل، تصبح العلاقة بين الزوجين مختلفة كليا. أي يصبح كل شيء قابل للتفاوض ومنها تقسيم المهام داخل المنزل. ولا يعني ذلك تقسم العمل مناصفة، وإنما تعاون الطرفين في تنظيف المطبخ وترتيب المنزل. 4. التفكّر قبل الشجار لقد تعلمت عدم جعل امتعاضي من تصرفات زوجي سببا للشجار في كل مرة. وأن أتفكّر بما سأجنيه في حال قمت بذلك. فإن كانت طفلتي هادئة مثلا، لما علي أن أعارض قيامه بأخذ قيلولة بعد العصر؟ 5. لم نتوقف عن العلاقة الحميمية يسهل تجاهل إنشاء علاقة حميمية بسبب التعب والإرهاق الناتج من العمل ورعاية الأطفال. إلا أنها أساسية لصحة العلاقة الزوجية. فالعلاقة الجسدية مع الزوج تقوي العلاقة العاطفية. ولا يعني ذلك ممارستها بشكل مفرط، وإنما يكفي أن تكون مرة واحدة أسبوعيا، وبغض النظر عن مدة الزواج. ويمكن ابتكار طرق جديدة لأجل جذب الطرف الآخر للعلاقة الحميمية، مثل إجازة في منتجع أو مشاركة في إعداد وجبة، شيء ما ليزيد من التقارب الجسدي. 6. ناقشنا الأمور المالية تعد تكلفة حفاظات الطفل لوحدها كبيرة، لذلك من المهم معرفة وجهة نظر الزوج الآخر وتفهمها فيما يتعلق بالأمور المالية، منها معرفة المخاوف والأمور التي نحتاج تعليمها للأطفال حول المال. - وناقشت المجلة العديد من طرق وضع الميزانية التقليدية وطرق التوفير في هذا العدد والأعداد السابقة-. 7. إظهار الحب إن الأشياء البسيطة التي تقوم بها تجاه الشريك والتي يحبها لها أثر كبير. فلا ضير من شراء العصير المفضل للزوجة، أو تحضير وجبة الطعام المفضلة للزوج. وهذا من شأنه زيادة الاحترام والتقدير وبالتالي الرغبة في إنشاء علاقة حميمية. كما ويجب التخطيط لقيام شيء بعيد عن الأطفال بين الحين والآخر، وذلك لزيادة مشاعر الود والتقارب. بقلم إشراق كمال عرفة
يمتلك القادة الناجحون رؤية عمّا يرغبون بتحقيقه في المستقبل البعيد أو القريب، ولا يقتصر الأمر على ذلك، وإنما يسعون إلى ترجمتها إلى مهمة وخطة عملية قابلة للتنفيذ لتحقيقها، وكانت رؤية عبد الكلام هي الهند في عام 2020؛ التي تتلخّص بأن تصبح ذات قوة اقتصادية تنافس الدول الكبرى. ولم تكن هذه الرؤية وليدةَ اللحظة، فقد اشتغل عبد الكلام في عدة مناصب كعالِم ومستشار للعلوم، ولأكثر من أربعة عقود، في مجال الفضاء والدفاع القومي، مما زاد من شعور انتمائه لبلاده، وإدراكه لأهمية التقنية في تحويل البلاد إلى دولة متقدمة. وعبد الكلام هو أبو بكر زين العابدين عبد الكلام. ولد عام 1931، درس الفضاء والهندسة الفضائية، واشتغل في عدة مناصب استشارية وإدارية في كل من (منظمة أبحاث تطوير الدفاع والتطوير ORDO) و(المنظمة الهندية لبحوث الفضاء ISRO)، كما شارك في البرنامج الهندي للفضاء المدني وأعمال تطوير الصواريخ. وتم تلقيبه بـ(رجل الصواريخ) في الهند لمساهمته في تطوير تقنية الصواريخ الباليستية وإطلاق المركبات، كما كان له دور تقني وسياسي في اختبارات الأسلحة النووية الهندية التي تمت عام 1998، وشارك في برنامج IGMDP لتلبية احتياجات الدفاع القومي، وفيها عمل على تطوير أنظمة استراتيجية وتكتيكية متعددة للأمن القومي. ثم أدار برنامج TIFAC الذي كان يهدف إلى تطوير الهند اقتصادياً، لتتحول إلى دولة متقدمة اقتصادياً عام 2020، تم انتخابه من كافة الأطراف الحاكمة والمعارضة رئيساً للهند، ولذلك سُمي بـ(رئيس الشعب)، وتلقى العديد من الجوائز المرموقة، مثل جائزة: Bharat Ratna وهي أعلى تكريم مدني في البلاد. وقبل رئاسته، عمل عبد الكلام أستاذاً في جامعة آنا في ديسمبر 2001، وكان سعيداً بهذه الفرصة، لأنها أتاحت له مشاركة خبراته في مهامه الوطنية مع الطلبة، ومعرفة آمال وأحلام وتطلعات الشباب، وذلك من أجل تطوير مواد دراسية يتم تصميمها من المتخرجين من الطلبة بعدد 10 محاضرات لتحقيق رؤيته حول الهند 2020. وفي فترة رئاسته، آمن عبد الكلام بأن الازدهار الاقتصادي للبلاد يتم عبر المعرفة، التي تتطور من خلال الاختراعات والتقنية، وبذلك بدأت خطته العملية لرؤيته ترتسم بوضوح، فلا بد من التطوير التقني لكافة مجالات الحياة، من تعليم وصحة وأمن ودفاع قومي واقتصاد. وكان التحدي في ذلك هو عيش أكثر من نصف سكان الهند في القرى، وتلك القرى تعاني من مشاكل في البطالة والخدمات الصحية والتعليمية، فبدأ بزيارتها وعقد مختلف الاجتماعات لتطويرها، ووضع مؤشر خاص للتطوير في كل منها للمتابعة. وأدرك أهمية الدعم الحكومي لإنجاح خطته، وذلك من خلال قيام البرلمانيين بالتخلّص من القوانين التي تعيق التقدّم، وتعاون الأحزاب السياسية مع بعضها لما فيه خير البلاد، فتصبح السياسة بذلك من سياسية إلى سياسة تطويرية، فتبدأ حينها تلك الأحزاب بالتنافس فيما بينها لما هو صالح البلاد، في مجالات الحياة المختلفة من صحة وتعليم وأمن وغيرها. وهذا لن يتحقق إلا عند إدراك كل شخص مسؤول أهمية تلك التغييرات، والتعاون لأجل تطوير البلاد، فحرص عبد الكلام على إشراكهم في رؤيته من خلال إلقائه للعديد من الخطابات المتعلقة بذلك، وليس ذلك فحسب، وإنما بيّن لهم أهمية تحسين علاقة البرلمانيين مع الشعب من خلال وجود حكومة شفافة وذات مصداقية، وأن يصدق البرلمانيون في وعودهم لهم فيثق حينها الشعب بهم، ويدعم مختلف القرارات والقوانين التي يقومون بإصدارها. وكان لشغفه وفضوله في المعرفة، وإخلاصه في العمل الدور الرئيسي ليقوم عبد الكلام بزيارة أكبر عدد ممكن من ولايات الهند، وذلك ليتعرّف بنفسه على المشاكل التي تعاني منها، ولمناقشة الحلول المناسبة وطرق التطوير مع الخبراء وحتى الأفراد من العامة، ثم عمل على إنشاء الحكومة الإلكترونية e - Government لربط المكتب الرئاسي مع مكتب رئاسة الوزراء وباقي الوزارات، فيسهل عليه جمع المعلومات حول أي منطقة من المناطق الهندية. ثم بدأ بتحسين النظام القضائي لحل مشاكل الناس والقضايا العالقة لتسهيل عملية التطوير، فقام بمبادرة القضاء الإلكتروني e-Judiciary، لإنشاء قاعدة بيانات تعمل على حفظ وتخزين كافة القضايا، ومن وقت تسجيلها إلى البتّ فيها، وبذلك سيكون هناك تسريع في عمليات البحث والاسترجاع وجمع المعلومات، ومعرفة أماكن وتواريخ الجلسات، فيتمكّن القضاة من متابعة كافة قضاياهم، كما سيحقق ذلك الشفافية والمصداقية في كل قضية. ثم ناقش مع الأساتذة ورؤساء الجامعات أسس تطوير المناهج المدرسية والمواد الجامعية، وذلك لتلائم سوق العمل والمهارات التي يحتاجها، وبذلك يُوجِد جيل توظيف قادراً على المساهمة في العملية التطويرية للبلاد. وبيّن عبد الكلام أهمية مساهمة ذلك في تقليل الهجرة من القرى إلى المدن من خلال توفير فرص العمل في كل منها، وتحسين الخدمات في كل قرية، وبذلك تقل المسافة الفاصلة بين المناطق الحضرية والنائية، فلا ينحصر التطوير والعمل في المدن الكبرى فقط. أما بما يتعلق بالتعاون الدولي، تمكّن عبد الكلام من إنشاء منصة المعرفة العالمية أو ما تعرف بـ World Knowledge Platform، وذلك لتبادل المعرفة والخبرات مع الدول الأخرى لما فيه مصلحة الهند. كما تواصل مع الدول الإفريقية لعمل شبكة Pan African e-Network لتبادل الأفكار في كل من التعليم والصحة، ومن الجامعات والمستشفيات الهندية والإفريقية، وتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي بما يتعلق بمجال تحرير الطاقة، وذلك بعد خطاب وشِعر مؤثر ألقاه في الاتحاد الأوروبي عام 2007. بالنهاية، قامت سويسرا بتكريم عبد الكلام، وذلك بإعلان يوم 26 مايو/أيار يوماً للعلوم، وهو اليوم الذي زار فيه البلاد عام 2005، وذلك بعد إعجاب الرئيس حينها بكتابيه India 2020 وIgnited Minds. بذلك، نجد أن عبد الكلام وقبل وفاته عام 2005 قد نجح في تسخير حياته لخدمة بلاده وشعبه، فحرص على زيارة عدد أكبر ممكن من ولايات الهند، ومقابلة الأفراد وجهاً لوجه من مختلف الخلفيات الثقافية والمهنية والعمرية لمعرفة مشاكلهم واقتراحاتهم، وبذلك نجده قدوة للكثير من الرؤساء، وخاصة في المنطقة العربية. ولم يتوقف عن العمل بعد انتهاء فترة رئاسته، إذ استمر في التعليم والقراءة والكتابة، وصدق قوله تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (الملك: 2). بقلم إشراق كمال عرفة
في الوقت الذي تستعرّ فيه مختلف الحملات الدولية والعالمية للقضاء على التطرّف الإسلامي والإسلام بدعوى مكافحة الإرهاب، تزداد الهجمات الانتحارية في مختلف مناطق العالم، مثل بريطانيا وفرنسا وأميركا وألمانيا، وحتى في دول الشرق الأوسط، مما يعني أن مختلف الهجمات التي تشنّها تلك الحملات، والتي تستهدف المناطق العربية، غير قادرة على تحقيق السلام الداخلي والخارجي. والسبب هو أن تلك الحملات تهاجم ما أنتجته أنظمة القمع والاستبداد، والأجدر أن تقوم بالتخلّص من تلك الأنظمة الراعية والحاضنة للقتل والإجرام والثأر والانتقام لتتخلّص من الإرهاب. والإسلام هو الوحيد القادر على تحقيق السلام النفسي والداخلي والعالمي، وذلك لقدرته على تحقيق السلام وضمان استمراريته في علاقة الفرد مع نفسه وعائلته ومجتمعه، وهذا ما سيتم توضيحه في هذا المقال وبظل كتاب (السلام العالمي والإسلام) لسيّد قطب: ففي علاقة الفرد مع نفسه، بيّن سيّد قطب أن الإسلام هو الوحيد الذي يحقق له السلام العقلي والنفسي والعاطفي، وذلك لأنه دين واضح لا لبس فيه، ويدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وبيّن للفرد أن طرق التواصل مع الله هي مباشرة وفي أي زمان ومكان، فلا تحتاج إلى وساطة أحد. كما قام الإسلام بإشباع احتياجات وشهوات الفرد دون تعدٍّ ولا طغيان، ولكنه عمل على تقييدها وكبح جماحها لئلا تستعرّ وتودي به إلى الإدمان والأمراض. فدعاه مثلاً إلى التوازن في المأكل والمشرب، وإلى ضبط النفس وعدم المبالغة في الفرح والحزن، وأن يتوكّل على الله في كل أمر ويرضى بالقضاء والقدر، وذلك من منظور الإسلام إلى أن هذه الدنيا هي دار الفناء، وأن الآخرة هي دار البقاء، إضافة إلى أن الابتلاء هو من حقيقة هذه الدنيا، قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)" - البقرة. أما فيما يتعلق بالسلام في العائلة، فقد حرص الإسلام على أن يكون أساسها المودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)"، ثم عمل على صون هذه العائلة، فحرّم على كلا الزوجين من التبرّج والاختلاط، وأمرهما بغض البصر وحفظ الفرج، قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) " - النور. ولضمان البيئة السليمة لتربية الأطفال، حرّم الإسلام زواج المتعة وأي زواج بعقد محدد، كما لعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذواقين والذواقات، وهم من يتزوجون لأجل المتعة فقط، فالغرض من الزواج هو استمرارية النسل. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم"، ولضمان القدرة على رعاية الأطفال، فرض الإسلام على الرجل النفقة لتتمكن المرأة من رعاية أطفالها والتركيز على تنشئتهم تنشئة سليمة، قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم (34)" - النساء. أما سلام المجتمع، فهو يتحقق عندما تسود العلاقات بين أفراده المودة والرحمة والتعاون على البر والتقوى، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)" - المائدة. قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)" - المائدة. وحرّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاعتداء والطغيان بقوله الشريف: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله)، كما بيّن أن لا تفرقة عنصرية بين أفراده، فقد سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- أي الناس أكرم، فقال: أتقاهم. فالعقيدة أقوى من رابطة الدم مما يمنع من حصول الحقد الطبقي والإجرام الناتج من الظلم والطغيان وانعدام العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والقصاص، قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: (يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله؟ إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). كما حرّم الإسلام الخمر والميسر لما في مجالسهما فرصة للنزاع واللهو عن ذكر الله بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91)" - المائدة. وهناك الكثير ممن يتم ترويعه وتهديده وحتى قتله نتيجة تلك المجالس. وبعد أن يتحقق السلام في الفرد وعائلته ومجتمعه، يتحقق السلام العالمي بنشر هذه القيم لكافة الأمم، وحماية المسلمين من أي اعتداء، والقضاء على أي طغيان يقف في وجه الدعوة وفي إعطاء البشر حق العيش بكرامة وحرية. ولذلك أوجب الإسلام إعداد العدة لتحقيق كل ذلك، ولإعطائه الرهبة المناسبة له وللرفع من شأنه وإعزازه بقوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)" - الأنفال، صدق الله العظيم. بقلم تيفاني وين
لمعرفة كيف سيكون حال ذلك، ولمدة 48 ساعة، حاولت العيش كما يفعل روّاد الفضاء - أي محاولة الالتزام بالنظام الخاص بأعضاء طاقم المحطة الفضائية الدولية أو ما تعرف اختصارا ISS. وتبيّن امتلاكهم ليوم حافل من العمل. لقد استيقظت من النوم، شربت القهوة، أكلت طعاما مباشرة من الحقيبة ولم يكن رائعا، مارست التمارين الرياضية، ثم بدأت العمل. ثم تكرر هذا النمط حتى نهاية اليوم. كما كان علي البصق داخل المرحاض مرتين في اليوم بعد تنظيف أسناني. فاليوم العادي يبدأ على متن المحطة في الساعة السادسة صباحا أو 6:30 GMT أي بتوقيت غرينتش، وهو التوقيت الذي تعتمده المحطة. وكان قد أمضى رائد الفضاء الأمريكي والطبيب كيل ليندغرين 141 يوما على متتن المحطة الفضائية عام 2015. وقال أنه كان يبدأ يومه بالقراءة لملخّص يومي للأخبار، وصفحتين من الملخّص لأخبار اليومين السابقين. ثم ينظّف أسنانه ويتناول الفطور. وفي حوالي الساعة 7:30 صباحا، يقوم كل عضو من أعضاء الطاقم بالتخطيط لتشاور يومي مع مراقب مهمته للتخطيط لبقية اليوم ولطرح الأسئلة. وبقية اليوم يكون جدا حافل - يكن حتى هناك تخطيط لأنشطة في الخمس دقائق-. وخلال اليوم يتم عمل أبحاث، صيانة المحطة، التقاط الصور للكوارث الطبيعية. ثم هناك ساعة لتناول طعام الغداء، وساعتين ونصف لممارسة التمارين الرياضية. وفي الساعة السابعة أو 7:30 مساء من كل يوم، يكون هناك تشاور لتلخيص ما تم عمله خلال اليوم. وبعد ذلك، يملك رائد الفضاء حرية القيام بأي شيء آخر. مثل تناول الطعام ومشاهدة التلفاز والرد على الرسائل الإلكترونية وتصوير الكرة الأرضية. ثم يأتي موعد النوم الساعة 10 أو 11 مساء للتحضير لليوم التالي. وخلال مهمته، كان ليندغرين وباقي أعضاء الطاقم محظوظين كفاية بمشاهدة فيلم رايدلي سكوت قبل إطلاقه على الأرض! وفي خلال يومي في الفضاء، كنت مشغولة في مقابلة الباحثين، قراءة الأبحاث الأكاديمية، وتسجيل الملاحظات لأجل هذا المقال، ومشاهدة الفيديوهات الحديثة التي أنتجتها ISS. وكان أقوى وأفضل جزء من اليوم هو ممارسة التمارين الرياضية لمدة ساعتين. كنت فيها أقوم باليوغا ورفع الأثقال والجري. وممارسة التمارين الرياضية لساعتين على الأقل أساسية لروّاد الفضاء. وذلك لتجنّب الآثار الجسدية بالوجود في جاذبية شبه معدومة. إذ ثبت تسببها بتقليل كثافة العظم، وقوة العضلات وتقليل من كفاءة عمل القلب والأوعية الدموية. ويجب على التمرين في جاذبية شبه معدومة أن يكون خلاقا. فأحيانا يقوم روّاد الفضاء بتصميم أجهزة مقاومة خاصة لرفع الأثقال. وتمكّنا من تطوير نظاما جيدا من التدابير المضادة للحد من تأثير الجاذبية شبه المعدومة، وبالتالي تعديل كمية التمارين لحماية قوة العضلات وكثافة العظام. ولكن هناك بعض العضلات التي لا تتجاوب كالتي يتم ممارستها على الأرض. أما رائدة الفضاء اليابانية ناوكو يامازاكي التي أمضت 15 يوما في مهمة تزويد وتجميع لمحطة الفضاء الدولية عام 2010، فقد أفادت دهشتها باكتشاف مدى قوة الجاذبية الأرضية عند عودتها إلى الأرض. وتقول أنها شعرت بثقل كبير في رأسها، حتى أنها وجدت صعوبة في مسك الأوراق لثقلها! وبالرغم من قدرة ناوكو على المشي بعد ساعة من العودة إلى الأرض، هناك من لا يستطيع التأقلم على الجاذبية الأرضية إلا بعد مرور أسابيع وحتى أشهر. وفي السنوات الأخيرة، ركّز الباحثون اهتمامهم على كيفية تسبب انعدام الجاذبية الأرضية بفقدان حدة البصر لدى روّاد الفضاء. إذ أفاد الروّاد بتغير في الرؤية. وهو أمر بالغ الأهمية، ولكن الأسباب لا تزال مجهولة. وبما أن انعدام الجاذبية تسبب في سحب سوائل الجسم للأعلى، يرى بعض الخبراء أن زيادة الضغط حول العينين قد يكون المسبب لضعف الرؤية. ويمكن لسحب تلك السوائل أن تؤثر حتى على حاسة التذوّق. طعام الفضاء بالنسبة لي، كان طعام الفضاء أصعب شيء واجهته. هناك ثلاثة أصناف من الطعام على متن المحطة الفضائية الدولية: طعام مطهي في سائل يتم تسخينه، طعام مجفف يتم تسخينه في الماء، والأطعمة الجاهزة في تغليف خال من الهواء يتم تناولها مباشرة كما هي. وتمكّن روّاد الفضاء من النجاح في زراعة النباتات في الفضاء. ولكن لا يزال القدرة على إنتاج محاصيل على نطاق واسع بعيد المنال. وبما أنني لم أتمكن من تناول طعام الفضاء، قمت بالمرور في المتجر القريب من منزلي وشراء الأطعمة المجففة. ولكن كان لمفاجأتي أمرا صعبا. فلم أتمكّن من تصميم قائمة بالوجبات تكون مرضية لي ليومين، أو التوقّع بما سأرغب في تناوله. فبعد مرور اليوم الأول وجدت نفسي أشتهي الأطعمة الطازجة، فتخيّلوا تكرار ذلك لعدة أشهر. وتبيّن أن هذا من ضمن الأمور العصيبة التي تثير قلق العلماء. فالخبراء غير قلقين فقط من التأكد من وجود طعام كاف وصالح للأكل خلال مهمة ما إلى كوكب المريخ مثلا، ولكن معرفة كيف يمكن زيادة احتمالية أن ينال الطعام إعجابهم. إذ يزداد هذا الأمر أهمية عندما يكون الإنسان محتجزا، وذلك بحسب غرو ساندل بروفيسورة علم النفس، والتي كانت الباحثة الرئيسة في Mars500 وهي رحلة محاكاة إلى المريخ تم عقدها في روسيا وبالتعاون مع الصين ومنظمة الفضاء الأوروبية. وأفادت أن بعض أعضاء الطاقم كرهوا الطعام لدرجة قلق فيها الباحثون بأنهم سيضربون عن الطعام وأن عليهم التدخّل بتقديم خيارات جديدة. وتبيّن أن رغبات رجال الفضاء تتغير بما يتعلّق بأصناف الطعام المرغوبة، إضافة إلى تغيّر حاسة التذوّق لديهم. . وكان أحد الحلول لذلك إرسال شحنة طعام بعد أو قبل وصول روّاد الفضاء، ولكن يبقى أمر استساغته غير مؤكدا. وعلى متن المحطة الفضائية، أصبح الطعام كالعملة الاجتماعية وطريقة للتآلف مع أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة. وذلك بتناولهم للطعام مع بعضهم البعض، مما يساعدهم على التواصل بشكل أكبر وأفضل - وكانت المجلة قد عرضت الفوائد النفسية والجسدية والروحية لتناول أفراد العائلة طعامهم مع بعضهم البعض في العدد الثالث من المجلّد الثاني-. ويتمكّن روّاد الفضاء من إعداد وجباتهم المفضلة بمجرّد وصولهم إلى سطح المريخ، ومن خلال المواد التي يتم إرسالها لهم مسبقا. كما ويتم العمل على إعداد كتاب طبخ بوصفات مبتكرة خاصة لإعدادها خارج الكرة الأرضية. وبالنسبة لي، فإنني قدّرت أكثر الهواء الصافي على الأرض والطعام الطازج. ولن أقوم بالمشاركة مرة أخرى في أية رحلة فضائية! |
Archives
November 2018
Categories |