عندما كان ابني في الحضانة في منتصف التسعينيات العام الماضي، اشتركت مع زوجي في محاضرة عن الأهل حول الأطفال النشطين في جامعة واشنطن. وبالرغم من خلو المحاضرة في موضوعها عن الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنّه تم اختيارنا لأن ابننا ينتمي إلى طيف التوحّد. وبالإضافة إلى تعلّم مهارات التربية الإيجابية، تم تشجيعنا على الاستماع إلى أطفالنا. لقد كرر المحاضر جملة (استمعوا إلى أطفالكم) حوالي مئة مرة. وتململت الأم الجالسة بجواري قائلة: (حسنا، ولكن ابني لا يتكلّم!). وافقتها أنا أيضا. فابني أندرو لا يتكلّم. وبالرغم من قدرتي على فهم بعض الكلمات، كان التواصل معه محدودا بإيماءات وبكلمات معدودة. وكنت أحاول جهدي أن أكون أما مثالية، إلا أن الحقيقة أنني كنت مذعورة وأكثر من محبطة. قررت في ذلك اليوم مراقبته وهو يلعب. ولاحظت أن الألوان البرّاقة تؤذي عينيه، وأن الموسيقى يجدها حادة على أذنيه. ومع مرور الأسابيع، بدأت بمراقبة الأطفال الآخرين ممن حضروا إلى محاضرة الأهل. أحدهم كان موسيقيا، لقد كان يتمكّن من إصدار نغم جميل من قرع مقالي الطبخ وهي مقلوبة. وأحد الأطفال كان يرتدي قبعة البناء ويحمل فوق رأسه طائرة بلاستيكية. كان يركض في الغرفة وهو فارد ذراعيه في محاولة منه للطيران. قال والداه أن جدّه كان طيّارا. وارتدى ابني ثوبا. في المنزل، كان أندرو يسحبني إلى عالمه الخيالي. والذي كان مليئا بالأبطال الخارقين. قابلت ديناصورا متكلما اسمه ريكس، ودبا محشوا يملك ذراعا معدّلة صاروخية، وعربة حمراء يمكنها الطيران. أحببت أن أكون جزءا من عالمه، وأن أكون الجزء الوحيد الحقيقي في عالمه غير المتوقّع. جعلني ذلك أشعر أنني مفيدة وفخورة قليلا. وبالرغم من عدم ارتدائي للثوب، إلا أنني كنت واحدة من أبطال أندرو الخارقين. ولكن عندما أحضر زوجي دجاجة من إحدى المحال، تغيّر عالمنا بشكل كامل. لقد شهد ذلك اليوم أول محادثة يجريها أندرو - ولكن ليس معي. لقد كان يحاور تلك الدجاجة التي سمّاها فرايتفل-. وأخبرني أنها صديقته الجديدة، وأنها تفهم مشاعره. لقد كانت هذه المرة الأولى التي يحدثني فيها بتلك الطريقة. وعندما يتحدّث إلى فرايتفل، تكشف كلماته عن أماله وأحلامه. وكانت دجاجته تحشر نفسها في كل مكان. وكانت تحب أن تدخل معطفه وتُخرج رأسها من أعلى السحاب. وعندما كان يحمل فرايتفل، علمت أنه تم استبدالي، وأنني لم أعد أحد أبطاله الخارقين. لقد أخبرني أندرو أنني لست مثيرة للاهتمام كما هي الدجاجة. والأسوأ أنني لم أقم باللعب بحسب قوانينه. فعندما كنت أطلب منه النظر إلى عيني، كان يخبرني أن ذلك يسبب له الألم. وعندما أردت مسك يده، كان يخبرني أن ذلك قريبا جدا. وكنت أشجعه على اللعب مع بقية الأطفال، إلا أنه كان يشعر بأنه شيء مستحيل. وعندما سألته لماذا، أجابني: أنت لا تفهمين! إلا أن الطائر الصغير تمكّن من فهمه. فعندما يتكلّم، كانت تلفت له رأسها. وكانت تحط على كتفه، تاركة له حرية لمسها، وكانت تغني له في أذنه وتخبره أنه صديق كاف لها وأنه مثالي كما هو. وكان أندرو يغني لها قائلا: أنت طيري، أنت تجعلينني أشعر بأمان. وكانت الدجاجة على نحو ما تفهم ما يقوله. لقد تمكّنت الدجاجة من أسر قلب ابني. أخبرني أندرو في أحد الأيام: - إن دجاجتي خائفة فسألته: - ما الذي تعنيه؟ - إنها تخاف من الفسحة. الأطفال الآخرون لا يفهمون ذلك! لقد كانت تلك اللحظة التي أردتها لأكون له إنسانا بجانبه. فأخبرته أن هناك مليون طريقة لتعيش بها في هذا العالم، وأن طريقته كانت في التواصل اجتماعيا مع تلك الدجاجة. فهناك أطفال يتم فهمهم من قبل أطفال آخرين، ويلعبون مع بعضهم بسهولة. وهناك أطفالا يتواصلون ويتم فهمهم من خلال أصدقائهم الحيوانات. ولا يوجد هناك طريقة صحيحة وأخرى خاطئة. هو مجرّد اختلاف بين الأطفال. وعندما قمت بتذكيره أنه ليس الحالة الوحيدة، اقترب ليمسك يدي، وعندها أدركت أنني عدت بطلته الخارقة. وفي نهاية محاضرة الأهل، عدت مع زوجي مع مجموعة كبيرة من المواد العلمية تسمى دليل الأبوة والأمومة الإيجابي. وكان فيها نصائح حول التخطيط التحفيزي، ولواصق، ومعلومات حول التعزيز الإيجابي. وفي الوقت الذي تعد فيه استراتيجيات جيدة للأهل، فكل ما أتذكره هو أن الناس تتكلم دون كلمات. فاللغة هي التواصل عبر التصرف. فعلينا أن نستمع بكافة حواسنا. ففي الوقت الذي نستمع فيه لأطفالنا بقلبنا، حينها نعرف أننا نستمع بشكل جيّد. مضت الآن 12 سنة، ولا يزال ابني يتكلّم مع الدجاج أكثر مني. وأحيانا أسمع كلمات يشاركها ابني بشكل انسيابي مع أصدقائه الدجاج، ولكن أصبحت أستمع بشكل أكبر لتصرفاته. ففي الوقت الذي أستمع فيه جيدا لأندرو، حينها أكون قادرة على حبّه كما هو. بقلم إشراق كمال عرفة مع انتشار العولمة واختصار المسافات، ازدادت التجارة والصناعة، ويتوقّع الخبراء حلولاً ثورة صناعية رابعة تستحوذ فيها الآلة على الكثير من وظائف البشر، وبذلك ستتحول مشكلة الندرة إلى الوفرة مع انخفاض التكاليف الناتجة عن ذلك، وهذا ما يشهد تبعاته الغرب الصناعي من ارتفاع في نسبة التلوّث، وانتشار الأمراض الناتجة عنه كالربو والسرطان. وبدأ كل من الأفراد والحكومات في الغرب باستدراك خطورة تلك التبعات، وأبرزها الاحتباس الحراري الناتج من التلوّث، ففي مؤتمر باريس عام 2015 تعهدت الدول بتخفيض نسبة انبعاث غازات الكربون في كل منها، ولتحقيق ذلك بدأوا بتطوير التقنية للمساهمة في حل مشكلات التلوّث. فنجد قيام الشركات العالمية بالاستثمار في الطاقة المستدامة لتنتج طاقتها الخاصة، مثل شركات جوجل وأبل والفيسبوك. وفي إحدى تقنيات "إنترنت الأشياء"، تعمل الملابس التي يهملها صاحبها داخل دولابه، بالتواصل مع الجمعيات الخيرية لاستلامها، ولتحقيق ذلك تم تطوير لواصق خاصة بالألبسة لجعلها قادرة على (التكلم والنداء)، وأفاد صاحب الفكرة بأنه أراد باختراعه هذا الحدّ من جشع أصحاب معامل الألبسة وما ينتهجونه من أساليب مجحفة بحق العاملين فيها، ولحماية البيئة بإعادة استخدام تلك الملابس، ولزيادة وعي المرء بما يملكه للحدّ من قيامه بشراء المزيد منها. كما بادرت الكثير من المحلات الأميركية برفض شراء الملابس الصناعية الرخيصة، وذلك لمنع التضخم ولحماية البيئة من توابع تصنيعها. وساهم العلماء في الحدّ من التلوّث بتصنيع أغلفة عضوية صالحة للأكل، وذلك لحل مشكلة ارتفاع نسبة مخلّفات الورق والبلاستيك للوجبات السريعة ومن مختلف المطابخ والمطاعم، فيتمكّن الإنسان من تناول الوجبة مع غلافها، وعملوا على تطويرها من الكيسين، وهو بروتين موجود في الحليب مفيد للجسم وليس فقط صالحاً للأكل، كما سيعمل على زيادة جودة التخزين وبشكل سيتفوّق فيه على التغليف البلاستيكي بـ250 مرة. وقام المهندسون ببناء ممرات للمشاة وللدراجات الهوائية وحتى الشوارع من خلايا شمسية لإنتاج طاقة الإنارة كما في باريس وهولندا، وبنى آخرون أشجاراً من ألواح شمسية لذات الهدف كما في "شجرة الطاقة" بالهند. ولكن نجد في المقابل تسابق الدول العربية في إقامة مختلف المولات والمهرجانات التي فيها تستعر شهوة التسوق، فنشهد تضخماً في استهلاك الملابس، والأثاث وإكسسوارات المنازل والديكور وحتى أدوات المطبخ والبلاستيك وألعاب الأطفال، إضافة إلى انحدار في التوعية والتربية البيئية في المساجد ومختلف المدارس والجامعات والمؤسسات والشركات. لقد حان الوقت لننقذ ما تبقى من إنسانيتنا، والمساهمة في حماية كوكبنا. ولعلّ البداية تكون بإدراك أن السعادة تأتي مع مشاركة الأنشطة مع الآخرين ومساعدتهم، وليس بشراء المزيد من الأشياء المصنّعة. ثم البدء بعقد مهرجانات لإعادة التدوير وإغاثة المسكين، فينطلق الأفراد من أجل التعاون في البرّ والتسابق في منح المساعدات لا للتفاخر والشراء. ومن جانب آخر، على الحكومات البدء بتفقّد المصانع وتفعيل معايير الصحة والسلامة ومراقبة طرق تصريف مخلفاتها، وتشجيعها على التحوّل من صناعات استهلاكية قصيرة المدى إلى ما يفيد البشر من زراعة لمختلف المحاصيل الغذائية، واعتماد مواد صديقة للبيئة، إضافة إلى قيامها بتسهيل مشاريع استثمار الطاقة المستدامة من شمس وهواء وماء. فنحن الآن بحاجة إلى ثورة حقيقية للحدّ من انتشار الأمراض التي تفتك بشبابنا، وتبدد أحلامنا، وتعيق دورنا في الخلافة على هذه الأرض! |
Archives
November 2018
Categories |