بقلم مايكل ويس و حسن حسن أصبحت الحرب في سوريا الآن مباشرة أكثر مما كانت عليه قبل سنتين. فأصبحت البلاد الآن موجودة كاسم فقط. فسياسة الإبادة الجماعية التي يتبعها الرئيس بشار الأسد في دمشق، وما لحقها من التدخلات الخارجية المتناقضة مثل روسيا وتركيا وإيران وأمريكا، وإنشاء كل من هذه البلاد منطقة خاصة بها داخل البلد الممزق، تسبب كل ذلك بتحويل المنطقة إلى بؤرة صراع لا نهاية لها، وبأسوأ كارثة في القرن الواحد والعشرين؛ إذ تم قتل نصف مليون سوري وجرح أكثر من مليون آخر، وتشريد 11 مليون، أي بما يساوي نصف الشعب. وعلى كل حال، يوجد هناك نافذة صغيرة كفرصة للإدارة الأمريكية القادمة لتحقيق الحد الأدنى من الأهداف المحددة، مثل: هزيمة تنظيم الدولة، ضمان عدم عودتها، والتأكيد على أن منافستها ”القاعدة“ لن تستغل الفراغ في السلطة عند انهيار التنظيم. واستنادا إلى أشهر من المقابلات التي تم إجرائها مع رموز المعارضة السورية، والمنشقين من تنظيم الدولة، ورجال القبائل العربية من السنة، والمصادر العسكرية الأمريكية، وموظفي الاستخبارات، فإننا نؤمن بضرورة وكجزء من هذه الخطة، الإبقاء على حاميات صغيرة أمريكية وبلا أجل محدد في كل من شرقي وشمالي سورية إضافة إلى غرب العراق. وهذه ليست مبالغة كما قد تبدو! فبحسب مصادر الجيش والاستخبارات الأمريكية، تم استخدام أربع وحدات من قبل التحالف لمكافحة تنظيم الدولة وبشكل علني أو شبه سري. وسيتطلب تطوير تلك المواقع كمرساة في المنطقة من القوات الأمريكية، القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية في مختلف المناطق، كالجزيرة وما بين النهرين والسهول القاحلة التي تمتد عبر شمال غرب العراق وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا. لقد أصبحت الجزيرة في هذا القرن ملاذا للخطر وحاضنة له تحت مجموعة من الأسماء. مثل القاعدة في العراق والدولة الإسلامية في العراق والشام، وتنظيم الدولة، وجميعها عملت على قض مضجع الأمن القومي الأمريكي لأكثر من عقد من الزمان. وتتميز ساحة المعركة في الجزيرة بالتعقيد وليس بصعوبة الفهم. فالهدف الرئيسي لأمريكا هو القضاء على تنظيم الدولة، ثم حماية القوات المحلية ممن نفذوا الحملة بدعم منها، ومنحهم ما يكفي من الأمن ليتمكّنوا من إعادة بناء حياتهم في المناطق التي سيطروا عليها. وكان قد تعهّد نظام الأسد باستعادة كامل سوريا، ولكنه بمجرد شعوره بالأمان في منطقته، فإنه من المستبعد أن يعمل على صرف موارده اللازمة لتحقيق ذلك. كما لن يكون لكل من روسيا وإيران أي رغبة في استكمال مثل هذه الحملة. وبالاحتفاظ بقوات أمريكية في المنطقة، سيوفّر حاجزا موثوقا لمساعدة ودعم مقاتلي مكافحة التنظيم، وفي ردع أي قوة من نظام الأسد على استعادة المناطق التي خسرها. فبرأينا أن الاستسلام لنظام الأسد واستعادته للمناطق التي لم يفعل فيها أي شيء للقضاء على تنظيم الدولة فيها، من شأنه أن يحفّز على المزيد من الإرهاب وتبديد المكاسب التي تحققت على مدى السنتين والنصف الماضية. فما نقترحه هنا لن يكون بأي شكل من الأشكال مشابه للاحتلال الأمريكي للعراق، ولن يتطلب التزاما جديدا هائلا على أمريكا من توفير القوة الباهظة. كما لن يكون لذلك أي علاقة بمفهوم بناء الدولة الذي كشف عنه دونالد ترامب منذ فترة. وإنما سيعمل على زيادة عدد الانتصارات أرض المعركة التي تحصل حاليا. ومن المعروف وجود التحالف الحالي ضد تنظيم الدولة. وبالتالي فإن ما حصل في العراق نتيجة انسحاب القوات الأمريكية عام 2011 لا يمكن أن يتكرر في دولة آخرى. وبعكس الحكمة التقليدية، فإن استراتيجية مكافحة الإرهاب ستكون في وقت مناسب نظرا لطبيعة أرض المعركة في سوريا المنقسمة. وبكلمات أخرى، يمكن تقسيم سوريا الآن إلى أرباع مختلفة: الجنوب، الغرب، مقاطعة حلب وإدلب، وسوريا الشرقية. 1. الجنوب وفيها مقاطعة درعا والتي اندلعت منها الثورة ضد نظام الأسد عام 2011. وأصبح الآن خط المواجهة بين المعارضة والنظام هادئا. ولدى جيران سوريا، إسرائيل والأردن، الرغبة في إبقاء هذه المنطقة خالية من القاعدة وتنظيم الدولة. والدليل هو الإبادة البرية السريعة التي قامت بها إسرائيل للقضاء على الجهاديين التابعين لتنظيم الدولة ممن تسللوا إلى هضبات الجولان. كما أن الداعمين الإقليمين للمعارضة في درعا والذين يعملون مع الأردن، كالسعودية والإمارات يملكون هدفا مماثلا. جميعهم يريدون منع المتطرفين من السيطرة على الجنوب. 2. الغرب تبدأ حدود هذه المنطقة بمحاذاة الجانب الشرقي من سوريا، والتفافا على الحدود اللبنانية، وارتفاعا من درعا إلى دمشق إلى شمال اللاذقية وحلب الغربية. 3. مقاطعة إدلب وحلب وهي مسرحا لمناطق يحكمها الإسلاميون والقوميون الجهاديون. وكان أن تم استهداف فصائل الجيش الحر المدعوم من الاستخبارات الأمريكية من قبل النظام وروسيا. وإلا فإنها ستصبح في موقف ضعيف جدا لتكون تحديا خطيرا لخصومهما. وكل من القاعدة وجبهة النصرة وجبهة فتح الشام مشغولة في بناء البنية التحتية وتنشئة المخلصين لها وخاصة مع تقلّص تنظيم الدولة. وكان قد تم استعادة شرق حلب شبرا شبرا من قبل النظام والحملة الروسية التي تمثلت بالتجويع أو الاستسلام رافقها قصف جوي عنيف. وبالتالي، ما تبقى من المعارضة المسلحة تم إضعافه أو حشره أو دفعه للتطرف. وتعد تركيا - حليفة أمريكا في الناتو- العامل الرئيس لتمكين الإسلاميين في الجزء الشمالي الغربي من سوريا. فعلى سبيل المثال، ساعدت تركيا أحرار الشام على السيطرة على مناطق أكثر قربا من الحدود التركية. وعملت على توفير مساعدات هائلة لها، من مالية ولوجستية وتكتيكية لتبقى قوية وقادرة على صد النظام. حتى أن أحرار الشام كانت قد وافقت على تدخّل تركيا في محافظة حلب. وذلك من أجل منع التوسّع الكردي وبشكل أكثر من دحر تنظيم الدولة. 4. شرق سوريا وتعد قلب الجزيرة. والمكان الذي فيه قادت أمريكا قوات التحالف في حرب وحشية ضد تنظيم الدولة. على إدارة ترامب النظر إلى الصراع في سوريا من هذه النظرة التفصيليلة. فالحلول المقدمة من المحللين اليوم لوقف الحرب تتجاهل الظروف الفريدة للمناطق المختلفة لسوريا المفتتة، فهي تنظر إلى سوريا الآن كما لو كانت سوريا 2012. ولكن ما ينفع في الشرق لن يكون حلا في الشمال الغربي. والحل الذي ينجح في الغرب لن يكون له أي أثر في الساحل وفي مركز النظام. فعلى أميركا استعراض جنوب وشرقي سوريا كعنصر جغرافي أساسي في استراتيجيتها لمكافحة المتطرفين. وليس فقط في سوريا وإنما في العراق أيضا. وذلك لحماية أهم حليفتين لها في المنطقة وهما الأردن وإسرائيل. كما يجب أن يكون العمل في المناطق الجنوبية والشرقية مع حكومة محلية شرعية، والاعتماد على مجالس المحافظات التي ظهرت في السنوات الخمس الماضية والتي من خلالها تم تمويل كتلة (أصدقاء سوريا) كحكومات انتقالية. وتمكّن التحالف الذي تقوده أمريكا من السيطرة على حوالي 40-50 بالمئة من مساحة البلاد، وهو رقم يصعب على نظام الأسد ووكلائه الروسي والإيراني على المناورة فيه. أما المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، فإن نظام الأسد يسيطر منها على مناطق استراتيجية في دير الزور وعلى المطار الرئيسي. ولدى أمريكا وحلفائها الغربيين القدرة على وضع طريقة لإدارة تلك المقاطعة إضافة إلى كامل الرقة، وذلك بمجرد القضاء على أتباع تنظيم الدولة. وتتطلب استراتيجية إنشاء منشأة أمريكية أمنية قواعد تشغيل لتتمكن من إطلاق مهمات قيادة العمليات الخاصة المشتركة، وبالشراكة مع جهات محلية موثوقة تم تدريبها لمحاربة المتطرفين. ولن يحقق ذلك ضمان استمرار وجود الاستخبارات الأمريكية في المنطقة وحسب، وإنما دافعا نفسيا لدى الجهاديين من العرب السنة للعمل مع أمريكا إلى أجل غير مسمى. ولكن ماذا عن العراق؟ لقد كانت أجزاء كبيرة من العراق والتي تقع في خارطة الجزيرة مسرحا لصراع وحشي، على الأقل عندما احتلتها أمريكا في 2003. وكانت الحدود بين العراق وسوريا منفذا لسيل غير منتهي من الجهادين بينهما. وكان المدخل من الحسكة إلى نينوى والرقة دير الزور إلى الأنبار ما سمح لتنظيم الدولة في اجتياح العراق في 2014، محتلة ثلث العراق، والتي من أجلها أنفقت أميركا مليارات من الدولارات لبناء دولة ديمقراطية من بعد صدام حسين. ولكن بدلا من ذلك، يبدو أن إيران تستحوذ الآن على العراق وبشكل متزايد. ويتورّط جنودها في الحرب على تنظيم الدولة بنفس عمق التورّط ضد البنتاغون. وبغياب الرقابة على الأرض التي استثمرت فيها أمريكا على مدى 13 عاما، أصبحت مصالحها في العراق تحت رحمة قائد الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني ونوابه. وكان أن تم تجرية استراتيجية محدودة في الجزيرة عام 2013، عندما كانت أمريكا لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية لها على طول الجانب العراقي من وادي نهر الفرات. وكانت تحت مسمى OPDAN أو عملية هزم القاعدة في الشمال. وكان العنصر الرئيس فيها هو سحب مشاة البحرية الأمريكية شمالا من نهر الفرات إلى الجزيرة. موسعة بذلك أرض المعركة على طول الطريق من الشمال إلى المدن العراقية من سنجار وبعاج وتلعفر في محافظة نينوى. وبالتالي كان الأمريكان قادرين على عبور نهر دجلة والتركيز على الموصل دون الحاجة إلى القلق على المنطقة الحدودية في 2008-2009، إلى أن غادرت البحرية في 2010. ثم انسحاب الجيش الأمريكي بشكل كامل من العراق بعد ثلاث سنوات، مسببا بذلك زوال نجاح عملية OPDAN. والدرس الذي يجب تعلمه هنا أنه بغياب الرقابة الدائمة وآلية لمنع التسلل عبر الحدود، سيبقى احتمال ظهور تنظيم دولة بشكلها الحالي أو بشكل جديد، وستعمل على مطاردتنا مرة أخرى بعد انتهاء الحرب. وفي السنوات القليلة الماضية، كنا قد تحدثنا مع العديد من زعماء القبائل في كل من سوريا والعراق. وبينوا أن الخوف بين السنة هو تخلي أمريكا مرة أخرى عن حربها ضد الجهاديين بمجرد خروج تنظيم الدولة. وهذا ما جعل المحليين يقاومون الجهاديين وينضمون إلى جهود أمريكا في محاربتهم. ويقول ضابط الاستخبارات الأمريكي المتقاعد مايكل بريجينت الذي خدم في العراق: ”يتم منح الثقة عند التواجد بقرب وباستمرار. فسؤال السنة القيام بأمور صعبة بدعم أمريكي مؤقت سيؤدي إلى عدم الاستقرار. فالقاعدة الدائمة تتطلب بناء الثقة التي يحتاجها السنة لهزيمة تنظيم الدولة ولرفض أي شكل مستقبلي من التنظيم الإرهابي“. وقام البنتاغون بتعيين جنود في أربعة قواعد في منطقة الجزيرة. اثتنان منها دون إذن الحكومة السوريةـ واثتنان بإذن العراق. وتمكنوا في سوريا من الاستيلاء على مطار رميلان في محافظة الحسكة، وبذلك تضاعفت المساحة لتستوعب طائرات C-130 لنقل الجنود والعتاد للمتحالفين من القوات السورية الكردية الديمقراطية. وبحسب إحدى التقارير قامت قوات عمليات بريطانية وأمريكية خاصة بتدريب مقاتلين عرب سوريين لمحاربة تنظيم الدولة في مخيم التنف جنوب شرق سوريا. أما العراق، فلا يزال المدربون الأمريكيون موجودين بموافقة بغداد، وذلك في مطار Q الغربي في القيارة. وهي مدينة تبعد 16 كم غرب نهر دجلة والتي تمكّن تنظيم القاعدة من الاستحواذ عليها في يوليو العام الماضي. كما يعمل الأمريكيون خارج قاعدة الأسد الجوية في محافظة الأنبار. وهو مكان مجهّز بشكل جيّد تمكّن من استقبال سلاح الجو في 2007. وبالنظر إلى الدور الذي لا غنى عنه للقوة الجوية الأمريكية والفرق العسكرية العراقية في استعادة المناطق من تنظيم الدولة منذ 2014، فإن هناك فرصة للإدارة الجديدة للتفاوض على استئجار تلك المنشأتين مع حكومة العبادي. وكان الجنرال جيمس ماتيس الذي عينه دونالد ترامب في منصب وزير الدفاع الأميركي الجديد، قد دعم فكرة الوجود العسكري الدائم داخل العراق عندما خدم في الإدارة الأمريكية السابقة. وتم إعلامنا بشكل خاص أنه لا يزال على ذلك في منصبه الجديد. ونحن نرى أنه كشخصية تنال كل الاحترام في بغداد، ومع منصبه الجديد، عليه البدء بالمشاورات على استئجار المنشأتين، وحالا. ماذا عن الأكراد؟ في الحقيقة يريدون منطقة خاصة بهم تتمتع بحكم ذاتي. يريدون بلدهم الخاص. ولكن تركيا مصرة على منع حصول ذلك. وفي تلك الأثناء، قام الأسد بالعمل مع وضد الأكراد بحسب مصالحه. وبالتالي فإن عمل أمريكا مع الأكراد كمقاتلين قادة لمحاربة تنظيم الدولة في المنطقة قرب الحدود التركية لا يزال إشكالا حتى الآن على أقل تقدير. وجزئيا، نحتاج إلى الاعتماد على المخيّلة الدبلوماسية للتفريق بين محاربي تنظيم القاعدة، ووحدات حماية الشعب الكردستاني PYD من مقاتلي حزب العمال الكردستاني PKK الذين أعلنوا الحرب على الحكومة التركية. والحقيقة أن كل من وحدات حماية الشعب الكردستاني ومقاتلي الحزب العمال الكردستاني لا ينكران أنهما من ذات المنظمة. كما أن العديد من الفصائل المدعومة من أمريكا التي حاربت في سوريا، حاربت أيضا في تركيا. وتعد القاعدة الأمريكية في رميلان في قلب حزب الاتحاد الديمقراطي، وتسمى بكردستان السورية. وفي بناء منشأة هناك، ستضمن أمريكا الحكم الذاتي للأكراد، وأيضا كعامل مقيّد لطموحاتهم الجامحة. وهناك الحاجة أيضا إلى بناء منشأة أخرى في الصحراء بين سوريا والعراق في منطقة القيم وبوكمال الموجودتان على كل جهة من الحدود بين البلدين. وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت برنامجا فاشلا لطرد تنظيم الدولة من بوكمال بالاستعانة مع خريجي الجيش السوري الجديد ممن تدربوا في التنف. لقد تم إخبارنا من قبل مصادر رفيعة المستوى في الحكومة الأردنية بأنهم فشلوا لأنه بعد أشهر من التخطيط للعملية تم رفض دعم جوي أساسي لهم في اللحظة الأخيرة من قبل جنرال أمريكي. كما كان الفريق الذي تم استخدامه للعملية صغيرا جدا. وكان أن أفاد تنظيم الدولة أن التراجع المؤقت إلى الصحراء هو أحد استراتيجياته. وقبل خمس سنوات سمحت تلك المناورة للقاعدة في العراق على إعادة تنظيم نفسها ورسم عودة تاريخية لها. ولتجنّب مثل هذه الخطوة، يجب بناء مختلف التحالفات والقواعد في المناطق التي نقترحها. يقول الملازم الأول ريك فرانكونا ملحق الجوية الأول في السفارة الأمريكية في دمشق أن القوات الأمريكية مدرّبة ومجهّزة لبناء مثل هذه القواعد أو لتوسيع الحالية. وأضاف أنه بغياب الالتزام الأميريكي بالتواجد في هذا الجزء من سوريا، ستكون فرصة الاستقرار ضئيلة أو أن يبقى الوضع كما هو. فالفصائل العاملة هناك والمختلفة سوف تتنافس فيما بينها وستتقاتل. وهذا الوجود من شأنه أيضا المحافظة على السلام بين حلفاء أمريكا المتناحرة التي ستندلع بينها مختلف الحروب عند هزيمة تنظيم القاعدة أو حتى قبلها. كما ستتشجع الدول السنية في الخليج برؤيتها لقاعدة أمريكية صلبة على الأرض، وسيهدئ ذلك من مخاوفها من قيام أمريكا ببيع المنطقة لإيران. فعلى أمريكا ألا تنتظر الجدول الزمني الذي وضعه الأسد وبوتين وآيات الله خامنئي قبل أن تنشئ وجودها على الأرض، والتي تسمح هيمنتها العسكرية في الشرق على ذلك. يمكن التنبؤ ببعض الأمور في الشرق الأوسط. منها أن كل استراتيجية فيها ترتبط باستخراج النفط من أراضيه. فليكن كذلك! وتعد الجزيرة أكثر مناطق سوريا غنية بالبترول. وهذا يعني عمليا تعزيز المكانة الاقتصادية والسياسية تلقائيا للمجتمعات فيها مقارنة مع بقية سوريا. إضافة إلى منح المعارضة السورية ورقة رابحة لها مستقبلا في جنيف. وبالرغم من وعود الأسد باسترجاع كل شبر من سوريا، إلا أنه لن يستطيع ذلك مع وجود الدبابات التركية في ريف حلب وتواجد القوات الأمريكية الخاصة مع المليشات الكردية والعربية في الشمال والجنوب، على الأقل دون فتح حرب مع أقوى جيشين في الحلف الأطلسي. فالاختيار ليس بين بقاء أميركا في سوريا أو خارجها. وإنما أن تبقى أمريكا أو أن تُجبر على العودة. بقلم إشراق كمال عرفة من منّا لا يريد الأفضل لأولاده؟ فنسعى إلى أن نوفر لهم أفضل متطلبات الحياة من طعام وشراب وكساء وعلاج وتعليم، ويقوم الكثير منا باتباع كل وسيلة متاحة وممكنة وحتى شبه مستحيلة لتحقيق ذلك، فنجد من يغترب بعيداً عنهم، وآخر لا يتمكّن من العودة إلى المنزل إلا في الإجازات الأسبوعية، وثالثاً يعمل في أكثر من وظيفة، وغيره يتحمّل مختلف أنواع الضغوط النفسية والجسدية في عمله. كما أصبحت الكثير من الأمهات مجبرات على العمل لتحقيق ذات الهدف، فيضطررن إلى ترك أولادهن في السنوات الأولى من عمرهم للالتحاق بدوام العمل، ويغيب معظمهن عن أولادهن طيلة النهار، مما يجعل الكثير منهن غير قادرات على رعايتهم وعلى متابعة دراستهم وحل مشكلاتهم والاهتمام بشؤون المنزل. وأذكر هنا إحدى الرسومات الكرتونية الساخرة التي سلّطت الضوء على ذلك، وفيها يرجع الابن من السفر متلهفاً لعناق العاملة المنزلية الأجنبية بدلاً من أمه محدّثاً إياها بنفس لغتها التي لم تفهمها أمه، فهذا الاهتمام الكبير بتوفير مصاريف الأولاد من كلا الوالدين يجعلهما غافلين عن رعاية الجوانب الأخرى لهم، التي هي أساس تنشئتهم وإعدادهم لمواجهة الحياة، ولبناء مستقبلهم. وتزداد صعوبة تربية الأبناء ومساعدتهم على النجاح في الاستقلال والاعتماد على أنفسهم مع زوال العائلة الممتدة، فالطفل في السابق كان يعيش العادات والتقاليد وثقافة العائلة من خلال وجود الجد والجدة والأعمام والأخوال في نفس المنزل، كما كان يتشرّب منهم الإرث الذي يميّز كل عائلة عن أخرى، كالحرف والمهارات، فيميل الطفل حينها إلى اتباع ذات المجال؛ ليكون نجاراً أو حداداً أو مزارعاً كأبيه وأعمامه وأجداده، ضامناً بذلك مستقبلاً قادراً فيه على إيجاد لقمة العيش، ومتخلّصاً بذلك من شبح البطالة الذي يلاحق الكثير من أصحاب الشهادات الأكاديمية في المدن، فيصبح قادراً على بناء عائلته الخاصة، ورعايتها عن قرب. ولهذا السبب نجد في بعض القبائل التي تمكّنت من الصمود ضد الزحف الصناعي أخلاقيات وكرماً لدى أبنائها أفضل مِمن يعيش في المناطق الأخرى التي تدخلت فيها عوامل خارجية كثيرة في تنشئة الطفل وفي غرس معتقداته، كالتلفاز والألعاب الإلكترونية والعاملة والحضانة والمدرسة والجامعة. حتى إننا نجد تميّز التربية الدينية في المناطق النائية والبادية عن غيره، ويعد أحد أسباب ذلك هو المراقبة المستمرة من قبل الأهل والمجتمع له، فالطفل عندهم ينشأ في ثقافة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبالتالي يتردد في فعل الخطأ ويتشجّع على عمل الخير. إذاً كيف يمكن تأهيل أولادنا على بناء ناجح لمستقبلهم؟ أولاً: أشارت إحدى المقالات حول تربية الطفل إلى أهمية تعليمه مهارات أساسية ليتمكّن من الشعور بالمسؤولية، مثل قدرته على تحضير الطعام وإطعام نفسه وغسل ملابسه وتحضير حقيبته المدرسية والاستيقاظ صباحاً دون مساعدة أهله، إضافة إلى تعليمه كيفية التكّلم مع الغرباء، والتعبير عن نفسه، والدفاع عنها، وهذه الأمور لا تساعد الطفل فقط في الاعتماد على النفس، وإنما تنمي لديه جوانب مهمة في الشخصية كالثقة بالنفس وحب الذات وتقديرها. ثانياً: على الطفل تعلّم الإحسان إلى الآخرين، وحسن التعامل مع الجيران، واحترام الكبير ومعايدة المريض، والتصدّق على المحتاجين، وبرّ الوالدين، وهذا لن يتعلمه بحفظه في الكتب وفي الاستماع إلى مختلف البرامج الدينية والثقافية، فلكي تنغرس فيه وتصبح جزءاً من وعيه وشخصيته، عليه بممارستها وتشجيعه عليها، ولذلك كان الأب في السابق وفي البادية جليس ابنه ويصحبه معه ويدرّبه ويرشده، وكانت الابنة رفيقة أمها، فتتعلم منها مختلف المهارات كالحياكة والتطريز والطبخ والتنظيف وغيرها، فكان الابن يكبر رجلاً قادراً على تحمّل المسؤولية، وتكبر البنت وهي مؤهلة للزواج ولرعاية بيتها ولتربية أولادها. فعلى الأهل إدراك أن ولدهم لن يكبر بتوفير ما يحتاجه وعند طلبه، ولن يتمكّن من بناء علاقات ناجحة مع الآخرين دون تطوير لمهاراته الحياتية، فهو يحتاج إلى الانخراط في المجتمع وتعلم مهارات التواصل وتذوق حلاوة مساعدة الآخر، وإلا فإنه سيكون معرضاً للشعور بالفراغ وسوء إشغال نفسه، وأحياناً كثيرة سيتمرّد على كل شيء، ولهذا السبب بالذات نجد انتشار مشكلات المراهقين في الحياة المدنية من سوء أخلاق واكتساب للعادات السيئة، من شرب للمسكرات والإدمان والتسكّع في الطرقات وغيرها من الانحرافات، فغياب الرقابة والصرامة وروح المبادرة يجعل الشباب ضائعين حيرانين في دورهم بهذه الحياة، فلا يحسنون استغلال الوقت، ولا أهمية العمل، ولا حتى إدراك وجود آخرة التي لن ينالوا فيها البر دون عمل واجتهاد. ثالثاً: توفير الوقت لهم وفتح قنوات الحوار معهم ومتابعة شؤونهم، ومن ثم تشجيعهم على الصحبة الصالحة، فبحسب كتاب "تربية البنات" لاختصاصية علم النفس الألمانية جيزيلا بريشوف، لن تتطور مهارات الطفل عبر مشاهدة التلفاز والتفاعل عبر الإنترنت وغيرها، وإنما بالحوار مع والديه ومشاركتهما إياه مختلف الأنشطة، وفي العصر التقني العالي الذي نشهده، يمكن لكلا الوالدين البدء في البحث عن مختلف الوظائف التي يمكن إنجازها دون الحاجة إلى ترك أولادهما. كما يمكن للأم الجديدة أن تقلل من ساعات العمل في وظيفتها لترعى طفلها أو أن تطلب العمل من المنزل، فهناك دوما حل مناسب لكل الأطراف. رابعاً: تنمية مختلف مهارات الطفل وتشجيعه على تطويرها، كالرسم والتنس ولعبة السلة والسباحة، وبذلك ننمي شعور الطفل بالثقة بالنفس والفخر بها، وإشغاله بنفس الوقت بما يفيده، وهذا ما أشارت إليه بريشوف أيضاً، فهو من الأهمية لما له دور في حمايته من الانحراف. خامساً: تقنين استخدام الطفل للتقنيات المختلفة وعدم تشجيعه على استخدام مختلف تطبيقات الأجهزة اللوحية، فهي إضافة إلى أنها وسيلة قوية لإلهائه عن تطوير مهاراته وتعليمه، فقد ثبت ضررها على صحته الجسدية والعقلية؛ إذ أفادت إحدى الدراسات التي نشرتها مجلة جاما لطب الأطفال، بأن الإكثار من استخدام هذه الأجهزة من قبل الأطفال والمراهقين سبب لإصابتهم بالسمنة والاكتئاب والقلق وضعف في الذاكرة ومشكلات في التفاعل الاجتماعي، كما أنها تزيد من نسبة النوم المفرط لديهم أثناء النهار، بمعدل 200 في المائة. كما بيّنت دراسة أخرى أثرها الضار على سلامة النظر لديهم نتيجة استخدامها. وأخيراً، تعليم الطفل حب الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أوصى الرسول بذلك بقوله: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن"، وهذا لن يتحقق إلا بالقراءة للطفل عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، في مختلف مجالاتها، وبيان الحكمة في قصص القرآن الكريم في آياته الكريمة، التي فيها تظهر نصرة الخير على الشر، وتفضيل الله للعبد الصالح على السيئ، كما سيدرك الطفل حقيقة الحياة الدنيا، وأنها دار عمل لنيل الثواب في الآخرة، فيحرص على استغلال الوقت والعمل الجاد وخدمة الآخرين لنيل الحسنات المنجيات، وسيكبر شعوره بالانتماء والفخر للأمة، وستتعزز لديه الهوية الثقافية والدينية، فيصبح قوياً في مواجهة مختلف التغييرات البيئية والثقافية، وصامداً ضد الهجمات الدينية المشككة في حقيقة الكون والموت والحياة، وقادراً على تحقيق دوره في الخلافة على هذه الأرض، بما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. |
Archives
November 2018
Categories |