بقلم تيفاني وين
لمعرفة كيف سيكون حال ذلك، ولمدة 48 ساعة، حاولت العيش كما يفعل روّاد الفضاء - أي محاولة الالتزام بالنظام الخاص بأعضاء طاقم المحطة الفضائية الدولية أو ما تعرف اختصارا ISS. وتبيّن امتلاكهم ليوم حافل من العمل. لقد استيقظت من النوم، شربت القهوة، أكلت طعاما مباشرة من الحقيبة ولم يكن رائعا، مارست التمارين الرياضية، ثم بدأت العمل. ثم تكرر هذا النمط حتى نهاية اليوم. كما كان علي البصق داخل المرحاض مرتين في اليوم بعد تنظيف أسناني. فاليوم العادي يبدأ على متن المحطة في الساعة السادسة صباحا أو 6:30 GMT أي بتوقيت غرينتش، وهو التوقيت الذي تعتمده المحطة. وكان قد أمضى رائد الفضاء الأمريكي والطبيب كيل ليندغرين 141 يوما على متتن المحطة الفضائية عام 2015. وقال أنه كان يبدأ يومه بالقراءة لملخّص يومي للأخبار، وصفحتين من الملخّص لأخبار اليومين السابقين. ثم ينظّف أسنانه ويتناول الفطور. وفي حوالي الساعة 7:30 صباحا، يقوم كل عضو من أعضاء الطاقم بالتخطيط لتشاور يومي مع مراقب مهمته للتخطيط لبقية اليوم ولطرح الأسئلة. وبقية اليوم يكون جدا حافل - يكن حتى هناك تخطيط لأنشطة في الخمس دقائق-. وخلال اليوم يتم عمل أبحاث، صيانة المحطة، التقاط الصور للكوارث الطبيعية. ثم هناك ساعة لتناول طعام الغداء، وساعتين ونصف لممارسة التمارين الرياضية. وفي الساعة السابعة أو 7:30 مساء من كل يوم، يكون هناك تشاور لتلخيص ما تم عمله خلال اليوم. وبعد ذلك، يملك رائد الفضاء حرية القيام بأي شيء آخر. مثل تناول الطعام ومشاهدة التلفاز والرد على الرسائل الإلكترونية وتصوير الكرة الأرضية. ثم يأتي موعد النوم الساعة 10 أو 11 مساء للتحضير لليوم التالي. وخلال مهمته، كان ليندغرين وباقي أعضاء الطاقم محظوظين كفاية بمشاهدة فيلم رايدلي سكوت قبل إطلاقه على الأرض! وفي خلال يومي في الفضاء، كنت مشغولة في مقابلة الباحثين، قراءة الأبحاث الأكاديمية، وتسجيل الملاحظات لأجل هذا المقال، ومشاهدة الفيديوهات الحديثة التي أنتجتها ISS. وكان أقوى وأفضل جزء من اليوم هو ممارسة التمارين الرياضية لمدة ساعتين. كنت فيها أقوم باليوغا ورفع الأثقال والجري. وممارسة التمارين الرياضية لساعتين على الأقل أساسية لروّاد الفضاء. وذلك لتجنّب الآثار الجسدية بالوجود في جاذبية شبه معدومة. إذ ثبت تسببها بتقليل كثافة العظم، وقوة العضلات وتقليل من كفاءة عمل القلب والأوعية الدموية. ويجب على التمرين في جاذبية شبه معدومة أن يكون خلاقا. فأحيانا يقوم روّاد الفضاء بتصميم أجهزة مقاومة خاصة لرفع الأثقال. وتمكّنا من تطوير نظاما جيدا من التدابير المضادة للحد من تأثير الجاذبية شبه المعدومة، وبالتالي تعديل كمية التمارين لحماية قوة العضلات وكثافة العظام. ولكن هناك بعض العضلات التي لا تتجاوب كالتي يتم ممارستها على الأرض. أما رائدة الفضاء اليابانية ناوكو يامازاكي التي أمضت 15 يوما في مهمة تزويد وتجميع لمحطة الفضاء الدولية عام 2010، فقد أفادت دهشتها باكتشاف مدى قوة الجاذبية الأرضية عند عودتها إلى الأرض. وتقول أنها شعرت بثقل كبير في رأسها، حتى أنها وجدت صعوبة في مسك الأوراق لثقلها! وبالرغم من قدرة ناوكو على المشي بعد ساعة من العودة إلى الأرض، هناك من لا يستطيع التأقلم على الجاذبية الأرضية إلا بعد مرور أسابيع وحتى أشهر. وفي السنوات الأخيرة، ركّز الباحثون اهتمامهم على كيفية تسبب انعدام الجاذبية الأرضية بفقدان حدة البصر لدى روّاد الفضاء. إذ أفاد الروّاد بتغير في الرؤية. وهو أمر بالغ الأهمية، ولكن الأسباب لا تزال مجهولة. وبما أن انعدام الجاذبية تسبب في سحب سوائل الجسم للأعلى، يرى بعض الخبراء أن زيادة الضغط حول العينين قد يكون المسبب لضعف الرؤية. ويمكن لسحب تلك السوائل أن تؤثر حتى على حاسة التذوّق. طعام الفضاء بالنسبة لي، كان طعام الفضاء أصعب شيء واجهته. هناك ثلاثة أصناف من الطعام على متن المحطة الفضائية الدولية: طعام مطهي في سائل يتم تسخينه، طعام مجفف يتم تسخينه في الماء، والأطعمة الجاهزة في تغليف خال من الهواء يتم تناولها مباشرة كما هي. وتمكّن روّاد الفضاء من النجاح في زراعة النباتات في الفضاء. ولكن لا يزال القدرة على إنتاج محاصيل على نطاق واسع بعيد المنال. وبما أنني لم أتمكن من تناول طعام الفضاء، قمت بالمرور في المتجر القريب من منزلي وشراء الأطعمة المجففة. ولكن كان لمفاجأتي أمرا صعبا. فلم أتمكّن من تصميم قائمة بالوجبات تكون مرضية لي ليومين، أو التوقّع بما سأرغب في تناوله. فبعد مرور اليوم الأول وجدت نفسي أشتهي الأطعمة الطازجة، فتخيّلوا تكرار ذلك لعدة أشهر. وتبيّن أن هذا من ضمن الأمور العصيبة التي تثير قلق العلماء. فالخبراء غير قلقين فقط من التأكد من وجود طعام كاف وصالح للأكل خلال مهمة ما إلى كوكب المريخ مثلا، ولكن معرفة كيف يمكن زيادة احتمالية أن ينال الطعام إعجابهم. إذ يزداد هذا الأمر أهمية عندما يكون الإنسان محتجزا، وذلك بحسب غرو ساندل بروفيسورة علم النفس، والتي كانت الباحثة الرئيسة في Mars500 وهي رحلة محاكاة إلى المريخ تم عقدها في روسيا وبالتعاون مع الصين ومنظمة الفضاء الأوروبية. وأفادت أن بعض أعضاء الطاقم كرهوا الطعام لدرجة قلق فيها الباحثون بأنهم سيضربون عن الطعام وأن عليهم التدخّل بتقديم خيارات جديدة. وتبيّن أن رغبات رجال الفضاء تتغير بما يتعلّق بأصناف الطعام المرغوبة، إضافة إلى تغيّر حاسة التذوّق لديهم. . وكان أحد الحلول لذلك إرسال شحنة طعام بعد أو قبل وصول روّاد الفضاء، ولكن يبقى أمر استساغته غير مؤكدا. وعلى متن المحطة الفضائية، أصبح الطعام كالعملة الاجتماعية وطريقة للتآلف مع أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة. وذلك بتناولهم للطعام مع بعضهم البعض، مما يساعدهم على التواصل بشكل أكبر وأفضل - وكانت المجلة قد عرضت الفوائد النفسية والجسدية والروحية لتناول أفراد العائلة طعامهم مع بعضهم البعض في العدد الثالث من المجلّد الثاني-. ويتمكّن روّاد الفضاء من إعداد وجباتهم المفضلة بمجرّد وصولهم إلى سطح المريخ، ومن خلال المواد التي يتم إرسالها لهم مسبقا. كما ويتم العمل على إعداد كتاب طبخ بوصفات مبتكرة خاصة لإعدادها خارج الكرة الأرضية. وبالنسبة لي، فإنني قدّرت أكثر الهواء الصافي على الأرض والطعام الطازج. ولن أقوم بالمشاركة مرة أخرى في أية رحلة فضائية! |
Archives
November 2018
Categories |