بقلم آدم آلتر
منذ الصغر، ويهوى البشر ضغط الأزرار المضيئة ذات الموسيقى. فالبهجة من ردة الفعل الإيجابية تعد سبب الإدمان على مختلف الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. وليس بوقت بعيد عندما دخلت المصعد في الطابق الثامن العشر في مبنى طويل بمدينة نيويورك، وكانت المرأة الشابة داخل المصعد تنظر للأسفل إلى رأس طفلها وهي محرجة لأنه كان ينظر إلي مع ابتسامة عريضة. وعندما التفت لضغط زر الطابق الأرضي، وجدت أن كافة الأزرار كان قد تم الضغط عليها وجميعها مضاءة. يحب الأطفال ضغط الأزرار، وفقط يضغطونها عندما تضيء نتيجة لذلك. ومن عمر صغير، يتوق البشر إلى التعلّم الذي يشمل على تغذية راجعة سريعة. فالطفل كان ينظر إلي مبتسما لأن جميع الأزرار التي ضغطها أضاءت، فكانت سبب بهجته. ولكن هذه الحاجة إلى ردة الفعل لا تنتهي مع انتهاء الطفولة. ففي عام 2012، أنتجت وكالة إعلانية في بلجيكا حملة دعائية لقناة تلفزيونية والتي سريعا انتشرت بين الناس. إذ قام المنتجون بتركيب زر أحمر ضخم الحجم على تمثال في إحدى ساحات بلدة فلاندرز الهادئة. مع سهم بتعليمات بسيطة: ”اضغط الزر لتضيف بعضا من الدراما“. ويمكنك رؤية البريق في عين كل رجل وامرأة ممن اقترب من الزر. وهو نفس البريق الذي رأيته بعيني الطفل داخل ذاك المصعد. وكان قد حاول بعض الأطباء النفسيين من فهم استجابة الحيوانات لأشكال مختلفة من ردة الفعل. إذ في عام 1971 جلس الطبيب النفسي مايكل زيلر في مختبره مع ثلاث حمامات جوعى، وكانت الاختبارات في تلك الفترة ترتكز على الجرذان والحمام فقط، ولكن لأهداف سامية. فمثلا، هل يمكن لسلوك الحيوانات أن تعلّم الحكومات كيف تشجّع العمل الخيري وتقلل من نسبة الجريمة؟ هل لها أن تُلهم روّاد الأعمال طرق تحفيز العاملين من ذوي المناوبات الكثيرة على تجديد نظرتهم للعمل؟ وهل يمكن أن يتعلّم الأهالي كيفية تربية الطفل المثالي؟ وقبل أن يتمكّن زيلير من تغيير العالم، كان عليه العمل بأفضل الطرق لإيصال المكافأة. وإحداها كانت المكافأة لكل تصرّف محبب، والأخرى تتمثل بمكافأة مجموعة من التصرفات المحببة بشكل مفاجئ وذلك لخلق جو من الغموض، وهو نفسه الذي يُشجّع الناس على شراء المزيد من تذاكر اليانصيب! وكان قد عمل على تربية الحمام داخل مختبره، وبالتالي فهم على معرفة بالتدريب. فكل واحدة ترتفع باتجاه زر وتنقره بشكل مستمر على أمل أن تحصل على بعض الطعام. وفي بعض التجارب، كان زيلير يعمل على تعديل برمجة الزر بحيث يعمل على إنزال الطعام في كل مرة يتم نقره، وفي تجارب أخرى، يعمل على إنزال الطعام في بعض المرات وليس في كل مرة يتم نقر الزر فيها. وأحيانا يصبح لون الزر أحمر متوهجا عند نقره دون إنزال لأي طعام. وعندما علمت بعمل الطبيب زيلر، ظننت أن أفضل الطرق كانت المكافأة التي تحصل في كل مرة يتم نقر الزر فيها. ولكن لم يكن الواقع كذلك! فالنتائج لم تكن متقاربة أبدا. فقد كانت تنقر الحمامات الزر الضعف عندما لم يتم إنزال أي طعام (المكافأة) في كل مرة. فقد تبيّن أن هرمون الدوبامين يتم فرزه عند عدم توقّع المكافأة. وتمكّن زيلير من توثيق حقيقة هامة حول ردة الفعل الإيجابية، فكلما كانت أقل كانت إيجابية أكثر! فقد كانت الحمامات منقادة إلى الغموض تماما كما ينقاد البشر إلى المخاطرة في لعب القمار. وبعد دارسة زيلر بعقود، وفي عام 2012 قام مجموعة من المبرمجين في الفيسبوك بإجراء تجربة حول ردة الفعل لمئات الملايين من الناس. فحاليا، يملك الموقع 200 مليون مستخدم، والذي سيتضاعف ثلاث مرات في السنوات الثلاث القادمة. وهذه التجربة تمثّلت ببساطة في نقر زر (أعجبني) أو Like. ومن الصعب المبالغة كيف لزر أعجبني أن غيّر من نفسية المستخدمين. فقد تمكّن كل واحد منهم من التعبير والتفاعل مع الآخرين. وحتى المستخدمون ممن يلعبون القمار، فإنهم يقومون بمشاركة ما يحصل معهم بنشر حالتهم أو صورة أو حتى رابط. والمنشور من دون أي إعجاب مؤلم جدا، وليس ذلك فحسب، وإنما استنكار لدى العامة. فإما أنك لا تملك ما يكفي من الأصدقاء أو الأسوأ: عدم تمكّنك من الاستحواذ على إعجابهم! كالحمام، الذي كان يأمل أكثر بالمكافأة عندما لم تكن مضمونة. ويعدّ الفيسبوك أول موقع تواصل اجتماعي قدّم زر أعجبني، ثم ظهر في المواقع الأخرى المشابهة. إذ يمكنك الآن التعبير عن إعجابك في تويتر وإنستغرام واليوتيوب وGoogle+، وLinkedIn. وأصبح فعل الإعجاب موضع جدال بما يتعلق بالآداب. مثلا، ما الذي يعنيه عدم إعجابك بمنشور صديقك؟ وإن أعجبت بأحد المنشورات، فهل يعني ذلك عدم إعجابك بالأخرى؟ لقد أصبح الإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي شكل من أشكال الدعم الاجتماعي، وهي تساوي الضحك على نكتة صديقك التي أطلقها في مكان عام. ثم قام راميت شاولا، وهو مبرمج شبكي بتطوير تطبيق كنوع من النشاط التسويقي وأيضا هو تجربة اجتماعية للكشف عن أثر زر الإعجاب. وعندما أطلق التطبيق، كتب شاولا هذه المقدمة في الصفحة الرئيسة: ”أصبحت الناس مدمنة. ونحن نشهد انسحابا. إننا منقادون لهذا المخدر. فالحصول على نقرة واحدة تسبب لنا ردود فعل غريبة. أنا أتكلم عن نقر زر أعجبني. لقد ظهر كأول مخدر رقمي ليتحكم بثقافتنا.“ وسمّى شاولا تطبيقه Lovematically، وهو يقوم تلقائيا بالإعجاب على صورة يرسلها المستخدم من خلال صفحته. فلم يصبح ضروريا لأي منشور أن يثير الإعجاب. فأي منشور قديم كاف ليتم الإعجاب به. وبعد مضي ثلاثة أشهر، أصبح المستخدمون يعجبون بالمقابل بكل منشور ينشره شاولا. وتمكّن من جذب 30 متابع جديد كل يوم لحسابه بما مجموعه 3 آلاف متابع خلال فترة التجربة. وفي يوم القديس فالانتاين، سمح شاولا لخمسة آلاف مستخدم لموقع إنستغرام بتحميل نسخة من تطبيقه. إلا أنه بعد ساعتين فقط، قام موقع الإنستغرام بإغلاق التطبيق لاختراقه شروط استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. ولم يُفاجئ ذلك شاولا، لقد علم مسبقا بما سيقوم به الإنستغرام. فهو بالنسبة لذلك الموقع تاجر المخدرات الجديد الذي يعمل على توزيعها مجانا! - بحسب شاولا-. ولكنه لم يتوقع أن يحصل ذلك بتلك السرعة. لقد ظن شاولا أن يتم إغلاق تطبيقه بعد أسبوع على الأقل. إلا أن الإنستغرام تصرّف بسرعة غير متوقعة! عندما كان ابني في الحضانة في منتصف التسعينيات العام الماضي، اشتركت مع زوجي في محاضرة عن الأهل حول الأطفال النشطين في جامعة واشنطن. وبالرغم من خلو المحاضرة في موضوعها عن الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنّه تم اختيارنا لأن ابننا ينتمي إلى طيف التوحّد. وبالإضافة إلى تعلّم مهارات التربية الإيجابية، تم تشجيعنا على الاستماع إلى أطفالنا. لقد كرر المحاضر جملة (استمعوا إلى أطفالكم) حوالي مئة مرة. وتململت الأم الجالسة بجواري قائلة: (حسنا، ولكن ابني لا يتكلّم!). وافقتها أنا أيضا. فابني أندرو لا يتكلّم. وبالرغم من قدرتي على فهم بعض الكلمات، كان التواصل معه محدودا بإيماءات وبكلمات معدودة. وكنت أحاول جهدي أن أكون أما مثالية، إلا أن الحقيقة أنني كنت مذعورة وأكثر من محبطة. قررت في ذلك اليوم مراقبته وهو يلعب. ولاحظت أن الألوان البرّاقة تؤذي عينيه، وأن الموسيقى يجدها حادة على أذنيه. ومع مرور الأسابيع، بدأت بمراقبة الأطفال الآخرين ممن حضروا إلى محاضرة الأهل. أحدهم كان موسيقيا، لقد كان يتمكّن من إصدار نغم جميل من قرع مقالي الطبخ وهي مقلوبة. وأحد الأطفال كان يرتدي قبعة البناء ويحمل فوق رأسه طائرة بلاستيكية. كان يركض في الغرفة وهو فارد ذراعيه في محاولة منه للطيران. قال والداه أن جدّه كان طيّارا. وارتدى ابني ثوبا. في المنزل، كان أندرو يسحبني إلى عالمه الخيالي. والذي كان مليئا بالأبطال الخارقين. قابلت ديناصورا متكلما اسمه ريكس، ودبا محشوا يملك ذراعا معدّلة صاروخية، وعربة حمراء يمكنها الطيران. أحببت أن أكون جزءا من عالمه، وأن أكون الجزء الوحيد الحقيقي في عالمه غير المتوقّع. جعلني ذلك أشعر أنني مفيدة وفخورة قليلا. وبالرغم من عدم ارتدائي للثوب، إلا أنني كنت واحدة من أبطال أندرو الخارقين. ولكن عندما أحضر زوجي دجاجة من إحدى المحال، تغيّر عالمنا بشكل كامل. لقد شهد ذلك اليوم أول محادثة يجريها أندرو - ولكن ليس معي. لقد كان يحاور تلك الدجاجة التي سمّاها فرايتفل-. وأخبرني أنها صديقته الجديدة، وأنها تفهم مشاعره. لقد كانت هذه المرة الأولى التي يحدثني فيها بتلك الطريقة. وعندما يتحدّث إلى فرايتفل، تكشف كلماته عن أماله وأحلامه. وكانت دجاجته تحشر نفسها في كل مكان. وكانت تحب أن تدخل معطفه وتُخرج رأسها من أعلى السحاب. وعندما كان يحمل فرايتفل، علمت أنه تم استبدالي، وأنني لم أعد أحد أبطاله الخارقين. لقد أخبرني أندرو أنني لست مثيرة للاهتمام كما هي الدجاجة. والأسوأ أنني لم أقم باللعب بحسب قوانينه. فعندما كنت أطلب منه النظر إلى عيني، كان يخبرني أن ذلك يسبب له الألم. وعندما أردت مسك يده، كان يخبرني أن ذلك قريبا جدا. وكنت أشجعه على اللعب مع بقية الأطفال، إلا أنه كان يشعر بأنه شيء مستحيل. وعندما سألته لماذا، أجابني: أنت لا تفهمين! إلا أن الطائر الصغير تمكّن من فهمه. فعندما يتكلّم، كانت تلفت له رأسها. وكانت تحط على كتفه، تاركة له حرية لمسها، وكانت تغني له في أذنه وتخبره أنه صديق كاف لها وأنه مثالي كما هو. وكان أندرو يغني لها قائلا: أنت طيري، أنت تجعلينني أشعر بأمان. وكانت الدجاجة على نحو ما تفهم ما يقوله. لقد تمكّنت الدجاجة من أسر قلب ابني. أخبرني أندرو في أحد الأيام: - إن دجاجتي خائفة فسألته: - ما الذي تعنيه؟ - إنها تخاف من الفسحة. الأطفال الآخرون لا يفهمون ذلك! لقد كانت تلك اللحظة التي أردتها لأكون له إنسانا بجانبه. فأخبرته أن هناك مليون طريقة لتعيش بها في هذا العالم، وأن طريقته كانت في التواصل اجتماعيا مع تلك الدجاجة. فهناك أطفال يتم فهمهم من قبل أطفال آخرين، ويلعبون مع بعضهم بسهولة. وهناك أطفالا يتواصلون ويتم فهمهم من خلال أصدقائهم الحيوانات. ولا يوجد هناك طريقة صحيحة وأخرى خاطئة. هو مجرّد اختلاف بين الأطفال. وعندما قمت بتذكيره أنه ليس الحالة الوحيدة، اقترب ليمسك يدي، وعندها أدركت أنني عدت بطلته الخارقة. وفي نهاية محاضرة الأهل، عدت مع زوجي مع مجموعة كبيرة من المواد العلمية تسمى دليل الأبوة والأمومة الإيجابي. وكان فيها نصائح حول التخطيط التحفيزي، ولواصق، ومعلومات حول التعزيز الإيجابي. وفي الوقت الذي تعد فيه استراتيجيات جيدة للأهل، فكل ما أتذكره هو أن الناس تتكلم دون كلمات. فاللغة هي التواصل عبر التصرف. فعلينا أن نستمع بكافة حواسنا. ففي الوقت الذي نستمع فيه لأطفالنا بقلبنا، حينها نعرف أننا نستمع بشكل جيّد. مضت الآن 12 سنة، ولا يزال ابني يتكلّم مع الدجاج أكثر مني. وأحيانا أسمع كلمات يشاركها ابني بشكل انسيابي مع أصدقائه الدجاج، ولكن أصبحت أستمع بشكل أكبر لتصرفاته. ففي الوقت الذي أستمع فيه جيدا لأندرو، حينها أكون قادرة على حبّه كما هو. بقلم إشراق كمال عرفة مع انتشار العولمة واختصار المسافات، ازدادت التجارة والصناعة، ويتوقّع الخبراء حلولاً ثورة صناعية رابعة تستحوذ فيها الآلة على الكثير من وظائف البشر، وبذلك ستتحول مشكلة الندرة إلى الوفرة مع انخفاض التكاليف الناتجة عن ذلك، وهذا ما يشهد تبعاته الغرب الصناعي من ارتفاع في نسبة التلوّث، وانتشار الأمراض الناتجة عنه كالربو والسرطان. وبدأ كل من الأفراد والحكومات في الغرب باستدراك خطورة تلك التبعات، وأبرزها الاحتباس الحراري الناتج من التلوّث، ففي مؤتمر باريس عام 2015 تعهدت الدول بتخفيض نسبة انبعاث غازات الكربون في كل منها، ولتحقيق ذلك بدأوا بتطوير التقنية للمساهمة في حل مشكلات التلوّث. فنجد قيام الشركات العالمية بالاستثمار في الطاقة المستدامة لتنتج طاقتها الخاصة، مثل شركات جوجل وأبل والفيسبوك. وفي إحدى تقنيات "إنترنت الأشياء"، تعمل الملابس التي يهملها صاحبها داخل دولابه، بالتواصل مع الجمعيات الخيرية لاستلامها، ولتحقيق ذلك تم تطوير لواصق خاصة بالألبسة لجعلها قادرة على (التكلم والنداء)، وأفاد صاحب الفكرة بأنه أراد باختراعه هذا الحدّ من جشع أصحاب معامل الألبسة وما ينتهجونه من أساليب مجحفة بحق العاملين فيها، ولحماية البيئة بإعادة استخدام تلك الملابس، ولزيادة وعي المرء بما يملكه للحدّ من قيامه بشراء المزيد منها. كما بادرت الكثير من المحلات الأميركية برفض شراء الملابس الصناعية الرخيصة، وذلك لمنع التضخم ولحماية البيئة من توابع تصنيعها. وساهم العلماء في الحدّ من التلوّث بتصنيع أغلفة عضوية صالحة للأكل، وذلك لحل مشكلة ارتفاع نسبة مخلّفات الورق والبلاستيك للوجبات السريعة ومن مختلف المطابخ والمطاعم، فيتمكّن الإنسان من تناول الوجبة مع غلافها، وعملوا على تطويرها من الكيسين، وهو بروتين موجود في الحليب مفيد للجسم وليس فقط صالحاً للأكل، كما سيعمل على زيادة جودة التخزين وبشكل سيتفوّق فيه على التغليف البلاستيكي بـ250 مرة. وقام المهندسون ببناء ممرات للمشاة وللدراجات الهوائية وحتى الشوارع من خلايا شمسية لإنتاج طاقة الإنارة كما في باريس وهولندا، وبنى آخرون أشجاراً من ألواح شمسية لذات الهدف كما في "شجرة الطاقة" بالهند. ولكن نجد في المقابل تسابق الدول العربية في إقامة مختلف المولات والمهرجانات التي فيها تستعر شهوة التسوق، فنشهد تضخماً في استهلاك الملابس، والأثاث وإكسسوارات المنازل والديكور وحتى أدوات المطبخ والبلاستيك وألعاب الأطفال، إضافة إلى انحدار في التوعية والتربية البيئية في المساجد ومختلف المدارس والجامعات والمؤسسات والشركات. لقد حان الوقت لننقذ ما تبقى من إنسانيتنا، والمساهمة في حماية كوكبنا. ولعلّ البداية تكون بإدراك أن السعادة تأتي مع مشاركة الأنشطة مع الآخرين ومساعدتهم، وليس بشراء المزيد من الأشياء المصنّعة. ثم البدء بعقد مهرجانات لإعادة التدوير وإغاثة المسكين، فينطلق الأفراد من أجل التعاون في البرّ والتسابق في منح المساعدات لا للتفاخر والشراء. ومن جانب آخر، على الحكومات البدء بتفقّد المصانع وتفعيل معايير الصحة والسلامة ومراقبة طرق تصريف مخلفاتها، وتشجيعها على التحوّل من صناعات استهلاكية قصيرة المدى إلى ما يفيد البشر من زراعة لمختلف المحاصيل الغذائية، واعتماد مواد صديقة للبيئة، إضافة إلى قيامها بتسهيل مشاريع استثمار الطاقة المستدامة من شمس وهواء وماء. فنحن الآن بحاجة إلى ثورة حقيقية للحدّ من انتشار الأمراض التي تفتك بشبابنا، وتبدد أحلامنا، وتعيق دورنا في الخلافة على هذه الأرض! بقلم مايكل ويس و حسن حسن أصبحت الحرب في سوريا الآن مباشرة أكثر مما كانت عليه قبل سنتين. فأصبحت البلاد الآن موجودة كاسم فقط. فسياسة الإبادة الجماعية التي يتبعها الرئيس بشار الأسد في دمشق، وما لحقها من التدخلات الخارجية المتناقضة مثل روسيا وتركيا وإيران وأمريكا، وإنشاء كل من هذه البلاد منطقة خاصة بها داخل البلد الممزق، تسبب كل ذلك بتحويل المنطقة إلى بؤرة صراع لا نهاية لها، وبأسوأ كارثة في القرن الواحد والعشرين؛ إذ تم قتل نصف مليون سوري وجرح أكثر من مليون آخر، وتشريد 11 مليون، أي بما يساوي نصف الشعب. وعلى كل حال، يوجد هناك نافذة صغيرة كفرصة للإدارة الأمريكية القادمة لتحقيق الحد الأدنى من الأهداف المحددة، مثل: هزيمة تنظيم الدولة، ضمان عدم عودتها، والتأكيد على أن منافستها ”القاعدة“ لن تستغل الفراغ في السلطة عند انهيار التنظيم. واستنادا إلى أشهر من المقابلات التي تم إجرائها مع رموز المعارضة السورية، والمنشقين من تنظيم الدولة، ورجال القبائل العربية من السنة، والمصادر العسكرية الأمريكية، وموظفي الاستخبارات، فإننا نؤمن بضرورة وكجزء من هذه الخطة، الإبقاء على حاميات صغيرة أمريكية وبلا أجل محدد في كل من شرقي وشمالي سورية إضافة إلى غرب العراق. وهذه ليست مبالغة كما قد تبدو! فبحسب مصادر الجيش والاستخبارات الأمريكية، تم استخدام أربع وحدات من قبل التحالف لمكافحة تنظيم الدولة وبشكل علني أو شبه سري. وسيتطلب تطوير تلك المواقع كمرساة في المنطقة من القوات الأمريكية، القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية في مختلف المناطق، كالجزيرة وما بين النهرين والسهول القاحلة التي تمتد عبر شمال غرب العراق وشمال شرق سوريا وجنوب شرق تركيا. لقد أصبحت الجزيرة في هذا القرن ملاذا للخطر وحاضنة له تحت مجموعة من الأسماء. مثل القاعدة في العراق والدولة الإسلامية في العراق والشام، وتنظيم الدولة، وجميعها عملت على قض مضجع الأمن القومي الأمريكي لأكثر من عقد من الزمان. وتتميز ساحة المعركة في الجزيرة بالتعقيد وليس بصعوبة الفهم. فالهدف الرئيسي لأمريكا هو القضاء على تنظيم الدولة، ثم حماية القوات المحلية ممن نفذوا الحملة بدعم منها، ومنحهم ما يكفي من الأمن ليتمكّنوا من إعادة بناء حياتهم في المناطق التي سيطروا عليها. وكان قد تعهّد نظام الأسد باستعادة كامل سوريا، ولكنه بمجرد شعوره بالأمان في منطقته، فإنه من المستبعد أن يعمل على صرف موارده اللازمة لتحقيق ذلك. كما لن يكون لكل من روسيا وإيران أي رغبة في استكمال مثل هذه الحملة. وبالاحتفاظ بقوات أمريكية في المنطقة، سيوفّر حاجزا موثوقا لمساعدة ودعم مقاتلي مكافحة التنظيم، وفي ردع أي قوة من نظام الأسد على استعادة المناطق التي خسرها. فبرأينا أن الاستسلام لنظام الأسد واستعادته للمناطق التي لم يفعل فيها أي شيء للقضاء على تنظيم الدولة فيها، من شأنه أن يحفّز على المزيد من الإرهاب وتبديد المكاسب التي تحققت على مدى السنتين والنصف الماضية. فما نقترحه هنا لن يكون بأي شكل من الأشكال مشابه للاحتلال الأمريكي للعراق، ولن يتطلب التزاما جديدا هائلا على أمريكا من توفير القوة الباهظة. كما لن يكون لذلك أي علاقة بمفهوم بناء الدولة الذي كشف عنه دونالد ترامب منذ فترة. وإنما سيعمل على زيادة عدد الانتصارات أرض المعركة التي تحصل حاليا. ومن المعروف وجود التحالف الحالي ضد تنظيم الدولة. وبالتالي فإن ما حصل في العراق نتيجة انسحاب القوات الأمريكية عام 2011 لا يمكن أن يتكرر في دولة آخرى. وبعكس الحكمة التقليدية، فإن استراتيجية مكافحة الإرهاب ستكون في وقت مناسب نظرا لطبيعة أرض المعركة في سوريا المنقسمة. وبكلمات أخرى، يمكن تقسيم سوريا الآن إلى أرباع مختلفة: الجنوب، الغرب، مقاطعة حلب وإدلب، وسوريا الشرقية. 1. الجنوب وفيها مقاطعة درعا والتي اندلعت منها الثورة ضد نظام الأسد عام 2011. وأصبح الآن خط المواجهة بين المعارضة والنظام هادئا. ولدى جيران سوريا، إسرائيل والأردن، الرغبة في إبقاء هذه المنطقة خالية من القاعدة وتنظيم الدولة. والدليل هو الإبادة البرية السريعة التي قامت بها إسرائيل للقضاء على الجهاديين التابعين لتنظيم الدولة ممن تسللوا إلى هضبات الجولان. كما أن الداعمين الإقليمين للمعارضة في درعا والذين يعملون مع الأردن، كالسعودية والإمارات يملكون هدفا مماثلا. جميعهم يريدون منع المتطرفين من السيطرة على الجنوب. 2. الغرب تبدأ حدود هذه المنطقة بمحاذاة الجانب الشرقي من سوريا، والتفافا على الحدود اللبنانية، وارتفاعا من درعا إلى دمشق إلى شمال اللاذقية وحلب الغربية. 3. مقاطعة إدلب وحلب وهي مسرحا لمناطق يحكمها الإسلاميون والقوميون الجهاديون. وكان أن تم استهداف فصائل الجيش الحر المدعوم من الاستخبارات الأمريكية من قبل النظام وروسيا. وإلا فإنها ستصبح في موقف ضعيف جدا لتكون تحديا خطيرا لخصومهما. وكل من القاعدة وجبهة النصرة وجبهة فتح الشام مشغولة في بناء البنية التحتية وتنشئة المخلصين لها وخاصة مع تقلّص تنظيم الدولة. وكان قد تم استعادة شرق حلب شبرا شبرا من قبل النظام والحملة الروسية التي تمثلت بالتجويع أو الاستسلام رافقها قصف جوي عنيف. وبالتالي، ما تبقى من المعارضة المسلحة تم إضعافه أو حشره أو دفعه للتطرف. وتعد تركيا - حليفة أمريكا في الناتو- العامل الرئيس لتمكين الإسلاميين في الجزء الشمالي الغربي من سوريا. فعلى سبيل المثال، ساعدت تركيا أحرار الشام على السيطرة على مناطق أكثر قربا من الحدود التركية. وعملت على توفير مساعدات هائلة لها، من مالية ولوجستية وتكتيكية لتبقى قوية وقادرة على صد النظام. حتى أن أحرار الشام كانت قد وافقت على تدخّل تركيا في محافظة حلب. وذلك من أجل منع التوسّع الكردي وبشكل أكثر من دحر تنظيم الدولة. 4. شرق سوريا وتعد قلب الجزيرة. والمكان الذي فيه قادت أمريكا قوات التحالف في حرب وحشية ضد تنظيم الدولة. على إدارة ترامب النظر إلى الصراع في سوريا من هذه النظرة التفصيليلة. فالحلول المقدمة من المحللين اليوم لوقف الحرب تتجاهل الظروف الفريدة للمناطق المختلفة لسوريا المفتتة، فهي تنظر إلى سوريا الآن كما لو كانت سوريا 2012. ولكن ما ينفع في الشرق لن يكون حلا في الشمال الغربي. والحل الذي ينجح في الغرب لن يكون له أي أثر في الساحل وفي مركز النظام. فعلى أميركا استعراض جنوب وشرقي سوريا كعنصر جغرافي أساسي في استراتيجيتها لمكافحة المتطرفين. وليس فقط في سوريا وإنما في العراق أيضا. وذلك لحماية أهم حليفتين لها في المنطقة وهما الأردن وإسرائيل. كما يجب أن يكون العمل في المناطق الجنوبية والشرقية مع حكومة محلية شرعية، والاعتماد على مجالس المحافظات التي ظهرت في السنوات الخمس الماضية والتي من خلالها تم تمويل كتلة (أصدقاء سوريا) كحكومات انتقالية. وتمكّن التحالف الذي تقوده أمريكا من السيطرة على حوالي 40-50 بالمئة من مساحة البلاد، وهو رقم يصعب على نظام الأسد ووكلائه الروسي والإيراني على المناورة فيه. أما المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، فإن نظام الأسد يسيطر منها على مناطق استراتيجية في دير الزور وعلى المطار الرئيسي. ولدى أمريكا وحلفائها الغربيين القدرة على وضع طريقة لإدارة تلك المقاطعة إضافة إلى كامل الرقة، وذلك بمجرد القضاء على أتباع تنظيم الدولة. وتتطلب استراتيجية إنشاء منشأة أمريكية أمنية قواعد تشغيل لتتمكن من إطلاق مهمات قيادة العمليات الخاصة المشتركة، وبالشراكة مع جهات محلية موثوقة تم تدريبها لمحاربة المتطرفين. ولن يحقق ذلك ضمان استمرار وجود الاستخبارات الأمريكية في المنطقة وحسب، وإنما دافعا نفسيا لدى الجهاديين من العرب السنة للعمل مع أمريكا إلى أجل غير مسمى. ولكن ماذا عن العراق؟ لقد كانت أجزاء كبيرة من العراق والتي تقع في خارطة الجزيرة مسرحا لصراع وحشي، على الأقل عندما احتلتها أمريكا في 2003. وكانت الحدود بين العراق وسوريا منفذا لسيل غير منتهي من الجهادين بينهما. وكان المدخل من الحسكة إلى نينوى والرقة دير الزور إلى الأنبار ما سمح لتنظيم الدولة في اجتياح العراق في 2014، محتلة ثلث العراق، والتي من أجلها أنفقت أميركا مليارات من الدولارات لبناء دولة ديمقراطية من بعد صدام حسين. ولكن بدلا من ذلك، يبدو أن إيران تستحوذ الآن على العراق وبشكل متزايد. ويتورّط جنودها في الحرب على تنظيم الدولة بنفس عمق التورّط ضد البنتاغون. وبغياب الرقابة على الأرض التي استثمرت فيها أمريكا على مدى 13 عاما، أصبحت مصالحها في العراق تحت رحمة قائد الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني ونوابه. وكان أن تم تجرية استراتيجية محدودة في الجزيرة عام 2013، عندما كانت أمريكا لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية لها على طول الجانب العراقي من وادي نهر الفرات. وكانت تحت مسمى OPDAN أو عملية هزم القاعدة في الشمال. وكان العنصر الرئيس فيها هو سحب مشاة البحرية الأمريكية شمالا من نهر الفرات إلى الجزيرة. موسعة بذلك أرض المعركة على طول الطريق من الشمال إلى المدن العراقية من سنجار وبعاج وتلعفر في محافظة نينوى. وبالتالي كان الأمريكان قادرين على عبور نهر دجلة والتركيز على الموصل دون الحاجة إلى القلق على المنطقة الحدودية في 2008-2009، إلى أن غادرت البحرية في 2010. ثم انسحاب الجيش الأمريكي بشكل كامل من العراق بعد ثلاث سنوات، مسببا بذلك زوال نجاح عملية OPDAN. والدرس الذي يجب تعلمه هنا أنه بغياب الرقابة الدائمة وآلية لمنع التسلل عبر الحدود، سيبقى احتمال ظهور تنظيم دولة بشكلها الحالي أو بشكل جديد، وستعمل على مطاردتنا مرة أخرى بعد انتهاء الحرب. وفي السنوات القليلة الماضية، كنا قد تحدثنا مع العديد من زعماء القبائل في كل من سوريا والعراق. وبينوا أن الخوف بين السنة هو تخلي أمريكا مرة أخرى عن حربها ضد الجهاديين بمجرد خروج تنظيم الدولة. وهذا ما جعل المحليين يقاومون الجهاديين وينضمون إلى جهود أمريكا في محاربتهم. ويقول ضابط الاستخبارات الأمريكي المتقاعد مايكل بريجينت الذي خدم في العراق: ”يتم منح الثقة عند التواجد بقرب وباستمرار. فسؤال السنة القيام بأمور صعبة بدعم أمريكي مؤقت سيؤدي إلى عدم الاستقرار. فالقاعدة الدائمة تتطلب بناء الثقة التي يحتاجها السنة لهزيمة تنظيم الدولة ولرفض أي شكل مستقبلي من التنظيم الإرهابي“. وقام البنتاغون بتعيين جنود في أربعة قواعد في منطقة الجزيرة. اثتنان منها دون إذن الحكومة السوريةـ واثتنان بإذن العراق. وتمكنوا في سوريا من الاستيلاء على مطار رميلان في محافظة الحسكة، وبذلك تضاعفت المساحة لتستوعب طائرات C-130 لنقل الجنود والعتاد للمتحالفين من القوات السورية الكردية الديمقراطية. وبحسب إحدى التقارير قامت قوات عمليات بريطانية وأمريكية خاصة بتدريب مقاتلين عرب سوريين لمحاربة تنظيم الدولة في مخيم التنف جنوب شرق سوريا. أما العراق، فلا يزال المدربون الأمريكيون موجودين بموافقة بغداد، وذلك في مطار Q الغربي في القيارة. وهي مدينة تبعد 16 كم غرب نهر دجلة والتي تمكّن تنظيم القاعدة من الاستحواذ عليها في يوليو العام الماضي. كما يعمل الأمريكيون خارج قاعدة الأسد الجوية في محافظة الأنبار. وهو مكان مجهّز بشكل جيّد تمكّن من استقبال سلاح الجو في 2007. وبالنظر إلى الدور الذي لا غنى عنه للقوة الجوية الأمريكية والفرق العسكرية العراقية في استعادة المناطق من تنظيم الدولة منذ 2014، فإن هناك فرصة للإدارة الجديدة للتفاوض على استئجار تلك المنشأتين مع حكومة العبادي. وكان الجنرال جيمس ماتيس الذي عينه دونالد ترامب في منصب وزير الدفاع الأميركي الجديد، قد دعم فكرة الوجود العسكري الدائم داخل العراق عندما خدم في الإدارة الأمريكية السابقة. وتم إعلامنا بشكل خاص أنه لا يزال على ذلك في منصبه الجديد. ونحن نرى أنه كشخصية تنال كل الاحترام في بغداد، ومع منصبه الجديد، عليه البدء بالمشاورات على استئجار المنشأتين، وحالا. ماذا عن الأكراد؟ في الحقيقة يريدون منطقة خاصة بهم تتمتع بحكم ذاتي. يريدون بلدهم الخاص. ولكن تركيا مصرة على منع حصول ذلك. وفي تلك الأثناء، قام الأسد بالعمل مع وضد الأكراد بحسب مصالحه. وبالتالي فإن عمل أمريكا مع الأكراد كمقاتلين قادة لمحاربة تنظيم الدولة في المنطقة قرب الحدود التركية لا يزال إشكالا حتى الآن على أقل تقدير. وجزئيا، نحتاج إلى الاعتماد على المخيّلة الدبلوماسية للتفريق بين محاربي تنظيم القاعدة، ووحدات حماية الشعب الكردستاني PYD من مقاتلي حزب العمال الكردستاني PKK الذين أعلنوا الحرب على الحكومة التركية. والحقيقة أن كل من وحدات حماية الشعب الكردستاني ومقاتلي الحزب العمال الكردستاني لا ينكران أنهما من ذات المنظمة. كما أن العديد من الفصائل المدعومة من أمريكا التي حاربت في سوريا، حاربت أيضا في تركيا. وتعد القاعدة الأمريكية في رميلان في قلب حزب الاتحاد الديمقراطي، وتسمى بكردستان السورية. وفي بناء منشأة هناك، ستضمن أمريكا الحكم الذاتي للأكراد، وأيضا كعامل مقيّد لطموحاتهم الجامحة. وهناك الحاجة أيضا إلى بناء منشأة أخرى في الصحراء بين سوريا والعراق في منطقة القيم وبوكمال الموجودتان على كل جهة من الحدود بين البلدين. وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت برنامجا فاشلا لطرد تنظيم الدولة من بوكمال بالاستعانة مع خريجي الجيش السوري الجديد ممن تدربوا في التنف. لقد تم إخبارنا من قبل مصادر رفيعة المستوى في الحكومة الأردنية بأنهم فشلوا لأنه بعد أشهر من التخطيط للعملية تم رفض دعم جوي أساسي لهم في اللحظة الأخيرة من قبل جنرال أمريكي. كما كان الفريق الذي تم استخدامه للعملية صغيرا جدا. وكان أن أفاد تنظيم الدولة أن التراجع المؤقت إلى الصحراء هو أحد استراتيجياته. وقبل خمس سنوات سمحت تلك المناورة للقاعدة في العراق على إعادة تنظيم نفسها ورسم عودة تاريخية لها. ولتجنّب مثل هذه الخطوة، يجب بناء مختلف التحالفات والقواعد في المناطق التي نقترحها. يقول الملازم الأول ريك فرانكونا ملحق الجوية الأول في السفارة الأمريكية في دمشق أن القوات الأمريكية مدرّبة ومجهّزة لبناء مثل هذه القواعد أو لتوسيع الحالية. وأضاف أنه بغياب الالتزام الأميريكي بالتواجد في هذا الجزء من سوريا، ستكون فرصة الاستقرار ضئيلة أو أن يبقى الوضع كما هو. فالفصائل العاملة هناك والمختلفة سوف تتنافس فيما بينها وستتقاتل. وهذا الوجود من شأنه أيضا المحافظة على السلام بين حلفاء أمريكا المتناحرة التي ستندلع بينها مختلف الحروب عند هزيمة تنظيم القاعدة أو حتى قبلها. كما ستتشجع الدول السنية في الخليج برؤيتها لقاعدة أمريكية صلبة على الأرض، وسيهدئ ذلك من مخاوفها من قيام أمريكا ببيع المنطقة لإيران. فعلى أمريكا ألا تنتظر الجدول الزمني الذي وضعه الأسد وبوتين وآيات الله خامنئي قبل أن تنشئ وجودها على الأرض، والتي تسمح هيمنتها العسكرية في الشرق على ذلك. يمكن التنبؤ ببعض الأمور في الشرق الأوسط. منها أن كل استراتيجية فيها ترتبط باستخراج النفط من أراضيه. فليكن كذلك! وتعد الجزيرة أكثر مناطق سوريا غنية بالبترول. وهذا يعني عمليا تعزيز المكانة الاقتصادية والسياسية تلقائيا للمجتمعات فيها مقارنة مع بقية سوريا. إضافة إلى منح المعارضة السورية ورقة رابحة لها مستقبلا في جنيف. وبالرغم من وعود الأسد باسترجاع كل شبر من سوريا، إلا أنه لن يستطيع ذلك مع وجود الدبابات التركية في ريف حلب وتواجد القوات الأمريكية الخاصة مع المليشات الكردية والعربية في الشمال والجنوب، على الأقل دون فتح حرب مع أقوى جيشين في الحلف الأطلسي. فالاختيار ليس بين بقاء أميركا في سوريا أو خارجها. وإنما أن تبقى أمريكا أو أن تُجبر على العودة. بقلم إشراق كمال عرفة من منّا لا يريد الأفضل لأولاده؟ فنسعى إلى أن نوفر لهم أفضل متطلبات الحياة من طعام وشراب وكساء وعلاج وتعليم، ويقوم الكثير منا باتباع كل وسيلة متاحة وممكنة وحتى شبه مستحيلة لتحقيق ذلك، فنجد من يغترب بعيداً عنهم، وآخر لا يتمكّن من العودة إلى المنزل إلا في الإجازات الأسبوعية، وثالثاً يعمل في أكثر من وظيفة، وغيره يتحمّل مختلف أنواع الضغوط النفسية والجسدية في عمله. كما أصبحت الكثير من الأمهات مجبرات على العمل لتحقيق ذات الهدف، فيضطررن إلى ترك أولادهن في السنوات الأولى من عمرهم للالتحاق بدوام العمل، ويغيب معظمهن عن أولادهن طيلة النهار، مما يجعل الكثير منهن غير قادرات على رعايتهم وعلى متابعة دراستهم وحل مشكلاتهم والاهتمام بشؤون المنزل. وأذكر هنا إحدى الرسومات الكرتونية الساخرة التي سلّطت الضوء على ذلك، وفيها يرجع الابن من السفر متلهفاً لعناق العاملة المنزلية الأجنبية بدلاً من أمه محدّثاً إياها بنفس لغتها التي لم تفهمها أمه، فهذا الاهتمام الكبير بتوفير مصاريف الأولاد من كلا الوالدين يجعلهما غافلين عن رعاية الجوانب الأخرى لهم، التي هي أساس تنشئتهم وإعدادهم لمواجهة الحياة، ولبناء مستقبلهم. وتزداد صعوبة تربية الأبناء ومساعدتهم على النجاح في الاستقلال والاعتماد على أنفسهم مع زوال العائلة الممتدة، فالطفل في السابق كان يعيش العادات والتقاليد وثقافة العائلة من خلال وجود الجد والجدة والأعمام والأخوال في نفس المنزل، كما كان يتشرّب منهم الإرث الذي يميّز كل عائلة عن أخرى، كالحرف والمهارات، فيميل الطفل حينها إلى اتباع ذات المجال؛ ليكون نجاراً أو حداداً أو مزارعاً كأبيه وأعمامه وأجداده، ضامناً بذلك مستقبلاً قادراً فيه على إيجاد لقمة العيش، ومتخلّصاً بذلك من شبح البطالة الذي يلاحق الكثير من أصحاب الشهادات الأكاديمية في المدن، فيصبح قادراً على بناء عائلته الخاصة، ورعايتها عن قرب. ولهذا السبب نجد في بعض القبائل التي تمكّنت من الصمود ضد الزحف الصناعي أخلاقيات وكرماً لدى أبنائها أفضل مِمن يعيش في المناطق الأخرى التي تدخلت فيها عوامل خارجية كثيرة في تنشئة الطفل وفي غرس معتقداته، كالتلفاز والألعاب الإلكترونية والعاملة والحضانة والمدرسة والجامعة. حتى إننا نجد تميّز التربية الدينية في المناطق النائية والبادية عن غيره، ويعد أحد أسباب ذلك هو المراقبة المستمرة من قبل الأهل والمجتمع له، فالطفل عندهم ينشأ في ثقافة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبالتالي يتردد في فعل الخطأ ويتشجّع على عمل الخير. إذاً كيف يمكن تأهيل أولادنا على بناء ناجح لمستقبلهم؟ أولاً: أشارت إحدى المقالات حول تربية الطفل إلى أهمية تعليمه مهارات أساسية ليتمكّن من الشعور بالمسؤولية، مثل قدرته على تحضير الطعام وإطعام نفسه وغسل ملابسه وتحضير حقيبته المدرسية والاستيقاظ صباحاً دون مساعدة أهله، إضافة إلى تعليمه كيفية التكّلم مع الغرباء، والتعبير عن نفسه، والدفاع عنها، وهذه الأمور لا تساعد الطفل فقط في الاعتماد على النفس، وإنما تنمي لديه جوانب مهمة في الشخصية كالثقة بالنفس وحب الذات وتقديرها. ثانياً: على الطفل تعلّم الإحسان إلى الآخرين، وحسن التعامل مع الجيران، واحترام الكبير ومعايدة المريض، والتصدّق على المحتاجين، وبرّ الوالدين، وهذا لن يتعلمه بحفظه في الكتب وفي الاستماع إلى مختلف البرامج الدينية والثقافية، فلكي تنغرس فيه وتصبح جزءاً من وعيه وشخصيته، عليه بممارستها وتشجيعه عليها، ولذلك كان الأب في السابق وفي البادية جليس ابنه ويصحبه معه ويدرّبه ويرشده، وكانت الابنة رفيقة أمها، فتتعلم منها مختلف المهارات كالحياكة والتطريز والطبخ والتنظيف وغيرها، فكان الابن يكبر رجلاً قادراً على تحمّل المسؤولية، وتكبر البنت وهي مؤهلة للزواج ولرعاية بيتها ولتربية أولادها. فعلى الأهل إدراك أن ولدهم لن يكبر بتوفير ما يحتاجه وعند طلبه، ولن يتمكّن من بناء علاقات ناجحة مع الآخرين دون تطوير لمهاراته الحياتية، فهو يحتاج إلى الانخراط في المجتمع وتعلم مهارات التواصل وتذوق حلاوة مساعدة الآخر، وإلا فإنه سيكون معرضاً للشعور بالفراغ وسوء إشغال نفسه، وأحياناً كثيرة سيتمرّد على كل شيء، ولهذا السبب بالذات نجد انتشار مشكلات المراهقين في الحياة المدنية من سوء أخلاق واكتساب للعادات السيئة، من شرب للمسكرات والإدمان والتسكّع في الطرقات وغيرها من الانحرافات، فغياب الرقابة والصرامة وروح المبادرة يجعل الشباب ضائعين حيرانين في دورهم بهذه الحياة، فلا يحسنون استغلال الوقت، ولا أهمية العمل، ولا حتى إدراك وجود آخرة التي لن ينالوا فيها البر دون عمل واجتهاد. ثالثاً: توفير الوقت لهم وفتح قنوات الحوار معهم ومتابعة شؤونهم، ومن ثم تشجيعهم على الصحبة الصالحة، فبحسب كتاب "تربية البنات" لاختصاصية علم النفس الألمانية جيزيلا بريشوف، لن تتطور مهارات الطفل عبر مشاهدة التلفاز والتفاعل عبر الإنترنت وغيرها، وإنما بالحوار مع والديه ومشاركتهما إياه مختلف الأنشطة، وفي العصر التقني العالي الذي نشهده، يمكن لكلا الوالدين البدء في البحث عن مختلف الوظائف التي يمكن إنجازها دون الحاجة إلى ترك أولادهما. كما يمكن للأم الجديدة أن تقلل من ساعات العمل في وظيفتها لترعى طفلها أو أن تطلب العمل من المنزل، فهناك دوما حل مناسب لكل الأطراف. رابعاً: تنمية مختلف مهارات الطفل وتشجيعه على تطويرها، كالرسم والتنس ولعبة السلة والسباحة، وبذلك ننمي شعور الطفل بالثقة بالنفس والفخر بها، وإشغاله بنفس الوقت بما يفيده، وهذا ما أشارت إليه بريشوف أيضاً، فهو من الأهمية لما له دور في حمايته من الانحراف. خامساً: تقنين استخدام الطفل للتقنيات المختلفة وعدم تشجيعه على استخدام مختلف تطبيقات الأجهزة اللوحية، فهي إضافة إلى أنها وسيلة قوية لإلهائه عن تطوير مهاراته وتعليمه، فقد ثبت ضررها على صحته الجسدية والعقلية؛ إذ أفادت إحدى الدراسات التي نشرتها مجلة جاما لطب الأطفال، بأن الإكثار من استخدام هذه الأجهزة من قبل الأطفال والمراهقين سبب لإصابتهم بالسمنة والاكتئاب والقلق وضعف في الذاكرة ومشكلات في التفاعل الاجتماعي، كما أنها تزيد من نسبة النوم المفرط لديهم أثناء النهار، بمعدل 200 في المائة. كما بيّنت دراسة أخرى أثرها الضار على سلامة النظر لديهم نتيجة استخدامها. وأخيراً، تعليم الطفل حب الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أوصى الرسول بذلك بقوله: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن"، وهذا لن يتحقق إلا بالقراءة للطفل عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، في مختلف مجالاتها، وبيان الحكمة في قصص القرآن الكريم في آياته الكريمة، التي فيها تظهر نصرة الخير على الشر، وتفضيل الله للعبد الصالح على السيئ، كما سيدرك الطفل حقيقة الحياة الدنيا، وأنها دار عمل لنيل الثواب في الآخرة، فيحرص على استغلال الوقت والعمل الجاد وخدمة الآخرين لنيل الحسنات المنجيات، وسيكبر شعوره بالانتماء والفخر للأمة، وستتعزز لديه الهوية الثقافية والدينية، فيصبح قوياً في مواجهة مختلف التغييرات البيئية والثقافية، وصامداً ضد الهجمات الدينية المشككة في حقيقة الكون والموت والحياة، وقادراً على تحقيق دوره في الخلافة على هذه الأرض، بما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. بقلم إحسان ثارور اتفق الرئيسان باراك أوباما، والمنتخب دونالد ترامب بأنه كان على أمريكا ألا تجتاح العراق عام 2003. فالحرب في العراق والفوضى التي حصلت بعدها في منطقة الشرق الأوسط تسببت في صراع طائفي امتدّ إلى كافة مناطق العراق ودخل سوريا. وهذا تسبب في الكثير من التفكير والقلق لدى إدارة أوباما حول ضرورة المزيد من التدخل في صراعات المنطقة. وفي كتابه الجديد الذي سيصدر هذا الشهر، ذكر جون نيكسون، ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق، والذي حقّق مع الرئيس صدّام حسين عندما وقع في الأسر في ديسمبر 2003، تفاصيل لقائه معه ومحاداثاته معه. وكان قد حّذره صدام في وقت سابق من أن احتلال العراق لن يكون سهلا كما ظنّ المحافظون الجدد في واشنطن. فيقول الضابط: ”عندما حققّت مع صدام، أخبرني: ستفشلون. ستجدون أن حكم العراق ليس سهلا. وعندما سألته عن السبب أجابني قائلا: ستفشلون في العراق لأنكم تجهلون اللغة، التاريخ، ولأنكم لا تفهمون العقل العربي“. يقرّ نيكسون الآن بأن صدام كان على حق. فرجل شديد القوة مثله كان يجب أن يبقى في حكم العراق للمحافظة على بلد متعدد الطوائف، ولفصل الشيعة التي تقودها إيران عن السنة المتطرفين. وأضاف نيكسون: ”إن أسلوب قيادة صدام وميله للعنف إحدى عيوب نظامه، ولكنه يصبح حاسماعندما يشعر بخطر تهتز لها قاعدة سلطته. وكان من المستبعد أن يتم إسقاطه من أي حركة شعبية مستاءة “. ”وبالتالي، فإن جماعة مثل تنظيم الدولة، سيستحيل عليها أن تنجح في ظل نظامه القمعي“. قد يكون ذلك صحيحا. فترامب نفسه يصرّ على أن تغيير أي نظام يجب ألا يكون ضمن اهتمامات واشنطن، وهي التي نجدها الآن وقد احتضنت قادة ديكتاتوريين مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ويقول نيكسون: ”بالرغم من أنني لم أجد صدام محبوبا، إلا أنني اضطررت لاحترامه لقدرته على المحافظة على شعب العراق متمساكا في فترة حكمه. وأخبرني ذات مرة: قبل أن أمسك الحكم، كان هناك خصام وجدال. تمكّنت من إنهاء كل ذلك وفي جعل الناس ترضخ بذلك“. إلّا أنّ كثيرا من المحللين العرب يرفضون البساطة في هذا الطرح. أي أن الأمم إن لم يحكمها مستبد ستصبح أرضا خصبة للتطرف. وهناك أمر أخير، لقد تبيّن وجود علاقة مباشرة بين السياسات الظالمة التي يتبعها الديكتاتور والظروف التي تُولد منها التطرّف وتُعمّق الخلافات الطائفية. فالمجمتعات المتعددة الأعراق تعد دوما الوضع الطبيعي عبر التاريخ وليس الاستثناء. بقلم إشراق كمال عرفة كثيرة هي الأمثال الشعبية العربية التي تعكس إعطاء الذكر حظا أكبر من الأنثى. مثل: (وين ما رمتيه بيجي واقف)، في إشارة إلى قدرة الرجل على العمل والسفر في أي مكان، بعكس الأنثى التي تبقى محتمية في جلباب أبيها ومختبئة بعباءة زوجها. وهناك المثل الذي يقول: (ما بيعيب الرجّال غير جيبته) برخصة مبطّنة للرجل لعمل ما يشاء، فلن يعيبه أي تصرّف أو سوء خلق أومعاملة أو قلة الدين أو غيرها، فقط قلّة المال! وهناك أيضا: (ظل راجل ولا ظل حيطة)، الذي تردده معظم النساء وخاصة ممن يتعرّضن للعنف بكل أشكاله، من لفظي وجسدي وعاطفي. فبرأيهن وجود الرجل في حياتهن نعمة كبيرة. فإن أحسن معاملتهن فعليهن شكره، وإن أساء معاملتهن فعليهن الصبر، وإن عنّف فعليهن الرضوخ. وبانتشار مثل هذه الأمثال، يختفي حكم الدين وما أعطاه من حق وتكريم للمرأة. فالإسلام بيّن أن الرجل متساو مع المرأة في الحقوق والواجبات وفي الثواب والعقاب. وفي ذلك نجد الكثير من الآيات القرآنية التي تخاطب الأنثى كالذكر، منها: 1. (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)) – الأحزاب. 2. (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97))- النحل. 3. (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)) – التوبة كما أعطى الإسلام المرأة الحق في الميراث وفي التصرف الحرّ بأموالها وفي اختيار الزواج من عدمه، وحتى في الطلاق إن كرهت زوجها مع عدم إجبارها على العيش معه. تماما كما فعلت بريرة التي رفضت شفاعة الرسول –صلى الله عليه وسلم- في العودة إلى زوجها مغيث بن جحش. إذ ذهب إليها الرسول بعدما رأى زوجها يبكي أمام الناس ويرجوها العودة إليه بعد فراقهما، فسألت الرسول عندما حضر إليها: (أأمر هو أم شفاعة؟). فأجاب – صلى الله عليه وسلم- : (لا إنما أنا أشفع له). فقالت: (يا رسول الله، لا حاجة لي فيه). ولم يفرض عليها الرسول في حينه العودة إليه. وبذلك نجد أن الإسلام كرّم المرأة بحرية القلب والعواطف والإرادة. كما بيّن الإسلام أن للمرأة دور مميز ومختلف عن الرجل، دون أن يعني ذلك التسلّط عليها والانتقاص من قيمتها. وفي ذلك كان أن ذهبت أسماء بنت يزيد الأنصارية إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- فقالت له: (يا رسول الله إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي .. إن الله بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك واتبعناك. ونحن، معشر النساء، مقصورات مخدرات، قواعد بيوت، وموضع شهوات الرجال، وحاملات أولادكم. وإن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود جنائز، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وربينا أولادهم، أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟). فالتفت الرسول – صلى الله عليه وسلم –بوجهه إلى أصحابه، وقال لهم: (أسمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه؟) فقالوا: لا، يا رسول الله. فقال – صلى الله عليه وسلم-: (إنصرفي يا أسماء، وأعلمي من خلقك من النساء، أن حُسن تبعّل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كلّه). فانصرفت وهي تهلل. ومن علاقة الرسول – صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمثلة لا حصر لها على حسن التعامل مع الزوجة. فقد كان – صلى الله عليه وسلم- حانيا كريما لطيفا ورحيما. وكان يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم). وكان يحب زوجاته ويستمع لهن ويحترمهن، ودائم المزاح والتودد معهن، ولم يحصل أبدا أن صرخ بهن أو ضربهن. وإنما كان صبورا عليهن متحملا لهن. وفي حجته الأخيرة، حجة الوداع، أوصى الرسول- صلى الله عليه وسلم- كافة المسلمين بالنساء بقوله: (واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله بالنساء، واستوصوا بهن خيرا). بالنهاية، تبقى ظاهرة العنف ضد المراة بكافة أشكالها موجودة في البادية والحضر وفي مختلف أنحاء العالم. ولكن يمكّن الحدّ منها ومنعها بالعديد من الطرق، منها: أولا- إن أصل الحل لأي مشكلة يكمن في التربية والتعليم. فعلى كل والدين عدم التفريق بين الأبناء والبنات في التربية والمعاملة وفي الثواب والعقاب، لئلا يشعر الابن بتفوقه على البنت، وبالتالي الاستقواء عليها وفرض سيطرته عليها، فيصبح زوجا متحكما متسلطا لاحقا. كما يجب تعليم الأبناء من الذكور كيفية معاملة النساء واحترامهن عن طريق القدوة؛ الرسول – صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته. ثانيا- على كل أم توعية ابنتها حول كيفية التصرّف عند تعرّضها للعنف وبكافة أشكاله، وأيضا البدء في تعليمها كيفية الدفاع عن نفسها، وفي تعلّم المهارات الخاصة بذلك، كالكاراتيه والجودو وغيرها. فبحسب كتاب (تربية البنات) لاختصاصية علم النفس الألمانية (جيزيلا بريشوف)، فإن ذلك سيساهم في تطوير حب الذات لدى البنت واحترامها وتقديرها، وزيادة ثقتها بنفسها، وبالتالي حمايتها من أي اعتداء. ثالثا- للمدرسة دور هام في توعية كافة الفتيات من مختلف الخلفيات الثقافية حول التصدي للعنف وتوعيتهن بحقوقهن، وعدم السكوت عن أي تحرش وإيذاء من أي شخص، وذلك بمساعدة المرشدة النفسية، ليتم الحد من مشاكل العنف قبل أن تتفاقم إلى جرائم قتل واغتصاب. رابعا- أن تنهض المرأة وتبدأ بالتعاون مع بقية النسوة في كل مجتمع والمبادرة بعمل مساكن لإيواء المعنّفات وأولادهن كما في الغرب. على أن تقوم هذه المساكن بدعم من الحكومة والمجتمع. ولا أظن أن هناك من سترفض بالتبرّع لمثل هذه المساكن في منطقتها والتطوّع في تقديم يد المساعدة من طعام وكساء. كما ويجب تعليم ضحايا العنف فيها مختلف المهارات ليتمكّن بعد ذلك من التأهل للعيش بالاعتماد على أنفسهن. خامسا - أن يتوفر لكل قسم شرطة في كل منطقة خط ساخن للاتصالات الخاصة بالعنف المنزلي، والتصرف بسرعة وكفاءة، لئلا يتمادى المعتدي ويقف عند حدّه بعلمه لوجود العقاب. وكما قال ابن المقفّع: (من أمن العقاب أساء الأدب). وأخيرا، على المرأة نفسها أن تعي حقها في التصدي للعنف، وأن تطالب به، ومن دون ذلك، فلن تجدي أي من الطرق السابقة في حمايتها. وستبقى راضية بأن يفعل بها الرجل الأفاعيل، لأنه ببساطة "رجل"! بقلم خي هاي
لأكثر من 15 عاما، عملت في مجال المالية. وكان يمتلك الناس الذين كنت أعمل معهم عدة أشياء مشتركة؛ مثل حب الأحذية الفارهة من غوتشي، وعشق تناول الإفطار لدى ليفر هاوس بما قيمته 39 دولارا. وكلنا كنا نؤمن بالكأس المقدس، والذي كنا نشير إليه بالرقم! فكل شخص في المالية، لديه رقما خاصا به. أي مبلغ المال الذي نمتلكه في حسابنا بالبنك قبل التقاعد لنتمكّن من التجوال حول العالم، أو للتفكير في ريادة الأعمال، أو لتمضية الوقت مع أطفالنا، أو أي شيء آخر نرغب في عمله. فهذا الرقم كان الحل لكل مشاكلنا التي نواجهها في حياتنا. فهو الذي كان يجعل كل ساعات العمل المضنية تستحق عرق الجبين. آمنت بالرقم لوقت طويل. وكنت أعتقد أنني ما زلت بحاجة إلى صفرين لأصبح على برّ الأمان، والذي سيجعلني أمضي بقية حياتي دون القلق على حالتي المادية. ولكنني توقفت! لقد أدركت أن ذلك الرقم هو الطريق المختصر والكسول، والذي يمنعني من تقييم معنى حياتي الخاصة. وفيما يلي كيف يقوم الأشخاص في مجال المالية بحساب الرقم الخاص بهم. يقومون أولا بإيجاد المبلغ الذي سينفقونه سنويا في أحلامهم عند التقاعد، ثم يقومون بقسمة ذلك المبلغ على عوائدهم الاستثمارية المتوقعة لحساباتهم الإدخارية وباقي استثمارتهم. فمثلا، إن كان مبلغ التقاعد الخاص بك سنويا هو 150 ألف دولار، وأنت تتوقع 2% كنسبة لعوائد استثمارك سنويا. فالرقم الخاص بك يكون حينها 7.5 مليون دولار. فإن ظننت أن عائدك الاستثماري طويل المدى يساوي 8% لسوق الأسهم، فأنت تحتاج إلى 1.9 مليون دولار قبل أن تتمكّن من التقاعد. ويمكنك تعديل هذه المعادلة لتناسب نفقات أخرى، مثل حفلات الزفاف لأطفالك وشراء منزل ودفع مصاريف الجامعة. وشخصيا، كنت أملك رقمي الخاص. وكان يتغيّر عبر السنوات من خلال إضافة أصفار وإزالتها. ولكن بالنهاية تخليّت عن كامل المعادلة، لأن فيها أخطاء متوارثة. فمن هذه الأخطاء هو استحالة تحديد الرقم. وذلك لأنك تقوم فقط بالتخمين بما سيحصل لك في المستقبل المجهول. فمثلا لا ندري متى سنتزوج، أو عدد أطفالنا الذين سننجبهم، أو فيما لو أننا لن نتمكّن من إنجاب أي أطفال. وبذلك وجدت أن الرقم يعطيني وهم بالسيطرة؛ إذ كان تخطيط حياتي على الورق يعطيني شعورا بأنها تسير على ما يرام، أو أنها ستصبح كذلك في المستقبل القريب. ومشكلة أخرى تتعلق بالرقم، هو أنه قد يقودك إلى مسار خطر. فهو مجرد أداة مالية، ولكنّه أصبح بالنسبة لي أكثر من مجرّد ذلك. لقد أصبح دليلا على النجاح، وسباقا مع الآخرين لمن يتمكّن من تحقيق الرقم الأعلى. وعندما بدأت أفكر في الرقم بذلك الشكل، بدأ يكبر بشكل سريع. لقد زاد انتباهي وانجذابي لمؤشرات الحالة المادية لدى الآخرين. فمثلا، لم أكن أهتم بالساعات، ولكن بدأت ألحظ تلك التي يرتديها المدراء وذوي الشخصيات المرموقة. فأردت واحدة أنا أيضا مشابهة لها. وبغض النظر إن كان سعرها مساو لقيمة إيجار منزلي لأربعة أشهر. ثم بدأت بمقارنة كل شيء أملكه مع الآخرين. مثل خواتم الخطوبة، الشقق، الرحلات الصيفية. فأصبحت حياتي كما وصفها بين كازنوغا (هيروين مقارنة الحالة). وكانت خبرتي متماشية مع الأبحاث التي أظهرت أن الأشخاص الذين يسعون إلى أهداف خارجية كالمال وتحقيق حالة اجتماعية ما، يملكون حبا متدنيا لأنفسهم، واحتمالية للوقوع في فخ الإدمان، والإكثار من مشاهدة التلفاز. ولا يزال هناك الأسوأ! فالأشخاص الذين يتأثرون بالساعات التي يرتديها الأعلى منهم طبقة، هم سيئون مع أصدقائهم وأزواجهم وأحبائهم. إذ تشوب العلاقة الغيرة الشديدة. وبغض النظر عن امتلاك لمهنة رائعة وعائلة محبة، ومجموعة من الأصدقاء، جعلني الرقم أشعر بعدم الأمان وبالنقص. وأكبر مشاكل الرقم هو التركيز عليه. فالتفكير الدائم بمقدار المال الذي تحتاجه لتعيش مستقبلا حالما يقتل متعتك في عيش الحاضر. كما أنه يخطط لك لحياة بعيدة المدى وغير مضمونة. فقد كنت دوما أقول لنفسي: ”عندما أتمكّن من تحصيل الرقم، حينها سأكون سعيدا وسأبدأ بعيش حياتي“. وهذه الطريقة في التفكير سرقت مني متعة تناول بالطعام وتمضية إجازاتي. فبدلا من الاستمتاع بالمشهيات، كنت أفكر في التحلية، وبدلا من الاستمتاع في أشجار النخيل وشاطئ البحر أثناء الإجازة، كنت أخطط لإجازتي التالية. وكل ذلك جعلني دوما غير راض عن أي شيء. حتى بعد أن اقتربت من تحقيق الرقم! وكلما زاد تفكيري به، زاد إدراكي بسوء فهمي حول المال والسعادة. وعندما توقفت عن التفكير بالرقم، بدأت أستمتع برفقة زوجتي وابنتي، وبالتأمل وبممارسة التمارين والأنشطة الرياضية والخارجية، والاستمتاع ببعض الهدوء التام بعيدا عن أية اتصال وتواصل على الانترنت. حينها بدأت أشعر بصحة أفضل في عقلي وجسدي وروحي. ولكن لا أزال أحتاج إلى مقدار أساسي من الأموال لأتمكن من دفع الفواتير ورعاية عائلتي. ولكن لا أريد التركيز على التوفير من أجل إجازة الأحلام في المستقبل البعيد. فبدلا من ذلك، أريد إنقاذ اللحظات القيّمة مع عائلتي. أحتاج إلى الشعور بالسعادة الآن. بقلم إشراق كمال عرفة
يزداد الاهتمام في القيادة والصفات المطلوبة في القائد يوماً بعد يوم، وذلك لأهميتها في تحقيق التطوّر والنجاح في مختلف مجالات الحياة، من سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية، وظهرت الكثير من النظريات المتضاربة حول طبيعة الصفات القيادية، فمثلا، أفادت أولى نظريات القيادة (نظرية الرجل العظيم - 1840) التي طرحها الكاتب توماس كارليل، بأن صفات القيادة تُولد مع الإنسان، ولا يمكن اكتسابها من أي بيئة؛ مما يدفع إلى وجود عدد محدود من القادة، إلا أن (نظرية السمات - 1930) التي وضعها العالم النفسي رايموند كاتل أفادت بإمكانية اكتساب صفات القيادة وليس شرطاً أن تكون موروثة فقط، فمثلاً، تعدّ الثقة بالنفس وحب التعاون من الصفات الموروثة، أما مختلف المهارات الاجتماعية كالإقناع والقدرة على التواصل مع الآخرين فيمكن تعلّمها لاحقاً. وعلى الرغم من وجود الكثير من النظريات الأخرى التي تم طرحها بعد ذلك حول الصفات المطلوبة للقائد، فإنها تفتقر إلى الإثبات التطبيقي، ولكن قبل ذلك بقرون، كان قد أوجد الإسلام نموذجاً واقعياً كاملاً ومتكاملاً للقائد القادر على إلهام الآخرين. فالقائد الملهم هو القادر على تحفيز الآخرين، وإثارة روح الحماس والتعاون فيما بينهم، وإخراج أفضل ما لديهم، كما يساعدهم على تحدّي أنفسهم، وتطويرها ليكونوا أفضل حالاً. ولكن ليحقق ذلك عليه أن يتحلّى بصفات مميزة، وهي التي سيتم التعرّف عليها من خلال شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: أولاً: على القيادي الملهِم التحلّي بالأخلاق الحسنة؛ ليتمكّن من التأثير على الآخرين، وهذا ما أشار إليه أيضاً ستيفن كوفي، في كتابه الأفضل مبيعاً حول العالم: "العادات السبع لأكثر الناس كفاءة"، فالشخص ذو الخلق الحسن هو الذي يفضل الناس التعامل معه على أي أحد آخر، فهي تكره الكاذب والمخادع وتقطع علاقتها معه، ولذلك كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفضل الناس خلقاً؛ لقوله تعالى: "وَإنَّكَ لعَلى خُلقٍ عَظيم" (القلم: 4)، وقالت عنه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في وصفه: "كان خلقه القرآن". كما عُرف -عليه الصلاة والسلام- بالصدق والأمانة حتى قبل البعثة، فقد قبلت الأطراف المتنازعة من قريش تحكيمه في وضع الحجر الأسود، بقولها في الإشارة إليه عند وصوله إلى الكعبة: "هذا الأمين، رضينا به حكماً". ثانياً: تعد المعرفة والحكمة من الصفات المهمة للقائد الملهِم وذلك ليتمكن من توجيه الناس لما فيه الخير لهم، فبحسب صاحب أفضل الكتب مبيعاً حول العالم "جون أدير"، على القيادي الملهِم التفوق بعلمه وحكمته على غيره. وعلى الرغم من أميّة الرسول الكريم، فإن الله -تعالى- أنزل عليه الحكمة والعلم الغزير بما يتعلّق بقيادة الأمة، وذلك عن طريق الوحي، سيدنا جبريل عليه السلام، قال تعالى: "مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى" (النجم: 2 -5). وقد حاولت اليهود اختبار علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة، مثل سؤاله عن عقوبة الزاني المحصن، وإشارتهم على قريش بسؤاله عن أهل الكهف وذي القرنين والروح. فالرسول كان معلماً وبشيراً ونذيراً، وبيّن أن العلماء ورثة الأنبياء، وأهمية توليهم لمناصب الحكم؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة"، ولذلك يشترط في الأئمة تفوقهم في الدين، وأن يكونوا من العلماء في حكم الشرع؛ ليتمكنوا من توظيف خبرتهم وحكمتهم في تسيير أمور الناس لما فيه الخير لهم، وإن تخلّفوا على ذلك فلا شرعية لهم؛ لما سينتج عن ذلك من ظلم على العباد، وتشتت شملهم، وانهيار أمتهم. من جهة أخرى، على القائد الملهم عدم التصرّف خارج حدود معرفته، والإقرار بوجود من هو أعلم منه في مجالات الحياة الأخرى، وهذا ما بيّنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ما كان من أمر دينكم فإليَّ، وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به". ثالثاً: على القائد الملهم حُسن التعامل مع الآخرين والعفو والصبر عليهم: فالقائد الملهِم لا ييأس من الآخرين لإيمانه بالخير والقوة فيهم، فكان أن عفا الرسول -صلّى الله عليه وسلم- على الصحابة بعد أن خالفوا أمره في غزوة أحد، وذلك بعد أن أوصاه الله تعالى بذلك بقوله جلّ وعلا: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاستغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران: 159). فالعفو والصفح عاملان أساسيان في تحفيز الآخرين؛ ليكونوا أفضل حالاً، وهذا ما أدى إلى اعتناق اليهودي الإسلام عندما زاره الرسول لعيادته وقت مرضه على الرغم من إيذائه المتكرر له. والصفح صفة لا يستطيع أي أحد أن يمتلكها إلّا في حال تمكّن من تفهّم الآخر بالاستماع له وتقدير ظروفه واحتياجاته، وإدراك الأبعاد النفسية والاجتماعية له قبل إصدار الحكم عليه، قال تعالى: "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِي حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" (فصلت: 34 و35)، وهذا ما فعله -صلى الله عليه وسلم- عندما قام حاطب بن أبي بلتعة بإفشاء سر غزو الرسول لأهل مكة من خلال كتاب أرسله مع امرأة من المشركين، وعندما واجهه الرسول أخبره أنّ السبب هو خوفه على أهله، فصدّقه وأطلقه، ومنع عمر بن الخطّاب من قتله، والآخرين من غمزه ولمزه. رابعاً: على القائد الملهِم استشارة الآخرين، واتخاذ القرار الذي تم الإجماع عليه، وهو من الأهمية البالغة لما له من أثر في إشعارهم بقيمتهم واحترامهم وكسب ثقتهم وإخلاصهم. قال تعالى: "وَالَّذِينَ استجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" (الشورى: 38)، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستشير صحابته في أكثر من موضع، وفي ذلك قال أبو هريرة: "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، حتى قبل وضع الولاة والأمراء وقادة الجيش كان -عليه الصلاة والسلام- يستشير المسلمين في ذلك، كما استشار أصحابه في اختيار مكان غزوة بدر بقوله: "أشيروا عليَّ أيها الناس"، وكان أن أشاروا عليه أيضاً في غزوة أُحُد بقتال المشركين بدلاً من التحصّن داخل المدينة، وعمل بنصيحة الصحابي سلمان الفارسي بحفر الخندق في غزوة الأحزاب. كما كان -عليه الصلاة والسلام- يأخذ برأي زوجاته أمهات المؤمنين، فمثلاً، أشارت عليه زوجته أم سلمة بالنحر والتحلل من الإحرام في صلح الحديبية أمام المسلمين ليقتدوا به. خامساً: لن يكون القائد ملهماً وقادراً على تحفيز الآخرين إن لم يوجد معهم في كل الأحوال لحل مشكلاتهم ولمشاركتهم المهام والمخاطر، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعقد مختلف المجالس في مسجده ومنزله، وشارك المسلمين الغزوات، وكان قادراً على إشعارهم بالنصر والأمان حتى في أحلك الظروف، تماماً كما في قوله لأبي بكر، عندما اختبأ معه في الغار: "لا تحزن إن الله معنا". وأخيراً، إن لم يساعد القائد الآخرين على استشعار رؤية أفضل للمستقبل، فلن يتمكّن من تحفيزهم والتأثير عليهم، وهذا ما كان يفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوصف ثواب الجنة التي أوجدها الله تعالى للمتقين، وبحثِّ المسلمين على التنافس فيما بينهم لنيل أعلى درجاتها، وهذا ما كان سبباً في نصرة أبي الدحداح لليتيم الذي شكا نخلة جاره، بمنح مزرعته المميزة والمعروفة للجار ليتنازل عن نخلته مقابل مزارع لا تعداد لها في الجنة! |
Archives
November 2018
Categories |