بقلم بيتولا دفوراك — الواشنطن بوست امرأة بعمرها يفترض أن تكون مخفية، إلا أن هيلاري كلينتون 68 عاما ترفض أن تختفي. وهناك الكثير من الناس من يحتقرها لذلك! وكان أحد المصوتين في حملة دونالد ترامب قد وصفها بأنها ”شيطانة عجوز حانقة“. وكان ترامب الذي ليس هو بعصفور شاب كونه بعمر الـ 70 قد وصفها بأنها تفتقر للشكل وقوة التحمل المطلوبين لرئيس البلاد. كما وقام بتقليدها عندما كانت تتعثر بسبب مرضها الشديد الذي تم تشخيصه بأنه التهاب رئوي حاد. تعد كراهية للنساء، وخاصة للكبيرات في السن متأصلة في الثقافة الأمريكية. وهي من أحد أسباب الكراهية الشديدة لهيلاري كلينتون من غير معجبيها. وبالرغم من عدم مناقشة ذلك علنا، إلا أنها ظاهرة حقيقية في هذه الانتخابات. وسبب ترشح هيلاري بلبلة في أمريكا، لأنها تمثل ما تكرهه الثقافة الأمريكية سرا: المسنات! نادرا ما نجد للمسنة الحكيمة دورا فاعلا في القصة الأمريكية بما يتجاوز الجدة الحنونة وكعكاتها اللذيذة. وكثير من الناس من تكلم عن طريقة شعور المسنات في أمريكا بالإهمال بمجرد تجاوزهن لعمر الستين أو الخمسين، وحتى الأربعين في يومنا هذا. فنحن نعيش في ثقافة تهمل وجود الممثلات الجميلات مثل ماجي جيلينهال لأنه عمرهن تجاوز الثلاثين. وكانت قد أفادت في إحدى اللقاءات العام الماضي أنه تم رفضها لتمثيل دور حبيبة لرجل بعمر 55 لأنها كبيرة في السن، رغم أنها لم تتجاوز 37 عاما من العمر. وأضافت أنه صدمها ذلك وشعرت بالألم، ثم أثار غضبها، وأخيرا سخريتها. معظم النساء في تلك المرحلة العمرية يتذكرن جيدا اليوم الذي أضحوا فيه غير مرئيين. مثل قيام رجل المبيعات بالترويج لمنتج دون أي اهتمام لهن بالرغم من رغبتهن في شرائه، وعندما يتحدث المحاسب مع الشخص الذي أمامهن دون أي اهتمام لوجودهن في صف الانتظار، وعندما يتجاهلهن المبتدئ في العمل بدلا من محاولة الاستفادة منهن كرئيس ذو خبرة. ولا يتعلق بالأمر بما يرافق التقدم في العمر من انعدام الجاذبية وترهل الجسم. فمعظم المسنات لا يبالين بانعدام انجذاب الناس لهن لذلك. لا، هناك سبب أكثر عمقا لتلك المعاملة غير الإنسانية للمسنات. فهناك الكثير من الأماكن لكبار السن في عالم هوليوود. وذلك بحسب دراسة عن التنوع في صناعة الترفيه، والتي عقدتها كلية أننبرغ للصحافة والإتصالات في جامعة كاليفورنيا الجنوبية العام الماضي. إذ اطلعت تلك الدراسة على 414 من نصوص أفلام وبرامج تلفاز وسلسلات رقمية من شركات إعلامية كبرى بثتها بين عامي 2014 و 2015. وتبيّن ان 80% من أدوار الشخصيات بعمر الأربعين فيها كانت للرجال. فيا هوليوود .. هناك مسنات أخريات إلى جانب هيلين ميرين وجودي دينش وميريل ستريب، فلماذا لم يظهرن على الهواء؟ وهذا الوضع لا يختلف كثيرا عن المجالات الأخرى. فبحسب دراسة أخرى، قامت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين في كل من جامعة كاليفورنيا وجامعة تولين بإعداد 40 ألف سيرة ذاتية وهمية تعكس بعناية العمر مع الخبرة المناسبة، ومن ثم إرسالها إلى جميع أنواع الوظائف في مختلف المدن بكافة الولايات الأمريكية. وحدث ما كان متوقعا. إذ كان اتصال الشركات مع المسنات أقل بكثير من الشابات. وفي بعض الوظائف كان الفارق كبير، وصل إلى 47%، كتلك المتعلقة بالإدارة. أما فيما يتعلق بالذكور. فقد كان هناك تساو بين المسنين والأقل عمرا في يتعلق بالاهتمام في توظيفهم من تلك الشركات. وكما وتم تسجيل وجود 4% فقط من المديرات التنفيذيات لكبرى الشركات الأمريكية التي حصدت مركزا في تقرير Fortune 500. وبالرغم من وجود فئة قليلة تحترم المسنات، إلا أن عليهن المحاربة للفوز بمراكز سلطة يستحوذ عليها عادة الرجال ممن يملكوا نفس المهارات والخبرة. فهن لا يحصلن على ذات الفرصة للتعبير عن أفكارهن في الاجتماعات كحال الرجال، ويتم توقيف أو تجاهل ترقيتهن. مع نقد مستمر لطموحاتهن. وقد أفادت الرئيسة التنفيذية لشركة بيبسي، إندرا نويي، أن عليها أن تبذل ضعف المجهود مما يبذله الرجال من حولها. فنحن لا نزال غير قادرين على قبول وجود مسنات في مراكز سلطة. وربما أحد أسباب ذلك انعدام فرص العمل لهن حتى عام 1970. ولا يزال الكونجرس يضم 19% فقط من أعضائه من النساء، وذلك بالرغم من عدم تجاوزنا للمئة عام من تحصيلنا لحق التصويت. فلا نزال نحتاج المزيد من الوقت لنكون أمهات وعازبات وقياديات. ولكن ماذا عن الخبرة والحكمة والأشياء التي رأووها وتلك التي عرفنها؟ فإن نبذ المسنات يعني نبذ سنواتهن في المعرفة وكيفية التصرف. إذ تفترض نظرية الجدة أن المسنات قادرات على القيادة. إذ ينقطع لديهن الطمث ليتمكن من أداء تلك المهمة على وجه التحديد! فهناك أمل في أن يختفي تجاهلهن. فمثلا قاضية المحكمة العليا روث جينسبيرغ (83 عاما) يقدرها الجميع، وحتى تم اطلاق اسمها على أحد الشوارع. وفي وقت مبكر من هذا العام، أثارت جينسبيرغ ضجة كبيرة حينما نعتت المرشح الرئاسي دونالد ترامب بالمزيّف. إضافة إلى قلقها حول البلاد حال نجح في الانتخابات. وكان ترامب قد أسرع بالتصريح على رفضه لها وبالادعاء على أنها تعاني من خلل عقلي. ولكنه يعلم ترامب حقيقة ذكاء القاضية وأنها رائعة وقوية. وكانت قد أفادت أنها ستبقى على رأس عملها وليس لها النية بتركه في المستقبل القريب. ومن الجدير بالذكر وجود مسنات أخريات في مواقع السلطة. مثل إليزابيث وارين (67 عاما) سيناتور ولاية ماساتشوستس، ورئيسة مجلس إدارة الاحتياط الفيدرالي جانيت يلين (70 عاما)، وكريستين لاغارد (60 عاما) رئيسة صندوق النقد الدولي. لقد حان الوقت للاعتياد على ذلك! لن تصبح المسنات غير مرئيات بعد الآن. أثبتت الدراسات على مدى عدة سنوات وجود علاقة بين الاكتئاب والخلل الدماغي، ولكنها لم تتمكن من تحديد المسبب بينهما للآخر، إلا أن أحدث الدراسات أثبتت أن الاكتئاب هو ما يسبب الضرر الفسيولوجي على الدماغ.
فقد نشرت مجلة Jama Surgery العلمية مؤخراً دراسة تعد الأولى من نوعها من حيث حجم العينة، وفيها قامت مجموعة من الباحثين العالميين في Enigma بمقارنة صور دماغية لـ9000 حالة، منها 1728 من مرضى الاكتئاب المزمن و7199 من الأصحاء، وظهر وجود تقلص في حجم (الحصين) في الدماغ، أو ما يسمى بـ(قرن أمون) المسؤول عن الذاكرة لدى مرضى الاكتئاب. وفي توضيح ذلك، يقول البروفسور إيان هيكي، والمشترك في الدراسة، إن الحصين لا يتعلق فقط بالقدرة على الحفظ، وإنما في التحكم بالعواطف من خلال إدراك ماهية النفس ودورها في هذا العالم، وبالتالي فإن تقلص تلك المنطقة يؤثر على الذكريات، فتصبح أكثر سوداوية ويزداد تشاؤم المكتئب حول المستقبل. فما هي سبل الوقاية من الاكتئاب؟ بداية يجب تعريف الاكتئاب وأسبابه؛ لنتمكن من معرفة طرق الوقاية منه، فبحسب الطبيب النفسي غاي وينش، ذي المؤلفات الكثيرة في مجال الصحة النفسية وعضو جمعية الصحة النفسية الأميركية، الاكتئاب ليس هو ذاته الحزن، فالحزن من المشاعر الطبيعية التي يسببها التعرّض لحدث مؤلم وصعب أو مخيب للآمال، أي أنه شعور نحو شيء ما. فعندما نتأقلم مع ما حدث أو نتجاوزه، يختفي ذلك الشعور نتيجة لذلك، أما الاكتئاب فهو حالة عاطفية غير طبيعية، ويؤثر على التفكير والعواطف والسلوك والإدراك، ويسبب الشعور بالحزن نحو كل شيء وليس شيئاً محدداً فقط، كما أنه لا ينتج بالضرورة من التعرض لحدث مؤلم أو خسارة معينة أو تغير في الظروف، ولكن تبقى أحد أسبابه. وإلى جانب ذلك، يعد الوجود في بيئة غير صحية من الأسباب الأخرى للاكتئاب، مثل الفقر والوحدة، كما في تعاطي المخدرات وشرب المسكرات ما يسبب الاكتئاب، فقد أظهر أحد التقارير إصابة أكثر من نصف مليون أسترالي بالاكتئاب والإدمان على المخدرات بنفس الوقت. بهذه الأسباب، يمكن الوقوف على هذه الطرق لتجنب الإصابة بالاكتئاب: أولاً: التسليم بالقضاء والقدر قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأموال وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وأنا إليه رَاجِعُونَ (156) أولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)" (البقرة). ويقول ويليام جيمس، أحد الفلاسفة الكبار في ذلك: "إنّ أولى خطوات تجاوز الواقع ومرارته هو التسليم به"، فالإيمان بالقضاء والقدر أولى خطوات تغيير نظرة الإنسان إلى الأمور من سلبية إلى إيجابيّة. أما نورمان بييل، فقد أشار في كتابه "ستتمكن إن ظننت ذلك" إلى أن أهم تحدٍّ للإنسان في مواجهته للصعاب هو التأقلّم معها، ويضيف أن المكان الوحيد الخالي من المشكلات والصعاب هو المقبرة. فسنّة الحياة وجود مختلف التحديّات لكي يتعلّم منها الإنسان ويكتسب منها مختلف المهارات والخبرات، وأذكر هنا مثالاً شخصيّاً حول ذلك: كنت قد انتقلت للعيش خارج بلدي قبل عدة سنوات، ولم اعتد هدوء المكان الجديد وعزلته عن العالم، فشعرت بالألم لفراق أهلي، وبالملل من العزلة ومن عدم القدرة على ممارسة أية نشاطات خارجية، ورأيت نفسي عاجزة عن التأقلم في الغربة، إلا أنه بتحليلي للوضع الجديد الذي أنا فيه، رأيت أن الله يريد أن يمنحني شيئاً من هذا المكان، فأنا مؤمنة أن كل ما يحصل للإنسان هو بإرادة الله وفيه كل الخير، وبعد التسليم بأمره والتوقّف عن الاعتراض، بدأت تدريجيّاً باتخاذ هواية جديدة تناسب ظروف ذلك المكان، فبدأت بالقراءة والكتابة، وبحمد الله أتممت أول مشروع لي خلال السنة والنصف كان بالنسبة لي من الأحلام البعيدة، إلا أنه كان عند الله قريباً، وهو إصدار أول كتاب يحمل اسمي. وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، فلم يبلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده أو ماله، أو في ولده، ثم صبر على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عزّ وجلّ". ثانياً: التأمل والصلاة أثبتت التجارب أن في التأمل والصلاة ما يساهم في زيادة سمك النسيج الدماغي، وتطوير وصلات عصبية جديدة، وهذا من شأنه تحسين صحة العقل ونظرة الإنسان لمختلف الأشياء من حوله، وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- فضل الصلاة في السعادة بقوله الشريف: "وجعلت قرة عيني في الصلاة". وفي تأمل خلق الله تعالى ما يحفز العقل على التفكير بإيجابية، قال تعالى: "أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ" (النمل: 60). يقول سيد قطب، في تفسير هذه الآية، إن منظر الحدائق الغنّاء يحيي القلوب ويبثّ فيها السعادة والحيوية والنشاط، هذا وفي تدبّر إبداع الخالق في الزهر والشجر كفيل بتمجيده وشكره والامتنان لصنعه الذي لا يفوقه أي فنان أو عبقري. فيتخلص الذهن حينها من أية أفكار ووساوس، وتنطلق الروح منسجمة متناغمة مع جمال الكون وتشرق الروح والفكر بكل أمل. وفي أجمل ما رُوي عن الإعجاز في تأمل خلق الله، ما ذكره نورمان ييل، حول صديق له أخبره الطبيب بأن نتائج فحوصاته تشير إلى مرضه الشديد، وأن لا أمل له بالبقاء على قيد الحياة لفترة طويلة. فسأله إن كان هناك أي أمل في النجاة، فأجابه بأنّه طبيب يعالج المرضى والشفاء من الله، فخرج المريض في نزهة على الأقدام، وكان وقتها الجوّ ربيعياً جميلاً، وبدأ في تأمل منظر الأزهار والأوراق اليانعة على أغصان الأشجار من حوله، ويفكر في نفسه كيف لهذه الأزهار والأوراق دورة حياة تموت فيها وتحيا من جديد، وأنّ لا بد أن ينطبق ذلك على حالته، فينتهي مرضه ليعود إنساناً يتمتّع بصحة وعافية من جديد، فهو مخلوق من الله كتلك المخلوقات. فامتلأ فكره وقلبه حينها بقدرة الله على شفائه وأخذ يدعو الله بأن ينقذه من مرضه، وعند مراجعته للطبيب بعد عدة أشهر، أخبره مندهشاً بأنّه تجاوز مرحلة الخطر، وأنّه الآن يتمتّع بصحة وعافية، وحينما أخبره بما فعل في ذلك اليوم الربيعي، أجابه الطبيب مبتسماً بأن تأمله وصلاته وراء شفائه. ثالثاً: العمل تتكرر وصايا الإسلام في العمل والحث عليه والترغيب على الكد والسعي لما فيه من خير للإنسان، فلا مكان للبطالة والكسل. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب المؤمن المحترف"، وفي النهي عن الكسل والخمول قوله: "إن الله تعالى يبغض العبد الصحيح الفارغ". وكان قد وُصِف له عابد من العباد وأثنى الناس على حسن عبادته فسأل الرسول من يعوله؟ قالوا: كلّنا نَعُوله. فقال لهم: كلكم أعبد منه. وفي إحدى المناسبات، أفاد مؤلف كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" دايل كارنيغي بأن أسلوبه الوحيد الناجع في طرد المشاعر السلبية يكمن في قيامه بإصلاح متفرقات داخل بيته، إذ وجد أنّ في إشغال نفسه بالعمل من شأنه طرد القلق والتوتر الذي ينتابه من حين لآخر. ومع العمل لا يكون هناك أي مجال لشرب المسكرات كالخمر والمخدرات، وهي التي حرّمها الإسلام بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجتنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة: 90)، فهي إلى جانب تسببها في الاكتئاب، فإنها تعمل على التسبب في ضرر دماغي والسرطان. ملحوظة: يعدُّ الانتقال من منزل إلى آخر عملية ليست بالسهلة، فهي لا تشمل الاستغناء عن السكن القديم فقط، وإنما مغادرة الذكريات والجيران والأصدقاء، إضافة إلى تغيير مدرسة الأبناء في معظم الحالات، وهذه الأخيرة لها تأثير سلبي بالعادة على مزاج ونفسية الأطفال؛ نظراً للصعوبات التي قد يواجهونها في التأقلم في المكان الجديد، إضافة إلى الانفصال عن الآباء الثانويَّين، الذين أقصد بهم المعلمين والمعلمات، فقد يتدنى المستوى الأكاديمي للأبناء نتيجة اختلاف البيئة والزملاء وأسلوب التدريس وغيرها؛ لذلك كل هذه التضحيات يجب ألا تذهب سُدى بالتورط في سكن غير مناسب.
وقبل أن تدفع أموالك، لن يضرك التأكد من مناسبة المكان الجديد للعيش الكريم، وأقصد هنا أن يكون السكن مريحاً ونظيفاً، وخالياً من أي مشكلات تتعلق بموقعه وبتصميمه وبخدماته. فكوني قد اضطررت للانتقال من سكن إلى آخر على نحو متكرر خلال الأربع سنوات السابقة، ولعملي في كتابة الدليل الفني لكبرى الشركات المتخصصة في الأثاث وتصميم المنازل، أملك القول بأنني قادرة الآن على حصر معظم المشكلات التي قد توجد في أي منزل، والتي "ستنغّص" عيش أي أحد إن لم يرصدها قبل الانتقال إليه. فما هي أهم الأمور التي يجب مراعاتها قبل الانتقال إلى السكن الجديد؟ بداية، كلما كان البيت جديداً كان أفضل من جميع النواحي؛ إذ حينها ستكون جميع مرافقه وخدماته جديدة وذات صلاحية استخدام أطول، وفيما يلي مجموعة من الأسئلة التي تسلط الضوء على أهم الأمور الأخرى: أولاً: الموقع الجغرافي أ- هل السكن معرّض لأشعة الشمس؟ فمن دون الشمس تتوقف الحياة؛ إذ أثبتت الدراسات وجود الكثير من فوائد أشعة الشمس، فهي إضافة إلى مساهمتها في إضاءة السكن بشكل طبيعي، فإنها تعمل على زيادة فاعلية جهاز المناعة لدى الإنسان، وبالتالي فمن المهم جداً أن تدخل أشعة الشمس جميع غرف السكن إن أمكن؛ إذ يفضل أن تكون غرف النوم في الشرق والمطبخ في المنتصف، على أن تكون غرفة الجلوس في الغرب. ب- هل توجد حديقة قريبة من محيط السكن؟ وذلك لما في النباتات من دور في تنقية الهواء وتحسين المزاج، ففي بحث أجرته وكالة ناسا الفضائية، تبيّن وجود مجموعة محددة من النباتات التي تسهم في تنقية الهواء وتوفير الأكسجين النقي، منها: الزنبقة البيضاء، الألوفيرا، نخيل الخيزران، نبات البوتس، والأقحوان، فيمكن زراعتها داخل المنزل إن لم تتوافر أي حديقة بالقرب منه. ج- هل السكن قريب من الخدمات؟ أي توافر السوق والمركز الصحي والصيدلية وملاعب الأطفال في ذات المنطقة، إضافة إلى قرب المدرسة والعمل إن أمكن، وذلك لقضاء مختلف الحاجات بشكل أسرع، والاستغناء عن ركوب السيارة، مما سيسهم في حماية البيئة والمحافظة على صحة الجسم بذات الوقت. د- هل السكن مبني على أرض مرتفعة؟ وذلك لتقليل فرص دخول مياه الأمطار والحشرات والقوارض إليه، إضافة إلى توافر رؤية أفضل للمحيط الخارجي، ومجال أكبر لدخول أشعة الشمس لكافة غرفه. ثانياً: التصميم الداخلي أ- هل يوجد مقابس كهرباء كافية في كل غرفة؟ وذلك للحاجة إلى استخدام الأجهزة الكهربائية، كالمصابيح الضوئية وأجهزة التنظيف كالمكنسة، وأجهزة التجميل كآلات الحلاقة وتلك الخاصة بتسريح الشعر وغيرها، كما يجب التأكد من توافر المقابس في المطبخ أيضاً، وذلك للتمكُّن من توصيل مختلف الأجهزة الكهربائية المتعلقة بتحضير الطعام، مثل: جهاز المايكروويف، وسخان الماء، والخلاط، وغيرها. ب- هل حالة الجدران والسقف جيدة؟ إذ يجب التأكد من نظافتها أو إعادة طلائها -إن أمكن- لما لذلك من دور في زيادة جمالية السكن، وتسهيل عملية التأقلم فيه. ج- هل غرف النوم واسعة؟ وذلك لتستوعب السرير الكبير لغرفة الزوجَين، وأيضاً مكتب الدراسة، ومساحة الألعاب في غرف الأبناء. د. هل مصابيح الإضاءة كافية في كل غرفة؟ وذلك لما للإنارة الجيدة من دور في تحسين المزاج وزيادة النشاط ومستوى الأداء. هـ- هل المطبخ واسع؟ وذلك للتمكُّن من تحضير الطعام، ولوضع طاولة الطعام داخله، إن أمكن. و- هل هناك أي مداخل محتملة لدخول مختلف الحشرات والقوارض؟ مثل وجود فتحات أسفل الباب الرئيسي، أو في النوافذ، أو عند مقابس الكهرباء، أو فتحات التهوية، أو عند المصارف، وغيرها، كما يمكن للحشرات أن تتسلل من شقوق الأبواب والأرضيات، فيمكن حينها العمل على إغلاقها، أو إعادة تركيب الأبواب والنوافذ. وعند التأكد مما سبق، يجب مراعاة توزيع الأثاث بشكل جيد؛ لتسهيل عملية التأقلم في السكن الجديد، فبحسب المصمم الداخلي مايكل سميث، الذي عمل على إعادة تصميم الجناح الرئاسي في البيت الأبيض في عهد أوباما، يجب عدم الإفراط في وضع إكسسوارات المنزل، وتجنب وضع جميع قطع الأثاث ملاصقة للجدران، كما يجب الاستغناء عن قطع الأثاث الكبيرة، إن كانت مساحة الغرفة صغيرة، واستخدام تلك التي ستزيد من فاعلية استخدام كل غرفة، مثل استغلال طاولة الطعام للدراسة، أو وضع المكتبة في ذات الغرفة. ثالثاً: الخدمات وتشتمل على الخدمات الداخلية الخاصة بالمنزل، وتلك الموجودة خارجه، مثل: أ- هل خزانات المياه تملك أغطية محكمة؟ وذلك لحمايتها من تلوث الجو، ومن دخول الحشرات والأجسام الغريبة. ب- هل الأجهزة الكهربائية بحالة جيدة؟ كالتلفاز وأجهزة التكييف وسخان الماء والثلاجة والمايكروويف، وذلك في حالة كانت ضمن سعر الإيجار أو البيع. ج- هل الكهرباء جيدة أم أنها تنقطع بشكل متكرر؟ وهنا يمكن سؤال الجيران حول هذه الخدمة. د- هل أنابيب التوصيل الخاصة بالماء والكهرباء وتلك المتعلقة بتصريف المياه العادمة بحالة جيدة؟ وذلك لتجنب التأثر بنقص الماء والكهرباء، وأيضاً لمنع كارثة انعدام تصريف المياه العادمة في المطبخ وداخل الحمامات. هـ- هل تغطية الإنترنت متوافرة لمنطقة السكن الجديد؟ إذ في كل منطقة تتوافر أبراج خاصة بشركات الاتصالات فوق الأبنية لتوفير تغطية مناسبة للقاطنين فيها، ويجب الأخذ بعين الاعتبار عدم السكن في ذات البناء الذي عليه الأبراج، وذلك لتأثير تلك الأبراج سلباً على الأجهزة الكهربائية والإلكترونية داخل السكن. و- هل توجد أماكن خاصة ومحمية لتوقيف سيارة العائلة؟ وذلك لحمايتها من التعرض لأشعة الشمس، ومن عبث الأطفال، ومن السرقة. رابعاً: الجيران ويقصد بذلك موقعهم بالنسبة للسكن وثقافتهم: أ- هل هناك مساحة فاصلة بشكل كافٍ بين السكن وبقية المنازل من حوله؟ إذ سيساعد ذلك على تهوية المنزل بشكل أفضل، وتوفير رؤية أوسع، وإمكانية لدخول أشعة الشمس بشكل أكبر، إضافة إلى التقليل من مستوى الإزعاج الصادر من بقية المنازل. ب- هل لدى الجيران الكثير من الأطفال والشباب؟ ففي هذه الحالة قد يكون السكن غير مريح من حيث الإزعاج نتيجة لعب الأطفال وصراخهم، وصعوبة خروج الفتيات في مختلف الأوقات؛ لزيادة احتمال تعرضهم للمعاكسات من الشباب. ت- هل تتوافر النظافة العامة حول منازل الجيران؟ إذ وجود القمامة سيزيد من تجمع الحشرات من الذباب والبعوض ومختلف القوارض. ث- ما هي المستويات الأكاديمية والمهنية للجيران؟ فكلما كانت مستوياتهم عالية، كان أسلوبهم في العيش أرقى وأكثر تأدباً في تعاملهم مع بعضهم البعض. بذلك تنتهي معظم الأمور المهمة التي يجب مراعاتها في السكن الجديد قبل الانتقال إليه، ولكن يبقى أمر واحد يتعلق بصحة الأبناء النفسية؛ إذ ستزداد احتمالية إصابتهم بالاكتئاب والقلق نتيجة ذلك، ويمكن حينها أن يقوم الأهل باصطحابهم إلى المدرسة الجديدة للقاء المعلمين الجدد، والتعرف على مرافقها في يومهم الأول، وتحفيزهم على التعرف على زملائهم، وتكوين صداقات جديدة معهم، وإن كان الأبناء من فئة الأطفال، يمكن حينها اللجوء إلى سرد القصص لهم؛ لتسهيل عملية تأقلمهم، وذلك لما ثبت من فوائد للقراءة للطفل في التغلب على مشاعره، كالقلق والخوف عند سماعه لقصة مشابهة لحالته، فيدرك حينها أن مشاعره ومخاوفه أمر طبيعي، كما سيساعده ذلك على تجاوزها. |
Archives
November 2018
Categories |