بقلم إشراق كمال عرفة تمهيــــديتميّز هذا الكتاب بضخامته لشموله على الكثير من التفاصيل التي تتعلق بحياة الرئيس الأمريكي السابق أبراهام لينكولن. وحاز بجدارة على أفضل المبيعات، كما أوصت به صحيفة USA Today عن غيره من الكتب التي تكلّمت عن حياة لينكولن. وأشادت به العديد من الصحف الأمريكية المرموقة الأخرى، مثل: الواشنطن بوست، ونيويورك تايمز، ولوس أنجيلوس تايمز. وتم نشر الكتاب أول مرة عام 2009. وتعد اللغة المستخدمة في هذا الكتاب أكثر سلاسة وبساطة من كتاب توماس جيفرسون والذي تم نشر قراءة له في العدد الرابع من المجلّد الأول من المجلة. وينقسم الكتاب إلى قسمين: الأول وفيه تفاصيل حول نشأة لينكولن وحياته ودراسته والمهن التي عمل بها، وبداية شغفه وعمله وكفاحه في السياسة والقانون. أمّا القسم الثاني، فيتحدّث عن حياته كرئيس لأمريكا والحرب الأهلية التي أدارها، ومفاوضات السلام حتى استسلام الجنوب، وأخيرا عملية اغتياله بعد انتخابه رئيسا لولاية ثانية. وتم إنجاز هذا العمل الضخم بالاستناد إلى مئات المصادر المختلفة، وذلك لأن لينكولن لم يكن ممن يكتب مذكراته اليومية، وإنما كتب ثلاث سير ذاتية صغيرة فقط. كما قامت زوجته ماري بحرق كافة مراسلاتها معه خلف منزلهما في مدينة سبرينغ فيلد بولاية إلينوي الأمريكية للمحافظة على الخصوصية، وذلك قبل مغادرتهما إلى واشنطن بعد انتخابه رئيسا لأمريكا أول مرة عام 1861. ألقابه وصفاته لم يملك لينكولن الوسامة، فقد كان نحيل الوجه وذو هندام غير مرتّب، ولكن بمجرّد أن يتكلّم، كانت تنسى الناس شكله وتنسحر بكلامه. تم تلقيبه بـ (الرجل الصادق) لأنه لم يتهرّب من الديون التي تركها شريكه في المتجر الذي افتتحه معه. ونال لقب (الأب أبراهام)، لأنه عمل على توقيع إعلان تحرير العبيد في 1863. ويعدّ لينكولن أول رئيس أركان الذي أعاد تشكيل مهام هذا المنصب بما هو معروف حاليا، وذلك من خلال إدارته للحرب الأهلية. وكان معروفا منذ صغره باختلافه عن بقية ممن هم في عمره. إذ كان يحب مجالسة الكبار والتفكّر بما يقرأه من مختلف الكتب والروايات. وأقرّ الجميع بأنه كان قائدا بطبيعته ومحبا لمساعدة الآخرين. وأفاد صديقه ديفيد تورنهام أثر قراءته لقصص الأخلاقيات على تصرفاته. وكان يحب الاستماع لخطابات القساوسة في الكنيسة، ومن ثم يعمل على جمع الأطفال من حوله لسردها عليهم كلمة كلمة. وفي شبابه، ابتعد لينكولن عن التبغ والكحول والأسلحة ومخالطة النساء. وعندما عمل محاميا، أفاد زميله بأنه كان أكثر شخص متكتما عرفه في حياته، ولكن عندما كان يتكلّم، كانت كلماته ملهمة بشكل كبير، وكانت مقنعة لأنها ارتكزت على التحليل الموضوعي. هوى لينكولن كتابة الكثير من الملاحظات الشخصية والتساؤلات والمشاعر والفلسفات الخاصة، وكان يحتفظ بها داخل قبعته لتكون معه أينما كان. كما كان شديد الحرص والتحضير قبل التكلّم أمام العامة، وكان ذلك سببا في انتقاد البعض له بأنه بطئ، وخاصة وقت الحرب الأهلية. وتميّز لينكولن بالنزاهة والتي على أساسها بنى حياته، وهي التي اكتسبها في قراءاته بسن مبكرة لروايات شكسبير والإنجيل. وكان معروف عنه حبه للفكاهة والضحك وحتى في أحلك الظروف. كما عُرف عنه كراهيته للرق الذي كان منتشرا في ذلك الوقت. لأنه ينكر حقهم في التنشئة. فعقد العديد من المناظرات مع ستيفن دوغلاس حول أخلاقية الرق، بالإضافة إلى مراسلاته العديدة مع القائد الأمريكي من أصل أفريقي فريدريك دوغلاس. وكرئيس، كان طيبا ورقيقا وجديرا بالثقة وصادقا، ولطيفا أكثر من اللازم. كما كان بطيئا في اتخاذ القرارات لحرصه على جمع المعلومات اللازمة وتحليلها ومناقشتها واستشارة معارفه وموظفيه وأصدقائه قبل إعلانها. مولده ونشأته ولد لينكولن في كنتاكي، ونشأ في إنديانا، وأصبح سياسيا في إلينوي. وتعدّ ديانة لينكولن غامضة كونه لم يذهب يوما إلى كنيسة قبل تنصيبه رئيسا. إلا أن خطاباته الرئاسية فيما بعد كانت تشوبها ظلال دينية واقتباسات من الإنجيل. وفي الفترة التي سبقت اغتياله بقليل، ركّز على التحدّث عن أهمية التجديد لمستقبل أفضل. جده هو صامويل لينكولن غادر بريطانيا في يونيو 1637 وقت الهجرة العظيمة، والتي فيها تم وصول 200 سفينة وأكثر من 13 ألف شخص إلى أمريكا، لأسباب دينية واقتصادية ، وذلك هربا من الحكم الديكتاتوري للملك تشارلز الأول، إذ كان يحكم من غير برلمان، وكان يفرض التعاليم البروتستانية على شعبه. عمل جدّه في (العالم الجديد) مزارعا وأعمالا حرّة أخرى. وكان عضوا في إحدى الكنائس. ثم ترحّل أسلاف لينكولن في أمريكا مئات الأميال لاكتشاف أراض جديدة، فحفيد صامويل مثلا، مورديكاي لينكولن، سافر إلى نيوجيرسي، وتزوج حنا سالتر، وامتلك أراض وأصبح رجل أعمال ناجح. ثم رحل إلى بنسلفانيا، وزاد من مساحة الأرض التي يمتلكها وعمل في الحديد. وعند موته ترك خلفه أرضه وبيته وعمله. وابنه الكبير هو جون لينكولن، ورث عنه أرض نيوجيرسي، إلا أنه بقي في بنسلفانيا، وتزوج ريبيكيا فلاور من عائلة كويكر. ثم أنجب ابنه أبراهام، وهو جده لأبراهام لينكولن الذي نتحدّث عنه. ولد في بنسلفانيا عام 1744، وتزوج من باتشيبا هيرينغ ابنة أحد العائلات الإدارية في مقاطعة روكينغهام. اشترك في القوت المسلحة وكان يلقب بـ (كابتن لينكولن). ثم رحل مع زوجته إلى كنتاكي في 1782 عند حصول محادثات السلام لإنهاء الحرب الثورية التي بدأت في باريس. ورغم انتهاء الحرب بين السكان الأصليين لأمريكا والفرنسيين عام 1763، تفاجأ السكان الأصليين بهجوم الأمريكان الجدد لهم باختراقهم نهر أوهايو بحثا عن أراض جديدة. وتم اغتيال جده من قبل أحد أولئك الهنود وكان عمره حينها 42 عاما. وترك أراض في كنتاكي وأربعة أبناء: توماس (6 سنوات) وهو والد أبراهام لينكولن، والذي بقي إلى جانب أبيه بعد أن شهد مقتله ولاحق الهندي وقتله. وأخويه اللذين هربا حينها، وهما جون (12 عاما)، ومورديكاي (15 عاما). أدار كل من توماس ومورديكاي أملاك والدهما، أما حنانيا لينكولن قريبهم وابن عمهم والذي خدم كرئيس في الحرب الثورية رعا الأرملة وأولادها في كنتاكي. وبعد عدة سنوات، عمل توماس كنجار. ولم يحصل على أي تعليم، إلا أنه خدم في الجيش وفي هيئة المحلفين، وأصبح عضوا نشطا في الكنيسة المعمدانية، كما عمل مزارعا. وكأسلافه كان يحب شراء الأراضي. تزوج توماس من نانسي هانكس وهي والدة أبراهام لينكولن، والدها كان مزارعا ومات وهي صغيرة فنشأت مع الأقارب وخاصة بعد موت والدتها. وكانت غير متعلمة ولكن ذات صفات حسنة. وكانت شعبية والده كبيرة، فكان يحب الفكاهة والبساطة وتميّز بطيبة القلب. وكان كل منهما مواظبان على حضور الكنيسة المعمدانية وفيها كان انقسام بين التشجيع على الرق وبين تحريمه. ولدت أخته سارة 1807، ثم هو في 12 فبراير 1809، وتم تسميته على الجد الذي تم اغتياله. ثم ولد أخيه توماس في 1812 ولكنه مات بعد بضع أيام. وبعد أن أصبح عمره 7 سنوات، رحل مع ذويه في 1816 إلى إنديانا للبحث عن أراض أفضل وذلك لسببين: وجود الرق الذي عارضه والده، وصعوبة الحصول على أراض في تلك المنطقة. أمضى أبراهام 14 عاما في إنديانا في الأرض التي اشتراها والده والتي سماها أرض الكونغرس. وساعد والده في أعمال الأرض وتعلم مهارات استخدام الفأس. وكانت له مهارة في إطلاق النار إلا أن قتله لديك رومي في تلك الفترة جعله يعطي عهدا على نفسه بألا يستخدم السلاح مرة أخرى في حياته. توفيت والدته وهي بعمر 34 عاما نتيجة مرض انتشر نهاية صيف 1818، سمي بـ (مرض الحليب)، وهو ناتج عن شرب حليب البقر التي كانت ترعى على أعشاب سامة. واجتاح هذا المرض جنوب إنديانا، وشاهد أبراهام والده وهو يصنع التوابيت لضحايا المرض. وكان عمره حين وفاة والدته 9 سنوات، ولم يذكرها أبدا لوالدته بعد ذلك طيلة حياته. وبعد وفاتها، اضطر والده العودة إلى كنتاكي ليلتقي بسارة بوش جوستون وهي أرملة ولها 3 أطفال، فتزوجها ودفع دين زوجها كمهر لها في ديسمبر 1819. وكانت حسنة التعامل مع أبراهام ومدبرة منزل جيدة. علاقته مع أبيه لم تكن علاقة أبراهام مع والده جيدة، فقد كان يقول عنه أنه عاش في مأتم وأنه فقير وغير متعلّم. ولكن علاقته مع زوجة أبيه كانت أفضل، وبشهادتها، كان مطيعا لها ولم يرفض لها أي طلب. تعليمه ارتاد لينكولن في صغره مدرسة تبعد بضع أميال في مزرعة سينكينغ سبرينغ لفترة قليلة، وكان عمره في حينه 5 سنوات. وأول معلم له هو زكريا وايني، وهو كاثوليكي من ماريلاند. وعلمهم القس العهد القديم والجديد. وكان أبراهام بخلاف أسلافه، محبا للتعلّم أكثر من تملّك الأراضي. ثم التحق بمدرسة أخرى بعمر 10 سنوات وكانت لفترة قليلة من شهر إلى 3 أشهر، أي من ديسمبر حتى مارس، إذ كان يقوم الأولاد بعدها بالعودة إلى العمل في الحقول. وفي المقاطعات البعيدة كانت المدارس تفتح مرة كل سنتين. وكان أستاذه في تلك المدرسة هو أندرو كروفورد، وكان يعلمهم القراءة والكتابة والأدب وحسن السلوك واللباقة. ولم يشجعه أبيه على التعلّم، فاضطر على تشجيع وتحفيز نفسه على ذلك. وكان معروف عنه حبه للدراسة والجدّ بها حتى آخر الليل. كما كان يعشق قراءة كل ما يقع تحت يده. فقرأ الكلاسيكيات، وإنجيل الملك جيمس وحفظه، وتأثر بالخرافات والأساطير التي فيها دروس وعبر. كما قرأ كتاب Pilgrim progress وهو كتاب كان متوفرا في كل منزل في تلك الفترة. إضافة إلى قراءته لتاريخ الولايات المتحدة الذي نشر عام 1820، بتأليف وليام غريم شوز. والذي في نهايته يخاطب القراء بأن التعبير يكون بالأفعال وليس بالأقوال، وبأن كل البشر خلقوا متساوون. ثم بدأ أبراهام بإعداد كتابه الخاص في 1826، وكان حينها 17 عاما. وفيه كتب ما يريد حفظه من الشعر وغيرها. كتب أثّرت على تفكيره وإيمانه كانت القراءة والتعلّم جزءا أساسيا من حياة لينكولن. وذلك في صغره وشبابه ورجولته وحتى عندما أصبح رئيسا. وفي الفترة الأولى من دخوله عالم السياسة، أثّرت بعض الكتب على إيمانه ومعتقداته، من فلسفة وأشعار فشككته في تعاليم المسيحية ولم يقتنع بها. وبذلك تخلّص من أثر الكنيسة المعمدانية التي كان يرتادها مع ذويه. ومن هذه الكتب: 1. شعر روبرت بيرنز التي تحث العقل على التفكير. 2. أعمال توم بينز، وهو رجل ثوري. 3. أعمال كونستانتين فولني وهو مؤرخ وفيلسوف فرنسي. المهن التي عمل فيها بدأ لينكولن العمل وهو طفل صغير مع أبيه في أعمال المزرعة. ثم وفي سن المراهقة، بدأ العمل في المزارع الأخرى منذ الفجر وحتى الغروب. وفي شبابه، صنع قوارب للتحميل والتي بسببها تم رفع دعوى قضائية ضده بالعمل في صناعتها دون رخصة، ولكن تم تبرئته، وهذا كان سبب شعوره بعظمة القانون والعدالة حينها. ثم جائته فرصة للسفر إلى نيو أورلينز للتجارة، وغادر إنديانا نهاية ديسمبر 1828. ثم عمل في نيو سيلام موظفا في متجر براتب 15 دولار شهريا، وكان ينام فيه. ثم انتقل بين العائلات يقدم لهم مختلف الخدمات مقابل طعامه ومنامه. ثم فتح متجرا مع زميله ويليام بيري لبيع الكحول بعد أن خسر الانتخابات للجنة التشريعية لولاية إيلينوي للمرة الثانية في 1832، ثم باع حصته من المحل لإدمان شريكه على الكحول وسوء الإدارة للمتجر. اشتغل في مكتب البريد بمايو 1832 في عهد أندرو جاكسون الذي أحضر البريد إلى البلاد. وفيها وجد فرصة لمطالعة مختلف الصحف، ولمقابلة الناس من مختلف الولايات، وكان دوامه فيه جزئيا، فكان يعمل في حقول الآخرين بعد الانتهاء من عمل المكتب. وتم عرض وظيفة مسّاح عليه، فعمل على مسح الطرق والمزارع والمدن في ألباني ونيو بوسطن وبيتسبيرغ، وأراض المدارس العامة. وكانت هذه الوظيفة محبوبة في ذلك الزمن، وفرصة له للتعرّف على البشر من كافة نواحي الحياة. ثم شجّعه صديقه والمحامي جون تود ستيوارت بدراسة المحاماة، وذلك محبة له عندما عمل معه كمتطوّع في حرب هوك الأسود. ولكن لم يكن هناك جامعة في ولاية إيلينوي كونه لم يكن هناك سوى 7 جامعات في كافة الولايات الأمريكية. فعمل على دراسة المحاماة بنفسه في مكتب صديقه ستيوارت. التقديم لبراءة اختراع قدّم لينكولن لبراءة اختراع تمنع غرق السفن المحملة بالبضائع في المياه الضحلة، وذلك بعد نجاحه في إنقاذ أحدها بتصميم قام على بنائه معتمدا على مهارته في النجارة التي ورثها عن والده، وبمساعدة الميكانيكي والتر دايفيس الذي كان يملك متجرا مقابل مكتبه. وحصل على البراءة وكان سعيدا وفخورا بها. محام بارع حصل لينكولن على رخصة المحاماة في ربيع 1837، ولكن واجه مشكلة تكدّس إيلينوي بالمحامين، فاقترح صديقه ستيورات أن يشاركه العمل في مكتبه كونها كانت الطريقة الوحيدة لنيل الخبرة والشهرة. ووافق. وبعد عام من الترافع في القضايا البسيطة، نجح لينكولن في أول قضية جنايات له، وذاع حينها صيته. ومع انشغال شريكه في العمل السياسي، أصبح لينكولن يملك خبرة في كافة القضايا ومن مناطق أبعد، فاًصبح معروفا أكثر لدى المزارعين وأصحاب المتاجر. واتخذ من جوشوا فراي سبيد صديقا له، وهو موظف في أحد المتاجر، ومن أقنعه بالزواج لاحقا. وعمل على تطوّير مهاراته في الخطابة وأصبح يملك مركزا قياديا ثقافيا في ذلك المجتمع. ثم انتقل لينكولن للعمل مع القاضي ستيفن لوغان، وهو اسكتلندي إيرلندي، وذلك بعد أن أغلق ستيوارت مكتبه لانشغاله في السياسة، وخاصة بعد فوزه لدورة ثانية في الكونغرس. وتعلّم لينكولن من لوغان الكثير حول الترافع في مختلف القضايا لتفرّغ القاضي في مكتبه بعيدا عن السياسة. وزادت شهرته أكثر كمحام مع قيام الحكومة بإقرار قانون الإفلاس، فأصبح هناك الكثير من القضايا المتعلقة بالدّين، وصار معروفا ببراعته في الترافع، حتى قام محامون من خارج الولاية بتحويل القضايا إليه ليناظر فيها قبل المحكمة العليا. ثم جاءت له فرصة تمثيل المكتب في الدائرة القضائية الثامنة، وهي محكمة ابتدائية، وتشمل على 14 مقاطعة ومن ضمنها إلينيوي الوسطى، وتطلب منه الكثير من السفر لتمثيل مختلف القضايا، واشتهر مكتبه بشكل كبير في مختلف الولايات. وأثنى عليه الكثير من المحاميين والعامة. وبعد 3 سنوات، انفصل لينكولن عن لوغان، لرغبة الأخير في مشاركة ابنه في مكتبه، فتفهّم لينكولن ذلك، وغادر ليفتح مكتبه الخاص والبحث عن شريك معه. وتعلّم لينكولن في تلك الفترة الانضباط النفسي والتحضير الجيّد للقضايا، ودراسة كل واحدة من كافة الزوايا. فاختار ويليام هيرندون ليكون شريكه الجديد، وهو من كنتاكي، ودرس المحاماة في إحدى الكليات، ومعه في حزب الويغ ومعارضا للرق تماما مثل لينكولن. وتم تسمية المكتب بـ (لينكولن وهيرندون). وعندما فاز بمقعد الكونغرس عن ولاية إيلينوي، بدأ لينكولن بالمواظبة على حضور جلسات المحكمة العليا ليتعلّم بنفسه كيفية المناظرة والترافع في مختلف القضايا. علاقاته مع النساء لم يكن لينكولن معجبا في الفتيات فترة نشأته بحسب ما أفادت زوجة أبيه. وكان يكره الاختلاط بهن، ويتجنّب حضور الأنشطة الاجتماعية. وفي شبابه كان يخجل من وجودهن أثناء انتظارهن في المحل الذي كان يعمل فيه. وكانت علاقته بالجنس الآخر تقتصر على خدمة السيدات الأكبر سنا مقابل المأكل والمبيت. وأول حب له كانت آن ريدليدج، وكانت 18 عاما، إلا أنها توفيت نتيجة حمى أصابتها في 1835. ثم أنشأ علاقة مع ماري أوينز وكانت 28 عاما، وتعد كبيرة في ذلك الوقت، إلا أنها كانت جميلة ومن عائلة ثرية من كنتاكي. قابلها في نيو سيلم، ولكنه لم يحبها مثل آن، ونتيجة الفروقات بينهما تهرّب منها فانتهت العلاقة بينهما. واعترف حينها لينكولن أنه لا يملك خبرة في التعامل مع النساء. وأنه يفتقد الذكاء الاجتماعي ويشعر بالضعف وعدم الأمان بوجودهن. إلا أن ذلك تغيّر عندما انتقل مبنى اللجنة التشريعية إلى سبيرنغفيلد. حينها زادت ثقته بنفسه أكثر. ثم قابل ماري إليزابيث تود من مواليد 1818، ومن عائلة ثرية وسياسية. وتشابهت ظروفهما من حيث التنشئة من دون أم. وكانت متعلمة لحرص والدها على التعليم، واشترك معها في حب الشعر، وكانا يتشاركان قرائته. قررا الزواج ولكن تدهورت العلاقة فجأة بوجود امرأة أجمل، فكان لذلك أثر سيء كبير على لينكولن وعلى حياته السياسية، ثم عادت بينهما العلاقة بمساعدة طرف ثالث هي إليزا فرانسيس. تزوجا في نوفمبر 1842. وذلك بعد تشجيعه على ذلك من قبل صديقه جوشوا سبيد. عائلته أنجبت زوجته صبي وسمّته روبرت على اسم والدها، وذلك في 1 أغسطس 1843، وكانا حينها مستأجرين غرفة في فندق، ثم استأجرا كوخا. أنجبت بعدها ولده الثاني، فقام لينكولن بتسميته على اسم صديقه، إدوارد بيكر لينكولن، وذلك في 10 مارس 1846. وتمكّنت زوجته ماري من رعاية أطفالها بعيدا عن زوجها الذي كان منشغلا في المحاماة. ثم مات ابنها إدوارد وعمره 3 سنوات ونصف في فبراير 1850 لمرض أصابه دون أي استجابه للعلاج. وتسبب ذلك بالحزن الشديد لوالديه. وكان ذلك السبب في زيادة معتقد لينكولن الديني والالتزام في حضور الكنيسة. كما أصبحت زوجته عضوة ملتزمة فيها. ثم أنجبت ويليام ويليس لينكولن على اسم زوج أختها الطبيب ويليام ويليس، وذلك في ديسمبر 1850. وكبر الابن ليصبح شبيها بوالده. ثم أنجبت توماس في إبريل 1853، وسمته على اسم والد لينكولن. وكان مشاغبا برضى والديه. وهو أول طفل تم تعميده بسبب حب والده للقس جيمس سميث. وعندما أصبح لينكولن رئيسا، مات ابنه ويليام بعمر 11 عاما. وفي حملته الرئاسية، رفضت زوجته أن تكون كباقي زوجات الرؤوساء في الظل، وذلك لأنها ورثت حبها للسياسة من والدها، فكانت تتفهم غيابه الطويل وانشغاله الدائم في المنزل، وذلك لإيمانها بأنه سيكون رئيسا في يوم من الأيام. فكانت تدعمه وتستقبل الضيوف في منزلها، وتكلمت عنها الصحف بأنها محترمة ومتكلمة. كما كتبت رسائل لدعم حملة زوجها الرئاسية، مثل رسالتها إلى ريفريند بورتشيس وهو وزير في أوهايو، وأخبرها أنه سيدعم زوجها في حال لم يكن ينتمي إلى الماسونية، فأخبرته بأن لا انتماء لزوجها لأي جهة أو تنظيم سري. وكان هناك خوف من الماسونية على أنها حركة سرية تريد حكم البلاد. وكانت تكره ثقة زوجها في كل الناس، فكانت تعطيه نصائح حول شخصيات العاملين معه. فمثلا، حذرته من أحد العاملين في حملته ولكنها أشادت له بديفيد ديفيس. بداية دخوله عالم السياسة بدأ لينكولن أول خطاب سياسي له في صيف 1830 أمام محل رانشو، وذلك في رد منه على كل من ويليام إيوينغ وجون بوسي، وهما مرشحان لمقاطعة ماكون قاما بالتنديد بقدرة حزب Old Line Wig على إدارة الشؤون الحديثة. وبتشجيع من أصدقائه لتسهيل النقل التجاري على نهر سانغامون، رشّح نفسه في اللجنة التشريعية لولاية إلينيوي، وكان حينها بعمر 23 عاما. ثم اشترك في حرب هوك الأسود. وهوك رجل أسود قاد سرية اجتازت نهر المسيسبي للمطالبة بأراضيهم في 19 إبريل 1832. وتسبب ذلك بالذعر للبيض المقيمين هناك، فطالب حاكم إلينوي بتعبئة الجيش، وتطوّع لينكولن وتم انتخابه رئيسا للسرية. وعندما فشل في أول انتخابات له في اللجنة التشريعية، اكتشف لينكولن حبه للسياسة ورغبته في الفوز مرة أخرى، فعمل على توسيع القاعدة السياسية له. فداوم على حضور مجتمع المناظرات الذي كان يتم عقده مرتين شهريا، وهو تقليد منتشر في كافة الولايات حينها. حيث كان يتم التناظر حول الاهتمام بالفقراء وتعليم النساء واستخدام الأموال العامة لبناء القنوات المائية وفتح الطرق وشرعية الرق. وكانت تتمثل خطاباته السياسية بالصدق والحماس، ولكنه كان يتوتر في اختيار الكلمات المناسبة. فعمل على دراسة قوانين اللغة الإنجليزية ليتمكّن من القراءة والكتابة والخطابة بشكل أفضل. فشل مرة ثانية نهاية صيف 1832 في انتخابات اللجنة التشريعية لولاية إيلينوي. ثم رشّح نفسه للمرة الثالثة عام 1834. وهذه المرة كانت مختلفة لأنه أصبح معروفا لدى الكثير من الناس بسبب عمله في البريد وكمسّاح، وكانوا معجبين في ميوله السياسية، كما أنه أدار حملة لنفسه لجمع الأصوات لصالحه. ونجح وتم انتخابه أخيرا. وعندما ذهب إلى فانداليا عاصمة إيلينوي، حرص على حضور جلسات المحكمة العليا لمعرفة كيفية سير المحاكمات، وطبيعة المناقشات السياسية بين المحامين، وطرق تحضيرهم لمختلف قضاياهم، إضافة إلى مواظبته في حضور اجتماعات مجلس الولاية. ثم طوّر مهارته في الكتابة من خلال إرسال ملخّص للجلسات التشريعية لصحيفة اسمها ويغ في سبرينغفيلد ولكن دون أن يذكر فيها اسمه. واكتشف لينكولن تأثير حس الدعابة والسخرية في استمالة القلوب، فاعتمده كأسلوب لباقي خطاباته، وخاصة في مناظراته حول الرق مع نظيره ستيفن دوغلاس. فكان لذلك دور في زيادة الطلب عليه لإلقاء مختلف الخطابات السياسية في مختلف الولايات. ترشح في 1836 للمجلس التشريعي للمرة الرابعة، وحصد حينها على أعلى نسبة في نيو سيلم وسبرينغفيلد إضافة إلى زيادة شعبيته في حزب الويغ بانتخابه رئيسا لهم. ثم اشترك في الحملة الرئاسية لويليام هاريسون في 1840، وصار المتحدث عن حزب الويغ، فناظر الديمقراطيين، وبعد فوز هاريسون، ذاع صيته كمخاطب وكمدير ناجح للحملات الرئاسية. وحتى أنه تم دعوته للتحدّث في واشنطن عام 1842. وكان لينكولن يستغل أي فرصة لإبراز نفسه طمعا في منصب حكم ولاية إيلينوي. فبدأ بمهاجمة الديمقراطيين عندما ضربت أزمة اقتصادية البلاد تطلب التداول حينها أن يكون بالذهب والفضة، إذ بدأ بالتهكّم على الديمقراطي جيمس شيلد لاقتراحه إنشاء عملة جديدة، ثم دعاه إلى التبارز بإطلاق الرصاص. ولكن لم يحصل ذلك. وأفاد البعض اتفاق لينكولن معه من أجل السعي إلى الشهرة فقط وأنهما لم يكونا جادين بالمبارزة. وهو ما تحقق! الترشّح للكونغرس حصل أمران جعلا لينكولن يترشّح إلى الكونغرس في عام 1843: عدم رغبة صديقه ستيوارت بالترشح لفترة ثالثة في الكونغرس، وخسارته في الترشّح مرة خامسة في اللجنة التشريعية لولاية إيلينوي. وتنافس معه على مقعد الكونجرس إدوارد بيكر وهو مهاجر بريطاني، وجون هاردن وهو صديق لينكولن من كنتاكي. وواجه لينكولون مشكلتين في الترشّح: فوز من ينتمي إلى عائلة تملك الثراء والسلطة، وعدم التزامه في حضور كنيسة. ففشل لينكولن وفاز إدوارد بيكر بمقعد الكونغرس، ولكن اقترح حزب الويغ على لينكولن رئاسة وفد مقاطعة سانغامون، فوافق على ذلك. وفي خريف 1845 بدأ لينكولن حملة مبكرة للفوز في مقعد الويغ بالكونغرس. وفاز بالترشّح عن الحزب في مايو 1846 عن مقاطعة سانجامون. وكان منافسه من حزب الديمقراطيين حينها هو بيتر كارت رايت، وهو واعظ عارض الرق والخمر، وحاول نشر إشاعة عن إلحاد لينكولن. ولكن لينكولن أفاد بإيمانه بوجود "قوة عظمى". ففاز لينكولن لكراهية الديمقراطيين أن يمثلهم واعظ في الكونغرس، ولفشل منافسه في إنشاء حملة تدعمه. وبذلك غادر إلى واشنطن مع زوجته وأطفاله. وفي الكونغرس، تفاجأ بوجود السياسيين ممن يملكون أخلاقيات عالية والمعارضين للرق. وتمكّن من كسب محبة الجميع بحبه للفكاهة. أثار أليكساندر ستيفنز اهتمام لينكولن بخطابه حول الحرب المكسيكية. وأراد لينكولن استخدام نفس الموضوع في أول خطاب له في الكونجرس، فكان خطابه مثيرا للجدل، كونه أفاد فيه بأن المتسبب في الحرب المكسيكية هي أمريكا بإطلاقها الرصاصة الأولى. وتحدى الرئيس الأمريكي في ذلك، وهاجم شخصه وطالبه بالحقائق بدلا من النقاشات، فكان لذلك الأثر في انتشار خطابه في كافة أنحاء الولايات. وبسبب خطابه هذا حول الحرب المكسيكية التي هاجم فيها الرئيس، لم يتم ترشيحه من قبل حزب الويغ مرة أخرى لفترة ثانية في الكونغرس، ولكن تم عرض عليه رئاسة وزارة مقاطعة أوريغون فرفض، ثم عرضوا عليه منصب حاكم لها، فرفض لأنه وجدها تنتمي للديمقراطيين، ومستقبله فيها ليس بالواعد. فعاد إلى إيلينوي 1849 وإلى ممارساة مهنة المحاماة. آراؤه السياسية آمن لينكولن بأن التحسينات الداخلية تساهم في تنمية الاقتصاد، كتحسين الطرق الزراعية والقنوات المائية. ورفض وجود نظام منفصل للثروة، وبيّن أن على الحكومة العمل على الترويج للنمو الاقتصادي والتطوير. لأن وجود نظام منفصل سوف يعمل على تدمير العوائد والتقليل من كمية الأموال المتداولة. تأثر لينكولن بأفكار حزب الويغ، ورأى أن الدولة لا تتحضر إلا بالقانون الذي من خلاله يتم تطوير نموذج سياسي واجتماعي. وآمن بدور الحكومة في خدمة المجتمع بحماية القيم والأخلاق والمثاليات. كما أنكر لينكولن انتمائه لجماعة Know Nothing التي كانت ضد المهاجرين. وظهرت في خطاباته أفكار المؤسسين الأوائل لأمريكا مثل: جورج واشنطن، جون أدامز، توماس جيفرسون، بينجامين فرانكلين، وجيمس ماديسون. ورأى أن على كل جيل إعادة تعريف أمريكا بما يناسب زمانه. وعندما تم ترشيحه رئيسا للبلاد عن الحزب الجمهوري عام 1860، أفاد أنه لن يفرق بين من دعمه ومن لن يدعمه من الجمهوريين، وأنه سيعمل مع الديمقراطيين، ولن يفرق بين الشمال والجنوب. كما سيتعامل مع كافة الناس بشكل متساو دون تفضيل أو تمييز فئة عن غيرها. مناظراته مع ستيفن دوغلاس ستيفن دوغلاس هو محام بارع من مقاطعة مورغان ومن الحزب الديمقراطي. تم انتخابه من أول مرة ليكون في اللجنة التشريعية لولاية إيلينوي. قابله لينكولن عند ترشحه للجنة رابع مرة. امتلك دوغلاس مدرسة في إيلينوي، وذاع صيته كمحام وكمناظر قوي. وفاز بمقعد الكونغرس مسببا في خسارة صديق لينكولن المحامي ستيوارت. وكان دوغلاس ضد تحرير العبيد. ورأى أن الحرية متساوية فقط للرجال البيض ولا يشمل السود، وكانت هذه بداية مناظراته مع لينكولن حول الرّق. بدأت المناظرات بين لينكولن ودوغلاس بهجوم الأخير على لينكولن حول ما ذكره في خطابه بالبيت المنقسم، وادعى أنها دعوة خفية للحرب الأهلية من الشمال ضد الجنوب، وأن يجب ترك موضوع الرّق بين أهالي تلك الولايات لتقرر إن كان أمرا جيدا أم لا. وفي أحد ردود لينكولن عليه، طلب من دوغلاس إحضار نصا دستوريا يبيّن أن الرجال متساوون ما عدا العبيد! وأفاد بأنه لم يروّج لأي حرب أهلية، وأنه دوما كان من حزب الويغ وكاره للرق. ثم تم اقتراح عقد سلسلة من المناظرات المباشرة بينهما. فكتب له لينكولن تحدي رسمي في 24 يوليو 1858 للتناظر. واضطر دوغلاس على الموافقة ولكن ليس في كل الولايات، إذ استثنى شيكاغو وسبرينغفيلد. كما اشترط دوغلاس أن يقرر تفاصيل المناظرات من الأماكن والتواريخ، فوافق لينكولن على شروطه. وكان مجموع المناظرات سبعة، وجذبت مئات الألوف من الجمهور للحضور. وكان أولها في 21 أغسطس 1858 في أتواه، وهاجم فيها لينكولن بادعاء محاولته في فصل الويغ والجمهوريين وعمل حزب منفصل له، وبدأ بسؤال الناس حول رغبتهم في أن يكون الزنوج لهم نفس الحقوق، وكان يرد الجمهور بالرفض. ثم لقّب لينكولن بالجمهوري الأسود، وأنه ساع لإلغاء الرق. أما لينكولن، فعمل على التحضير الجيّد من خلال تجميع كافة خطابات دوغلاس من الصحف والأقوال. واستخدم أسلوب السخرية والتهكّم في الرد. وكانت الصحف حينها غير حيادية في نشر المناظرات. وفي ويسكونسن، كانت المناظرة الثانية، وكان الحضور حينها 15 ألف شخصا، ومنهم من جاء من المناطق البعيدة. وهنا لم ينساق لينكولن لهجوم دوغلاس، وإنما تحداه بقضية العبد دريد سكوت الذي أنكرت المحكمة مواطنته ولم تسمح له بالحرية بعد موت مالكه. وهاجم دوغلاس لينكولن باتخاذه الزنجي فريدريك دوغلاس كمستشار له. وفريدريك هو عبد فرّ من بالتيمور إلى فيلادليفيا واشترك في حركة إلغاء الرق بقيادة ويليام غاريسون، وأنشأ له أول مجلة باسم (نجمة الجنوب)، وأصبح من ضمن المتكلمين البارزين في الخمسينيات من القرن التاسع عشر. وكان يهاجم الرق ويطالب بتحريرهم. ولم يكن لباقي المناظرات أي أثر جديد أو حضور نظرا لمعرفة الجمهور مسبقا بما سيتم التناظر حوله، وظهر التعب على دوغلاس بخلاف لينكولن الذي كان يظهر بشكل متجدد. وفي المناظرة السادسة، حضر كارل شارز، وهو مهاجر ألماني رحل إلى كوينسي من ويسكونسن للاستماع إلى لينكولن، وكان السبب في دعم الجالية الألمانية للينكولن. وفي هذه المناظرة ركّز لينكولن حول حقيقة موضوع الرق من الناحية الأخلاقية، وتسائل حول معنى الحرية إن كانت تعني قيام الشخص بما يريد ولو كان شيئا خاطئا. فرد دوغلاس بوجود ولايات رق وأخرى حرة، ولكن شكك لينكولن في ذلك وبيّن خطورة امتداد الرق للغرب والشمال. وفي لويزيانا كانت المناظرة الأخيرة. وفيها كان الحضور قليلا. وركّز لينكولن مرة اخرى على أن موضوع الرق هو أمر خاطئ، وأفاد أنه رحل من ولايات الرق لأنه أمر غير أخلاقي، وسأل إن كان في الحضور من قام بذات الشيء، أي الهجرة هربا من الأماكن التي تسمح بالرق، فكان هناك من تجاوب معه. وذكر بالنهاية أن موضوع الرق هو صراع بين الخير والشر. ولم تذكر هذه المناظرات أي موضوع آخر سوى الرق، فلم يكن هناك مثلا أي مناظرة حول أية سياسات أو الهجرة أو سكك الحديد أوالعملة. موقفه من الرق وجد لينكولن في الرق سياسة سيئة وغير عادلة. وظهر الموقف الأول له حول الرق في 12 يناير 1837 بالتصويت ضد تشريع لإلغاء قانون يسمح بقيام الحكومة بمنع الرق دون موافقة الشعب. واشترك في مظاهرة مع دانستون، وهو محام من سبرينغفيلد معارض للرق. وأفاد أنه يمكن إلغاء الرق بقوة الدستور، وكان يعلم أن ذلك من شأنه أن يقلل من نسبة تأييده الشعبي، إلا أنه استمر بالتشبث برأيه حول ذلك. ثم شارك في مختلف الصحف التي تتكلّم عن موضوع الرق لزيادة ثقافته حولها، وذلك بعد عودته من واشنطن عام 1849. وفي آخر جلسة له في الكونغرس، اقترح لينكولن قانونا يسمح للمسؤولين في ولايات الرق بإحضار عبيدهم إلى العاصمة أثناء تواجدهم في مهمة عمل رسمية، والسماح باعتقال العبيد الهاربين إليها، مع منع وجود الرق داخلها. وعارض قانون كنساس نبراسكا والذي يجعل أمر الرق بيد شعب تلك الولايتين. وأصر حينها على أن الجميع متساوون شاملا بذلك السود وليس استثناء لهم. وحذر من انتشار الرق إلى الولايات الحرة في خطاب له في نهاية أغسطس عام 1854. ورأى من الخطأ وجود الرق من الأصل. وكانت خطاباته حول منع الرق تشوبها مبادئ إعلان الاستقلال ونصوص من الإنجيل. وفي خطابه للترشّح لمجلس الشيوخ في 16 يونيو 1858، بيّن أن الرق سيقسم البلاد، فلا حل وسط بين الحرية وبين الرق. واستخدم في خطابه هذا الكثير من النصوص الإنجيلية لدعم رأيه. وتم نشر خطابه في مجلة ولاية إيلينوي. ثم ألقى محاضرة في 27 فبراير 1860 بناء على دعوة من اتحاد الكوبر في نيويورك عن الرق، ونشرته الصحف في نيويورك. الثلاثي العظيم قابل لينكولن المحام ليونارد سويت عام 1849 عند عودته من واشنطن. ثم صادق القاضي ديفيد ديفيس الذي تم انتخابه في الدائرة القضائية الثامنة، وكان يقدّر لينكولن عندما كان في الكونغرس، وشكلوا معا الثلاثي العظيم، وكان لهذه الصداقة تأثير واضح في المحاكم القانونية وفي وسط إلينوي وباقي المناطق. فقد تشاركوا في كل شيء، ومنها حتى غرفة الفندق. الانعزال عن السياسة بعد أن فشل في مقعد الكونجرس لفترة ثانية، قرر لينكولن الانعزال عن السياسة والتفرّغ الكامل لمهنة المحاماة. ولكن تم ترشيحه ليكون ضمن اللجنة التشريعية لولاية إيلينيوي عام 1845، فوافق على ذلك، وحصل على أعلى الأصوات في مقاطعة سانغامون. ثم رفض هذا المقعد بعد فوزه لأنه اكتشف أنه بذلك المنصب لن يصبح سناتورا، واعتبر الحزب أنها خيانة. إلا أنه تجاهل ذلك، وبدأ بإرسال الرسائل لمختلف أصدقائه لدعمه في جمع الأصوات لينال المنصب. لكنه بدأ يخسر الأصوات، فقرر الانسحاب والتوصية بترامبول لأنه كان ضد قانون نبراسكا، ولعدم رغبته بفوز أحد الديمقراطيين المؤيدين لذلك القانون. وفي الاجتماع الوطني للجمهوريين، تفجأ لينكولن بحصوله على أعلى الأصوات (110 صوت) كمرشّح ليكون نائبا للرئيس في انتخابات 1856. وكان قد تم ترشيح جون فريمونت رئيسا عن الحزب الجمهوري. أما الديمقراطيين، فقد انقسموا بموضوع الرق، فتم ترشيح جيمس بوتشانا من الفيدراليين وستيفن دوغلاس من الديمقراطيين. وعمل لينكولن في الحملة الرئاسية لفيرمونت، وفيها ألقى خطابات أكثر نضجا ووضوحا وكان يتميّز بالمناظرة الموضوعية. ولكن فاز بوتشانا في النهائية كرئيس لأمريكا. حينها، عاد لينكولن إلى المحاماة ولكن بقي مطلّعا على الأمور السياسية، ثم بدأ بالتحضير لخطاب لترشيحه إلى مجلس الشيوخ وطالب أصدقائه بمراجعته. وهذه المرة نال إجماع الجميع أن يكون ممثلا عن ولاية إيلينوي. وفي انتخابات 2 نوفمبر 1858 خسر الجمهوريين وفاز الديمقراطيين بمقاعد مجلس الشيوخ. ولم يعتبر لينكولن أنها سقطة له وإنما هفوة. وأيدته بذلك صحيفة شيكاغو برس وتربيون بنشرها أن لينكولن أصبح معروفا وذو شعبية ولم يخسر في واقع الأمر. ترشحه للرئاسة بعد الخسارة الثانية للينكولن في انتخابات مجلس الشيوخ وبثلاثة أيام، بدأت تطالب الصحف بترشيحه لرئاسة البلاد في 1860 عن الحزب الجمهوري. ثم قابله جيسي فيل وهو محام وصديقه من فانداليا، وأخبره أن الجميع يسأل عنه في بنسلفانيا ونيويورك ونيو إنجلند. فإن أراد الفوز في الرئاسة، عليه أن يكون معروفا في الشرق وخاصة في بنسلفانيا لينال الأصوات الكافية في الانتخابات. فاقترح عليه كتابة سيرة ذاتية تنشرها صحف الولايات الشرقية. رفض لينكولن حينها لوجود من هو أكفأ منه برأيه. وفي تلك الفترة أراد نشر كتابه الذي يحوي مناظراته وخطاباته في صحف شيكاغو. وعاد إلى مكتب المحاماة وكان مفلسا لخسارته أمواله في الحملة، وأراد الاعتزال مرة أخرى عن السياسة. ولكن في 13 إبريل 1859 أخبره توماس بيكيت، وهو محرر، أن الجمهوريين رشحوه للرئاسة، وكان مترددا لأنه علم أن فرصه بالفوز ضئيلة لتعليمه المتواضع ولمحدودية خبرته في السياسة. فقرر زيادة تأثيره السياسي بإلقاء الخطابات في العديد من الولايات، فقام في عام 1859 بالخطابة في خمس ولايات: أوهايو وويسكونسن وإنديانا وكنساس وأيوا، وولايات أخرى جديدة. أما ستيفن دوغلاس، المرشّح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، فقد قرر كتابة مشروع يروّج لأفكاره وردوده على مناظراته مع لينكولن. حينها قرر لينكولن كتابة السيرة الذانية وإرسالها إلى صديقه فيل في 20 ديسمبر 1859. ولكنها كانت فقط 600 كلمة، ولم يذكر عن مناظراته مع دوغلاس أو خطاباته خلال الخمس سنوات مضت، فتم تعديلها من قبل جوزيف لويس وهو محام جمهوري من بنسلفانيا. ووصلت النسخة المعدّلة لأكثر من 3000 كلمة وأرسلها للنشر في الصحف في ولاية بنسلفانيا في 23 فبراير 1860. بدأت حينها الصحف تقترح اسمه كرئيس للجمهورية. وفي مايو 1860، أصبح مرشحا رسميا عن الحزب الجمهوري لرئاسة البلاد مع 10 آخرين ليتم اختيار أحدهم (كما في الصورة أعلاه). وكانت سيرته الذاتية التي نشرتها الصحيفة الأخيرة والأقصر من بين باقي السير الذاتية للمرشحين الآخرين. حملته للرئاسة نجحت حملة لينكولن للرئاسة لسببين: زيادة شعبيته مع زيادة خطاباته في مختلف الولايات، ولإداراتها من قبل صديقه القانوني والسياسي ديفيد ديفيس. إذ لم يملك لينكولن مقرا انتخابيا له كباقي المرشحين، فقام مدير حملته باستئجار غرفتين، وبدأ يعمل على حملة لينكولن، وإدارة فريق من المدراء والمحامين والسياسيين والصحفيين. ولم يكن من البروتوكول ظهور لينكولن في أي حملة، فعمل حينها في مكتب المحاماة الخاص به تلك الفترة. أصبح لينكولن المرشّح الرئاسي عن الحزب الجمهوري بنيله لأصوات فاقت منافسيه. وكان المرشح لنائب الرئيس له هو هانيبعل هاملن وهو ديمقراطي سابق، ويملك صحيفة ديمقراطية. كان يرى بإلغاء عقوبة الإعدام، وضد انتشار الرق. كما تم ترشيح ستيفن دوغلاس عن الحزب الديمقراطي كرئيس، وهارشيل جونسون كنائب له. رئاسته كانت نيويورك أول من أفادت بفوز أبراهم لينكولن كرئيس سادس عشر لأمريكا. وكان فوزه هو الثاني الأعلى بتاريخ أمريكا، باكتسابه 82.2 بالمئة من الأصوات. وتم انتخاب هانيبعل هاملن ليكون نائبا للرئيس. وبدأ لينكولن في اختيار العاملين معه في إدارته، وأراد أن يكونوا متوزعين جغرافيا بالتساو. من نيو إنجلند والولايات الشمالية والولايات الواقعة على الحدود. وبدأ باستقبال مختلف الرسائل التي ترشح سياسيين للعمل معه في إدارته أو ترشح نفسها للعمل معه. وكان هناك أيضا بريد كراهية تمثّل بالتهديد بقتله، وكانت موقعة باسم (أخوة الجنوب). واجه لينكولن تحد لم يواجهه قبله من الرؤوساء، وهو المحافظة على وحدة الأمة. وارتكب أكبر غلطة سياسة بعدم الاستجابة للتصاعد في المطالبات بالانفصال في ولايات الجنوب، بالرغم من تنبيهه لذلك السيناتور ترومان سميث برسالة في 7 نوفمير 1860. فرد عليه لينكولن بالسكوت ولم يقم بإلقاء أي خطاب لطمئنة النفوس الجنوبية، معللا انشغاله بانتقاله إلى البيت الأبيض. وظن لينكولن بداية انتخابه رئيسا أن الطريقة لتهدئة الجنوب هو باختيار أحد منهم في إدارته. ثم أرسل له صديقه أليكساندر ستيفن الذي كان معه في حزب الويغ ضرورة إلقاء خطاب للعامة لتصاعد مخاوف الجنوب من أن ينقلب عليهم بما يتعلق بموضوع الرق، ورفض مرة ثالثة التكلّم، وحتى أنّه تردد حينها في تنصيب أحد منهم في إدارته. واستمر تجاهله حتى مع مطالبات صحف الجنوب بالخروج من الإتحاد. وخلال الأربعين يوم من بداية انتخابه، صوتت كل من مسيسبي، فلوريدا، ألاباما، جورجيا، لويزيانا، وتكساس بالخروج من الإتحاد. وانتظر الجنوب فيما لو كانت ولايات الشمال من فيرجينيا وكارولاينا والشمالية وتينيسي وأركانساس ستطالب بذات الشيء، أي الانفصال هي الأخرى. وفي أولى خطاباته، لم يذكر لينكولن مشاكل الجنوب، فقوبل خطابه بالنقد الشديد، وظن البعض أنه جاهل أو يتم تسييره أو أنه خائف من التصريح بآراءه. ثم التزم الصمت رغم توصية أصدقائه بضرورة التكلم لأن العامة أساءت فهم خطابه، ولكنه لم يستجب. غادر لينكولن سبرينغفيلد في 11 فبراير 1861 إلى واشنطن. وأراد المرور بإنديانا بولس وكولومبس وبيتسبيرغ. وألقى لينكولن العديد من الخطابات في كل منها، ولكنها كانت جميعها فاشلة في تسليط الضوء على مشكلة الجنوب، وظن الكثير عدم قدرته على التعبير صراحة وأنه دمية بيد الجمهوريين، غير عما ظهر من محدودية ثقافته الاقتصادية عندما تكلم عن العملة. وفي حفل تنصيبه، لاحظ الأهالي انتشار مكثف للجيش والشرطة نتيجة التهديدات بقتله. وفي خطابه ذكر أخيرا احترامه لقانون الرق، وأن لا داع لولايات الجنوب من الخوف، وركّز على وحدة الولايات، وأن لكل ولاية إنشاء المؤسسات الخاصة بها. أما بالنسبة للانفصال، فبيّن أن لا ولاية بأي قانون لها أن تخرج من الاتحاد، بقوله: No State upon its own mere motion, can lawfully get out of the union الحرب الأهلية إن أول قرار واجه لينكولن بما يتعلق بالحرب هو عند استلامه رسالة الرائد روبرت أندرسون، الذي كان مرابطا في كارولاينا الجنوبية، والتي أفادت أنه في حال لم يتم تزويده بالمؤونة سيضطر إلى الاستسلام. فلم يستطع حينها الرد بسرعة لعدم امتلاكه للخبرة العسكرية، فعقد لينكولن عدة اجتماعات مع المسؤولين، وأرسل مفوضين إلى المكان، وبما أن هدفه هو استمرار الاتحاد، وافق على استمرار تزويد القوات بالمؤونة. وأدى دعمه لفورت سنتر إلى إطلاق الرصاصة الأولى للحرب الأهلية في كارولاينا الجنوبية. وسقطت فورت سنتر وتصاعدت الحرب وتم حرق البنايات في فيرجينيا، وقطع خطوط الاتصال بين واشنطن والشمال، وانطلق الجيش إلى العاصمة لحمايتها، ووصلت الحرب إلى الشمال. وفعّل لينكولن القانون العسكري لتزويد الجيش بمتطوعين لحماية الولاية. ثم طلب الدعم من الولايات على الحدود إلا أنها لم تستجب، إذ رفضت ديلوير تفعيل القانون، وأفادت كنتاكي عدم امتلاكها لجنود لمحاربة أخواتها في الجنوب، أما ميسوري فرأت أن القانون العسكري غير قانوني ولا دستوري، فهو ثوري، ورفضت التعاون. لكن ماساتشوستس كانت متعاونة كونها قد بدأت بحشد الجيوش في يناير. وفي 22 إبريل 1861 طلبت لجنة بالتيمور من لينكولن إعلان استقلال الولايات الجنوبية من الإتحاد، فغضب لينكولن، وأخبرهم أنهم هاجموا جنوده، وأحنثوا بالوعد، ثم رفض طلبهم. وفي 27 إبريل طلب لينكولن من اللواء سكوت اعتقال أي شخص دون محاكمة في كل من فيلادلفيا وبالتيمور حتى واشنطن. وساهم هذا القانون باعتقال جون ماريمان في 25 مايو 1861 في ماريلاند لقيامه بالمساعدة في حركة الانفصال بالتجييش ضد الإتحاد. وبعد انفصال 11 ولاية، كتب لينكولن خطابا في 4 يوليو 1861 طلب فيه استعمال مقاييس السلام، وبيّن رغبته بحماية الاتحاد والدستور، وأيده الكونغرس ووافق على إمداد الجيش بـ 400 ألف شخص وتخصيص ميزانية له بلغت 500 ألف دولار. ونادت الصحف بتحرك الجيش إلى بالتيمور وريتشموند ومونتغمري وأتلانتا وتشارلستون، ولكن تفاجأ لينكولن عدم امتلاكه لجيش محضّر ومؤهل. إذ عند مقابلته لإرفين ماكداويل، أخبره أنه من المستحيل أن يتحرك الجيش في يوليو لعدم وجود خريطة لفيرجينيا تظهر فيها الطرق الرئيسة، كما أن الجيش صغير وغير جاهز إلى التحرك، إلا أن لينكولن طلب منه التحرك سريعا على أن ينطلق في 9 يوليو. وانطلق الجيش متأخرا في 21 يوليو بقيادة ماكداويل وكان معه 30 ألفا لمواجهة القوات الكونفدرالية، وبسبب عدم التدرب والتأهل لجيشه، كان هناك كر وفر. وفي ذلك الوقت تواجد لينكولن في وزارة الحرب في انتظار رسائل ماكداويل. ثم وصل لديه خبر خسارة ماكداويل وطلب من لينكولن استعادة الجيش لحماية واشنطن. وكان السبب الرئيس لهزيمة الاتحاديين هو استخدام الكونفدراليين لسكة القطار لإمداد جيشهم بـ 9 آلاف جندي. وبعد الخسارة الأولى في بول رن. اجتمع الكونغرس لتحديد الهدف من هذه الحرب. فصادقوا على أنها ضرورية لإثبات قوة الدستور، وللمحافظة على الإتحاد، وتم الإجماع على ذلك. وتم اتهام ماكداويل على أنه غير جدير بإدارة الجيش، وطالبوا لينكولن بقيادة عسكرية ثانية، وذلك فيما يسمى بالإثنين الأسود. إذ تم فيه تبادل الاتهامات حول الفشل، ولكن لينكولن رفض كل ذلك، وقال إن كان هناك من يجب لومه فهو نفسه. فكتب الدروس المستفادة من هذه الخسارة، ثم قرر تغيير ماكداويل واختار بدلا منه جورج ماكلالين والملقب بنابليون الشاب، وكان مجتهدا ويتحدّث الألمانية والفرنسية بطلاقة، إضافة إلى دراسته لتكتيكات الحرب، كما شارك في الحرب المكسيكية، وعد فيها بطلا. لكنه كان متغطرسا، إلا أن لينكولن أبقى عليه لامتلاكه قدرات متميّزة. قدم ماكلالين خطة إلى لينكولن تتمثل بالذهاب إلى معقل العدو وتدميره مقابل تكلفة طائلة وضعف عدد الجنود، كونها رحلة طويلة، إلا أن نتائجها ستكون سريعة، إذ سيُفاجئ العدو وسيسهل تدميره حينها. وفي القسم التالي تفاصيل المعارك التي قادها ماكلالين ومنها الأخطاء الفادحة التي وقع فيها. بدأ لينكولن بالتدخل في إدارة الجيش مؤمنا أنه بمنصبه كرئيس وكقائد أعلى للأركان له الحق في استغلال هذه الصلاحية والمشاركة في إدارة الحرب. ومع إدراكه لمحدودية خبرته العسكرية، أخذ يطالع الكتب العسكرية لتثقيف نفسه، مثل كتاب Elements of Military Art and Science وأدرك أن أحد المشاكل تتمثل في تعبئة الجيش كونه كان خليطا من كافة الأعراق، ولا يوجد انسجام بين أفراده. فبدأ بتعيين ضباط وألوية من السياسيين من الألمان والبولنديين والإيرلنديين. كما عمل على تعيين ضباطا من الديمقراطيين حتى يستميل الشمال كونها لم تؤيد الحرب. وقرر لينكولن وضع قيادة جديدة في ميسوري فعين جورج فريمونت رئيسا لوزارة الغرب، ولكنه لم يكن يتصرف بمسؤولية، إذ أعلن القانون العسكري، وأصدر قرارا بتحرير العبيد المنتمين للمتمردين في الولاية في 30 أغسطس 1861، فغضب لينكولن وأخبره أن عليه سحب القرار لأن ذلك من شانه أن يقلب الجنوب على الدولة. فبرر أن الجيش يحتاج إلى وجود العبيد للمشاركة معهم في القتال. فأقال لينكولن فريمونت من منصبه. وأثار ذلك غضب صديقه فريدريك دوغلاس، فبيّن له أنه لا هو ولا أي مسؤول قادر على فرض مثل هذا القانون، كما أن الدستور أجاز الرق ولا يمكن الحيلولة دون الانصياع لذلك. بالإضافة إلى أن مسألة الرق مسألة سياسية وليست عسكرية ولا يجوز الخلط بينهما. ثم قرر لينكولن اختبار هذا الأمر بمناقشته مع رجل الكونجرس جورج فيشر، أي تحرير العبيد مقابل تعويض مالي لمالكيهم من أجل تعبئتهم في الجيش، كونها طريقة أرخص لإنهاء الحرب وأكثرها إنسانية، وبنفس الوقت سيتم التخلّص من الرق. فعمل على مشروع قانون تحرير العبيد حتى عام 1870، وفيه يتم تحرير 587 عبدا في ديلوير، ولكن لم يتم التصويت عليه. في تلك الأثناء كان جيش ماكلالين يعاني من حمى التيفوئيد وقلة الموارد، فاستشار مونتغمري ميغليكلون وهو مهندس مدني خدم في جيش الإتحاد حول ما يجب القيام به وخاصة مع استعجال الشعب للنتائج. ثم فاجأ لينكولن الجميع بتغيير وزير الحرب وتعيين إيدوين ستانتون، وهو ديمقراطي يدعم الاتحاد، وذلك للمساهمة في إقناع الديمقراطيين في الحرب. وأثبت ستانتون كفائته ونال محبة وثقة الجميع ومنهم لينكولن. ثم أصدر لينكولن قانون الحرب رقم واحد في 27 يناير 1962، وفيه أمر الجيش والبحرية بالتحضير في فبراير ضد قوات المتمردين، وعمل ماكلالين خطة تشمل على نقل الجنود في نهر البوتماك لإبعاد القوات الفيديرالية عن الخط الدفاعي لحماية ريتشموند، ثم ضرب العدو في الأرض التي يختارها. فاستشار لينكولن موظفيه قبل الموافقة، ثم قبل بها. وفي 6 فبراير 1862 تحقق أول نصر للاتحاديين ضد الكونفداريين، وذلك عندما قامت كنتاكي بإرسال جيش من 4 آلاف هاجموا فورت هنري. وبقيادة أوليسيس غرانت. وتم تحقيق نصر ثان تمثّل في فورت دونيلسون في 17 فبراير 1862، وتمكّن غرانت من أسر 13 ألف جندي. وأصبح غرانت بذلك بطلا. ورقّاه لينكون إلى رتبة لواء. عانى لينكولن من إيجاد قادة عسكريين من ذوي الكفاءة. وخاصة بعد أن قام أمبروس بيرنسايد، قائد جيش البوتماك، بعبور النهر رابناك ولكنه لم يجد قوات الكونفدرالية لانسحابها إلى تينسي، إضافة إلى غرق جيشه بالوحل، فقرر لينكولن تغييره، فعيّن جوزيف هوكر، والملقّب بالمحارب جو، لفوزه في معركة فيرجينيا في 1862. ورأى أن الجيش كان حينها متعبا وجائعا وممتعضا من قرار تحرير العبيد، فقرر إطعامه والترفيه عنه بالنساء والخمر، ومن هنا جاءت تسمية بنات الهوى في أمريكا بـHooker لوجودهم الدائم داخل معسكره. وفي 1 مايو 1863، تمكّن جيشه المكوّن من 70 ألف بحصار 25 ألف من جنود المتمردين في لورزفيل، ولكنه اتخذ موقعا دفاعيا بدلا من الهجوم فخسر هوكر. فتم مهاجمة جيشه بقيادة الكونفدرالي جاكسون وكان هذا أكبر نصر لجنود الكونفدرالية. وانصدم لينكولن وخشي من ردة فعل البلاد حول ذلك. فاضطر لينكولن إلى كتابة رسالة إلى الشعب نشرتها الصحف في 12 يونيو، وفيها بيّن أنه مع القانون، وأن الجنوبيين ضد القانون، وبرر مختلف القوانين العسكرية التي فعلّها لطبيعة الظروف التي حكمت ذلك. ولكن في 23 مايو، تمكّن هوكر من حصار بيتسبيرغ، ووقعت تحت سيطرة قوات الاتحاد، واتبعت حينها قوات الكونفدرالية تكتيكات جديدة وقعت على أساسها فريجينيا، واتجهوا إلى ماريلاند. حينها أصاب لينكولن اليأس من هوكر لعدم اتخاذه موقف الهجوم، فاستبدله ووضع جورج غوردون ميداي بدلا عنه. ونجح ميداي في 3 يوليو من استعادة غيتسبيرغ وفيكسبيرغ. وأصبح هناك نصر ثان ودحر للقوات الكونفيدرالية إلى الجنوب باتجاه أتلانتا في نوفمبر 1863. وتمت المناداة بإعادة البناء وصار صراع داخل الحزب الجمهوري ولكن أعلن لينكولن أنه لن يقوم بسحب إعلان التحرير ولا أن يقوم بتعديله، أو إعادة من تم تحريره إلى الرق. وفي 4 مايو عام 1864 قام الجيش بقيادة غرانت بمهاجمة القوات بعد أن اجتاز نهر رابيدان، واتخذ جيش الكونفدرالية موقف الدفاع بدلا من الهجوم. وبلغت الخسائر حينها 18 ألف للإتحاديين و11 ألف للكونفدرالية، وتمكّن غرانت من أسر 3 آلاف، وفي 3 يوينو 1864 وقعت فيرجينيا. وقام الشعب بالتحريض ضد غرانت إلا أن لينكولن لم يكن كذلك، لأنه توقع استعادة فيرجينيا خلال سنة، فطلب من أصدقائه في الصحف بعدم زيادة التحريض كون العامة بشكل عام تطمح للكثير بوقت قليل، كما أنها غير منطقية في مطالبها، وخاصة بما يتعلق بانتصارات الحرب. وفي 16 يونيو 1864 ألقى لينكولن خطابا في فيلادلفيا. وفيه أقر ما نتج عن الحرب من تدمير للأعمال وللممتلكات وللمنازل، وحصول دين وطني، وارتفاع في الضرائب، وذلك لتهدئة النفوس. وبيّن أن الحرب بدأت لأجل هدف واحد ولن تنتهي إلا بتحقيقه. وتقدم جيش غرانت وميدي ووصلوا بيتسبيرغ في ريتشموند ولكن كان قد خسرا الكثير من الجيش، وما تبقى كان من المتطوعين غير المؤهلين. وفي بداية يوليو، بدأت القوات الكونفدرالية بالتحرّك نحو واشنطن، وخشي لينكولن عدم كفاية جنود الحماية فيها. ووصلوا في 11 يوليو إلى سيلفرسبرينغ، وكانوا من 15 ألف متمرّد. فعملوا على إحراق منزل اللواء مونتغمري بلير،.وكانوا على مسافة 5 أميال فقط عن البيت الأبيض. فانتقل لينكولن إلى فورت ستيفزنس لمشاهدة سير المعركة. وكاد أن يقتل برصاصة. ثم انقلبت بنسلفانيا ضد الاتحاد وأرادوا سحب قانون الرق. وفي سبتمبر، انتصر جيش الاتحاديين في أتلانتا، وهو أكبر انجاز عسكري لهم في الحرب. وفي 15 نوفمبر 1864 ترك جيش الاتحاديين أتلانتا وذهبوا إلى المحيط بهدف تحرير جورجيا. وتمكّنوا من استعادة سافانا كون الكونفدراليين قد أخلوها قبل وصول الاتحاديين، فتم الاستيلاء على القطن والأسلحة فيها وسعد لينكولن بذلك. طالت الحرب الأهلية لأكثر من سنتين ولعدة أسباب من أبرزها: عدم قدرة الجيش على تدمير جيوش المتمردين بأخذهم للموقف الدفاعي بدلا من الهجومي، وأحوال الطقس السيئة التي أعاقت مسير جيش الاتحاد، وتميّز جيش المتمردين بالذكاء والخديعة. إضافة إلى عدم طاعة قادة الجيش لأوامر لينكولن بتدمير جيش الكونفدرالية والاكتفاء فقط بتحرير الأراضي. وفيما يلي ملخّص لأخطاء جورج ماكلالين والتي نذكرها بقسم منفصل لتكرارها ولفداحتها: أخطاء جورج ماكلالين تمثّلت أولى أخطاء ماكلالين في محاولته لعبور نهر البوتوماك، فأثار حنق لينكولن، وأصبح هناك اتهامات له بالخيانة وبتعاطفه مع الكونفيدراليين، وطالبوا بإقالته، ولكن لم يجد لينكولن بديلا عنه. إلا أنه أصدر قرارين دون علمه وهي ترتيب الجيش بأربعة فيالق مع 12 كتيبة، والتصديق على خطة أوربانا التي تتمثل في مغادرة قوة واشنطن. ثم وصلت أخبار بانسحاب القوات الفيدريالية وقيامها بإنشاء خط دفاع جديد بالقرب من أوربانا. وفي مارس 1862، خرج ماكلالين إلى ريتشموند، مما أثار حنق لينكولن لأنه ترك واشنطن دون حماية كافية، وعندما وصل ريتشموند لم يجد من يحاربه، فقد انسحبت قوات المتمردين مساء، وصار بذلك سخرية الجنوب. فقرر لينكولن الذهاب إلى ساحة المعركة لمعرفة ما يحصل، فلم يجد ماكلالين يقوم بأي شيء، فقرر إدارتها بنفسه. ثم أقال ماكلالين في 11 مايو ووضع هنري هووليك في الجيش الغربي، وجون فيرمونت شرقي تينيسي. إضافة إلى تغيير ماكداويل وبانك وفريمونت بتعيين جون بوب من إلينوي في يونيو لقيادة الجيش. ولتغيير استراتيجية الحرب، قام لينكولن بتعيين هنري هوليك الرئيس العام. خسر بوب أولى معاركه ولم يجد دعم الجنود له وخاب ظن لينكولن به، ورأى أن ماكلالين له شعبية أكبر ففقام بإعادته. فقرر الهجوم في 11 سبتمبر 1862 بدخول ماريلاند وبينسلفانيا، وأرسل الحاكم أندرو كارتن رسالة إلى الرئيس يخبره بحاجته إلى 80 ألف للجيش لحماية فيلادلفيا وهاريسبيرغ. ووجد لينكولن أنها فرصة للقضاء على جيش المتمردين لبعدهم عن المؤن ولأنهم في أرض جديدة عليهم. وانتصر عليهم ماكلالين، فطلب منه لينكولن تدمير العدو، ولكنه أخطأ مرة أخرى بعدم الاستجابة للرئيس، وتبيّن أن جيش الكونفدراليين لم ينسحب، وإنما عمل على تغيير موقعه. حينها أقاله مرة أخرى لينكولن بوضع أمبروس برونسايد كقائد جديد. قانون تحرير العبيد بعد مرور 16 شهرا على الحرب، وتزايد خسائرها، قرر لينكولن أن تصبح الحرب لتحرير الرق في كافة الولايات الأمريكية وإلى الأبد، وذلك لأنها كانت وسيلته الوحيدة لمنع سقوط الاتحاد. ثم وقع الكونغرس على قانون يسمح للعبيد بالهرب من المناطق الجنوبية إلى مناطق الإتحاد. وفي محاولة منه لتهدئة الشمال، أرسل لينكولن قانون التحرير الذي اختبره في ديلوير إليهم، وذلك في مارس 1862. وأصبحت هناك انتقاضات حول تكلفة ذلك، إلا أنه بيّن أنها ستكون أقل كلفة من الحرب الدائرة. وفي 16 إبريل، وقّع لينكولن على مشروع قانون لإلغاء الرق في ولاية واشنطن، وتعويض المالكين، وإرسال العبيد إلى هايتي أو ليبيريا بحسب اختيارهم. وذات الشيء بكل المناطق الفيدريالية وحتى 9 يونيو. وفي خطابه الثاني لدى الكونغرس في سبتمبر 1862، بيّن لينكولن أن على كل ولاية التخلّص من الرّق حتى عام 1900، وذلك لإنهاء الرق بطريقة سلمية أثناء الحرب الأهلية. وأضاف أنه لولا الرّق لما انوجد هؤلاء المتمردين، وأن باستمرار وجود الرّق لن تنتهي هذا الحرب. وفي معركة أنتيتام في 17 سبتمبر 1862، تم قتل في هذه المعركة أعلى رقم من كلا الجيشين، الاتحادي والكونفدرالي، وفي تاريخ القرن التاسع عشر. وهنا وجد لينكولن الفرصة لإعلان تحرير العبيد. ونشرت الصحف الإعلان على أنه سيتم توقيعه في 1 يناير 1863. وحضر في ذلك اليوم رجال الدولة والصحافة والعامة إلى البيت الأبيض لمشاهدة توقيع إعلان التحرير. وفي مؤتمر الحزب الوطني في بالتيمور وبالنيابة عن لينكولن تم إعلان تعديل الدستور لمنع الرق داخل أمريكا من قبل إدوارد مورغان. وفي خطاب له في غيتسبيرغ في 1863، بيّن لينكولن أن الجميع سواسية، وأن الحرب من أجل الحرية والاتحاد. وذكر أنها أيضا اختبارا لمبادئ الأمة، وذكر إرداة الله التي هي فوق الجميع. وأن الأمة لن تنهض دون أن تستند إلى الدين والسياسة،. ثم تحدث عن الاتحاد الجديد الذي يخلو من الرق. وذكر أن الحكومة للبشر من البشر وللبشر، فلا يوجد هناك ما يسمى بديمقراطيين وجمهوريين. وبعد انتخابه لولاية ثانية، أراد لينكولن تمرير تعديل دستوري رقم 13 لإلغاء الرق، وهو التعديل الثاني بعد 60 عاما من التعديل الأول الذي كان حول الحقوق المدنية. إلا أنه تم رفضه بأغلبية من الكونغرس في 15 يونيو 1864، فقرر لينكولن اتخاذ طريقة أخرى باختيار مجموعة من الديمقراطيين وعمل لوبي لكسب أصواتهم. وتم التصويت في 31 يناير 1865 أخيرا بالتعديل الثالث عشر والذي نص على عدم وجود الرق إلا كعقوبة على جريمة، وعلى الكونغرس استخدام السلطة الممنوحة له لتفعيل هذه الفقرة من القانون بتشريع مناسب. وتم تمرير التعديل ووقع عليه شخصيا وقال كلمته الشهيرة أنها دوائه ضد كل الشر: This Amendment is the King's cure for all the evils تجنيد العبيد قرر لينكولن إدخال العبيد الذي تم تحريرهم في الجيش للمشاركة في الحرب الأهلية، وذلك بحسب قانون المصادرة الثاني، والذي يعطيه صلاحية القيام بما يريده في العبيد الذين تم تحريرهم. ولكن كان هناك مشاكل في تحقيق ذلك، تمثّلت في أنهم غير مبادرين للقتال، ورفض الجنود البيض رؤيتهم جنبا إلى جنب معهم. كما قامت الكونفدرالية بإبعاد المحررين منهم عن أرض المعركة. ثم قابل فريدريك دوغلاس لينكولن ليشكو إليه وضع الجنود السود من ناحية عدم تساويهم بالأجر مع البيض، وأنه كان يتم حرق منازلهم وضربهم حتى الموت، فقام لينكولن بإرسال رسالة للشعب في سبرينغفيلد بسبتمر 1863 لتشجيع الجنود السود على المشاركة، ولتقدير مشاركتهم في الحرب. وأشار إلى الحرب والسلام، ولم يركز على انتصارات الاتحاد وإنما دعا الشعب إلى مساندته والوقوف معه في تحرير المسيسبي، وأن الحرب لن تنتهي حفاظا على الاتحاد. وكان لرسالته أثر جيد وتم التهليل والدعاء له بالبركة وبأنهم باقون على العهد معه. إلا أن ظهرت حركة رؤوس الكوبرا من الديمقراطيين الرافضين للمساواة بين البيض والسود، وأرادوا حكم الولايات الواقعة في الغرب الأوسط. وفي 26 مارس 1864 استقبل لينكولن من كنتاكي زائرين عبروا عن استيائهم من وجود الرق في الجيش، فألقى عليهم خطابا، وأرسله إلى المحرر هودج وقام بنشرها. وفيها بيّن أنه ليس فوق الدستور لتعهده باحترامه ولو خالف معتقداته، وأن الظروف هي التي حكمت، وإرادة الله هي التي شاءت أن يتم تحرير العبيد. وفي خطاب آخر ألقاه في بالتيمور في 18 إبريل 1864، بمنظمة لتزويد الجنود، بيّن لينكولن أن الحرية لا تعني التعدي على الآخر، في إشارة إلى الرق، وذلك مستغلا امتعاض الجيش الاتحادي من وجود العبيد، وشكوى دوغلاس من عدم مساواتهم في الأجر مع الجنود البيض وتدمير ممتلكاتهم وقتلهم. كما أشار إلى مذبحة فورت بيلو، والتي قام فيها الكونفدراليين بذبح عشرات الآلاف من العبيد بالرغم من استسلامهم، وذلك في 14 إبريل 1864. وكان قائد هذه المذبحة يلقب بفوريست الشيطان وهو ويليام شيرمان. الترشّح لولاية ثانية رغب لينكولن بالترشح لولاية ثانية، ولكن انشغاله في الحرب الأهلية منعته من التحضير لحملة خاصة به. وكان هناك أكثر من ولاية ترغب باستلامه الرئاسة، مثل أوهايو وبنسلفانيا وكاليفورنيا، وذلك بإعلانه مرشحا في انتخابات 1864. ولكن لم يشعر الجمهوريين أنه مناسب لفترة ثانية. وكان المتحمس للرئاسة حينها وزير المالية سالمون تشيس. أما الديمقراطيين الحربيين، فرشحوا اللواء جورج ماكلالين، وتم ترشيح كليمنت فولندنغهام من قبل الديمقراطيين الداعين للسلام. وفي انتخابات الرئاسة في 8 نوفمبر 1864، فاز لينكولن على ماكلالين فوزا ساحقا بولاية ثانية وبضعف عدد الأصوات. حينها قرر لينكولن تغيير إدارته. فعمل على مكافأة كل من جون نيكولا وجون هاي لجهدهم المتميّز في فترته الأولى، وذلك بإرسالهم إلى فرنسا بمهام دبلوماسية. ثم عمل على تغيير كافة الطاقم ما عدا وزير الخارجية ويليام سيوارد. وعيّن رئيسا جديدا لوزارة العدل لموت السابق، واختار مساعدين من 4 قضاة على غير العادة، منهم ديفيد ديفيس صديقه ونواه سواين وسايمون موللر وستيفن فيلد. وقرر اختيار رئيس محكمة عليا يكون داعما لتحرير العبيد والحرب الأهلية، فاختار سايمون تشايس. وفي خطاب تنصيبه الثاني في 4 مارس 1865، كان هناك الكثير من الحراسة المشددة؛ من الجيش والقناصة والشرطة، وظهر العبيد لأول مرة بشكل كبير وغير مألوف جمبا إلى جمب مع العامة للاستماع إلى خطابه. وركّز لينكولن في خطابة على أن إرادة الله هي التي تقرر مصير الحرب، وأن الشمال والجنوب يعبدون ذات الإله وبالتالي يجب ألا يتفرقوا. فكان خطابا دينيا بعيدا عن أي ذكر لمنجزات للحرب. ثم شدد على أهمية إعطاء السود حقوقهم بالتساوي مع الآخرين. مفاوضات السلام كان أول من طالب بالسلام هو كلمينت فالنتيغام من الكونجرس. إذ عارض استمرار الحرب التي لم ينتج عنها سوى الخسائر، فطالب لينكولن بالسلام، وذلك بسحب الشماليين من الجنوب، وفتح مجال للتشاور مع الكونفدرالية. وبعد انتخاب لينكولن لولاية ثانية، تمت المناداة بالسلام في كل من الكونفدرالية والاتحاد. فأرسل لينكولن فرانسيس بلير كمبعوث سلام إلى ريتشموند وقابل هناك جيفرسون ديفيس في نهاية يناير 1865. وأخبره جيفرسون تعاونهم مع الاتحاد لاسترجاع المكسيك من الفرنسيين التي تم احتلالها في 1862، وأن يكون هناك مفوضين للمحافظة على الأمان في الشمال والجنوب. وتم وضع ثلاثة مفوضين: ألكساندر ستيفين وهو نائب رئيس الكونفدرالية، وجون كومبل مساعد وزير الحرب، وروبرت هانتر وهو سناتور كونفدرالي من فيرجينيا. ثم قابلهم لينكولن في 3 فبراير 1865 في ريفركوين بفيرجينيا. وخشي أن يعيق السلام هدفه في المحافظة على الاتحاد وتحرير الرق. فبيّن لهم أن على الجنوب إيقاف عدائها على الشمال. ثم حاولوا التدخل في السياسة فرفض لينكولن، وبيّن لهم أن الأمور السياسية بيد رئيس البلاد وليس الجيش. وانتهت المفاوضات دون أي نتائج. انتهاء الحرب كان حصار الكونفدرالية لبيتسبيرغ هو الأطول في التاريخ الأمريكي. وفيه تم قطع السكة الحديدية بيونيو 1864 على أمل أن يمل الشمال من الحرب. ثم غادرت الكونفدرالية فجأة من كل من بيتسبيرغ وريتشموند وبعد حصار استمر لمدة 293 يوما، . وسأل جيش الكونفدراليين مقابلة غرانت لإعلان الاستسلام. وبذلك انتهت الحرب في 10 إبريل 1865. وعفا لينكولن عن لي قائد الكونفدرالية. اغتياله تعرّض لينكولن لأولى محاولات الاغتيال عند انتقاله إلى واشنطن، وذلك بعد انتخابه رئيسا أول مرة عام 1861. إذ أخبره المحقق ألان بينكرتون بوجود خطة لاغتياله أثناء طريقه في القطار. مما جعله يغيّر من رحلته ليصل إلى واشنطن بشكل مبكر وغير معلن. وكانت المحاولة الثانية عندما كان مترددا على منزل الصيف، حيث انطلقت طلقة نارية تجاهه، ولكنها لم تصبه وظن أنها طائشة وليست مستهدفة، إلا أن صديقه وارد ليمون، الذي أخبره بالحادثة، طلب منه وضع حراسة شخصية، إلا أن لينكولن رفض ذلك. ومع إعادة انتخابة لولاية ثانية رئيسا للبلاد عام 1864، زادت نسبة محاولة اغتياله للضعف ومن أعدائه في كل من ولايات الشمال والجنوب. وفي مساء أحد الأيام، غادر لينكولن مع عائلته لحضور إحدى المسرحيات، وذلك في 14 إبريل 1865. وأثناء مشاهدته لها، تسلل رجل اسمه جون ويلكس بوث خلفه، وكان معه مسدسا، ومنه أطلق النار على رأس لينكولن ومن مسافة 6 إنشات. ثم قفز إلى خشبة المسرح وصرخ بكلمة طاغية. تم الإسراع بلينكولن إلى منزل خياط اسمه ويليام بيترسون. وأفاد الطبيب الذي عاينه بعدم وجود فرصة لنجاته، وذلك لأن الرصاصة دخلت الجهة اليسرى من رأسه واستقرت قرب عينه اليمنى. مات لينكولن في صباح اليوم التالي، في 15 إبريل 1865. Comments are closed.
|
تتميز هذه الصفحة بملخصات للكتب القيّمة مع التحليل الشخصي والإضافة والنقد لها
Archives
May 2021
Categories |