بقلم إشراق كمال عرفة
تمهيـــد حاول المستشرقون الطعن في الإسلام لئلا يتمكّن المسلم من معرفة حقوقه التي منحها له دينه، والتي هي ضرورات لحياته، وليست مجرّد حقوق. فكان أن عملوا على تشويه صورة الإسلام كي يميل المسلمون على اتباع أفكار الغرب وأنظمته، لا لشرائع وأحكام إسلامهم. ولذلك فإن الهدف من هذا الكتاب هو تعريف المسلم بحقوقه والمطالبة بها ليتمكّن من بناء مشروعه الحضاري المتميّز على الأرض. وقسّم الكاتب تلك الحقوق على شكل أبواب تحمل اسم ضرورات. كونها بنظره ضرورية ليحيا الإنسان بكرامة وليتمكّن من الخلافة على الأرض. فالشريعة الإسلامية جعلت من صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان، لأنها مناطق التكليف، ولذلك جاءت إباحة الضرورات الإنسانية للمحظورات الدينية. وبالتالي فإن المأكل والمشرب والمسكن، والمراقبة، ومحاسبة أولياء الأمور، والمشاركة في صياغة النظام، والحرية في الفكر والاعتقاد والتعبير، والعلم والتعلم والتعليم، والأمن والأمان، والثورة على الأنظمة الجائرة هي من ضرورات العيش بحرية وكرامة. كما ويأتي أهمية الحكم بالعدل لضمان تلك الحقوق لكافة الناس. وكما قال أبو بكر الصديق: (القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له). أولا- تاريخ الحقوق الإنسانيةبدأت قصة حقوق الإنسان التي ظهرت في ميثاق الأمم المتحدة عام 1948 خلال الثورة الفرنسية في عام 1789. وفيها وضع إيمانول جوزيف سييس وثيقة حقوق الإنسان وأقرّتها الجمعية التأسيسية. واعتمدت على مصدرين: نظريات المفكر الفرنسي جاك جاك روسو، وإعلان الاستقلال الأمريكي الذي وضعه توماس جيفرسون. وشملت الوثيقة على حقوق الإنسان الطبيعية، مثل الحرية والأمن وسيادة الشعب كمصدر للسلطات، وسيادة القانون والمساواة بين جميع المواطنين. وكانت لهذه الوثيقة دور كبير في الثورات الإصلاحية. وهذا لا يختلف عمّا كان في الحضارات القديمة وشرائعها. إلّا أنّ الإسلام الوحيد الذي بيّن أن هذه الحقوق هي ضرورات ومن دونها لا يقوم الدين. فإن لم يتمكّن الإنسان من إشباع تلك الضرورات سيصعب عليه النهوض بتكاليف العبادات المختلفة ومن أداء دوره في الخلافة على هذه الأرض. فالعبادة تأتي بعد أن يتنعّم الإنسان بتلك الضرورات من مسكن وغذاء وحرية والكساء ومنها يعبد الله شكرا له على تلك النعم. لذلك فإن صلاة الجائع والخائف لا تكون مقبولة. فالخائف لن يتمكّن من عمارة الأرض لوجله الدائم من الهجوم عليه وانعدام حرية باله وتفكيره بما يصل إلى القدرة على الإعمار. كما أنّ الجائع سيكون همه إيجاد الطعام قبل أي شيء آخر. ويستدل الكاتب على ذلك بقوله تعالى: (لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)) – قريش. وفيما يلي توضيح لهذه الضرورات، أي حقوق الإنسان في الإسلام: أ – الحريةحقّق الإسلام حرية الفرد الجسدية والفكرية. ففي الحرية الجسدية، كان الرقّ منتشرا وله نظامه الخاص في الجاهلية، فعمل الإسلام على تجفيف روافده من خلال جعل فك رقبة من الكفارات، والرفع من شأن الصدقة فيه. كما أنّه حرّم الربا وحارب الفقر اللذان يدفعان بالمرء إلى الاتجار بنفسه وأولاده ليتمكّن من العيش. ثم عمل على زيادة عبئهم على مالكهم من خلال مطالبته بحسن معاملتهم وإعطاءهم حقوقهم من الطعام والشراب واللباس، وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به. كما أنه نهى عن تسميتهم بالعبيد بقوله – صل الله عليه وسلم -: (لا يقول أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي)، ليكونوا بذلك بمنزلة الأسياد. وبالتالي تسهيل تحريرهم للتخفيف من عبء الاهتمام بهم. وعلى خلاف الكنيسة التي تفرض الإيمان على رعيتها وتعدّ الشك أمرا مخالفا لها، دعا الإسلام إلى التحرر العقلي من خلال حث الناس على التفكّر والتأمل. وفي ذلك يقول الله تعالى: 1. (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)) – آل عمران. 2. (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)) – الجاثية. 3. (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101)) – يونس. كما أن الله تعالى لم يرسل خاتم أنبيائه والمرسلين ليفرض الدين بالقوّة على الناس، وإنما نذيرا لهم بوجود النار للمشركين ومبشرا بالجنة للمتقين. قال تعالى: 1. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)) - سبأ 2. (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)) – القصص. 3. (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54)) – النور. ب- الشورىتم تشويه المعنى الحقيقي للشورى لتبرير استبداد وظلم الأنظمة الاستبدادية. فالشورى لا تعني الاستشارة ثم المضي بالحكم الشخصي. ودليل ذلك هو خروج الرسول – صل الله عليه وسلم- لغزوة أحد رغم أنها كانت دون رغبته، ولكنه خرج إليها لأنها كانت ثمرة الشورى، والتي هي فرض على الحاكم وعلى المحكوم. وفي قوله تعالى في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59))، فأولي الأمر هنا هي مجموعة مكلّفة من الشعب وليس شخصا واحدا؛ سواء كان ملكا أم رئيسا أم غيره. فهذا يلغي الاستبداد والفردية في الحكم. وكان الرسول – صل الله عليه وسلم- شديد استشارة أصحابه بما يتعلق بأمور الدنيا. أما أمور الدين فكان يلتزم بها كما أنزل الله من أمرها بالوحي. ومن الدليل على ذلك قوله – صل الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما)، وقال أبو هريرة: "ما رأيت أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله – صل الله عليه وسلم-". حتى في وضع الولاة والأمراء وقادة الجيش، كان عليه الصلاة والسلام يستشير المسلمين في ذلك. وهذا ما ذكره كتاب (القائد الملهم) بضرورة مشاركة الناس في صنع القرار دون تحسيسهم أنهم مجرد أتباع ليتمكّن من الحصول على دعمهم ومساندتهم ونيل ثقتهم. واستمر الأخذ بالشورى من قبل الخلفاء من بعد الرسول – صل الله عليه وسلم-. ففي عهد أبي بكر كان إن أراد الحكم في مسألة ما، رجع أولا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فإن لم يجد مطلبه، سأل الناس عمن سمع أو شهد للرسول حكمه في مسألة مشابهة. فإن لم يجد، كان يجمع أخيار القوم ويستشيرهم. وبالشورى تمكّن عمر بن الخطاب من وضع الميادين والجيش النظامي بعد استشارة الصالحين من القوم. فكانت مجالس الشورى في عهد الخلفاء الراشدين فاعلة في تسيير أمور الناس لما فيه الخير لهم. فالشورى تبدأ باختيار الحاكم ولا يقتصر الأمر على ذلك، وإنما بمراقبته. فإن انحرف يجب دعوته بالحسنى، وإن رفض يجب عزله بمختلف الطرق وإن اقتضت الثورة. ج – العدل العدل هو معاملة الناس سواسية دون تفضيل فئة على أخرى. فيتم تقسيم الأموال بين الجميع بالعدل، ويُمنع بيع مصادر الماء والنار. فالمال هو لله وكله للناس. وحق لكل من يشعر بالظلم أن يحارب ذلك ولو بالسيف، ويحبّذ الإسلام الثورة حينها بقول الرسول – صل الله عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنك أنت ظالم فقد تودع منهم). والصراع بين الظلم والعدل أبدي، ولذلك يجب الثورة لمواجهة الظلم بقوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)) – الحج. كما نفّر الإسلام الظلم ببيان عقوبته الشديدة في الآخرة، بقول الرسول—صل الله عليه وسلم-: ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما؛ طُوقّه إلى سبع أرضين). وشمل الله تعالى أشكال العدل بقوله جلّ وعلا: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)) – الأنعام. د –العلمإن أول آية نزلت على سيدنا محمد – صل الله عليه وسلم- هي اقرأ، وأقسم الله تعالى بالقلم، مما يبيّن شأن العلم والتعلم الكبير في الإسلام وخاصة لمن يملك زمام أمرها. فالأئمة التي تحكم الأمة يجب أن تكون من العلماء. وفي ذلك قال عمر بن الخطاب (تفقهوا قبل أن تسودوا)، و(لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم). وبيّن الرسول – صل الله عليه وسلم- أهمية أن يكون الحكم للعلماء بقوله: (مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة). وبالعلم تتحقق الحياة، وبه استحق الإنسان شرف الخلافة بقوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) – البقرة. ويتفوّق العلم على الذكر. ذلك أن مرّ الرسول – صل الله عليه وسلم- بمجلسين في مسجده أولهما مجلسا للذكر والثاني للعلم، فجلس الرسول مع أهل العلم. كما أوجب طلب العلم بقوله – صل الله عليه وسلم-: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). ويرتبط العلم بالحرية الفكرية. فالإسلام الدين الوحيد الذي يدعو إلى التأمل والتفكّر لتحقيق الإيمان. قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)) – فاطر. وكان كثير من العلماء قد أسلموا بعد اكتشافهم آيات الله في مجال تخصصاتهم المختلفة، كعلماء الفلك والطب. وهناك من الآيات القرانية التي تخاطب العلماء دون غيرهم، منها: 1. (كذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)) – الأعراف. 2. (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ (43))- العنكبوت 3. (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)) – الروم. 4. (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)) – الأنعام. ھ – الإصلاحجعل الإسلام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية وليست فرض عين. وبيّن أن التنازل عنه سيكون سببا في هلاك الأمة بقوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)) – المائدة. وبيّن الرسول—صل الله عليه وسلم - أن تركها سببا للعذاب. والذي يتمثّل في: عدم استجابة الله للدعاء، وضرب الناس بعضهم ببعض، بقوله: (لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله بعضكم ببعض، ثم تدعون فلا يستجاب لكم). ويتم اتباع السلم في تحقيق الإصلاح وإلا الثورة! وفي ذلك رخصة، بقول الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)) – الحج. و- المعارضةيخلط الكثير من الناس بين بين بيعة الدين والبيعة السياسة. فالأولى هي بيعة الرسول—صل الله عليه وسلم— والتي يجب الانصياع لها. أما البيعة السياسية فجائز معارضتها. والدليل ما حدث بعد موت الرسول عندما اجتمعت الأنصار على تنصيب سعد بن عبادة خليفة له. وعندما فشل في تحقيق ذلك، عمل على معارضة كل من أبي بكر وعمر من بعده. ولم يجبره احد على البيعة لهما. وهذا نموذج آخر للحرية، حرية الرأي التي كفلها الإسلام للناس. ومن الأدلة الأخرى على حق المعارضة في الإسلام: الشورى. إذ كان صحابة الرسول يحرصون على التمييز بين الأمور الدينية والسياسية ليتمكنوا من مناقشة الأخيرة، وذلك بسؤالهم له: (أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟). فالمسلم له حق معارضة الحكم وليس لأحد أن يفرض عليه الموافقة والإذعان له. فالمعارضة جائزة في الإسلام. و يجب أن تكون فاعلة حين يصبح الحاكم ظالما؛ وذلك بالعمل على عزله. كما ويجيز الإسلام المعارضة المنظمة. و لا يملك أي حزب إلغاء شرعية الآخر. فمثلا، كانت هناك معارضة ضد بني أمية الذين استحوذوا الحكم، وذات الشيء المرأة التي قدمت من حزب النساء للرسول تسأله ذات الأجر مع الجهاديين من الرجال، والحزب الذي كان بين زوجاته. فالحزب المنظم مشروع في الإسلام، وليس كما يحاول بعض علماء السوء تحريمه بالتعليل أنه ذاته الذي ذكره الله تعالى عن الأحزاب، فتلك كانت حول أحزاب الكفر المعارضة للدين، لا أحزاب الإدارة والسياسة.ثانيا – علماء السوءيعمل علماء السوء الذين وصفهم الكاتب بـ (وعّاظ الملوك والأمراء) على تشويه أحكام الإسلام لتحريم حقوق الأفراد. مثل تحريم الشورى، ووجوب الصبرعلى ظلم الحاكم وطاعته بشكل مطلق وبكل الأحوال. فيشكره المسلم إن عدل، ويصبر عليه إن ظَلَم، محاولين بذلك خداع المسلمين لمنعهم من الثورة وعزل الحاكم الظالم. وفي تحقيق في ذلك، يتبّعون أسلوب الخلط بين السّنة التشريعية وغير التشريعية. ولذلك أوصى الكاتب بمصدرين من شأنهما توضيح ذلك لأي مسلم: الأول - كتاب الإمام القرافي باسم (الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام). وفيه بيّن الاقتداء بمبدأ الرسول في الحكم، وليس اتّباعه حرفيا لاختلاف الظروف والبيّنات. الثاني—كتاب ولي الله الدهلوي باسم (حجة الله البالغة). وفيه قسّم السنة النبوية إلى قسمين: تبليغ الرسالة وآخر يختص بما لا يتعلّق بتبليغ الرسالة. كحادثة النخلة وفيها قال الرسول—صل الله عليه وسلم- : (وما كان من أمر دنيكم فأنتم أعلم به).ثالثا- دحض حجج علماء السوءيلجأ علماء السوء على التركيز على سياق ما ليُساء فهم الحديث ليقبل الناس بجور الحاكم وأكل مالهم. ومن الأمثلة التي يلجأوون إليها ما يلي: أولا - الاستناد إلى صحيح مسلم بكتابه الإمارة. وفيه باب طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق، وباب عن الأمر بالصبر عن ظلم الولاة واستئثارهم. إلا أنهم أهملوا باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية في ذات الكتاب. فعندما يصبح الحاكم ظالما مستبدا يجب الخروج عن طاعته. وذلك لأنه عصى شرع الله الذي أمره بالعدل، بقوله جلّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)) – النساء. ثانيا— الاستدلال بما رواه أبي هريرة عن الرسول محمد—صل الله عليه وسلم-: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله)، وأيضا (ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقط عصاني). فالمقصود في المقولة الأولى هو طاعة الرسول نفسه. أمّا الثانية فهي الأمير الذي حدده الرسول قائدا للجيش. وليس مطلقا لأي حاكم في أي زمان. ثالثا— في محاولة لإقناع المسلمين على الصبر على ظلم الإمام، يعمل علماء السوء على ترديد قول الرسول—صل الله عليه وسلم-: (من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فمييته جاهلية). فالمقصود هنا الصبر على ما يكرهه الإنسان في أميره. تماما كما فعل سعد بن عبادة في كراهية إمامة أبي بكر وعمر بن الخطاب. وليس الصبر على مخالفة الحاكم لأحكام الشريعة الإسلامية. كما أنّ الخروج عن الجماعة هنا تعني الخروج عن دين الحق وليس طاعة الظالمين. وفي نفس السياق، يستندون إلى قول أبي ذر: (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف)، وإهمال وصية الرسول الكريم في حجة الوداع: (لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فأسمعوا له وأطيعوا) فالسمع والطاعة يكون واجبا عندما يحكم الحاكم بشريعة الإسلام. رابعا— الخلط بين البيعة الدينية وتلك السياسية. فبيعة الرسول—صل الله عليه وسلم—هي بيعة اتباع الدين. فأية أحاديث له حول البيعة كانت دينية وليست سياسية. بالنهاية، كل حكم فيه العدل والحق هو شرع الله الذي يجب اتباعه. ويجب عدم حصر ذلك داخل جدران المساجد وقاعات المحاضرات. وإنما تفعيلها بثورة ضد الظلم للتنعّم بثمرة العدل كما حصل في ثورات أوروبا وأمريكا. رابعا – نماذج إسلاميةفي هذه النماذج أمثلة على دستور الدولة والعقد السياسي والاجتماعي بين الحاكم والمحكومين، وتشريع القانون وآداب القضاء، وتحديد فلسفة المال، وصياغة الفكر الاجتماعي الإسلامي، والموقف من الثورة في سبيل تحقيق التغيير، والشورى. وأهم ما تبينه بعض من هذه النماذج أن الثورة دوما تكون لرد الحكم لله وكتابه ولسنة رسوله، ولإعادة الأموال للخزينة وتفعيل الشورى، وإعطاء المساكين حقوقهم من الأغنياء. وفيما يلي هذه النماذج: أ. الدستوروهو الذي يتمثّل بكتاب الرسول محمد – صل الله عليه وسلم- في السنة الهجرية الأولى. وفيه بيّن شكل العلاقات بين الأفراد ونظام الحكم في الدولة. فأصبحت القبائل العربية بهذا الدستور لبنات في الدولة الإسلامية. وفيه تتحقق نصرة المظلوم والتكافل الاجتماعي والمساواة القانونية؛ فليس هناك طبقية من أي نوع كانت، وإنما تساو في المعاش والأموال. والناس سواسية سواء كانوا من سكان المدينة أو من أحلافهم أو من العرب أو اليهود، أو حتى المنافقين ممن أظهروا الإسلام. فيهود بني عوف وغيرهم تساووا في المواطنة والحقوق والواجبات مع المسلمين. وبذلك أقرّ هذا الدستور التمايز الديني لكن مع أن تكون القيادة للمسلمين فقط. ولم يمنح هذا الدستور أية حماية لأي ظالم أو آثم. ومرجع الحكم فيه هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ب. خطبة الوداعفي حجّته بالسنة الهجرية العاشرة، شعر الرسول – صل الله عليه وسلم- باقتراب أجله واكتمال رسالته. فخطب بالمسلمين خطبته الأخيرة، وفيها تكلّم عن أخوة المؤمنين والمساواة بينهم. فربهم واحد وكلهم من آدم، وآدم من تراب. وأكرمهم عند الله أتقاهم، وليس بماله وبحسبه وبنسبه. وأعلن الثورة على كل ما هو جاهلي وظلم كالربا والقتل والمآثر والنسيء. وبيّن أهمية القدوة في الإمام، وأن عليه البدء بإصلاح نفسه. كما بيّن مساواة النساء بالرجال في الحقوق والواجبات مع التوصية بالخير لهن. وذكر أن كل المبادئ والفلسفة في القرآن وسنته صالحة لكل زمان ومكان بقوله– صل الله عليه وسلم-: (إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه). ج. خطبة أبي بكر بعد البيعةفي السنة الحادية عشرة هجرية، خطب أبي بكر بالناس بعد بيعته خليفة للرسول محمد – صل الله عليه وسلّم-. وفيها ذكّر الناس بفناء الدنيا، وأنّ عليهم تقوى الله، والعبرة من الجبابرة الذين ماتوا وتركوا مساكنهم خلفا لمن بعدهم. ثم بيّن أن الحكم مسؤولية كبيرة وحرص على التوضيح أنه ليس كالرسول معصوما من الخطأ؛ فطلب من الناس تصويبه إن أخطأ، وطاعته طالما أنه في طاعة الله، وغير ذلك فليس عليهم طاعته. وبيّن ضرورة الجهاد لكسر شوكة الأعداء وللتحرر من الاستبداد والظلم. بقوله: (لا يدع قوم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل). ودعاهم إلى التوبة لمنع انتشار الفاحشة جالبة البلاء. د. وثيقة العدل من عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعريوضّح عمر بن الخطاب للأشعري في هذه الوثيقة معنى الحكم بالعدل. وطلب منه ألا يضجر من الحق في أي وقت. وأن يعطي للغائب مهلة لجلب البينة قبل تنفيذ القضاء، وألا يقبل شهادة من تم فيه الحد كقاذف المحصنات وشارب الخمر وممن كانت لديه شهادة سابقة بالزور وغيرهم ممن فسقت شهادته. وأن يصلح بين الناس إلا بما يحرم حلالا أو يحلل حراما، وأن يقيس الأمور، وأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. وأن يحتكم إلى كتاب الله ورسوله قبل عقله. وأن يتم وضع التشريعات موضع التطبيق بقوله: (إنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له). وأن يكون عادلا حتى بتعابير وجهه للمتخاصمين والمساواة بينهم في المعاملة فلا يحبّذ أحدهما على الآخر. ھ. كتاب علي بن أبي طالب إلى الأشتر النخعيكتب علي بن أبي طالب هذا الكتاب إلى الأشتر النخعي عندما ولاه على مصر. ويعدّ هذا الكتاب من أغنى الوثائق الاجتماعية والسياسية والإدارية التي تعكس الفكر العبقري في السياسة والإدارة للإمام علي. وفيه بيّن وجوب المساواة بين الرعيّة دون تمايز بينهم لاختلاف دينهم بقوله: (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). ثم وضّح ضرورة تدخل الدولة لنصرة المظلوم، والاهتمام بشؤون الفلاحين والتجار ومنعهم من الاحتكار، وعدم اختيار رجال الدولة دون اختبار لهم. إضافة إلى عدم كشف عيوب الناس، والحكم استنادا لظاهر الأشياء. ثم دعاه إلى كثرة مجالسة العلماء والحكماء لإصلاح أمور البلاد، وأن يسبغ على العاملين بالأرزاق بقوله: (فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك). ثم وجهه إلى الاهتمام بعمارة الأرض وليس فقط استجلاب الخراج. كونه لن يكون هناك أي خراج دون عمارة، وسيخرب البلاد. ودعاه إلى التخفيف من أمر الناس عند البلاء والكوارث الطبيعية. والاهتمام بأهل البؤس والمساكين وأن يكون لهم قسم من بيت مال المسلمين والغلات. إضافة إلى الاهتمام بالأيتام، والتواضع والجلوس مع الناس والتفرّغ ليكون معهم دون حراس وجنود. واقتبس من الرسول محمد – صل الله عليه وسلم قوله-: (لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع). ثم ذكر الكاتب فلسفة عمر بن عبد العزيز في إدارة الأموال والتي فيها عمل على إعادة الأموال التي تم سلبها ظلما إلى بيت مال المسلمين. وبيّن ثورة زيد بن علي على بني أمية لاستئثارهم الحكم وجعله وراثيا. ومن العصر الحديث، ذكر الكاتب إصدار مجلس الشرع في مصر وثيقة حقوق ثورية عام 1805 ضد الوالي العثماني خورشيد باشا. وفيها تمكنوا من عزله وتنصيب محمد علي باشا بدلا منه، على أن يحكم بشرع الله وعدم اتخاذ أي قرارات دون شورى مع مراقبته وعزله إن عصى الأمة. |
تتميز هذه الصفحة بملخصات للكتب القيّمة مع التحليل الشخصي والإضافة والنقد لها
Archives
May 2021
Categories |