بقلم إشراق كمال عرفة
تمهيد هناك الكثير من الضبابية حول موضوع القيادة، إضافة إلى الخلط بينها وبين الإدارة. فهي بداية ليست ذاتها الإدارة، وهذا ما سيتم توضيحه لاحقا. كما أن القيادة لا تنولد فقط مع الإنسان. فيمكن لأي أحد أن يكون قياديا بالتعلم والتدرب على مهارات القيادة كأي مهارة أخرى. فيمكن للمعلم أن يكون قياديا، وذات الشيء بالنسبة للمهندس والطبيب وغيرهم. ومن أهم مهارات القيادة هي الحماس والرغبة الملحة للفوز. إضافة إلى مشاركة الناس في اتخاذ القرار (الشورى). وذلك لما له من أثر في إشعارهم بقيمتهم واحترامهم. وهذا ما حث عليه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)) – سورة الشورى. أما ليكون القيادي ملهما، فعليه العمل بشكل دائم ليتمكن من إلهام الناس من حوله. فهي ليست مجرد خطوة واحدة، وإنما عملية مستمرة، تشمل مهاما يومية. والتي سيتم توضيحها هنا بالتفصيل. وتتعدد النظريات حول القيادة الناجحة، إلا أنها لا تزال غير مثبتة حتى الآن. وبالتالي على أي قيادي تطبيق مختلف ما يعرفه عن تلك النظريات لمعرفة أيها ستناسب مهمته في القيادة، ومن ثم اعتمادها. أولا – الفرق بين القيادي والإداري لمعرفة الفرق بين القيادي والإداري، يجب معرفة مهام كل منهما. فالإداري هو المسؤول عن: سير العمل، اتباع القوانين، توزيع المصادر، السيطرة والتخطيط والإشراف. ولكنه لا يوجه الآخرين، ولا ينشئ فرق عمل، ولا يلهم من حوله كما هو حال القيادي. فالقيادي هو من تحتاجه الشركة عند إجراء التغيير. وذلك لتدريب وتوجيه الموظفين، ولتحسيسهم بالأمان، ولبث مشاعر الحماس والإيجابية لديهم. والقيادي لا يهاب التغيير ويملك رؤية من خلالها يعمل على تحسين وضع العمل وإبقاءه في الريادة. ولينجح في عمله يجب أن يرحب الأفراد بالتغيير وإلا لن يتمكن من تحقيق ذلك مهما امتلك من صفات القيادة. فهناك عقد مبطن بين القيادي والأفراد يجب أن يتحقق، وهو أن يعمل القيادي على توجييهم مقابل منحهم الثقة له والسهولة في تعاملهم معه. وفيما يتعلق بإدارة التغيير التي يختص بها القيادي عن الإداري، هناك سوء فهم حولها يعتقد أنها تشمل تغيير الناس، وهذا غير صحيح. فالإدارة تشمل إدارة الأشياء من مختلف الموارد والمهام. أما الناس فيحتاجوا إلى قيادي يحبهم ويتواصل معهم، يحفزهم ويحببهم بالتغيير، ويساعدهم على تجاوز الصعاب المرافقة للتغيير، وإشعارهم أن بالتغيير لن تتحقق فقط أهداف الشركة وإنما أهدافهم هم أيضا. مثل تطويرهم لمختلف المهارات، فيتمكنوا حينها من تفجير طاقاتهم المكنونة. ثانيا – طرق القيادة هناك ثلاث طرق ستساهم في جعل أحدهم قيادي دون غيره، وهي: المميزات التي تميزه (من هو)، حالته (ماهية المعرفة التي يمتلكها)، وظيفته (ما منصبه). وفيما يلي التفصيل لكل منها: أ. المميزات (صفات القيادي): لا تزال المميزات التي يجب أن تتوفر في القيادي حتى الآن غير واضحة بالنسبة للكثير من الناس. ولتسهيل ذلك، يجب معرفة أولا المجموعة التي ينتمي إليها القيادي: فهل ينتمي للمعلمين أم الممرضين أم الجيش؟ ثم تأتي الخطوة التالية بمعرفة الصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر فيه مع تلك المرغوبة والممكنة. فمثلا ما الصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر في المعلم الجيد؟ وما هي تلك المرغوبة والممكنة؟ حينها سيستطيع أحدهم تحديد مميزات القيادي في هذه الحالة؛ أي إن كان معلما. فالمعلم الجيد لا يكفي أن يكون قياديا وإنما يجب أن تتوفر فيه صفات القيادي، وهي: الحماسية، الأخلاق، المصداقية، اللطافة، الشجاعة، الحكم الجيد، الصرامة والعدل، الواقعية، المرونة، وحسن التصرف مع الفريق دون تفضيل أحدهم على الآخر. وتعد الحماسية أولى صفات القيادة كونها قادرة على إثارة حماس الآخرين، ودفعهم على كشف ذاتهم وقدراتهم المكنونة. والقيادي القدوة هو الذي سينجح في قيادة الناس كونها تفضل القدوة التي تراها لا التي تسمعها فقط. كما في صدق القيادي مع الآخرين أهمية بالغة، وذلك لتمكن الناس من استشعارها وبالتالي منح ثقتها له. والقيادي الجيد لا ينظر على الأفراد كتابعين له، وإنما مشاركين له في المهمة. أما فيما يتعلق بصفة الأخلاق، فهذا ما أشار إليه أيضا ستيفن كوفي في كتابه (العادات السبع لأكثر الناس كفاءة). فالشخص الأخلاقي هو الذي تفضله الناس. فهي تكره الكاذب والمخادع وتقطع علاقتها معه. لذلك وجب على القيادي التحلي بالأخلاق كافة. ولذلك كان الرسول – صل الله عليه وسلم – أفضل الناس خلقا، وذلك لقول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- : (كان خلقه القرآن)، وقوله هو – صل الله عليه وسلم-: (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقول الله تعالى في وصفه: (وَإنكَ لعَلى خُلقٍ عَظيم(4)) – القلم. كما كان معروف عنه بالصدق والأمانة حتى قبل البعثة، ولذلك تم تحكيمه في وضع الحجر الأسود، بقول قريش: (هذا الأمين، رضينا به حكما). وتشمل صفة العدل للقيادي حسن الجزاء. فلا يجوز التبخيس بجهد الأفراد بعدم منحهم راتب يناسب جهدهم، وإلا فإنه سيفشل في كسب إخلاصهم في العمل. ب. الحالة (المعرفة التي يمتلكها القيادي): ليكون أحدهم قياديا، يجب أن يتميز بامتلاك المعرفة العميقة والمميزة ضمن المجموعة التي ينتمي إليها وبشكل يصعب امتلاكها أحد غيره. فمثلا، إن كان طبيبا، يجب أن يمتلك مؤهلات أكاديمية أعلى من الآخرين وخبرة أكثر ليخوله ذلك لأن يكون قياديا. ج. الوظيفة (منصب القيادي): في أي فريق عمل هناك ثلاثة عناصر مشتركة فيه. وهي: المهمة والأفراد والوحدة التي تتمثل بعلاقاتهم وتعاونهم لإنجاز المهمة. وفي كل فريق يجب أن يكون هناك قائدا وإلا سيفشل الفريق في أداء المهمة. ويتم اختيار القيادي إما عن طريق انتخابه أو تعيينه. فمثلا تم تعيين الرسل من الله تعالى. أما الخلفاء فتم انتخابهم من قبل المسلمين. ثالثا– مستويات القيادة هناك ثلاثة مستويات للقيادة: العملية والإدارية والاستراتيجية. فالعملية هي قيادة الأفراد ضمن الفريق الواحد، والإدارية هي المتعلقة بقيادة القسم الواحد، أما الاستراتيجية، فهي التي تتعلق بقيادة كامل الشركة. ولتنجح الشركة، لا يكتفي نجاح القيادي الاستراتيجي فقط، وإنما يتطلب ذلك نجاح كل من العملي والإداري أيضا. ومن أهم صفات القيادي الاستراتيجي الحكمة. وتعني الخبرة والذكاء وحب الخير. أما الصفات الأخرى التي يجب أن يتحلى بها فهي: الأخلاقيات، الرغبة في تحسين وضع العمل، القدرة على القراءة بين السطور، التخطيط للمستقبل، تدريب الآخرين ومساعدتهم واستشارتهم، قوة الشخصية، البحث الدائم عن طرق لتطوير وتحسين العمل، ضبط المشاكل، الحكم الجيد، العدل، عدم الخوف من ارتكاب الأخطاء، عدم التصرف خارج حدود المعرفة، عدم القلق والوجل عند حصول المشاكل، الحماس للفوز، التعلم من التجارب، واستغلال الأحداث بشكل كامل وما ينتج عنها لما فيه مصلحة العمل. رابعا – القيادي الملهم هو القادر على حث الناس ليعطوا أفضل ما يملكونه. ويتحقق ذلك عندما تتشارك القيم بينه وبينهم. هذا إضافة إلى قدرته على إثارة عاطفتهم بشكل إيجابي نحو العمل المكلفين به، ليقوموا بتنفيذه بشكل أفضل من المطلوب. ويتحقق ذلك من خلال معاملتهم بشكل جيد وتلبية احتياجاتهم ورغباتهم وتحفيزهم. وهذا أساس الإسلام بقول الرسول – صل الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه). ولإلهام الناس يجب العمل على إدارة روحهم المعنوية، وذلك كونها مصدر الطاقة المنتجة. ويتحقق ذلك بإعطاءهم الثقة والاحترام وحسن التعامل والعفو عنهم. وهذا ما ذكره القرآن الكريم بقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)) – فصلت. وهو ما فعله الرسول الكريم – صل الله عليه وسلم – عندما زار اليهودي الذي كان يلقي الأذى عند منزله كل يوم، فكان أن دخل الإسلام. فالقيادي الملهم هو القادر على التأثير في الآخرين لجعلهم أفضل حالا. ويشمل الإلهام القدرة على تحفيز الآخرين. وهذا ما يحققه أسلوب المكافأة والعقاب إضافة إلى تعريفهم بالهدف من المهمة. وكلما كان الهدف خيريا؛ أي أقرب إلى خدمة الآخرين مثل مساعدة الفقراء والمساكين، وتحقيق الخير والعدل والسلام والخلافة على الأرض، كان اتقان الناس له. أما الطريقة الثالثة لتحفيز الآخرين فهي تتمثل في تحدي قدراتهم بمختلف المهام الصعبة. فإن كانت المهمة سهلة، لن تشحن روح الفريق من أجل التعاون والعمل معا على إنجازها. ويتميز القيادي الملهم بالقدرة على الرؤية السليمة لتخطيط أفضل للمستقبل. وتتحقق الرؤية من خلال قدرته على فهم الأحداث الحالية واستخلاص الفرص منها لتحسين حال الشركة. كما عليه مشاركة المخاطر مع الآخرين. لا أن يقوم بمهمة التنظير فقط، وهذا يعني مشاركتهم في إنجاز المهام، وإشراكهم في القرارات. ومن أهم طرق الإلهام الأخرى هي الثقة والإيمان بالآخرين وبتميزهم. فيتمكنوا حينها من إخراج قدراتهم المكنونة. فمثلا، عند وجود موظف متكاسل لا يجوز كقيادي العمل على ملاحقته والتأكد من حضوره للعمل ومن إنجازه لمهامه بالشكل المطلوب، فسيتم خسارته في هذه الحالة. وإنما يجب تحسيسه بالثقة في قدرته على إنجاز مهامه على أكمل وجه. وذلك بإعطاءه مساحة من الحرية وبتوفير الجو التحفيزي له والصبر على تغييره. وهذا ذاته ما أشار إليه كتاب (تحفيز طفلك). إذ بإعطاء الطفل مختلف المسؤوليات ومساحة من الحرية مع جو تحفيزي يتمثل بالمكافأة، فإنه حينها سيحاول قصارى جهده ليكون جديرا بالثقة وسيعمل على أداء المهمة المطلوبة منه على أكمل وجه. كما أن افتراض دوما وجود قدرات كبيرة لدى الآخرين، سيحفزهم ليكونوا كذلك. وذلك من خلال احترامهم وتقديرهم ومشاركتهم الرأي. إضافة إلى افتراض الطيبة فيهم. كما أن القيادي الملهم لا ييأس من الآخرين ويؤمن دوما بوجود الخير فيهم. ويعد وجود ثقافة خاصة بالعمل عامل على التحفيز، كونها ستعزز شعور الآخرين بالفخر في الانتماء، مما سيساهم في تعاونهم وتميزهم. وهذا ما ذكره كتاب (بحثا عن التميز) فيما يتعلق بأسباب نجاح الشركات العملاقة مثل إتش بي وديل وماكدونالدز ومايكروسوفت وغيرها. فجميعها تملك ثقافة خاصة تتعلق بأسلوب مميز في خدمة العملاء وتطوير مختلف المنتجات وبتعامل الموظفين مع بعضهم البعض. وهذا أيضا ما أشار إليه كتاب (العادات السبع لأكثر الناس كفاءة)؛ فبوجود بنود خاصة يتفق عليه الجميع فيما يتعلق بالأهداف وأسلوب التعامل والتعاون فيما بينهم، سيزداد نجاح الشركة. ويأتي الإلهام أيضا عندما تكون القيادة بحب. أي إن كان القيادي عاجز عن حب الآخرين، فعليه التخلي عن منصب القيادة لمن يتمكن من ذلك! وهذا يشير على أن الإسلام جاء ليحفز ويلهم المسلمين بعضهم البعض. فالرسول – صل الله عليه وسلم – حث على حب الآخر أكثر من مرة، بقوله الكريم: 1. (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، 2. (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا)، 3. (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه كربةً مِن كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة)، 4. (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). وعلى القيادي الملهم أن يشعر الآخرين بالأمان دوما وحتى في أحلك الظروف. وهذا ما فعله الرسول – صل الله عليه وسلم – حينما اختبأ في الغار مع أبي بكر قائلا له: (لا تحزن إن الله معنا). وأخيرا، إن لم يتمكن القيادي الملهم من إشعار الآخرين بوجود مستقبل واعد لهم، سيفشل في تحفيزهم. وهذا ما جاء به الرسول – صل الله عليه وسلم- حينما وصف الجنة للمتقين، وبقوله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ (26)) – المطففين. وعلى ضوء جميع ما سبق، نجد أن أعظم القادة إلهاما وأنجحهم على مرّ الزمان هو الرسول محمد – صل الله عليه وسلم-. |
تتميز هذه الصفحة بملخصات للكتب القيّمة مع التحليل الشخصي والإضافة والنقد لها
Archives
May 2021
Categories |