قراءة في كتاب (صناعة الجوع – خرافة الندرة) للبريطانيان: فرانسيس مور لاييه، وجوزيف كولينز
بقلم إشراق كمال عرفة . حاول المؤلفان دراسة موضوع الجوع بإسهاب وبتعمق. فقاما بالسفر إلى البلاد المتخلفة ودرسا أحوال الغذاء فيها، واكتشفا أن سبب الجوع هو الاعتقاد بأنها مشكلة لا يمكن السيطرة عليها رغم أن الواقع أثبت لهما عكس ذلك تماما. فأصدرا هذا الكتاب ليكشف عن خرافة ندرة الموارد بين الناس وعدم كفايتها لهم، إضافة إلى قيامهما بالكشف عن العديد من الأسرار الأخرى التي تسببت بالجوع حول العالم. واستمرار محاولات الدول العظمى في استهلاك موارد الدول المتخلفة لجعلهم خاضعين وفي تخلف دائم وتبعية لها. . خرافة الندرة تنتشر الكثير من الخرافات بين الناس حول محدودية موارد الأرض. مثل (الغذاء لا يكفي للجميع)، (الانفجار السكاني)، (وجود بشر أكثر مما تتحمله الأرض)، وغيرها. وهذه كلها أكاذيب لا تمت لواقع الحال بأي صلة. فالسبب في قلة الغذاء يعود إلى عدم الاستثمار الكامل للأراضي. فمعظم ملاكي الأراضي يستثمرونها في كل شيء ما عدا زراعة الأغذية. كتلك التي تقوم على تسمين الماشية كما في أراض البرازيل والباراغواي. إضافة إلى زراعة القطن والبن والكاكاو وقصب السكر وغيرها من المحاصيل المالية. وبالتالي فإن السبب الرئيس لجوع الكثيرين هو سوء إدارة موارد الأرض وليس ندرتها! وتقوم أمريكا بالتلاعب بأسعار المواد الغذائية من خلال التحكم الجائر في استغلال موارد الأرض، وفي تسويقها. فكانت أن منعت استغلال 5 ملايين فدان في عهد الرئيس نيكسون في سبتمبر 1972 لزراعة القمح لرغبتها حينه في رفع سعره. ثم عملت على تخفيضه من خلال طرحه بشكل كبير في الأسواق، لتبتلع الطعم باقي الدول وتقوم بشرائه بشكل واسع. ومن جانب آخر، فإنه عند الانخفاض الكبير في سعر المواد الغذائية يقوم المزارعين حينها بترك المحصول ليتلف، لأن تكلفة حصاده وجمعه وبيعه في حينه تكون أكبر من بيعه. وهذا ما حصل في أمريكا في الفترة بين عام 1953و1973 عندما تم إهدار مليار رطل من الفاكهة بسبب رخص الأسعار. وبالتالي يأتي التلاعب بالأسعار كستار لزيادة الربح. وبذلك يواجه العالم مشكلة التعامل مع الفائض وليس الندرة كما يُشاع. . . خرافات أخرى.. تعمل الشركات الكبرى والمتعددة الجنسية على نشر خرافات تتعلق بالقوة البشرية. فتقول إحداها مثلا أن القوة البشرية عائقا لا موردا. وذلك لإقناع الشعوب بالتوجه إلى عالم الصناعة والمدنية. فهي تشيع أنها ستقوم بالاستثمارات المختلفة وخلق فرص عمل للشباب. ولكن وجود تلك المصانع تحرم الكثير من الحرفيين من الوظائف، وتزيد من نسبة البطالة لا تقللها. أما الخرافة الثانية فهي التي تشير بتأخر الزراعة في البلدان المتخلفة لوجود قوة بشرية أكثر من اللازم للعمل. ولكن ذلك غير صحيح. فاليابان وتايوان تمكنتا من تحقيق نجاح لا مثيل له في قطاع الزراعة. وفيهما من الزراعيين لكل فدان ضعف عدد ما في الفليبين والهند. إلا أن إنتاج الفدان الواحد في اليابان هو 7 أضعاف فليبين و10 أضعاف ما في الهند. وهذا يدل على أن وجود عمال أكثر يعني انتاجية أكبر في حال تم توظيفهم بطريقة منظمة ومدروسة. وتقول الخرافة الثالثة أن زيادة عدد البشر سيعرقل تقدم اقتصاد دول العالم الثالث. إلا أن سوء استخدام الموارد البشرية هو ما يؤدي إلى ذلك وليس عددهم. فنتيجة الأطماع الاستعمارية، يتم استغلال الأرض لزراعة محصول واحد أو اثنان فقط، ومن محاصيل التصدير لا الغذاء لإطعام الجياع، كالبن والقطن والكاكاو وغيرها. كما أن تلك المحاصيل توظف القوة البشرية بشكل موسمي وهو في فترة الحصاد فقط. ومن جانب آخر تقوم الشركات باستغلال الأراضي لرعي الأغنام، وهذا يتطلب توظيف قوة بشرية أقل فيما لو تم استغلالها بالزراعة. وبالتالي فإن نتيجة الأطماع وسوء استخدام الموارد هو الذي يؤدي إلى تدهور اقتصاد البلدان المتخلفة. وفيما يتعلق بشائعة وجود بشر أكثر من اللازم، فقد أثبتت فرنسا كذبة ذلك القول. فبحسب مساحتها وتعداد السكان فيها التي تشبه الصين بذلك، تمكنت من القضاء على الجوع خلال 25 عاما. وفي بنجلادش مثلا، يتم بيع الحصاد لدفع فوائد القروض. وهذا دليل آخر على أن مشكلة الجوع فيها ليست بسبب كثرة عدد البنجلاديشيين. أما شائعة الانفجار السكاني، فما يجدر ذكره أن أعلى حد للمواليد كان قد وصل في عام 1970 وبدأ يتضائل بعدها أعدادهم. كما أن زيادة عدد الأطفال لدى العائلات الفقيرة لا تسبب أي ضغط على موارد الأرض. فهؤلاء الأطفال يعملون لإعالة ذويهم. وكما قال أحد القروين: (الأغنياء يستثمرون بآلاتهم والفقراء يستثمرون بأطفالهم). ومن الأطفال من يتم تأجيرهم للعمل لدى المزارع الأخرى ورعاية ذويهم عند عجزهم، - وصدق رسول الله – صل الله عليه وسلم- في حثّ المسلمين على زيادة نسلهم-. ومن جانب آخر، فإن سوء استغلال الأراضي من الشركات الطامعة التي تقوم بزراعة الأرض بمحصول واحد فقط لا أكثر، يعمل على دفع المزارعين إلى النزوح إلى أراض أقل خصوبة، والتي فيها القليل مما يسد رمقهم نتيجة لذلك. فمثلا قامت البرازيل بتهجير العمال الفقراء إلى الأمازون لزراعتها بمختلف المحاصيل الغذائية، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك لتربتها الاستوائية التي لا تناسب معظم المزروعات. وبالتالي فجوع البرازيليين نتج عن سوء استغلال الموارد لا لكثرتهم. فهناك إذن موارد تكفي لكافة البشر، إلا أن أطماع القلة تسببت بجوع الكثير من الناس. . . الجوع في بنجلادش هناك من يموت جوعا في بنجلادش رغم تكدس الغلال بمئات الأطنان. فالفقر يمنع الكثير من البشر من شراء الغذاء. وأكثرهم تعرضا للأذى هم عمال الأرض الذين يزرعون الأغذية ولا يستطيعون أكل حصادها. هذا إضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير عند حصول الجفاف، فحينها تقفز الأسعار من 200 إلى 500 بالمئة. ومن الأسباب الرئيسة للجوع في بنجلادش سوء توزيع الأراضي. فقد كان التجار يقفون في طوابير لشراء الأراضي لأن الجوعى لم يملكوا حينها سوى تلك الأراضي التي عرضوها للبيع بأبخس الأثمان. وهؤلاء التجار أساؤوا استغلال تلك الأراضي، مما أدى إلى مزيد من الإفقار والتجويع لأهل بنجلادش. والحل يكمن في إعادة توزيع الأراضي بشكل عادل. . . الكوارث الطبيعية والمجاعة ليس لغضب الطبيعة أي دور في المجاعة. فما يحصل من فيضان في سنة يكون خيرا للسنة التالية. كما أن وجود الكوارث التي تمنع من استغلال الأرض تكون فترة مطلوبة لإراحة التربة بشكل طبيعي. ولم يثبت أي دور للجفاف في المجاعة. فالزحف الصحراوي جاء نتجية تحكم طبقة من المرابين والجشعين في موارد الأرض. فهو ظاهرة طبيعية والمجاعة ظاهرة إنسانية. والعلاقة بينهما تحكمها الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية. فمثلا، تعاني نيجيريا من الجوع نتيجة الاستهلاك الجائر للتربة مما أدى إلى افقارها وعدم قدرتها على تحمل أي مزروعات أخرى. وتبقى هناك دوما فرصة اصطلاح تلك الأراضي كما حصل في الجزائر بمنطقة اسمها بوسعدو. إذ تم اصطلاح 160 فدانا من خلال زراعة أشجار الصمط والكافور حول الأراضي لمنع الرياح العاتية من اقتلاع المزروعات، ثم تمكنت بعدها من زراعة مختلف أنواع الفاكهة والحمضيات والبقوليات. . . الاستعمار والنهب والسلب تهدف الدول الاستعمارية أو (المؤسسات الزراعية) كما يحب أن يسميها المؤلفان إلى امداد المجتمع الذي تنتمي إليه بمختلف موارد الدول المستعمرة. ومن سياسة الاستعمار سحب الأراضي من ممتلكيها ليضطروا إلى العمل في مناجم الذهب والألماس. وذلك من خلال فرض الضرائب عليهم واستغلال مواسم الكساد لاقناعهم في ترك أراضيهم ببيعها بأبخس الأثمان. تماما كما حصل في افريقيا في الساحل الذهبي ليجبر أهلها على العمل في مزارع الكاكاو. كما يفرض الاستعمار أنواع المحاصيل التي على المالك زراعتها، وذلك عند عجزه في تسديد الفوائد الخاصة بالقروض. ومن الطرق الاستعمارية الأخرى للنهب والسلب اقناع المزارعين بعدم زراعة الأغذية لتوفرها في السوق بشكل أوفر وأغنى. فمثلا، لم تكن تعاني أي من اليابان والهند من التخلف في الزراعة، وإنما تم إشاعة ذلك للسيطرة على مواردهما. وعمل الاستعمار على تدمير السوق المحلي من خلال الصادرات المختلفة كما فعل الأميرال غراي بوضع التعريفات المخفضة على الواردات من أجل منافسة السوق المحلي. إضافة إلى منع المزارعين من زراعة الصادرات بصورة مستقلة. ولمعالجة تمرد المزارعيين المحليين على بيع المنتجات بأسعار قليلة، قامت بريطانيا بإنشاء مجالس تسويق. وهي في الواقع مجالس لتثبيت أسعار الشراء لتقوم ببيعها بأضعاف إلى الخارج، كالفول السوداني على سبيل المثال. وخلف الاستعمار العديد من الدمار الذي أثر على انتاج الغذاء. مثل كراهية الشعوب للعمل الزراعي لربطه بالفقر والبؤس، دعم الطغاة، تدمير العلاقات والتعاون بين البشر لتفضيل طبقة على أخرى، تشجيع القروض، وفرض الضرائب ليصبح الدائنون الملاكيون الجدد للأراضي، وبالتالي التحكم بما يتم زراعته ليصبح صادرات مالية لا أغذية، وأخيرا إفقار التربة نتيجة الزراعة المستمرة. . . انقلاب على التنمية الزراعية عمل كارديناس عام 1934على مشاريع لتحقيق التنمية الزراعية في المكسيك. فأوجد أعداء له في أمريكا وفي وال ستريت. فحصل انقلاب على حكمه عام 1942. وتم إلغاء خططه التنموية. وبدأ التفكير بعدها في شراء الآليات الزراعية والبذور المحسنة. وذلك بدلا من تطوير العامل وتسهيل إشباع احتياجاته من الغذاء. وزادت ملكية الأفراد للأراضي لتصل إلى 2000 فدان بعد أن كان الحد الأقصى للامتلاك هو 250 فدان، ومنها مساحات واسعة ذهبت هدرا دون أي استغلال. إذ في مقارنة بين انتاج المزارع الصغيرة مع تلك الكبيرة، تبين أن إنتاج الصغيرة يصل إلى أضعاف المزارع الكبيرة تصل من 4 إلى 14 ضعفا. والسبب هو الاستغلال الكامل والمخلص في الأرض من قبل مالكها. . . تدمير الشركات المتعددة الجنسية لموارد الأرض تقوم الشركات المتعددة الجنسية بالبحث الدائم عن الأراضي الجديدة في البلاد المتخلفة لزراعة محاصيل التصدير كبدائل عن السابقة نتيجة زراعتها بشكل جائر. فمثلا تقوم شركتي أميركان فود شير كومباني، وباد انتل على استغلال الأراضي في افريقيا للمنتجات الزراعية الربحية، وبغض النظر على مناسبة المزروعات لها، وإن تطلب ذلك تدمير للأشجار المحلية فيها. كما ويتعرض الأمازون إلى تهديد لموارده نتج عن أطماع مختلف الشركات المتعددة الجنسية التي تعمل على قطع وحرق لغاباته. فمثلا، تم حرق مئات الألاف من الغابات حتى ظن المراقبون الجيولويون وجود بركان هائج لارتفاع حرارة الأرض بشكل كبير، ليظهر لاحقا قيام إحدى الشركات الألمانية بالحرق لبناء مزرعة للماشية مكان تلك الغابات. إضافة إلى قيام شركات أخرى على اقتلاع العديد من أشجار الأمازون لتزرع مكانها أشجار أخرى تم نزعها من موطنها الأصلي للاستفادة من أوراقها. وتعمل تلك الشركات على تحويل البلدان المتخلفة إلى أسواق استهلاكية لمنتجاتها. فالعلف قد يمثل ربحا لإحدى الشركات، فتعمل حينه على تشجع تربية الدواجن في تلك البلد، ومن ثم تعطي قروض على العلف لزيادة أرباحها من الفوائد. وحصل ذات الشيء لزراعة الأزهار في كولومبيا. فالقرنفل على سبيل المثال يحقق ربحا يقارب المليون بيسو في السنة أما القمح فربحه لا يتجاوز 12000 بيسو فقط. فيتم حينه زراعة الأرض بالقرنفل لا القمح الذي يحتاجه الجوعى! ومن خبث تلك الشركات ما تجعلها تميل إلى الزراعة التعاقدية لتهرب من التأميم. وفيها تحدد طبيعة المحاصيل المزروعة. تماما كما تفعل شركة نستله في البرازيل. فتلك الشركة لا تملك بقرة واحدة أو حتى مزارع للكاكاو، وإنما توزع البذور الخارجة من معاملها على المزارعين بقروض ثم تقوم بشراء المحاصيل منهم. ومن يحاول التمرد على شروط أي شركة فإنها تحرص على عدم نيله أي تعاقد مع الشركات الأخرى ليموت جوعا مع عائلته. كما أنها تقوم بشراء الشركات المحلية كما تفعل مارس ونستله وجراند بوليتان وغيرها للسيطرة على الأسواق. وفي كتابه (إمبرالية الفراولة) يتحدث إيرنست فيدرعن زراعة الفراولة في المكسيك وأحوال العمال فيها. ويصف بؤسهم بسبب الأجور المتدنية وتفضيل الشركات للمزارعين من الأطفال والنساء. كما أن العمل في مصانعها موسمي مما يجعل العامل يموت جوعا بقية أيام السنة. وتستخدم الشركات المتعددة الجنسية الدعاية والإعلان لكسب ولاء الناس للشركة وليس لمنتجاتها. فهي طامعة كاذبة تهدف إلى رفع سعر الأغذية بتصنيعها كما في حالة البطاطا. فهي رخيصة بحالتها الطبيعية، إلا أن سعرها يرتفع أضعافا حال تحولت إلى رقائق أو بودرة. وتستهدف تلك الشركات الفقراء كمستهلكين لمنتجاتهم. وذلك من خلال نشر مختلف الدعاية والإعلان من ملصقات وبث عبر الراديو. فتقوم بإقناعهم بشراء منتجاتهم بدلا من الغذاء. مثل الدعاية لشراء المعلبات والسجائر والمشروبات الغازية. إضافة إلى الترويج إلى طعام الأطفال ومنه الحليب الصناعي، وذلك بتوفير عينات مجانية مع نشر الأكاذيب حول مشاكل حليب الأم من ناحية عدم كفايته للرضيع. . . التصدير وفائض الانتاج يذهب الفائض في الانتاج إلى التصدير أو لإطعام الماشية أو لنخبة حضارية وليس إلى الفقراء، كما يحصل في المكسيك والفلبين وأمريكا. أو يتم القائه في القمامة إن لم يطابق المحصول معايير التصدير. وتؤثر ارتفاع أسعار التصدير على العمال بشكل سلبي. فمثلا، عند ارتفاع سعر الفول السوداني ينخفض السعر الذي تدفعه السنغال للعمال، وكذلك سعر السكر في مزارع القصب في الدومينيكان، ومزارع الشاي في سريلانكا، وذات الشيء في ساحل العاج. فزيادة الانتاج عند ارتفاع السعر يجعل الحكومات تدفع أقل. وحينها على الفلاحين انتاج أكثر للمحافظة على مستوى الدخل ثابتا. . . حقيقة المبيدات الكيماوية بيّن الكاتبان أن جميع المبيدات الكيماوية ضارة وغير نافعة للمحاصيل. وذلك كونها تقتل الحشرات المفيدة، وتقوي مناعة الضارة منها. وهذا ما أدى إلى انتشار الأمراض بين الناس. كالسرطانات والعقم. وتسكت أمريكا عن هذه الحقيقة لتستمر في تصدير تلك المنتجات إلى العالم الثالث. ومن الأمثلة على تلك الكيماويات الفوسفيل التي طورتها شركة سي كول في تكساس والتي صدرتها إلى مصر. فقد تم تسجيل حالات للتسمم القاتل، واضرابات عصبية، والشلل، ورؤية ضبابية، وعجز في النطق، وخلل في الذاكرة. وكان أن استقال العديد من المسؤولين في تلك الشركات لعدم قدرتهم على تحمل مسؤولية تبعات استخدام تلك المبيدات على البشر. ولا تزال مبيعات تلك المنتجات مستمرة في العالم الثالث رغم حظرها داخل الولايات المتحدة. وتملك شركات المبيدات الحشرية علاقات قوية مع الحكومات لتسهيل سيل منتجاتهم داخل البلاد، وتملك لوبيات ضاغطة قادرة على تسيير أعمالهم والوقوف في طريق من يعمل على كشف حقيقة منتجاتهم. تماما كما حصل حين تم الضغط على إدارة جامعة أريزونا الأمريكية لسحب العلماء من فريق البحث الذي تمكّن من السيطرة على الآفات في إحدى الحقول دون استخدام المبيدات الكيماوية وبكلفة أقل بعشر مرات. وتشترك منظمة الغذاء والدواء مع تلك الشركات بالترويج لمنتجاتها. وينال مشرفي منتجات الشركات في الحكومة راتبين؛ الأول من الحكومة، والراتب الثاني، ويكون أكبر، من تلك الشركات. فكذبة تسميم البيئة للحصول على الغذاء غير مكشوفة بعد للعالم المتخلف. ومن الجدير بالذكر أن البشر لا تحتاج الى المبيدات الحشرية، كون الآفات تأكل جزء من النبات لا كامله. كما أنها غير ضارة للإنسان. وهناك حشرات تتغذى على أخرى، فلا حاجة للتدخل الكيماوي من أصله. . . حقيقة التطوير الزراعي (المصنّع) لا تعد البذور المحسنة والمصنعة في المعامل المختلفة عالية المحصول كما يُشاع عنها. وإنما هي في الواقع شديدة الحساسية أو عالية الاستجابة، كونها أكثر تأثرا بالطقس وتقلباته وأقل مقاومة للأمراض. والبذور المحسنة لا تتطور لتلائم الطبيعة لعدم اعطاءها الوقت الكاف لتتكيف مع الطبيعة. فينتج تطور للآفات وزيادة خطر دمار المحصول. ولذلك لا يتمكن المزارع الصغير من زراعتها لعدم قدرته على تحمل خسارة المحصول. فيضطر المزارع الصغير إلى شراء غذائه من السوق وبالأسعار المعروضة للجميع، الغني والفقير! أما السماد الكيماوي، فهو ابتلاء للتربة. فتغذية التربة بالنيتروجين الصناعي سيعطل قدرتها على امتصاصه لا محالة في المستقبل القريب. ويعد تطوير الآلات الزراعية المختلفة سببا في ارتفاع نسبة الجوعى. فهي في الواقع تحل مكان الأيدي العاملة. فيزيد باستخدامها معدل البطالة. وتنال تلك المكنات شعبية لدى الكثير من ملاكي الأراضي للتخلص من دفع الأجور، ومن الالتزام بدفع الحد الأدنى لها. فنجد انتشار الجوع وزياة نسبة البطالة مواكبا لانتشار الآلة. . . حقيقة المعونات الغذائية يعدّ ثالوث المعونة خرافة أخرى لأنها لا تحقق المعونة للجميع. وهي تذهب إلى الملاكين وليس الفقراء. كما أن منح التنمية تذهب لبناء المنشئات التي تسهل شحن الصادرات من البلاد المتخلفة إلى الدول العظمى، كتشييد الطرق والجسور والموانئ والسكك الحديدية وغيرها. والمعونات عبارة عن قروض بفوائد، تجبر البلاد المتخلفة على زراعة الصادرات للحصول على العملة الصعبة لدفع ما يترتب عليها من ديون. وتشمل المعونات عادة على فوائض الحليب والقمح وغيرها مما تريد أمريكا والاتحاد الأوروبي من التخلّص منه. ومنها ما تكون قديمة كما في بسكويت الذرة الذي تم توزيعه في بنجلادش بعد إحدى الفيضانات والذي كان مخصص لمخابئ الدفاع الأمريكي من الغبار الذري وقت رعب القنبلة الذرية. والكثير من المعونات لا تصل إلى الفقراء، وإنما يتم بيعها للميسورين كما في بنغلادش. ومن أهداف المعونة منع المنافسة المحلية بإغراق السوق المحلي بالمواد الغذائية التي تأتي على شكل المعونات. وبالتالي انتقال المزارعين إلى العمل كعمال بأجور رخيصة لدى الشركات المتعددة الجنسية. أما المعونات التي يتم إرسالها إثر الكوارث الطبيعية، فهي تمنع الزراع المحليين من التصرف في مخزونهم من الغذاء. وهذا يؤدي إلى عدم قدرتهم على تصريفه وخسارته. وتستخدم أمريكا المعونات الغذائية كسلاح للتدخل في مصائر البلاد الأخرى. فهي إن لم ترض عن أي نظام، تعمل على وقف المعونة وترك البلاد تموت جوعا. وفي حال وجدت في النظام ما يلائم مصالحها – وهنا يكون بالعادة نظام مستبد – تعمل حينه على در المعونات عليه وبلا هوادة. . . سر البنك الدولي يعمل البنك الدولي على إغراق بعض الدول بالقروض المالية ليتمكن من إحكام قبضته عليها من خلال إيقاعها في فخ الديون المتراكمة. ويملك البنك وثائق سرية لا يعلم بها أي أحد. إضافة إلى أنه غير محاسب أمام أية جهة؛ سواء من الكونغرس أو أية هيئة قانونية. وجميع مشاريعه سرية، وما يعرض للنشر يتم تعديله. ولا ينفك رئيسه بالتوكيد دوما على مساعدة البنك للفقراء. إلا أنه في الواقع يستفيد من وجودهم ومن زيادة أعدادهم حول العالم. . . كيف يتحقق الأمن الغذائي؟ لا يمكن الوصول إلى الأمن الغذائي بزيادة الانتاج، وإنما بالعمل على تحقيق ما يلي: أولا - التوزيع العادل للأراضي وللخدمات المتعلقة بالزراعة لمنع المرابين والجشعين من إهدار موارد الأرض. ثانيا- التنوع في زراعة المحاصيل الزراعية الغذائية من البقول والفاكهة والخضراوات دون التركيز على محاصيل التصدير كالبن والقهوة والشاي والقطن. ثالثا- تخفيض البطالة من خلال توظيف الشباب في الزراعة. فالصين مثلا، تمكنت من تخفيض نسبة البطالة لتصل إلى 54 بالمئة بمقابل 80 و 75 بالمئة في الدول المتخلفة الأخرى، وذلك عندما عملت على توظيف القوة البشرية في الزراعة. رابعا- توظيف أموال التصدير في الخدمات التنموية. كبناء المدارس وتصنيع الأدوات وغيرها من مشاريع التنمية، وليس على مشاريع الرفاهية من منتجعات وقصور وسيارات وغيرها. خامسا- التقليل من تدخل البنك الدولي في مساعدة البلدان المتخلفة. سادسا- حسن إدارة توزيع المعونات الغذائية الخارجية. |
تتميز هذه الصفحة بملخصات للكتب القيّمة مع التحليل الشخصي والإضافة والنقد لها
Archives
May 2021
Categories |