نظرة عامة
يتكلم الكتاب عن طبيعة الشعب الياباني منذ القرن الثاني عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر. وذلك في محاولة لتسليط الضوء على سبب نهضتهم العلمية والصناعية الكبيرة، وذلك بعد أن تم تدمير بلادهم بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية واحتلالها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي بداية الكتاب، بيّن الكاتب صفات عامة للشعب الياباني؛ فهو يتميّز بالعزلة بسبب طبيعة بلاده الجغرافية وما فرضه عليه النظام الإقطاعي في القرن الثاني عشر، فكان لذلك الأثر في احتفاظه بهويته الثقافية من وطنية ولغة والاعتماد على نفسه، وخاصة في مجال الزراعة. ولكن مع بدء الثورة الصناعية، أصبح هناك نقص في اهتمامه بالمجال الزراعي مما اضطر باليابانيين إلى استيراد مختلف الأغذية. والطبق الرئيس لهم هو الأرز. وذلك في الوجبات الثلاث اليومية مع قليل من الخضروات، فهو جمالي أقرب منه إلى لذة الطعم بعكس الطبق الصيني. وتبنى منازلهم من الخشب لقدرتها على تحمل الزلازل بشكل أفضل من غيرها. أما مناخ اليابان فهو لطيف ومختلف عن أي بلد آخر؛ فليس فيه حرارة أو برودة عالية إلا في أعالي الجبال مما ساهم بامتلاكها لطبيعة خلابة. أما الأنظمة الإدارية، فقد نقل اليابانيون من الصين النظام السياسي والأراضي. كما تأثروا دينيا بها. ولغتهم مميزة عن بقية اللغات، وهو السبب في افتخارهم بهويتهم. كما أنهم يتميزون بالنظافة والتعاون وأخلاقيات مميزة في العمل التي جاءت أيضا بسبب عزلتهم الطويلة عن العالم الخارجي. وتتميز المرأة اليابانية بالطاعة والإخلاص وبأنها مرهفة الإحساس. الثورة الإصلاحية – عهد ميجي إن أول ثورة إصلاحية في اليابان كانت في عهد ميجي الإصلاحي بأواخر القرن التاسع عشر، وفيها تم التخلص من طبقة الساموراي التي كانت تحتكر كل مميزات اليابان وتحرم الطبقات الأخرى منها وتعاملها كعبيد لها. فتم إلغاء مميزات تلك الطبقة وعملت على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ثم وضعت برنامجا كاملا للتعليم استغرق منها 30 عاما، وقامت بإرسال الطلبة في بعثات خارجية للاستفادة من الخبرات العالمية، وعملت على توطين اليابانيين في الجزر التي كانت تخشى اليابان من أن تقوم روسيا باحتلالها، وذلك من خلال بناء مساكن لهم ومصانع وحظائر للماشية. وعملت الحكومة أيضا على حل مشكلة التضخم والتمرد من خلال بيع المصانع لمن يتمكن من إدارتها بشكل ناجح، وباستخدام القوة العسكرية لمن تمرد من الساموراي على قراراتها. وبذلك تمكنت من تحقيق الأمن الداخلي والسلام لتنطلق في منافسة العالم الخارجي. وكان أن حدثت مجموعة من الانقلابات داخل اليابان، وسلسلة من العمليات الإصلاحية للنظام الإقطاعي والسياسي والدستوري فيها. وأقواها كان ما حدث في القرن العشرين. إذ بعد 80 عاما من كل الإصلاحات اختفت نهضتها وأضحت هباء منثورا، نتيجة هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، فلم تتمكن من الصمود أمام قوة العتاد الأمريكي، وخاصة بعد إسقاط الأمريكيين القنبلة النووية على كل من هيروشيما وناكازاكي. الاحتلال الأمريكي لليابان بعد هزيمة اليابان، وصل إليها الجنرال الأمريكي مارك آرثر لسن قانون ودستور جديد فيها. وعمل على نزع سلاحها والحرص على عدم امتلاكها لأي قوة عسكرية في المستقبل. وأجبرها على توقيع معاهدة تنص على قيامها بتوزيع فائض الإنتاج المحلي إلى الدول التي حاولت احتلالها كنوع من التعويض لها، مثل روسيا والصين وكوريا. ولكن هذا الشيء لم يتحقق لأن اليابان كانت مدمرة بالكامل وفقيرة لا تملك ما يفيض عن حاجها. ولم تنظر اليابان على احتلال الأمريكان لها بنظرة سلبية، وإنما رأت بذلك فرصة ليتم إعادة إعمارها، فكان اليابانيون مستجيبون للتغيرات التي تم فرضها عليهم. وعلى الجانب الآخر أعجب الأمريكان باليابانيين من ناحية انضباطهم وطاعتهم ونظامهم، فكان التعاون جيدا معهم، فلم تكن العلاقة احتلال واستعباد. وكان أن فرضت اليابان على أمريكا قيودا على وارداتها من مختلف البضائع مما كان له الدور في الانتعاش الاقتصادي فيها بعد ذلك. ولكن هذه العلاقة تدهورت عندما حاولت أمريكا التدخل فيما لا يعنيها وتوريط اليابانيين في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كحربها مع فيتنام. ولكن بمجيء رئيس الوزراء أكيدا في النصف الثاني من القرن العشرين، عمل على استخدام السياسة الهادئة في التعامل مع المحتل الأمريكي، ونتيجة لذلك تضاعف معدل الناتج القومي وزادت نسبة التعليم إلى 90% وهو أعلى معدل عالميا، وأصبح هناك انتعاش اقتصادي أدى إلى افتخار اليابانيين بمختلف منتجاتهم الوطنية، من إلكترونية وكهربائية، كالثلاجات والغسالات والكاميرات وأجهزة التلفاز. وبدأت اليابان لاحقا بالتركيز على المنتجات التي تتطلب مهارة فنية عالية لا تستهلك الكثير من الطاقة وذات تأثير منخفض على البيئة. وحرص جميع الشعب في تلك الفترة على زيادة الرفاهية في معيشته باقتناء تلك الأجهزة وتغير أسلوب حياتهم تماما وأصبح لديهم أوقات للفراغ يمارسون فيه الرياضات الراقية كلعب الجولف وتسلّق الجبال. مقارنة بين شخصية الياباني والأمريكي إن العزلة التي عاشها الشعب الياباني جعلته يتكاتف مع بعضه البعض وأن يحبّذ العيش كجماعات، يحترمون ويقدرون بعضهم البعض كل بحسب عمره ومكانته الاجتماعية، وليس كالأمريكي الذي يحب رفع التكلفة. إضافة إلى تعصبهم لهويتهم، ورفضهم للأجنبي، وحرصهم على العمل والجدّ. كما أنهم يحبون العمل كجماعات وليس كالأمريكيين الذين يشجعون العمل والتميّز الفردي، فيؤمن الياباني دوما أن الجماعة فوق الفرد، وهذا ما يجعله يفتخر بالشركات التي يعمل فيها، بحيث يحرص فيها على الولاء والإخلاص الغير متناهي، بعكس الأمريكي الذي يبحث دوما عن مكان العمل الذي يقدّم راتب ومميزات أفضل. ويتميز الياباني بكتمان مشاعره والبساطة وبتجنب المصارحة والمواجهة بعكس الأمريكي، وهذا يؤدي إلى صعوبات في التعامل معه عند اجتماعه مع رجال الأعمال الأمريكيين على طاولة واحدة. والياباني غير قادر على إنشاء علاقات صداقة مع الغرباء بسهولة. ولكن إن تمكّن من إنشاء أي منها فإنه يتفانى فيها بشكل غير اعتيادي. وتختلف الأم اليابانية عن الأمريكية في تربية أبنائها، فهي ترعاهم بشكل حميمي أكثر من الأمريكية التي تفضل أن تضع وليدها في غرفة منفصلة منذ الولادة، وأن تعطيه لمربية تقوم على رعايته. ويفتخر الياباني بامتلاكه لهواية محددة، كتسلق الجبال ولعب الغولف وتنسيق الزهور، بعكس الأمريكي الذي قد يرى هوايته في عمله نفسه. الدين والأخلاق يلتزم اليابانيون بالأخلاق خوفا من العار الاجتماعي وليس من أي دافع آخر، فالنبذ من المجتمع تعد أقصى عقوبة للياباني. ولذلك فهم يظهرون بشكل مختلف عند الحروب أو الثورات، وذلك بالتمرد والعصيان وبتعذيب لا رحمة فيه لأسرى الحرب. كما يلاحظ أن الانتحار ظاهرة اجتماعية شائعة بين الذكور والإناث في اليابان كونها وسيلة للهرب من المواجهة والخذلان والعار. ومن أشهر طرق الانتحار هي سيبوكو. وهي تتمثل ببقر البطن كما كان يفعل الجنود والساموراي. أما الديانة عند اليابانيين، فقد تم إنشاء العديد من الديانات والتي وصلت إلى عشرين ديانة، في محاولة لإشباع الجانب الروحي لهم. إلا أنهم تأثروا بالديانة الكونفوشية الصينية، إضافة إلى البوذية والمسيحية. والأغلبية منهم يؤمن بالشنتو الممتدة من الكونفوشية. أمّا المسيحية فيؤمن فيها أقل من 1% من الشعب. وعند احتلال أمريكا لليابان، قامت بإلغاء الشنتو تخوفا من تطرف معتنقيها وطالبت بفصل الحكومة عن الدين، فأضحت المعابد في اليابان شكليا فقط وللمناسبات. وصار كل بيت في اليابان يملك طواطم وتماثيل للتعبد -وهذا ما لاحظه أخي عند زيارته لليابان، إذ وجد أن اليابانيين يملكون في العلية تمثالا يعبدونه ويتقربون إليه بمختلف الفاكهة. ويمكن للياباني أن يعتنق أكثر من ديانة واحدة في الوقت نفسه. التعليم حرص اليابانيون على تعليم أبنائهم وإن تطلب ذلك التقشّف على أنفسهم. وذلك انطلاقا من إيمانهم بأن التعليم الجيد أساس لمستقبل أفضل. والتعليم الأساسي في الدولة مجانا إلا أن التعليم الجامعي يتطلب النجاح في امتحان محددا للقبول فيها. وهو امتحان معقد وصعب. ومن يفشل فيه يستطيع التسجيل في جامعات خاصة ذات تكلفة باهظة بعكس الرسمية. وأفضل الجامعات الرسمية هي جامعة طوكيو. وتتميز البرامج في الجامعات اليابانية بتفصيلها الدقيق وبجمودها؛ فلا يستطيع الطالب في تخصص ما الدمج مع تخصص آخر. وتسعى جميع الشركات في اليابان إلى توظيف الخريجين الجدد، وتعمل على تشجيعهم على استكمال دراساتهم العليا وعلى حسابها الخاص. وكان أن حاولت اليابان إنشاء جامعة على النظام الأمريكي إلا أنها فشلت وهي جامعة سوكوبا في عام 1973. دنيا الأعمال إن سبب النقلة النوعية والقفزة الهائلة لليابان في تحقيق الازدهار الاقتصادي يعود إلى عدة عوامل. منها وجود اتحادات للمؤسسات تسمى بالزيباتسو. وفيها تتجمع الشركات ضمن رأس مال واحد بحيث تقوم بتمويل بعضها البعض ضمن العديد من المشروعات التعاونية، ويتنقل الموظفين بين تلك الشركات بكل حرية. وتتسم العلاقات بين المديرين والموظفين بعلاقة حميمية كلها التزام وولاء وفخر بعكس الأمريكية التي فيها يتم التشبث بهرمية الإدارة. والسبب في ذلك هو اتباع الشركات لنظام العمل مدى الحياة وامتيازات بحسب الأقدمية، فلن يجد المرء هناك كبيرا في السن يعمل لدى شاب، وإنما سيكون ضمن المستشارين على سبيل المثال مقابل خدماته وخبراته. ومن جانب آخر تقوم الشركات على استثمار موظفيها من خلال تدريبهم على مختلف المهارات. وتقوم ببناء مختلف المساكن لهم وإرسالهم في إجازات على حسابها. كما تفضل الشركات اليابانية الاحتفاظ بموظفيها، فلا تقوم باستبدالهم. وإن احتاجت إلى مهارات غير موجودة فيهم تقوم بتدريبهم عليها. ولذلك لا نجد مقاومة للتغيير من قبل الموظفين عند تطبيق تقنية جديدة، لإيمانهم أن الشركة لن تستغني عنهم وستقوم باللازم ليتمكنوا من تطبيقها واعتمادها في أعمالهم. ولا تتجاوز البطالة في اليابان 2%. ومن العوامل الأخرى التي ساعدت على نمو الاقتصاد الياباني هو العلاقة بين الحكومة والشركات. فهي ليست كما في أمريكا خصومة ونزاعات، وإنما علاقة مساندة ومشورة وتشجيع. فالحكومة لا تفرض شكل الاقتصاد أو تسيره في اليابان وإنما تقوم بفتح المجال لمن يرغب بأي استثمار مهما كان نوعه. الثقافة والأدب وهي التي نقصد بها الصحافة والإعلام والمؤلفات الفكرية. ففي اليابان نظام مشابه لقنوات التلفاز في أمريكا، وهو موّحد لكافة المناطق، مما ساهم في تعميم الثقافة على كافة اليابانيين. وتتميز الصحافة بالحياد والدقة، ومن المعروف أن أفضل الصحفيين هم اليابانيون كونهم لا ينشرون الأخبار إلا بعد التحقق من صحتها. أما المجلات فلا تتميز بالحيادية ولها أن تنشر أراءها الخاصة بحسب ميولها ومعتقداتها. ولا يوجد لدى اليابانيون أي ابداع فكري. فهم ممتازون بالنقل والنسخ لمختلف أنواع التقنية رغبة في الاستمرار في السباق العالمي، ولذلك فهم عمليون أكثر من كونهم نظريون. وكان أن أثر ذلك على عاداتهم وتقاليدهم. فنجد مثلا عزوف الفتيات عن ارتداء اللباس الرسمي الكيمونو إلا في المناسبات الخاصة. وعلى الناحية الأخرى نجد أنهم عاطفيون جدا ويحبون الشعر والغناء. وتتفق جميع فئات الشعب على الانسجام ونبذ أي حركة مقاومة أو تمرد للرغبة المشتركة في النهوض باليابان. المرأة اليابانية لا تتمتع المرأة في اليابان بالحقوق والحريات والمميزات ذاتها التي يتمتع بها الرجل الياباني. فهي أقل منه في ذلك. فأجورها مثلا أقل منه، وكزوجة تتم معاملتها باحتقار من قبل زوجها. وسبب ذلك يعود إلى انتشار الفلسفة الكونفوشية التي تنص على أن تطيع اليابانية أباها ومن ثم زوجها، وابنها في شيخوختها. وهناك القليل من الفتيات ممن يكملن التعليم الجامعي لتفضيلهن الزواج على ذلك. ورفضت المرأة اليابانية الاستجابة لحركات التحرر النسائية لإدراكها أنه فخ لها وسوف يقلل من مكانتها. ففضلت الاحتفاظ بهيبتها كأم وربّة أسرة. وتتميز اليابانية بأنها أقرب إلى المثالية، فهي زوجة مخلصة ولا تحاول خيانة زوجها الذي هو في كثير من الأحيان يتعرف على أخريات أو الجيشا. والجيشا نساء شبيهات ببائعات الهوى ولكن بأسلوب يشمل الرقص والغزل وإثارة المشاعر لدى الرجل. الحيادية والانحيازية مع الآخر بسبب ما تعرضت له اليابان من أهوال الحرب، فهي الآن تتجنب الخوض في أي صراع مع الآخر مهما كان نوعه. لذلك فهي تفضل الحيادية عن الانحيازية في التعامل مع مشاكل العالم الخارجي. وتجنبت فعلا الحروب مع تايوان والصين، وكانت لا تفضل استخدام القواعد الأمريكية على أراضيها للقوة النووية. فهي تهدف إلى الاستمرار بالانتعاش الاقتصادي الذي يتطلب أن تكون مسالمة مع كافة الدول وتطبيع علاقاتها معهم. وبالرغم من محاولة اليابانيين البقاء على الحياد، إلا أنهم أكثر تعاطفا مع الصينيين ويكنون العداوة للروس كون الأخيرة عملت على منازعتهم على أرض سيبيريا. ويحترمون أمريكا كونها مثلا لهم في القوة العالمية، ويكنون مشاعر الود للهند لرؤيتها على أنها أرض تدعو للسلام ونبذ العنف. كما يكرهون مقارنتهم مع أي دولة غير غربية كونه يعتبرونه إهانة لهم. فهم يحتقرون تلك البلاد لتخلفها. التحديات التي تواجهها اليابان إن أول عائق يكمن في علاقات اليابان مع العالم الخارجي هو صعوبة اللغة اليابانية التي يفتخر بها شعبها ويأبى الاستغناء عنها. وكان هناك القليل فقط من اليابانيين ممن تعلم اللغات الأجنبية. كما أنها لا تطوّر أسلحة دفاعية بحسب الاتفاقية التي وقعتها مع الولايات المتحدة الأمريكية على أن تقوم الأخيرة بمهمة الدفاع عنها حال تعرضها لأي عدوان خارجي. وللكوارث الطبيعية أكبر التداعيات على الأرض اليابانية لطبيعتها الجغرافية، سواء كانت على شكل زلازل أو فيضانات، وهذا ما شهدته في إعصار تسونامي. مستقبل اليابان تطرق الكاتب إلى جانبين من مستقبل اليابان المرتقب: التهديدات التي تواجه البلاد، والإسهامات التي تقدمها للعالم. فمن ناحية التهديدات التي تواجه اليابان، نجد أنها تشمل التعرّض للكوارث الطبيعية، الحاجة إلى السلام العالمي للإبقاء على تجارتها نشطة مع العالم، والمحافظة على نظام اجتماعي قادر على أن يجمع اليابانيين في انسجام ووحدة. أما الإسهامات التي يمكن أن تقدمها اليابان للعالم فهي الدعوة إلى السلام العالمي، القدوة للآخر في أساليب الحياة وأخلاقيات العمل، وحلولها المبتكرة للحدّ من تلوّث البيئة. رابط القراءة في الصحيفة: http://omandaily.om/?p=344196 قراءة في كتاب النساء اللواتي يبالغن في التفكير – للطبيبة النفسية سوزان هوكسيما
بقلم إشراق عرفة . يتكلم الكتاب عن سبب قيام النساء بالمبالغة في التفكير ،وبالتحليل المفرط للتفاصيل الصغيرة وللمواقف وللكلمات وللتصرفات من حولهن. وهذا أمرا سيئا للغاية، كون أثبتت الدراسات أن المبالغة في التفكير يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة والضعف في إيجاد الحلول الناجعة. هذا إضافة إلى تسببه بالاكتئاب والقلق والتوتر. . ويبيّن القسم الأول من الكتاب مسببات المبالغة في التفكير، والتي تشمل اختلاف منظومة القيم وتعدد الخيارات في الحياة الشخصية والمهنية مما يسبب الحيرة والتشوش والتفكير في اختيار ما يناسبنا وفي كيفية تحقيقها. إضافة إلى التحليل المفرط للمشاكل والضعف والنقص في الشخصية ومحاولة تعليل ذلك بشكل غير عقلاني مثل المعاملة غير العادلة للأهل أو نتيجة التعرّض للأذى والتحرش وغيرها. كما أن محاولة إيجاد حلولا سريعة وعدم تقبّل تلك التدريجية والتي تتطلب الجهد والصبر من شأنه التسبب بالإحباط لصاحبه نتيجة الفشل في ذلك واللجوء إلى شرب الكحول وتعاط للمخدرات وغيرها من السلوكيات المدمرة للصحة هربا من دائرة التفكير المنهكة للعقل والجسم. كما والمحاولة المستمرة في تحليل المشاعر والتي يشجعها علم النفس الحديث بمحاولة البحث معمقا داخل أنفسنا لمعرفة سبب استيائنا أو غضبنا يسبب التفكير المبالغ فيه، ولا ندرك حينه أنه قد يكون استيائنا نتيجة سببا بسيطا كزحمة السير أو الإنهاك أو الجوع أو التأخر عن الاستيقاظ وغيرها. ومن الجدير بالذكر أن الإسلام عالج مشكلة التفكير والتحليل المبالغ فيه للمواقف الحياتية من خلال قوله تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا). كما أن إدراك الإنسان على أن الدنيا هي دار عمل وأن الآخرة في الحياة الكاملة، من شأنه أن يساهم في ارتقاء تفكيره وتتغيير أولوياته واهتماماته وتركيزه ليصبح كله منصبا على القيام بالأعمال الصالحة ومساعدة الآخرين دون أي اهتمام للسفهاء وغيرهم. قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65)) – الفرقان. . أما القسم الثاني من الكتاب فيوضّح لماذا النساء أكثر عرضة للمبالغة في التفكير من الرجال. فتقول الطبيبة أنهن أضعف من الرجال اجتماعيا واقتصاديا وظرفيا، وبالتالي فإن عدم تمكنهن من تغيير واقعهن أو التأقلم معه من شانه أن يغذي تفكيرهن. كما أن نسبة النساء في التعرّض للعنف وسوء المعاملة والتحرّش أكبر من الرجال، وهي والتي تسبب الصدمة النفسية لهن والتفكير المستمر فيها. كما أن النساء أكثر عاطفة من الرجال مما يجعلهن عرضة للتفكير أكثر في مشاعرهن وعواطفهن. وقد يكون ذلك نتيجة التربية منذ الصغر، إذ يتم تأنيب الولد إن حاول التعبير عن مشاعره ويتم التشجيع على ذلك للبنت، مما يجعلها تبالغ في التفكير بمشاعرها وبأحاسيسها وبنفسها بدلا من التفكير بحلول عملية للمشاكل التي تعترضها. . ويعالج الكتاب في القسم الثالث خطوات التخلّص من المبالغة في التفكير. فيجب أن يقنع المرء نفسه أن المبالغة في التفكير أمر سيء ويضرّه. ثانيا، تغيير التركيز بإلهاء النفس من خلال القيام بأمور إيجابية، كممارسة الرياضة أو الطبخ أو الرسم ومساعدة الناس والمشاركة في الأعمال التطوعية وغيرها. وكنت قد ترجمت خبرا يتحدث عن فوائد الحياكة كهواية مفيدة ومنتجة ومعالجة للتوتر والاكتئاب. ومن الطرق الأخرى للتخلّص من المبالغة في التفكير التأمل والصلاة، والتكلّم مع شخص موثوق به كصديق أو أحد من الأقارب. إضافة إلى كتابة المشاعر والأفكار على الورق والرجوع إليها بعد فترة لمعرفة الواقعية منها من تلك المبالغ فيها، وتذكر المواقف الإيجابية من إنجازات سابقة أو ذكريات سعيدة، والقيام بالأمور المحببة للنفس كتسريحة جديدة للشعر أو التسوّق أو المشي في مكان محبب. . ولا تكفي عملية إلهاء النفس للتخلص من المبالغة في التفكير، وإنما يجب التخلّص من مسبباتها من خلال التخلّص من المشاعر السلبية التي سببها الموقف أو التصرف الذي تم التعرّض له من غضب وحنق واستياء وحزن، وذلك بالمسامحة والعفو والغفران والتي أوصى بها القرآن، ثم تحديد المسبب بعد التجرّد من تلك العواطف. ويمكن ذلك من خلال القبول بتلك المشاعر وعدم إنكارها ثم الانتقال إلى مرحلة التركيز على المشكلة الفعلية وإيجاد حلا عمليا لها. فكثير من الأحيان يكون السبب بسيطا مثل إغفال وجبة الإفطار أو الإرهاق أو عدم النوم بشكل كاف. حينها يجب تجنب اتخاذ قرارات مصيرية خاطئة نتيجة عدم فهمنا للسبب الحقيقي لمشاعرنا السلبية. ثم توصي الطبيبة بعدم محاولة مقارنة الذات مع غيرها، فلكل شخص إمكانيات وقدرات تميزه عن غيره ومحاولة التقليد ستؤدي إلى الفشل والإحباط والظن بأن السبب هو ضعف الشخص نفسه نتيجة سوء معاملته أو تعرّضه للتحرش وغيرها من الأسباب التي يحاول المرء فيها تعليل فشله وتزيد من حنقه واكتئابه وتفكيره. أما الخطوة التالية فهي تتعلق بمحاولة تغيير الظروف، فإن لم يتمكّن المرء من تغييرها عليه القبول بها ومحاولة التركيز على تطوير ذاته أو إيجاد نشاطات من شأنها أن تسعده وتحقق له الرضا والتقدير الذاتي. ومن الجدير بالذكر أنه يمكن تغيير الظروف الصعبة من خلال التدرّج في ذلك وليس بخطوة واحدة. مثلا إن لم يعجب المرء راتبه في العمل عليه أن يحاول أن يطوّر نفسه بدلا من تغييره والبحث عن عملا آخر. ومن المفيد كتابة الحلول المقترحة للمشكلة على الورق، فمثلا إن كانت تعاني المرأة العاملة من الغضب المستمر على أبنائها عليها التفكير بحلول مقترحة كمحاولة تغيير العمل أو طلب مساعدة زوجها في تأديب الأطفال أو التخلّص من ضغط العمل من خلال ممارسة الرياضة قبل الوصول إلى المنزل وهكذا. ومن الخطوات الأخرى للتخلّص من المبالغة في التفكير التوقف عن محاولة تغيير الناس والرضا بحالهم وعدم توقع الكثير منهم. وهذه ما ذكرها القرآن للمتصدقين بقوله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9)) – الإنسان. فالإنسان يكون هدفه رضا الله لدخول جنته ولا ينتظر مقابل من أي أحد. . ولتجنّب الوقوع في المبالغة بالتفكير مستقبلا، يتم الابتعاد عن الأمور المزعجة المسببة لذلك. إضافة إلى وضع أهداف قريبة من الواقع لكي لا يقع المرء في دائرة الإحباط والاكتئاب والتفكير في أسباب فشله في تحقيقها. إضافة إلى الابتعاد عن لوم النفس وتقريعها، ومسامحتها ومحاولة خلق صورة إيجابية عنها. كما أن تنوع المجالات الحياتية واكتساب أصدقاء إيجابيين من شأنه المساهمة في تقدير الذات وزيادة الثقة بالنفس. . وفي القسم الأخير من الكتاب تذكر الطبيبة النفسية أهم مجالات المبالغة في التفكير. وهي العلاقة الزوجية والأسرية والعمل والصحة والصدمات العاطفية. ففي العلاقة الزوجية، تفكر الزوجة كثيرا بطرق إرضاء زوجها وأسباب تصرفاته السلبية. وهنا تنصح الطبيبة الزوجات بالتكلم مع من يثقون به من أجل تحديد الأسباب الواقعية وتجنّب تلك الوهمية السلبية، إضافة إلى ضرورة إشغال أنفسهن في مجالات خارج المنزل من هوايات وأنشطة رياضية والتي من شأنها تقليل تركيزهن على أزواجهن. وأما فيما يتعلق بالعلاقة الأسرية، فإن بعضا من الأبناء يقعون في دائرة التفكير حول صحة أباءهم ومشاعرهم والقلق حول راحتهم. وفي علاقة الأباء بأطفالهم فإن التفكير ينصب على كيفية حمايتهم وتعليمهم في هذا العالم المتخبط والمفتوح. إضافة إلى أن محاولة مقارنة الأطفال بين بعضهم البعض من شأنه إثارة التفكير حول وجود مشكلة لدى أحدهم كونه لا يشبه أخيه أو أخته. وعليه، على الأباء إدراك وجود الفروق الفردية بين أبنائهم واحترام أهوائهم ورغباتهم وعدم جعلهم نسخة عنهم أو وضعهم في طريق أحلامهم الخاصة لا أحلامهم هم. وفي العلاقة المهنية، فإن كثيرا من الناس يظن عند مواجهتهم للمشاكل أن السبب هو العمل فيتم التفكير حول تركه والبحث عن غيره بدلا من التفكير في طرق تطوير الذات لكسب مزيدا من التقدير المهني، كما يجب إدراك أن التطور يتم تدريجيا وليس فوريا وعليه يجب التأني قبل اتخاذ أي قرارات مصيرية في العمل. وحول الصحة، فإن التعرض لأي نوع من الأمراض الخبيثة من شأنه أن يسبب القلق والتوتر والتفكير المبالغ فيه، وهنا تؤكد الطبيبة على ضرورة مشاركة الأهل والأصدقاء من المقرّبين حوله بمخاوفه وهواجسه، ومحاولة كتابتها على الورق، والتفكير في كيفية الاستلهام من المرض لعمل الخير ومساعدة الناس كالمشاركة مثلا في التوعية حول أهمية الفحص المبكر للثدي. فالانعزال من شأنه أن يسبب الاكتئاب للمصاب وأن يؤثر على فعالية العلاج لمرضه. وحول الصدمة الناتجة من فقدان من نحب، تشير الكاتبة إلى أن ذلك فرصة للفاقد على إعادة نظرته للحياة وتجديد إيمانه وترتيب أولوياته من جديد. . وفي النهاية، تتطرق الطبيبة إلى طرق إصلاحية من شأنها التقليل من مسببات المبالغة للتفكير في المجتمع. مثل التربية السليمة للأطفال وغرس المبادئ والقيم فيهم بدلا من تركهم يتشبعون من قيم التلفاز والانترنت والألعاب، وإعادة العلاقة بين الأجداد والأبناء بحيث يبدأ الأطفال بالاستماع إلى خبرة وحكمة الكبار، والتشجيع على الصدقة ومساعدة الناس والتعرّف على أناس جدد يملكون قيم حقيقية حول الحياة. إضافة إلى إزالة أسباب التمييز الجنسي بين الرجال والنساء، وتوعية النساء حول أهمية امتلاكهن لنشاطات متعددة ومختلفة، لا أن تكون حياتهن متمركزة حول محور واحد كالأباء أو الأبناء أو الأزواج. وأخيرا، حث البنات الصغار على التفكير بحلول عملية بدلا من الانغماس في المشاعر والأحاسيس السلبية حول أي موقف يواجهنه. |
تتميز هذه الصفحة بملخصات للكتب القيّمة مع التحليل الشخصي والإضافة والنقد لها
Archives
May 2021
Categories |