قراءة في كتاب الإسلام والاقتصاد للدكتور عبد الهادي علي النجار بقلم إشراق عرفة . يوضّح الكاتب بداية صعوبة دراسة الاقتصاد بشكل كامل ضمن بحث واحد. وذلك لأنه يتطلب عدة دراسات لكثرة جوانبه، فاختص على المنظور الإسلامي لأبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، كالعمل، الملكية، التنمية البشرية والاقتصادية، توزيع الدخل، النقود، معالجة الفقر والتلوث، جهاز السوق، التخطيط الاقتصادي، وغيرها مما ستبينه هذه القراءة. . مفهوم الاقتصاد إن مفهوم الاقتصاد في الفكر المعاصر هو العلم الذي يحكم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بين أفراد المجتمع من خلال انتاج السلع وتوزيعها لإِشباع حاجات الإنسان. وبيّن الكاتب أن الإسلام عالج موضوع الاقتصاد كباقي نواحي الحياة، إلا أن الخبراء من الاقتصاديين يتجنبون دراسة الاقتصاد من المنظور الإسلامي لقصور معرفتهم في الدين. وذات الشيء بالنسبة إلى علماء الدين ممن يتجنبون توضيح الأحكام الإسلامية في القضايا الاقتصادية لعدم توفر المعرفة الاقتصادية اللازمة لديهم. وبالتالي فالكاتب درس الاقتصاد والقانون وحاول من خلال هذا الكتاب بيان بعضا من القضايا الاقتصادية تحت ظلال الإسلام. . بين الكاتب الفرق بين الاقتصاد في الإسلام والاقتصاد الوضعي. فالاقتصاد الإسلامي له طابع تعبدي وبالتالي الهدف منه هو رضا الله وتحقيق الخير للجميع وخلافة الأرض. أما الاقتصاد الوضعي فغايته شخصية ولذلك نجد إباحته للاحتكار والربا وغيرها في سبيل تحقيق المصلحة الفردية وليس مصلحة الجميع. كما أن الأفراد في الاقتصاد الإسلامي يملكون الرقابة الذاتية تمثلا بقول الرسول حول الإيمان وهو عبادة الله كأنك تراه فإن لم تره فهو يراك. وهذا يقي من حدوث السلوكيات السيئة مثل الاختلاس والغش والرشوة وغيرها. أما علم الاقتصاد فهو الذي يبحث بين الموارد المحدودة وحاجات الإنسان غير المحدودة. إلا أن النظرة الإسلامية تعارض مفهوم حاجات الإنسان غير المحدودة. فهي بنظره محدودة. . ثم وضّح الكاتب الفرق بين النظام الإسلامي والرأسمالي والاشتراكي. فالنظام الرأسمالي يحمي الملكية الفردية ويجعلها مطلقة دون أية قيود. أما الاشتراكي، ففيه تتدخل الدولة في الملكيات الفردية. أما الإسلام فهو يقر ويحمي الملكيات الفردية وبنفس الوقت لا يمنع تدخل الدولة إن تحققت مصلحة الجميع تمثلا بقول الرسول – صل الله عليه وسلم-التي تقول لا ضرر ولا ضرار. . ونظرة الإسلام للاقتصاد تشمل الإنسان والموارد. فمن ناحية الإنسان فهو بنظره قادر وواجب عليه استخراج الموارد كون الله تعالى علّم آدم الأسماء كلها. وذلل الأرض له. والموارد تكفي لجميع البشر. فالمشكلة إذن ليست بشحها وإنما لعدد من الأسباب، منها: 1. تعطيل الإنسان لها. 2. إهدارها من قبل الإنسان. 3. الصراع للاستيلاء عليها للبعض دون الآخر، أي الطمع والأنانية. 4. سوء توزيع الانتاج. . وأشار الكاتب إلى مشكلة طبيعة الانتاج من مختلف السلع والبضائع لإنعاش الاقتصاد. وبيّن أن الإسلام عالج هذه القضية من منظور الحلال والحرام. فإنتاج الكحول مثلا قد يفيد الاقتصاد إلا أنه حرام في الإسلام لضرره على المجتمع. وبالتالي يجب انتاج السلع والبضائع التي لا تهدف فقط إلى الربح وإنما إلى الخير وإعمار الكون. . العمل العمل هو المجهود الذي يقوم به الإنسان عن وعي لسد حاجاته المختلفة. والإسلام أمر الجميع بالعمل وليس فئة دون أخرى. والدليل عمل الأنبياء عليهم السلام. مثل سيدنا محمد – صل الله عليه وسلم – الذي عمل في الرعي والتجارة، وسيدنا داوود الذي اشتغل في الحدادة، وسيدنا إدريس في الحياكة، وغيرهم. وفي هذا الموضوع يرى الإسلام ضرورة تدخل الدولة لإجبار الأفراد على العمل مقابل توفير لهم حد الكفاف من آليات ومسكن وطعام ولباس وحتى زواج – وهنا لي ملاحظة حول قمع بعض الحكومات للمنتجات الوطنية في سبيل توفير المنتجات الأجنبية الأسواق الاستهلاكية داخل أراضيها، وهو أمر مخالف تماما لأحكام الإسلام بحسب ما سبق، القارئة.- وفي الموضوع المتعلق بالتعامل مع العمال، يرى الإسلام ضرورة عدم تكليفهم من المهام ما يفوق طاقتهم ومساعدتهم في إنجاز العمل إن لزم ذلك. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم حينما ذكر قصة ذو القرنين. هذا إضافة إلى إعطائهم الأجر المناسب لقوله تعالى في سورة المطفيين: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)). أما فيما يتعلق بالعاملات من النساء. فالإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في المهام والتكاليف والجزاء وراعى الاختلافات في طبيعة كل منهما. إلا أنه هناك البعض من المهام التي لا يجوز للمرأة توليها. مثل رئاسة الوزارات والقضاء والشهادة في بعض الأمور، كالشهادة في الدين. وهذا ليس انتقاصا من المرأة وإنما بسبب طبيعتها المختلفة عن الرجل. وهو أمر جميل يرفع من قدر المرأة. فلا ننسى تكريم الإسلام لها؛ كحقها في الإرث. ولا يعد انتقاصا أن تكون حصتها في ذلك أقل من الرجل وإنما لمسؤولية الرجل في الإنفاق. فالمرأة في الإسلام غير مسؤولة عن الإنفاق وإن كانت غنية إلا أن أرادت هي التطوع برضى منها. كما أن الرجل هو ربّ الأسرة. قال تعالى في سورة النساء: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (34)). أما من ناحية أجر العاملة والذي اضطربت فيه دول الغرب حوله فيجب أن يكون مساويا للرجل. قال تعالى في سورة النحل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)). . التنمية البشرية تعني التنمية البشرية تحرير الإنسان اجتماعيا وثقافيا وماديا ليتمكن من المنافسة والمساهمة في الاقتصاد الوطني والعالمي. أما مفهومها في الإسلام فهو أشمل من ذلك. فهو أمر بعدم قتل الأطفال خوفا من الفقر، وأن تكون الأسرة مبنية على المودة والرحمة، وحرر الإٍسلام عقل الإنسان بدعوته إلى طلب العلم والتأمل والبحث والتفكير. كما اهتم بالجانب الروحي له وتقويته. فأعطى الإسلام بذلك الإنسان كافة الأدوات التي تجعله قويا وقادرا على تذليل العقبات وتحقيق الخير الكثير. فما سبب تخلف المسلمين إذن بالرغم من امتلاكهم لهذا الدين العظيم؟ هناك ثلاثة أسباب: المعنوية والداخلية والخارجية. فالمعنوية هي الشعور بالقهر. والخارجية وجود الأطماع في خيرات بلادهم والتي تتمثل بالاستعمار. أما السبب الداخلي فهو يتمثل برداءة التعليم وسوء التخطيط والتنسيق وتفشي الأمية والفساد بوضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب والتبعية. . الملكية للملكية الفردية في النظام الرأسمالي حرية غير مقيدة؛ للأفراد وللإنتاج. وهذا خلل أدى إلى زيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء. أما النظام الماركسي فهو يرى أن الشرور تأتي من وجود الملكية الفردية وبالتالي يطالب بثورة العمال على الإقطاعيين وأصحاب رؤوس الأموال لينتهي بذلك الصراع الطبقي. وفي النظام الإسلامي، نجد أنه أقر بالملكية الخاصة وحفظها. فهي حق ولكن مقيدة. بمعنى أن الملك هو لله. فهو الوارث والمعطي. كما أن الإنسان يحاسب على ملكيته الفردية وكيفية تصرفه فيها. . أما ملكية الدولة في الإسلام فهي التي لا يجب أن تكون فردية مثل جباية الزكاة والجيش. إضافة إلى حق الدولة في سحب الملكية الفردية إن كانت تقع ضررا على المجتمع. إضافة إلى قيامها بتقنينها من خلال السماح للآخرين من الاستفادة من ملكية أحدهم إن لم ينقص ذلك من ملكه، كامتلاك أحدهم لنهر جار، - أو امتلاك أحدهم لأرض وقام أحدهم على زراعتها والاستفادة منها، كونه في هذه الحالة الأرض تبقى أرضا ولا ينتقص منها شبرا، القارئة -. وما سبق يدخل ضمن إرجاع الملكية لله على أن الإنسان مؤتمن على ما يملكه بما يفيد نفسه والآخرين. ولا ينكر الإسلام التأميم، والذي فيه تقوم الدولة باستملاك الملكية الفردية. وكان التأميم يقع ضمن نطاق ضيق في زمن المسلمين الأوائل لقوة الوازع الديني حينه في الدولة مما جعلها لا تستحوذ على ملكية أحدهم إلا للضرورة القصوى. ومن الأمثلة على التأميم في الإسلام أرض النقيع في زمن الرسول – صل الله عليه وسلم -ليكون مكانا لخيول المهاجرين والأنصار عند الغزو. وذات الشيء في الأراضي الزراعية المفتوحة التي لا يمكن توزيعها كغنيمة وتركها لأهلها لينتفعوا بها كما في فتوحات العراق والشام. . التنمية الاقتصادية أما فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية في الإسلام، فبداية يشترط في المنتج أن يكون حلالا، وأن يتم توظيف عناصر الإنتاج ضمن دائرة الحلال. وهذا من شأنه التقليل من تداعيات الصناعة الذي نشهده الآن من سعار صناعي تسبب في التلوث البيئي، -ومنه الانحباس الحراري الذي بات يهدد الكائنات الحية من نبات وحيوان وحتى من البشر ممن لقوا حتفهم نتيجة الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، القارئة –وهذا مرة أخرى نتيجة خلو الضوابط على عملية الإنتاج في الأنظمة الاقتصادية الأخرى، بحيث لم يعد النفع العام ضمن اعتبارها. . والتنمية الاقتصادية في الإسلام فرض على الفرد والدولة والمجتمع لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)) – الملك، وقوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)) – الجمعة. هذا إضافة إلى قوله تعالى: (َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)) – البقرة، والذي فيه أشار الله تعالى إلى الإنفاق بعد الكسب أو الإنتاج. ومن الجدير بالذكر انشغال المسلمين الأوائل بعمارة الأرض وليس في التنمية الاقتصادية. وهذا أفضل كونه يشمل مختلف مجالات الحياة الإنسانية بما يرضي الله تعالى، -وليس فقط السعي للإنتاج الوفير بغض النظر عن فائدته أو ضره طالما أنه يدر على صاحبه الفائدة المالية، القارئة -. وفيما يتعلق بالمؤشرات التي تميز الدولة المتقدمة عن تلك المتخلفة، ففي الفكر المعاصر يكون المؤشر متوسط الدخل الفردي والذي هو مقصور كونه يشير إلى حد الكفاف لا الكفاية. أما في الإسلام، فإن المؤشر هو حد الكفاية لا الكفاف. والفرق بينهما هو أن الكفاية تعني توفير قوام العيش من خلال إشباع احتياجات الفرد من تعليم وصحة ومأكل ومشرب ومسكن، وإعالة من مرض وقعد وعجز عن العمل من بيت مال المسلمين. أما الكفاف، فهي التي تعني سد الحاجات الأساسية من طعام وشراب ولباس بما يكف المرء عن السؤال. والإسلام طالب بتحقيق حد الكفاية لا الكفاف وعلى أساسه فالدولة التي من تتكلف بأبناء الأيتام وبالعاجزين عن العمل لأجل العيش الكريم ومنه تزويج الشباب من غير القادرين على تكاليفه، وتوفير المساكن للعمال وغيرها. جهاز السوق أجاز الإسلام تثمين السلع بناء على العرض والطلب ولكن من دون ظلم وضرر. وإنما بعدل يلغي الاحتكار والربا وتكنيز الأموال وتخزين البضائع بما يضر العامة وغيرها من الممارسات السلبية. كما أنه أجاز الربح ومختلف العلاقات بين أصحاب المال والعمل بشرط تحقيقها للعدل. ولا يوجد في الإسلام منافسة احتكارية كما هو الحال في النظام الرأسمالي. وإنما منافسة شريفة خالية من الاستغلال والتهريب وفرق السعر والاكتناز. وللدولة الإسلامية سحب الرخص ممن يقوم بتلك الممارسات غير المشروعة. كما أنه لا يفرض أية أنظمة على الشعوب كالأنظمة الرأسمالية والاشتراكية. وإنما المساواة بين الجهد والأجر لقوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8)) – الزلزلة. فالتثمين العادل هو الذي يغطي نفقة الإنتاج مع الربح. وهو واجب على الدولة في متابعته ومراقبته. ورفض الإسلام التبخيس بالأسعار عند المنافسة لأنها تؤدي إلى الخصومة. وعند غلاء الأثمان على الدولة عدم التدخل للإجبار على البيع ببخس. وأما بالنسبة إلى السمسرة فلا يشجع عليها الإسلام. - وهذا يجعلنا نجد أننا نعيش الآن بين كل تلك السلبيات والتي لو تم تطبيق الإسلام لاختفت جميعها ونال الناس العدل والرخاء، القارئة -. . ووظيفة البنوك في العالم الإسلامي تقتصر على تقديم الخدمات للعملاء لتنال عليها الأجر، مثل تأجير الخزائن والودائع وفتح الحسابات، ومن دون التعامل مع الربا والفوائد وغيرها من الممارسات التي حرمها الإسلام. والسبب أن الربا له أضرارا عدة، قام الكاتب بتعدادها على الوجه التالي: 1. التخلف، وذلك لتوقف أصحاب الأموال عن العمل في انتظار تزايد أموالهم. 2. حجز الأموال في أيدي المرابين، وبالتالي توزيع غير عادل للثروة كون العمال وحدهم من يقومون بدفع الفوائد. 3. انعدام الزكاة كون مال المرابين كله حرام، فكيف لهم تزكيته؟ 4. زيادة التضخم. كون الفائدة تضاف إلى رأس المال وبالتالي ارتفاع في الأسعار. والحل يكمن في المشاركة بحيث يقوم البنك بتوفير المال على أن يقوم العميل باستخدامها في استثمار المشاريع المفيدة. وقد يعطيه البنك الخبرة والمشورة حول كيفية إدارة تلك المشاريع. وهناك أنواع أخرى من المشاركة الحلال بين البنوك والعملاء ذكرها الكاتب بالتفصيل في صفحة 92. . النقود اعتمد الناس على المقايضة من سلع مقابل سلع أو خدمات متبادلة. ولكن كان هناك صعوبة في ذلك لرغبة الإنسان الفطرية في الاحتياط للمستقبل، وبالتالي واجه صعوبة تخزين السلع لحاجتها إلى المساحة والاهتمام وتعرضها للتلف مع الزمن وفقد قيمتها. إضافة إلى صعوبة تحديد ماهية رأس المال، وغيرها. فكانت تلك المشاكل وراء اختراع فكرة النقود. وفي الإسلام نجد أن المقريزي والغزالي هما أول من شرح موضوع النقود. فأشار الأول إلى ضرورة التداول بالذهب والفضة لتسيير أمور الناس. أما الغزالي فأشار إلى عدم الاتجار بالنقود من أجل النقود ذاتها وإنما باتخاذها وسيلة لإِشباع حاجات الإنسان وليس كغاية. وبيّن المقريزي أسباب التغيّرات التي تحصل في قيمة النقود. منها: قلة المنتج نتيجة الكوارث الطبيعية والجفاف أو بسبب الفساد في الحكومات والتضخم الناتج في اعتبار النقود سلعة لا غاية. او لزيادة تداول النقود فتصبح متاحة للجميع وتفقد بذلك قيمتها الشرائية. ويعد المقريزي أول كاتب عربي تطرق إلى المشاكل المتعلقة بتغير قيمة النقود على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمجاعات كالتي حصلت في مصر. وبين أن من الأسباب الأخرى للتضخم: انتشار العملة السيئة، ارتفاع أجور العمال وبالتالي زيادة قيمة الإنتاج ومن ثم ارتفاع الأسعار. والحل برأيه الرجوع إلى الذهب والفضة للتداول. ومن المسلمين من كتب في موضوع النقود: ابن خلدون والإمام الحنبلي وابن عابدين. ويدعو الكاتب إلى قراءة أبحاثهم ودراستها في محاولة لحل المشاكل الاقتصادية المعاصرة. . مشكلة الفقر أوجد الإسلام الزكاة لتحقيق التوازن في المجتمع ولحل مشكلة الفقر والمجاعات. وهناك عدة أسباب وراء مشكلة الفقر، مثل: قصور في استغلال الموارد، سوء في توزيع الدخل، عدم الإنفاق في سبيل الله تعالى. وفي الأخيرة قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47)) – يس. وعالج الإسلام الفقر بالدعوة إلى التنمية الاقتصادية واعتبر أن تعمير الأرض من أفضل دروب العبادة. وأيضا من خلال التوزيع العادل الذي يتم عن طريق الزكاة الذي على الدولة واجب تحصيله وتوزيعه على الفقراء وهم في بيوتهم. فالأموال هي لكل الناس وليس فقط للأغنياء وبالتالي للفقراء حق فيها. كما أنه ضبط توزيع الدخول من خلال قيام الذي يملك المال الفائض بإعطاء الفقير منه. فالرسول – صل الله عليه وسلم- قال: (من بات مؤمنا جائعا فلا مال لأحد). ولم يحدد الإسلام حد الغنى، والدليل وجود الأثرياء زمن الرسول – صل الله عليه وسلم -مثل عثمان بن عفان. وإنما أوجب حد الكفاية لكل فرد والذي يتحقق بالزكاة واستعمال الأموال كوسيلة لا غاية كما سبق وتم شرحه. ويقارن الباحث بين الضرائب والزكاة: فالضرائب توجب لأجل المال وفيها يقع الخطأ والصواب كونها من أنظمة البشر. أما الزكاة فقد فرضها الله تعالى وهي بالتالي تخلو من الخطأ. وتهدف الزكاة إلى الخير والرخاء. ويمكن للدولة فرض الضريبة إلى جانب الزكاة إن رأت الحاجة في ذلك لأجل معالجة الفقر وليس لجمع الأموال فقط. . التخطيط الاقتصادي يتطلب التخطيط الاقتصادي إلى جهاز تخطيطي، فلا يكفي الاعتماد على جهاز السوق لمعالجة المشاكل الاقتصادية المختلفة. وإنما على الدول المتخلفة محاولة تطبيق الأجهزة التي اتبعها الغرب والسير على خطاها لتحقيق التنمية الاقتصادية. وفيما يلي بعضا من الدروس المستفادة في التخطيط الاقتصادي المعاصر: 1. التحصّن ضد الموضات الجارية. وهذا يتم بتجنّب الحلول القصيرة الأجل والتركيز على النظم والخطط الخاصة. 2. الفصل بين التخطيط والتنفيذ. ليتمكن الخبراء من إعادة تقييم الخطط الاقتصادية وإجراء التغييرات الممكنة. 3. عدم إغفال أهمية الموارد البشرية وتدريبها بما يكفي لتكون مساهمة بشكل فعال في التنمية الاقتصادية. وبالنسبة للتخطيط الاقتصادي في الإسلام، فهو بداية احترم الملكية الفردية وفرض القيود عليها لئلا يصبح المال محصورا بين فئة محددة من الناس ولتجنب الضرر بالعامة. كما أنه وازن بين الملكية الفردية والاجتماعية بفرض الزكاة. ومنع احتكار أربعة مواد: الماء، والكلأ، والنار، والملح لضرر ذلك على المجتمع. ويمكن للدولة التدخل لتحويل الملكية الخاصة إلى عامة كما حصل زمن الرسول – صل الله عليه وسلم – بأرض النقيع للمنفعة العامة. وأخيرا، أوجب قيام العلاقات الاقتصادية على الأسس الأخلاقية والإنسانية لا المادية فقط. وهذا ما يحققه التكافل الاجتماعي من خلال الإنفاق على الأقرباء من العاجزين وغيرهم. وفي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)) – الأنفال. دعوة إلى التخطيط ومنه الاقتصادي. وذات الشيء بقوله جلّ وعلا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ (110)) – آل عمران. ومن الأمثلة على التخطيط الاقتصادي في القرآن الكريم قصة ذو القرنين وقصة يوسف عليه السلام. ففي قصة يوسف، نجد أن التخطيط الاقتصادي تمثل فيما يلي: 1. العمل الزراعي الدؤوب. 2. تخزين وحفظ الثمار. 3. عدم الإسراف في الاستهلاك. 4. إعادة استغلال الفائض في عملية الإنتاج. 5. حسن استخدام الفائض لتحقيق الموازنة ولإنتاج المزيد من الفائض. 6. أهمية العنصر البشري، يكون فيه العمال مرتاحين وغير مضطهدين، واستخدام ذوي الكفاءات منهم. وفي قصة ذو القرنين: نجد أنه ربط بين العدل والعمل، وبيّن أن الفساد يوجد طغاة التي تستضعف المستضعفين، وأوجب التعاون في العمل وتدريب العمال، واختبر قوة العمل، وحمد الله وشكره على التوفيق. المحافظة على البيئة أشار الإسلام فيما يتعلق بالمحافظة على البيئة إلى أمرين: أنها لا تتعلق بزمن محدد، والثاني استغلال البيئة بما يرضي الله لا استنزافها وبالتالي المحافظة عليها. ويدخل في المحافظة على البيئة اصطلاح الأراضي والعمل على استخراج كافة الموارد. وتأتي أهمية المحافظة على البيئة في الاقتصاد كونها توفر الموارد التي يحتاجها الإنسان من هواء وماء وحيوان ومعادن. والإنسان كرمه الله تعالى وميزه عن الملائكة بالعمل وليس فقط العبادة، فمن واجبه حسن استغلال البيئة دون الإضرار بها. |
تتميز هذه الصفحة بملخصات للكتب القيّمة مع التحليل الشخصي والإضافة والنقد لها
Archives
May 2021
Categories |