بقلم إشراق كمال عرفة
تمهيـــد حاول المستشرقون الطعن في الإسلام لئلا يتمكّن المسلم من معرفة حقوقه التي منحها له دينه، والتي هي ضرورات لحياته، وليست مجرّد حقوق. فكان أن عملوا على تشويه صورة الإسلام كي يميل المسلمون على اتباع أفكار الغرب وأنظمته، لا لشرائع وأحكام إسلامهم. ولذلك فإن الهدف من هذا الكتاب هو تعريف المسلم بحقوقه والمطالبة بها ليتمكّن من بناء مشروعه الحضاري المتميّز على الأرض. وقسّم الكاتب تلك الحقوق على شكل أبواب تحمل اسم ضرورات. كونها بنظره ضرورية ليحيا الإنسان بكرامة وليتمكّن من الخلافة على الأرض. فالشريعة الإسلامية جعلت من صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان، لأنها مناطق التكليف، ولذلك جاءت إباحة الضرورات الإنسانية للمحظورات الدينية. وبالتالي فإن المأكل والمشرب والمسكن، والمراقبة، ومحاسبة أولياء الأمور، والمشاركة في صياغة النظام، والحرية في الفكر والاعتقاد والتعبير، والعلم والتعلم والتعليم، والأمن والأمان، والثورة على الأنظمة الجائرة هي من ضرورات العيش بحرية وكرامة. كما ويأتي أهمية الحكم بالعدل لضمان تلك الحقوق لكافة الناس. وكما قال أبو بكر الصديق: (القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له). أولا- تاريخ الحقوق الإنسانيةبدأت قصة حقوق الإنسان التي ظهرت في ميثاق الأمم المتحدة عام 1948 خلال الثورة الفرنسية في عام 1789. وفيها وضع إيمانول جوزيف سييس وثيقة حقوق الإنسان وأقرّتها الجمعية التأسيسية. واعتمدت على مصدرين: نظريات المفكر الفرنسي جاك جاك روسو، وإعلان الاستقلال الأمريكي الذي وضعه توماس جيفرسون. وشملت الوثيقة على حقوق الإنسان الطبيعية، مثل الحرية والأمن وسيادة الشعب كمصدر للسلطات، وسيادة القانون والمساواة بين جميع المواطنين. وكانت لهذه الوثيقة دور كبير في الثورات الإصلاحية. وهذا لا يختلف عمّا كان في الحضارات القديمة وشرائعها. إلّا أنّ الإسلام الوحيد الذي بيّن أن هذه الحقوق هي ضرورات ومن دونها لا يقوم الدين. فإن لم يتمكّن الإنسان من إشباع تلك الضرورات سيصعب عليه النهوض بتكاليف العبادات المختلفة ومن أداء دوره في الخلافة على هذه الأرض. فالعبادة تأتي بعد أن يتنعّم الإنسان بتلك الضرورات من مسكن وغذاء وحرية والكساء ومنها يعبد الله شكرا له على تلك النعم. لذلك فإن صلاة الجائع والخائف لا تكون مقبولة. فالخائف لن يتمكّن من عمارة الأرض لوجله الدائم من الهجوم عليه وانعدام حرية باله وتفكيره بما يصل إلى القدرة على الإعمار. كما أنّ الجائع سيكون همه إيجاد الطعام قبل أي شيء آخر. ويستدل الكاتب على ذلك بقوله تعالى: (لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)) – قريش. وفيما يلي توضيح لهذه الضرورات، أي حقوق الإنسان في الإسلام: أ – الحريةحقّق الإسلام حرية الفرد الجسدية والفكرية. ففي الحرية الجسدية، كان الرقّ منتشرا وله نظامه الخاص في الجاهلية، فعمل الإسلام على تجفيف روافده من خلال جعل فك رقبة من الكفارات، والرفع من شأن الصدقة فيه. كما أنّه حرّم الربا وحارب الفقر اللذان يدفعان بالمرء إلى الاتجار بنفسه وأولاده ليتمكّن من العيش. ثم عمل على زيادة عبئهم على مالكهم من خلال مطالبته بحسن معاملتهم وإعطاءهم حقوقهم من الطعام والشراب واللباس، وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به. كما أنه نهى عن تسميتهم بالعبيد بقوله – صل الله عليه وسلم -: (لا يقول أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي)، ليكونوا بذلك بمنزلة الأسياد. وبالتالي تسهيل تحريرهم للتخفيف من عبء الاهتمام بهم. وعلى خلاف الكنيسة التي تفرض الإيمان على رعيتها وتعدّ الشك أمرا مخالفا لها، دعا الإسلام إلى التحرر العقلي من خلال حث الناس على التفكّر والتأمل. وفي ذلك يقول الله تعالى: 1. (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)) – آل عمران. 2. (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)) – الجاثية. 3. (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101)) – يونس. كما أن الله تعالى لم يرسل خاتم أنبيائه والمرسلين ليفرض الدين بالقوّة على الناس، وإنما نذيرا لهم بوجود النار للمشركين ومبشرا بالجنة للمتقين. قال تعالى: 1. (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)) - سبأ 2. (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)) – القصص. 3. (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54)) – النور. ب- الشورىتم تشويه المعنى الحقيقي للشورى لتبرير استبداد وظلم الأنظمة الاستبدادية. فالشورى لا تعني الاستشارة ثم المضي بالحكم الشخصي. ودليل ذلك هو خروج الرسول – صل الله عليه وسلم- لغزوة أحد رغم أنها كانت دون رغبته، ولكنه خرج إليها لأنها كانت ثمرة الشورى، والتي هي فرض على الحاكم وعلى المحكوم. وفي قوله تعالى في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59))، فأولي الأمر هنا هي مجموعة مكلّفة من الشعب وليس شخصا واحدا؛ سواء كان ملكا أم رئيسا أم غيره. فهذا يلغي الاستبداد والفردية في الحكم. وكان الرسول – صل الله عليه وسلم- شديد استشارة أصحابه بما يتعلق بأمور الدنيا. أما أمور الدين فكان يلتزم بها كما أنزل الله من أمرها بالوحي. ومن الدليل على ذلك قوله – صل الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما)، وقال أبو هريرة: "ما رأيت أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله – صل الله عليه وسلم-". حتى في وضع الولاة والأمراء وقادة الجيش، كان عليه الصلاة والسلام يستشير المسلمين في ذلك. وهذا ما ذكره كتاب (القائد الملهم) بضرورة مشاركة الناس في صنع القرار دون تحسيسهم أنهم مجرد أتباع ليتمكّن من الحصول على دعمهم ومساندتهم ونيل ثقتهم. واستمر الأخذ بالشورى من قبل الخلفاء من بعد الرسول – صل الله عليه وسلم-. ففي عهد أبي بكر كان إن أراد الحكم في مسألة ما، رجع أولا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فإن لم يجد مطلبه، سأل الناس عمن سمع أو شهد للرسول حكمه في مسألة مشابهة. فإن لم يجد، كان يجمع أخيار القوم ويستشيرهم. وبالشورى تمكّن عمر بن الخطاب من وضع الميادين والجيش النظامي بعد استشارة الصالحين من القوم. فكانت مجالس الشورى في عهد الخلفاء الراشدين فاعلة في تسيير أمور الناس لما فيه الخير لهم. فالشورى تبدأ باختيار الحاكم ولا يقتصر الأمر على ذلك، وإنما بمراقبته. فإن انحرف يجب دعوته بالحسنى، وإن رفض يجب عزله بمختلف الطرق وإن اقتضت الثورة. ج – العدل العدل هو معاملة الناس سواسية دون تفضيل فئة على أخرى. فيتم تقسيم الأموال بين الجميع بالعدل، ويُمنع بيع مصادر الماء والنار. فالمال هو لله وكله للناس. وحق لكل من يشعر بالظلم أن يحارب ذلك ولو بالسيف، ويحبّذ الإسلام الثورة حينها بقول الرسول – صل الله عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنك أنت ظالم فقد تودع منهم). والصراع بين الظلم والعدل أبدي، ولذلك يجب الثورة لمواجهة الظلم بقوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)) – الحج. كما نفّر الإسلام الظلم ببيان عقوبته الشديدة في الآخرة، بقول الرسول—صل الله عليه وسلم-: ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما؛ طُوقّه إلى سبع أرضين). وشمل الله تعالى أشكال العدل بقوله جلّ وعلا: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)) – الأنعام. د –العلمإن أول آية نزلت على سيدنا محمد – صل الله عليه وسلم- هي اقرأ، وأقسم الله تعالى بالقلم، مما يبيّن شأن العلم والتعلم الكبير في الإسلام وخاصة لمن يملك زمام أمرها. فالأئمة التي تحكم الأمة يجب أن تكون من العلماء. وفي ذلك قال عمر بن الخطاب (تفقهوا قبل أن تسودوا)، و(لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم). وبيّن الرسول – صل الله عليه وسلم- أهمية أن يكون الحكم للعلماء بقوله: (مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة). وبالعلم تتحقق الحياة، وبه استحق الإنسان شرف الخلافة بقوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) – البقرة. ويتفوّق العلم على الذكر. ذلك أن مرّ الرسول – صل الله عليه وسلم- بمجلسين في مسجده أولهما مجلسا للذكر والثاني للعلم، فجلس الرسول مع أهل العلم. كما أوجب طلب العلم بقوله – صل الله عليه وسلم-: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). ويرتبط العلم بالحرية الفكرية. فالإسلام الدين الوحيد الذي يدعو إلى التأمل والتفكّر لتحقيق الإيمان. قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)) – فاطر. وكان كثير من العلماء قد أسلموا بعد اكتشافهم آيات الله في مجال تخصصاتهم المختلفة، كعلماء الفلك والطب. وهناك من الآيات القرانية التي تخاطب العلماء دون غيرهم، منها: 1. (كذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)) – الأعراف. 2. (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ (43))- العنكبوت 3. (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)) – الروم. 4. (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)) – الأنعام. ھ – الإصلاحجعل الإسلام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية وليست فرض عين. وبيّن أن التنازل عنه سيكون سببا في هلاك الأمة بقوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)) – المائدة. وبيّن الرسول—صل الله عليه وسلم - أن تركها سببا للعذاب. والذي يتمثّل في: عدم استجابة الله للدعاء، وضرب الناس بعضهم ببعض، بقوله: (لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله بعضكم ببعض، ثم تدعون فلا يستجاب لكم). ويتم اتباع السلم في تحقيق الإصلاح وإلا الثورة! وفي ذلك رخصة، بقول الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)) – الحج. و- المعارضةيخلط الكثير من الناس بين بين بيعة الدين والبيعة السياسة. فالأولى هي بيعة الرسول—صل الله عليه وسلم— والتي يجب الانصياع لها. أما البيعة السياسية فجائز معارضتها. والدليل ما حدث بعد موت الرسول عندما اجتمعت الأنصار على تنصيب سعد بن عبادة خليفة له. وعندما فشل في تحقيق ذلك، عمل على معارضة كل من أبي بكر وعمر من بعده. ولم يجبره احد على البيعة لهما. وهذا نموذج آخر للحرية، حرية الرأي التي كفلها الإسلام للناس. ومن الأدلة الأخرى على حق المعارضة في الإسلام: الشورى. إذ كان صحابة الرسول يحرصون على التمييز بين الأمور الدينية والسياسية ليتمكنوا من مناقشة الأخيرة، وذلك بسؤالهم له: (أهو الوحي أم الرأي والمشورة؟). فالمسلم له حق معارضة الحكم وليس لأحد أن يفرض عليه الموافقة والإذعان له. فالمعارضة جائزة في الإسلام. و يجب أن تكون فاعلة حين يصبح الحاكم ظالما؛ وذلك بالعمل على عزله. كما ويجيز الإسلام المعارضة المنظمة. و لا يملك أي حزب إلغاء شرعية الآخر. فمثلا، كانت هناك معارضة ضد بني أمية الذين استحوذوا الحكم، وذات الشيء المرأة التي قدمت من حزب النساء للرسول تسأله ذات الأجر مع الجهاديين من الرجال، والحزب الذي كان بين زوجاته. فالحزب المنظم مشروع في الإسلام، وليس كما يحاول بعض علماء السوء تحريمه بالتعليل أنه ذاته الذي ذكره الله تعالى عن الأحزاب، فتلك كانت حول أحزاب الكفر المعارضة للدين، لا أحزاب الإدارة والسياسة.ثانيا – علماء السوءيعمل علماء السوء الذين وصفهم الكاتب بـ (وعّاظ الملوك والأمراء) على تشويه أحكام الإسلام لتحريم حقوق الأفراد. مثل تحريم الشورى، ووجوب الصبرعلى ظلم الحاكم وطاعته بشكل مطلق وبكل الأحوال. فيشكره المسلم إن عدل، ويصبر عليه إن ظَلَم، محاولين بذلك خداع المسلمين لمنعهم من الثورة وعزل الحاكم الظالم. وفي تحقيق في ذلك، يتبّعون أسلوب الخلط بين السّنة التشريعية وغير التشريعية. ولذلك أوصى الكاتب بمصدرين من شأنهما توضيح ذلك لأي مسلم: الأول - كتاب الإمام القرافي باسم (الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام). وفيه بيّن الاقتداء بمبدأ الرسول في الحكم، وليس اتّباعه حرفيا لاختلاف الظروف والبيّنات. الثاني—كتاب ولي الله الدهلوي باسم (حجة الله البالغة). وفيه قسّم السنة النبوية إلى قسمين: تبليغ الرسالة وآخر يختص بما لا يتعلّق بتبليغ الرسالة. كحادثة النخلة وفيها قال الرسول—صل الله عليه وسلم- : (وما كان من أمر دنيكم فأنتم أعلم به).ثالثا- دحض حجج علماء السوءيلجأ علماء السوء على التركيز على سياق ما ليُساء فهم الحديث ليقبل الناس بجور الحاكم وأكل مالهم. ومن الأمثلة التي يلجأوون إليها ما يلي: أولا - الاستناد إلى صحيح مسلم بكتابه الإمارة. وفيه باب طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق، وباب عن الأمر بالصبر عن ظلم الولاة واستئثارهم. إلا أنهم أهملوا باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية في ذات الكتاب. فعندما يصبح الحاكم ظالما مستبدا يجب الخروج عن طاعته. وذلك لأنه عصى شرع الله الذي أمره بالعدل، بقوله جلّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)) – النساء. ثانيا— الاستدلال بما رواه أبي هريرة عن الرسول محمد—صل الله عليه وسلم-: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله)، وأيضا (ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقط عصاني). فالمقصود في المقولة الأولى هو طاعة الرسول نفسه. أمّا الثانية فهي الأمير الذي حدده الرسول قائدا للجيش. وليس مطلقا لأي حاكم في أي زمان. ثالثا— في محاولة لإقناع المسلمين على الصبر على ظلم الإمام، يعمل علماء السوء على ترديد قول الرسول—صل الله عليه وسلم-: (من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فمييته جاهلية). فالمقصود هنا الصبر على ما يكرهه الإنسان في أميره. تماما كما فعل سعد بن عبادة في كراهية إمامة أبي بكر وعمر بن الخطاب. وليس الصبر على مخالفة الحاكم لأحكام الشريعة الإسلامية. كما أنّ الخروج عن الجماعة هنا تعني الخروج عن دين الحق وليس طاعة الظالمين. وفي نفس السياق، يستندون إلى قول أبي ذر: (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف)، وإهمال وصية الرسول الكريم في حجة الوداع: (لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فأسمعوا له وأطيعوا) فالسمع والطاعة يكون واجبا عندما يحكم الحاكم بشريعة الإسلام. رابعا— الخلط بين البيعة الدينية وتلك السياسية. فبيعة الرسول—صل الله عليه وسلم—هي بيعة اتباع الدين. فأية أحاديث له حول البيعة كانت دينية وليست سياسية. بالنهاية، كل حكم فيه العدل والحق هو شرع الله الذي يجب اتباعه. ويجب عدم حصر ذلك داخل جدران المساجد وقاعات المحاضرات. وإنما تفعيلها بثورة ضد الظلم للتنعّم بثمرة العدل كما حصل في ثورات أوروبا وأمريكا. رابعا – نماذج إسلاميةفي هذه النماذج أمثلة على دستور الدولة والعقد السياسي والاجتماعي بين الحاكم والمحكومين، وتشريع القانون وآداب القضاء، وتحديد فلسفة المال، وصياغة الفكر الاجتماعي الإسلامي، والموقف من الثورة في سبيل تحقيق التغيير، والشورى. وأهم ما تبينه بعض من هذه النماذج أن الثورة دوما تكون لرد الحكم لله وكتابه ولسنة رسوله، ولإعادة الأموال للخزينة وتفعيل الشورى، وإعطاء المساكين حقوقهم من الأغنياء. وفيما يلي هذه النماذج: أ. الدستوروهو الذي يتمثّل بكتاب الرسول محمد – صل الله عليه وسلم- في السنة الهجرية الأولى. وفيه بيّن شكل العلاقات بين الأفراد ونظام الحكم في الدولة. فأصبحت القبائل العربية بهذا الدستور لبنات في الدولة الإسلامية. وفيه تتحقق نصرة المظلوم والتكافل الاجتماعي والمساواة القانونية؛ فليس هناك طبقية من أي نوع كانت، وإنما تساو في المعاش والأموال. والناس سواسية سواء كانوا من سكان المدينة أو من أحلافهم أو من العرب أو اليهود، أو حتى المنافقين ممن أظهروا الإسلام. فيهود بني عوف وغيرهم تساووا في المواطنة والحقوق والواجبات مع المسلمين. وبذلك أقرّ هذا الدستور التمايز الديني لكن مع أن تكون القيادة للمسلمين فقط. ولم يمنح هذا الدستور أية حماية لأي ظالم أو آثم. ومرجع الحكم فيه هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ب. خطبة الوداعفي حجّته بالسنة الهجرية العاشرة، شعر الرسول – صل الله عليه وسلم- باقتراب أجله واكتمال رسالته. فخطب بالمسلمين خطبته الأخيرة، وفيها تكلّم عن أخوة المؤمنين والمساواة بينهم. فربهم واحد وكلهم من آدم، وآدم من تراب. وأكرمهم عند الله أتقاهم، وليس بماله وبحسبه وبنسبه. وأعلن الثورة على كل ما هو جاهلي وظلم كالربا والقتل والمآثر والنسيء. وبيّن أهمية القدوة في الإمام، وأن عليه البدء بإصلاح نفسه. كما بيّن مساواة النساء بالرجال في الحقوق والواجبات مع التوصية بالخير لهن. وذكر أن كل المبادئ والفلسفة في القرآن وسنته صالحة لكل زمان ومكان بقوله– صل الله عليه وسلم-: (إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه). ج. خطبة أبي بكر بعد البيعةفي السنة الحادية عشرة هجرية، خطب أبي بكر بالناس بعد بيعته خليفة للرسول محمد – صل الله عليه وسلّم-. وفيها ذكّر الناس بفناء الدنيا، وأنّ عليهم تقوى الله، والعبرة من الجبابرة الذين ماتوا وتركوا مساكنهم خلفا لمن بعدهم. ثم بيّن أن الحكم مسؤولية كبيرة وحرص على التوضيح أنه ليس كالرسول معصوما من الخطأ؛ فطلب من الناس تصويبه إن أخطأ، وطاعته طالما أنه في طاعة الله، وغير ذلك فليس عليهم طاعته. وبيّن ضرورة الجهاد لكسر شوكة الأعداء وللتحرر من الاستبداد والظلم. بقوله: (لا يدع قوم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل). ودعاهم إلى التوبة لمنع انتشار الفاحشة جالبة البلاء. د. وثيقة العدل من عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعريوضّح عمر بن الخطاب للأشعري في هذه الوثيقة معنى الحكم بالعدل. وطلب منه ألا يضجر من الحق في أي وقت. وأن يعطي للغائب مهلة لجلب البينة قبل تنفيذ القضاء، وألا يقبل شهادة من تم فيه الحد كقاذف المحصنات وشارب الخمر وممن كانت لديه شهادة سابقة بالزور وغيرهم ممن فسقت شهادته. وأن يصلح بين الناس إلا بما يحرم حلالا أو يحلل حراما، وأن يقيس الأمور، وأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. وأن يحتكم إلى كتاب الله ورسوله قبل عقله. وأن يتم وضع التشريعات موضع التطبيق بقوله: (إنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له). وأن يكون عادلا حتى بتعابير وجهه للمتخاصمين والمساواة بينهم في المعاملة فلا يحبّذ أحدهما على الآخر. ھ. كتاب علي بن أبي طالب إلى الأشتر النخعيكتب علي بن أبي طالب هذا الكتاب إلى الأشتر النخعي عندما ولاه على مصر. ويعدّ هذا الكتاب من أغنى الوثائق الاجتماعية والسياسية والإدارية التي تعكس الفكر العبقري في السياسة والإدارة للإمام علي. وفيه بيّن وجوب المساواة بين الرعيّة دون تمايز بينهم لاختلاف دينهم بقوله: (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). ثم وضّح ضرورة تدخل الدولة لنصرة المظلوم، والاهتمام بشؤون الفلاحين والتجار ومنعهم من الاحتكار، وعدم اختيار رجال الدولة دون اختبار لهم. إضافة إلى عدم كشف عيوب الناس، والحكم استنادا لظاهر الأشياء. ثم دعاه إلى كثرة مجالسة العلماء والحكماء لإصلاح أمور البلاد، وأن يسبغ على العاملين بالأرزاق بقوله: (فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك). ثم وجهه إلى الاهتمام بعمارة الأرض وليس فقط استجلاب الخراج. كونه لن يكون هناك أي خراج دون عمارة، وسيخرب البلاد. ودعاه إلى التخفيف من أمر الناس عند البلاء والكوارث الطبيعية. والاهتمام بأهل البؤس والمساكين وأن يكون لهم قسم من بيت مال المسلمين والغلات. إضافة إلى الاهتمام بالأيتام، والتواضع والجلوس مع الناس والتفرّغ ليكون معهم دون حراس وجنود. واقتبس من الرسول محمد – صل الله عليه وسلم قوله-: (لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع). ثم ذكر الكاتب فلسفة عمر بن عبد العزيز في إدارة الأموال والتي فيها عمل على إعادة الأموال التي تم سلبها ظلما إلى بيت مال المسلمين. وبيّن ثورة زيد بن علي على بني أمية لاستئثارهم الحكم وجعله وراثيا. ومن العصر الحديث، ذكر الكاتب إصدار مجلس الشرع في مصر وثيقة حقوق ثورية عام 1805 ضد الوالي العثماني خورشيد باشا. وفيها تمكنوا من عزله وتنصيب محمد علي باشا بدلا منه، على أن يحكم بشرع الله وعدم اتخاذ أي قرارات دون شورى مع مراقبته وعزله إن عصى الأمة. بقلم إشراق كمال عرفة
تمهيـــد تم نشر الطبعة الأولى من هذا الكتاب في عام 1974. ولم تدرك الكاتبة أنه سيصبح من أفضل المبيعات وطنيا كونها ماتت في التسعينات من القرن الماضي. فبالرغم من وجود الكثير من الكتب حول حياة جيفيرسون، إلا أنه تميّز بذكر أمور جديدة عنه؛ كعلاقاته مع النساء. إذ سلطت الكاتبة الضوء على علاقة جيفرسون مع خادمته الإفريقية سالي هيمنغز المثيرة للجدل. فالرجل ليس بملائكي أو شيطاني وإنما شخص متميز. أما السبب الثاني لنجاح هذا العمل فهو تميّز أسلوب الكاتبة في سرد أحداث حياته. والسبب الثالث هو تخصصها في كتابة السير الذاتية، وتأثرها بنظرية علم النفس. فكان أن حللت شخصية جيفرسون بأبعادها النفسية المختلفة. أما السبب الرابع والأخير، فهو تميّز العمل من ناحية الإبداع والتحرّي والدقة والصدق في كشف الحقائق والمعلومات. شخصيته توماس جفرسون شخصية محبوبة ولطيفة. وكان شديد الذكاء ومحبا للمعرفة. طوّر نفسه من خلال قراءة الكثير من الكتب. وشغف في الكتابة والبحث والتقصي عن المعلومات. كما أنه دقيق ويراعي تسجيل التفاصيل. تماما كما فعل بما يتعلق في كتابه المزرعة The Farm Book. وفيه ذكر أسماء عبيده وأعياد ميلادهم، إضافة إلى مواسم الخضراوات والفاكهة؛ متى تبدأ ومتى تنتهي. كان اجتماعيا ولباسه جيد وعنده نهم للكتب. أنشأ مكتبة مشابهة لتلك الخاصة بالكونغرس. ولم يكن متحدّثا جيدا. إذ كان صوته منخفض في الخطابات على خلاف عبقريته في الكتابة والتي ظهرت بكتابته لإعلان الاستقلال الأمريكي. عانى من مشكلة القوة والسيطرة كونه تحمّل مسؤولية بيت العائلة دون حق في اتخاذ القرارات لصغره. ولم يملك من يساعده من الأصدقاء والأوصياء لتوجيهه. وفي رسالة إلى أحد أحفاده، أفاد جيفرسون خطورة ترك الأطفال دون أي توجيه وإرشاد. تمكّن من تجنّب المشاكل والانحرافات في صغره لملاحظته القوية ولذكائه. فقد كان يراقب الّلاهين ويتفكّر فيما يريد أن يصبح؛ لاه أم بطلا. كوّن لاحقا مجموعة من الأصدقاء الأقوياء والتي أصبحت فاعلة عندما وصل إلى عمر 27 عاما، مما ساعده على بناء شخصية مميّزة. نذكر منهم أستاذ الفلسفة الطبيعية وليم سمول في كلية وليم وماري، وأستاذ القانون وصديقه جورج ويث، وبيتون راندولف الناشط في السياسات الثورية. مما يبين أهمية الصحبة الصالحة التي أوصى بها الرسول الكريم – صل الله عليه وسلم-. ميوله السياسية انتمى جيفرسون للحزب الجمهوري الديمقراطي، ومقت مبادئ ألكساندر هاميلتون المسؤول عن الحزب الفيدرالي. فقد رأى أن في النظام المالي الذي وضعه في عهد جورج واشنطن انهيار الدولة. والديه والده هو بيتر جيفرسون، وهو من أصل بريطاني من سنودون. كان رجلا ضخما وذو قوة كبيرة. انتقل والده إلى فيرجينا وكان ثريا لعمله في تجارة العبيد حينها، فكان يملك مئات العبيد وتمكّن من دفع مهر أمه البالغ 200 جنيه. علّم جيفرسون ركوب الخيل عندما كان في عمر العشر سنوات. وكان لا يحب استخدام القوة حتى مع عبيده الذي كان منتشرا حينها ضربهم بالسوط. ومنه تعلّم جيفرسون حسن معاملة الآخرين. وأحضر بيتر معلما لأطفاله، إلّا أنّه فضّل تعليم جيفرسون بنفسه عن بقية إخوته لما رأى فيه من تميّز عنهم منذ صغره. وأوصى باعطائه أدوات الحساب الخاصة به بعد موته، إضافة إلى مكتبته وجميع كتبه. أما البيت فكان من نصيب والدة جيفرسون بحسب وصية والده. وبالرغم من عدم ذكر جيفرسون للميول السياسة لأبيه، إلّا أنّه كان ديمقراطيا وناشطا وصديقا للهنود الحمر. وكان يرسم الخرائط. فقد تمكن والده مع جوشوا فراي من رسم خريطة لفيرجينيا وأجزاء من بينسلفانيا وكارولاينا الشمالية ونيوجيرسي والتي تم اعتمادها رسميا لسنوات، ثم تم نشرها في لندن عام 1751. فتعلّم من والده ذلك، ورسم بنفسه خريطة فيرجينيا. وعند موت والده، ترك له مسؤولية رعاية أمه وخمسة بنات وأخ واحد. كونه كان الأكبر حينها. أما أمه فهي جاين راندولف. واسم أبيها إيشام راندولف. إنجليزية الأصل من لندن، ولدت عام 1720. وهي البكر من بين 11 ولدا. تزوجت والده عندما كانت 19 عاما. ولم يذكرها جيفرسون بشكل كاف في رسائله لتتبين طبيعة علاقته معها كغيره من الرؤوساء. وعلل هنري راندال أحد المؤرخين أن سبب ذلك هو خجله الذي منعه من ذكر النساء في عائلته بكتاباته. إلا أنه كان يكنّ لها الحب والاحترام. وبيّنت الأخبار الأخرى عنها أنها كانت مسالمة ولطيفة المعشر ومضيافة. وتقول إحدى التعليلات أن سبب عدم ذكرها بشكل كاف في كتابات جيفرسون هو تلفها في الحريق الذي شب في منزلها في شادويل عام 1770، والذي أتلف أيضا كافة الكتب والرسائل في ذلك الوقت. إلا أن ذلك غير مؤكذ كونها عاشت بعد ذلك 6 سنوات وكان يعيش وقتها في ويليمزبيرغ في فيلادلفيا، ولم يظهر لها أي أثر في كتاباته في تلك الفترة. وعلل البعض الآخر إلى أن سبب اختفاءها من كتاباته هو عدم وجود أي تأثير لها عليه. إلا أن الكاتبة ترى عكس ذلك تماما. فهناك أثر كبير لأمه على حياته كحال جميع الأمهات على أبنائهم. وكان أن ذكرها مرتين فقط في كتاباته: الأولى عندما أرسل لعمه ويليام راندولف في إنجلترا خبر وفاتها، وعندما وصف لصديقه جون الحريق الذي دمر منزلها. وفي خبر الحريق وصف أيضا خسارة كتبه ورسائله وملاحظاته. توفيت والدته بعد 6 سنوات من واقعة الحريق وبعمر 57 عاما في مارس، وكان هو حينها في الـ 33 من العمر. وهي الفترة التي بدأت تنتابه أوجاع في الرأس. كما وكان قد بدأ ببناء منزله في مونتيسلو الذي أنهاه في عامين. وبعد أن توفيت والدته، ترك جيفرسون العمل في السياسات الثورية، وتوقف عن أداء مهامه في المؤتمر القاري حتى ثلاثة أشهر. ويعلل البعض سبب ذلك إلى معارضة والدته لنشاطه السياسي. طفولته في عمر السنتين، انتقل جيفرسون مع والديه وباقي أشقائه للعيش في توكاهو سنة 1745. وذلك بناء على وصية صديق والده ويليام راندولف. إذ توفيت زوجته وتركت له ابنتين وولد. وكان مريضا، فطلب من والد جيفرسون في حال موته أن يجمع أبنائه مع عائلته. ووافق والد جيفرسون على ذلك. عانى جيفرسون في العيش مع أولاد صديق والده. إذ كان يتعرض للتنمّر كونهم أكبر منه. عاشر العبيد السود. وأنشا منهم صداقات من كلا الجنسين. وشهد إعدام إحدى الخادمات السود حرقا لاتهامها بتسميم سيدها. وأدرك جيفرسون سيطرة العرق الأبيض ونفوذه على العرق الأسود حتى وإن كان طفلا. فشعر بالتمييز بين اللونين. كما شعر بالعنصرية ضدهم في منعهم من التعلّم في المدرسة. فكره أن يدرس بينما أصدقائه العبيد لا يدرسون. وهذا ما جعله يدرك لاحقا أهمية مساواة التعليم لهم. إذ نادى بالتعليم المجاني للشباب من السود حتى عمر 21 وللبنات حتى سن 18. إضافة إلى تحررهم وعيشهم في مستعمرات خاصة مع إمدادهم بوسائل العيش المطلوبة ليتمكنوا من العيش بكرامة. دراسته عندما صار في عمر 9 سنوات ترك توكاهو. واشترى أبيه اسطبلا ومزارع للتبغ والكثير من العبيد، وأدخله كنيسة دوفر التي تبعد 5 أميال عن توكاهو. وفيها تعلّم اللاتينية واليونانية والفرنسية..وقضى فيها 5 سنوات. وفي هذه الفترة لم تظهر أي رسائل بينه وبين أهله. إما بسبب تلفها في الحريق الذي شب بمنزل والدته أو عمدا تم التخلص منها. وفي الكنيسة شغف باللغة اليونانية وأتقنها. وقرأ تاريخ اليونان وكان معجبا بالقصص الكلاسيكية ومتأثرا بها؛ مثل قصة جايسون والمغامرون. والتي منها أطلق اسم (أدوناس) في وصف قادة الثورة، و(أرغو) رمزا للأمة. ثم انتقل إلى مدرسة فيدريكس فيل. وفيها كان يقضي خمسة أيام أسبوعيا. وفي عمر 19، تمكن من بناء قارب للإبحار على نهر فيرجينيا. واستخدمه في رحلته العلاجية إلى إنديابولس في فيلادلفيا ونيويورك للعلاج من مرض الجدري. ومن الأساتذة ممن تأثر بهم في كلية وليام وماري، بروفيسور الحساب ويليام سمول اسكتلندي المنشأ. وذكر أنه عالم في العلوم والحساب، ويملك القدرة على التواصل مع الآخرين. إضافة إلى أنه ذو أخلاق عالية. وكان يجتمع معه خارج أوقات الدراسة. ومنه طوّر نظرته في العلوم. وأطلق عليه الأب الأول. أما الأب الثاني، فهو جورج ويث؛ أستاذ القانون ومعلمه وصديقه مدى الحياة. وهو محام مرموق في فيرجينيا، وافق على تعليم جيفرسون رغم أنه كان فقط 19 عاما في حينها. وكان كل من سمول وويث من جامعي الكتب. وامتلك جيفرسون كُتيّب صغير، سجّل فيه الأقوال والحكم المأثورة. وهذا ما عكسه كتاب (القيادي الملهم) حول أهمية أن يملك القيادي معرفة واسعة وبشكل أكبر من الآخرين. وكان جيفرسون يدرس ويقرأ بكثرة في القانون والكلاسيكيات القديمة والفلسفة السياسية العامة والأدب الإنجليزي. وكان يحب الموسيقى والغناء. وجلب فرانسيس البيرتموس، الموسيقية الإيطالية لتزيد مهارته في العزف على الكمان. مهنته زاول جيفرسون مهنة المحاماة رغم كراهيته لها. وبعد سبعة سنوات من مزاولتها والترافع في 941 قضية، تركها لممارسة السياسة. وكان متحمسا وسعيدا بذلك. واستمر في القراءة والاهتمام في الموسيقى وفي زراعة حديقة منزله. موقفه من الكنيسة عاش جيفرسون في بداية حياته مع جيمس موراي وهو قس من أصول ملوكية فرنسية. وكان يؤمن باستناد النظام السياسي على الإنجيل. وعارضه جيفرسون في ذلك. فعندما نشط سياسيا، كان من ضمن أهدافه القضاء على تلك الكنيسة وتحويلها إلى مدرسة عصرية تُدرّس العلوم والحساب. إضافة إلى منعها من التدخل في السياسة، والفصل التام بين الدين والدولة. حياته مع النساء يهوى جيفرسون المرأة اللطيفة الأنثوية. وظهر ذلك في رسالته لابنته مارثا عندما تزوجت. وفيها قال أن عليها تسخير نفسها لإسعاد زوجها، الرجل الوحيد في حياتها، وتبقى باقي الأمور ثانوية حتى والديها. كما أنه كان يرفض أن يرى المرأة تشتغل في السياسة كونه ليس من شأنها، وذلك برسالة عندما كان في فرنسا وقت الثورة الفرنسية. وقع في الحب مرات قليلة. وكان أول حب له عام 1762 عندما كان في عمر 19 وكانت هي يتيمة بعمر 16. وكان يراسل صديقه بيج عنها باسم مستعار. واسمها الحقيقي ربيكا بورويل. وتأثر بها جدا بحيث كتب لصديقه أنه قلق من حبه لها لما فيه من تأثير على عقله وتشويش لفكره. راقصها في إحدى الحفلات، ولكنه كان خجولا معها، حتى أنه لم يعرف كيف يراقصها. ثم طلب من صديقه التواسط له لدى عمها للتمهيد لموضوع الزواج منها. ويظهر أن والدته لم ترغب بها زوجة، لذلك طلبت منه الإبحار بها إلى انجلترا في رحلة لمدة شهرين على متن قاربه الذي أسماه ربيكا. ويظن البعض أن رحلته كانت حجّة للتهرّب من العلاقة فخسرها. وقال آخرون أنه لم يكن جذابا حينها، فتزوجت غيره من عائلة آمبر، وأنجبت منه ابنتان. إحداهما كتبت رسالة استهزاء به، والأخرى تزوجت جورج مارشال الذي أصبح من ألد أعداءه السياسيين. وبعد غدر حبيبته كره النساء. ثم تزوج مارثا ويلز سكيلتون عام 1770 التي وقع في حبها، وكانت مغنية وأرملة صديقه باث سكيلتون. والذي دام زواجها منه 22 شهر، وكان لها ولد منه. وتم وصفها بأنها جميلة وبشعر أحمر رملي، وطويلة القامة، وعيناها لوزيتان. وكانت حسنة التعامل مع الجميع ومع العبيد. وكانت مهتمة بشؤون المنزل. وكان جيفرسون زوجا محبا ومخلصا لها. بعد أن ماتت زوجته لم يتزوج جيفرسون مرة أخرى. ولكنه وقع في حب ماري كوسويل وهي بريطانية إيطالية متزوجة. ولم يدرك المؤرخون إن كان إعجابا أو تطوّر لعلاقة. ولم ترتكب معه الزنا لالتزامها الديني. وتمكّنت لاحقا من بناء مدرسة للراهبات في إيطاليا بعد موت زوجها. وأبقى جيفرسون على الرسائل المتبادلة بينهما رغبة منه في تخليد التاريخ لعلاقتهما. وكتب لها رسائل غرامية مشهورة باسم My Head and My Heart. وفيها حوار بين عقله وقلبه أي ماريا، وكان يرسلها عبر وسيط هو جون تومبل لشكه بقراءة مكتب البريد رسائله، ولحمايتها من زوجها. وانتهت علاقته معها في ديسمبر 1787 لأنها كانت متشوشة من هذه العلاقة وغير راغبة في ارضاءه. إلا أنهما تراسلا بين الحين والآخر بعد ذلك. ثم أقام جيفرسون علاقة مع خادمته السوداء سالي هيمنغز عندما كان في فرنسا. وهي الأخت غير الشقيقة لزوجته. فأمها هي بيتي هيمنغز عشيقة جون ويلز والد زوجته. وعندما مات أوصى بعبيده لابنته مارثا، ومنهم كانت بيتي وابنتها سالي. وكانت هذه العلاقة محرّمة. كونها في زمن لا يسمح فيه الاختلاط بين السود والبيض. وأنجب منها أربعة أبناء. بيته طمح جيفرسون إلى الكمال عند بناء منزله في مونتيسلو. وكان مفتونا بالتفاصيل لدرجة انه أعاد بنائه. وكان قطعة من الفن الأصيل. وزرع في حديقته مختلف أنواع الفاكهة. وأحضر حيوانات برية كالغزلان. وهو الآن من أبرز المعالم السياحية في فيرجينيا. العبيد عارض جيفرسون الاتجار بالعبيد. وكان معروف عنه معاملته الحسنة لهم. وفي عام 1769 بدأ بمشروع لتحريرهم، وهو أول قانون تشريعي وضعه في عمر 24 عاما. إلّا أنّه تم رفضه. وكان قانون فيرجينيا يمنع تحرير العبيد وقتها إلا بحالة أمر من المحكمة. فكان رأي جيفرسون أن هذا الحق يجب أن يُمنح للمالك ولسكّان فيرجينيا. وكان قد رافع في قضية تخص ابنة عبدة سوداء من رجل أبيض لتكون حرّة، معللا أن الجميع يولدون أحرارا. وهي الجملة ذاتها التي ظهرت في وثيقة الاستقلال. والتي كان أن ذكرها الخليفة الخطّاب رضي الله عنه بقرون. حالته الإقتصادية كان جيفرسون غنيا بعد وفاة والده. فقد ورث عنه 135 عبدا و11 ألف هكتارا، إضافة إلى ما كان يملكه بداية من 5 آلاف هكتارا و50 عبدا. وكان أن باع نصف الـ 11 ألف هكتار ليسدد ديون زوجته التي كانت وقتها أكثر من ثلاثة آلاف باوند. واضطر إلى أن يسددهم مرتين، لأن مكتب أراضي فيرجينيا رفض العملة البريطانية، فاضطر إلى الدفع بالعملة الأمريكية. وبدأت تتردى حالته المالية بعد تبذيره على منزله من ناحية، ومن ناحية أخرى لصرفه أكثر من راتبه. فقد كان حريصا على أن تكون قائمة طعامه من أشهى المأكولات الفرنسية الفاخرة، إضافة إلى خمر مسقط الفرنسي. كما عمل على شراء أثاث منزله من فرنسا وشحنه إلى منزله في مونتيسلو. وكان متأملا بتحسين حاله عند بيعه لأرض التبغ. وبعد تقاعده من وزارة الخارجية، قرر بناء مصنعا لانتاج ما يساوي 10 آلاف مسمارا في اليوم. إلّا أنّ إنجلترا دمّرت عمله ببضائعها الرخيصة. ثم عمل على زراعة 10 آلاف هكتارا. ولكنه لم يعرف كيف يحمي أشجاره من المطر الغزير. فكان أن غرقت أشجار البرتقال والزيتون التي أحضرهما من اإيطاليا، إضافة إلى غرق حقول السكر. ومما زاد من ديونه هو رعايته لابنته مارثا وولديها بسبب مرض زوجها النفسي. وتضاعفت ديونه بسبب الفوائد. وعند تقاعده من رئاسة البلاد، باع مكتبته الخاصة بما يساوي 25 ألف دولار،أي بنصف قيمتها لتسديد ديونه وعاد لشراء الكتب كونه لم يتمكّن من العيش من دونها. ولم يرد بيع عبيده للمساهمة في تخفيف الديون لتعلّقه الشديد بهم. وكان يزوره الكثير من الزوار في منزله بعد التقاعد. وكان يحرص على إطعامهم، مما زاد من المصاريف التي كان يرفض أن يقللها فيما يتعلق بالطعام والنبيذ. كما ورّط نفسه في توقيعه على وكالة لقرض حفيده من ابنته مارثا، بمبلغ 20 ألف دولار. فكان مسؤولا عن تسديده بعد موت حفيده. كما سادت حالة من الذعر الاقتصادي والتي بسببها تم إغلاق بنوك فيرجينا، مما زاد من سوء حالته الاقصادية. وكان هناك تهكّم من العامة حول قدرته على تقليل الدين العام للدولة في فترة رئاسته دون دينه الشخصي. وهناك من الديون التي رفض دفعها، وأخرى لم يرى بضرورة سدادها. إلا أنه كان يسدد المبالغ المالية التي كان يقترضها من صديقه ماديسون. وفشل في تسديد ديونه قبل وفاته. وحرّر فقط خمسة من عبيده؛ كلهم من عائلة هيمنغز. وأبقى على الآخرين لترثهم ابنته مارثا بعد مماته. دوره في الثورة كان من المستغرب لرجل عاش في أرستقراطية التفكير في الثورة ضد الإنجليز. بدأ الثورة بعمر 22 سنة عندما سمع باتريك هنري يعارض قانون الطوابع الإنجليزي الذي يفرض ضريبة جديدة في مستعمراتها بأمريكا على الصحف والوثائق الاقتصادية والقانونية. مما زاد من حنق الأمريكيين، وعملوا على مقاطعة البضائع البريطانية من العبيد والمشروب. ووصفت مذكرات جون أدامز واقعة حزب شاي بوسطن الأمريكي. والتي فيها قامت مجموعة من الأمريكيين بإلقاء الشاي من على السفن الإنجليزية في البحر كنوع من التمرد عام 1773. وكانت أن أثّرت هذه الواقعة على جيفرسون. فدعا إلى يوم للصلاة والصوم. وعمل على تحضير الوثيقة الثورية عام 1774. وبذلك بدأت شرارة الثورة، وانتشرت إلى باقي المستعمرات في أمريكا. وأكثرها كانت في كارولانيا كون الحرية لهم مطلبا وليست رغبة. وفي الثورة، رافق جيفرسون أقربائه، مثل بيتون راندولف معلمه وابن الخال الأول لأمه، وريتشارد بلاند. واتفق مع كل من جون ديكنسون وجوزيف ديكسي على أن البريطانيين بهذه الضرائب تستعبد الأمريكيين. وهذا ما أثار الانتقاد حول كيفية التكلّم عن الاستعباد وهم أنفسهم يستعبدون السود. فكان الرد أن الحكم البريطاني هو الذي يجعلهم يستعبدونهم. وأعلن جيفرسون رغبته بتحريرعبيده بعد الاستقلال. وهو الوقت الذي سيتحرر فيه من الملك جورج الثالث. بدأ جيفرسون في القراءة والنسخ لأجزاء عن الحكومة في كتاب خاص. مثل أبراهام ستانيانز. ومن كتاب تاريخ اليونان أخذ نماذج عن المعسكرات اليونانية التي ثارت، ومن الاستكتلدنية لورد كايمو. ووجّهه كتاب لوك إلى نظرية الحقوق الطبيعية. وقرأ في عام 1759 أعمال خاصة بالتنوير. وبذلك أصبح موسوعة في التاريخ بما يتعلق بالنظام الفيدرالي. كما درس نظام الحكومة في كل من السويد وبولندا والدنمارك، وبيّن أن الاستعباد يأتي برضى الشعب والسماح للملك بذلك. وشعر جيفرسون بسوء معاملة الإنجليز لهم وكأنهم عبيد. فالأمريكيون الآن أقوى من ذي قبل. وذلك برسالة إلى لجين بابسي الرئيس الهندي بكسكسكيا. واتفقوا في جمعية فيرجينيا على توقيع وثيقة تبين أن البرلمان يجعل الشعب الحر السعيد خدما وتعساء. وفي عام 1774 حضر وثيقة ثورية اسم Summery View of the Rights of British America للمجلس الاقليمي كمبادرة من نفسه. وأثار سؤالا ثوريا: هل لجزيرة أن تحكم قارة؟ وفي هذه الوثيقة طلب ان يتم حذف اسم الملك جورج الثالث من الدستور، وعدم منحه أي حق على الأراضي الأمريكية والتصرف فيها كيفما يشاء، إضافة إلى منعه من نشر الجنود عل السواحل الأمريكية، وعدم التدخل لحل الخلافات الداخلية. وأرسل نسختين إلى باترك هينري وبيترون راندولوف الذي أخذها بعين الاعتبار على خلاف الأول. ووصلت نسخة إلى بريطانيا وفيها كان اسمه واسم جون أدامز وجون وصامويل وجون هانكوك. وتم طلب تنفيذ عقوبة الخيانة عليهم بحسب قانون الملك في 1775. وهي تعليقهم وفتح بطونهم وتقطيعهم إلى قطع ترسل للملك ليتخلص منهم كيفما يشاء. وفي كنيسة القديسة جونز في ريتشموند. ألقى المحامي باتريك هنري خطابا في 1775 يحث على تسليح قوة من المتمردين بجملته الشهيرة: Give me Liberty or Give me Death أعطني الحرية أو الموت. وتم استغلال العبيد في الثورة من قبل البريطانيين. وذلك بدعوتهم إلى التجنيد في صفوفها مقابل تحريرهم بحسب القائد دونمور. إلا أنهم كانوا يموتون. إما بسبب حمى المخيّم بعد العودة أو بسبب الجدري أو القتل أثناء المعارك. وأراد بينجامين فرانكلين محاربة هذا الأسلوب؛ فقرّرت ماساتشوتس إعطائهم الحرية وتعويض سيدهم، ووعدتهم نيويورك بمنحهم أراض كتعويض لهم. أما ميرلاند فأفادت بمنحهم الحرية بعد عام 1777. وكان أن هرب 12 عبدا من عبيد جيفرسون للمشاركة في الحرب إلى جانب الإنجليز. وغاب جيفرسون عن الثورة أربعة أشهر كونه كان مع زوجته لمرضها. إضافة إلى مخاوفه من فشل الثورة وانهيار أسرته. إلا أنه ثم عاد بشكل قوي وكتب إعلان الاستقلال ودستور فيرجينيا. وكان أن اختار المؤتمر الإقليمي خمس رجال في حزيران 11 عام 1776 لكتابة إعلان الاستقلال. وكان جيفرسون أفضلهم بحسب جون أدامز. وكتب جيفرسون الإعلان من روحه، وبما يعبّر عن العقل الأمريكي. وفيه هاجم الملك الثالث لاستعباد العبيد واستغلالهم في الحرب. وذكر جيفرسون أن جميع الرجال يولدون أحرارا، ولهم الحق في السعادة، وجميعهم سواسية. وأثار نشر هذا الإعلان العديد من حركات التمرّد في الولايات الأمريكية. ففي نيويورك تحررت المناظرات من السجن. وكسرت واشنطن تمثال جورج الثالث. وحرقوه في بالتيمور، ودفنوه في سافانا. وتم تمزيق يافطات المحال التي فيها الأذرع الملكية، وحرقوها في العديد من المدن. وبهذه الطريقة أعلن الأمريكان استقلالهم واستعادة القوة من الملك. أعماله بعد الثورة سهّل جيفرسون استملاك الأراضي، وألغى العقوبات المتشددة في ويليامزبيرغ لمن يسرق الأحصنة، وغيرها من الجرائم الصغيرة التي كانت عقوبتها الإعدام. وعمل في التعليم من خلال تطوير منهاج كلية ويليام وماري؛ بحيث جعلها تركّز على العلوم والحساب واللغات الحديثة. وعمل نظاما لدفع الضرائب على مستوى الولاية لدعم المدراس الابتدائية والمتوسطة لكلا الجنسين. وأنشأ نظاما للمنح الأكاديمية لمن يملك مهارات عالية. وبنى مكتبة للولاية. وكانت له أفكارا عن الحرية الدينية؛ إذ برأيه أن الدين هو اقتناع بالعقل وحرية شخصية. فلا يجوز فرض أسلوب لباس على الآخر لأنه يعارض مبدأ دينيا ما، وذلك في محاولة منه للقضاء على نفوذ الكنيسة الإنجيلية. واعتبر نجاحه في ذلك من أعظم النجاحات في حياته. حاكم فيرجينيا تم انتخابه ليكون حاكما لولاية فيرجينيا في حزيران عام 1779. ونظرا لعدم امتلاكه للخبرة العسكرية أو حب للقوة، فشل في إدراتها عسكريا، مما أدى إلى اجتياح القوات البريطانية الجنوب في 1779 بقيادة بينديكيت أرنولد الذي أنصب نفسه حاكما حربيا للولاية. وهرب جيفرسون حينها على حصانه إلى جبال كارترز، مما وصمه بالجبن طيلة حياته. ثم طلب جيفرسون الاستقالة في نهاية ولايته الثانية رغم سماح القانون له بولاية ثالثة، وذلك لمرض زوجته. كتابه يعدّ كتابه (ملاحظات عن ولاية فيرجينيا) من أكثر الكتب أهمية من الناحية العلمية والسياسية في الفترة الزمنية قبل عام 1785. وهو أول كتاب أمريكي أدبي وفكري. بدأ جيفرسون كتابة الكتاب في أثناء ردّه على استفسارت 21 سؤالا والمرسلة من العالم الطبيعي فرانسوا باربي ماربوس الفرنسي بما يتعلق بولايته فرجينيا. وبدأ جيفرسون بجمع المعلومات في نوفمبر 1780، وكانت على شكل مقالات ثم كبرت لتصبح فصولا وأخيرا كتابا. وفيه ذكر الحدود والأنهار ومرافئ البحار وعدد السكان. إضافة إلى إنتاج المعادن والحيوانات والخضراوات في الولاية، وأهمية التعليم العام وطبيعة السود، والموطن الأصلي للهنود وتعقيدات اللغة الخاصة بهم وعرف الحياة الاجتماعية السياسية لفرجينيا. كما وصف حال ما يجب عليه أن تكون فيرجينيا وليس فقط واقع حالها. مثل التعليم والاهتمام بالزراعة ووجود دستور إصلاحي والتنمية السياسية والبشرية فيها وغيرها. واقترح فصل الكنيسة عن الدولة وإبقاء المصانع خارج أمريكا. وفيه وصف السود بطريقة تم اتهامه بالعنصرية؛ فوصفهم بعدم امتلاكهم للذوق بالرغم من قدراتهم الموسيقية، وإمكانية حكم أنفسهم. إضافة إلى تأثرهم بالبيض، فأصبحوا أفضل حالا. وأفاد بضرورة تعليمهم وإرسالهم أحرار إلى أفريقيا أو المسيسبي أو إلى جزر الهند الغربية. وتمت طباعة 200 نسخة من هذا الكتاب. ورفض جيفرسون وضع اسمه عليه لئلا يتم ربطه باتخاذه للقرارات. وأرسل نسخة للكلية ويليام وماري ولأصدقائه. ثم قرر وضع اسمه عندما كتب النسخة الفرنسية عام 1785. وزيرا في فرنسا تم انتخابه ليكون وزيرا في فرنسا مع كل مع بينجامين فرانكلين وجون أدامز وجون جاي وجون لورانس. ولكن في 6 سبتمبر 1782 ماتت زوجته، فانقطع عن السياسة لـ 8 أسابيع. وقام مجلس الولاية بانتخابة عضوا في الكونجرس. وفي 6 حزيران 1783 أصبح رئيسا لمفوضية فيرجينيا. واصطحب معه ابنته بيتسي إلى باريس في 5 تموز 1784. وعمل على إعادة علاقاته السياسية، وإصلاح تلك مع باتريك هنري. أحب جيفرسون فرنسا. ورأى فيها مثالا للديمقراطية. وزاد فهمه واستيعابه للأنظمة العامة المعمولة فيها، من اقتصادية واجتماعية وغيرها، إضافة إلى الأخلاقيات فيها. كوّن أصدقاء في فرنسا واختار لافايتي صديقا مقرّبا له، وهو الذي الذي زاره لاحقا في مونتيسلو في آخر أيام عمره. أدخل ابنته بتسي مدرسة عصرية واستقر في تشامبس إليزيه. نال محبة جميع الفرنسيين لقدراته الشخصية ولمنصبه المرموق فيها. كان متحمسا للثورة الفرنسية. إذ كره الملك لعلمه بسكره الدائم وتوقيعه العشوائي لأي عطاء يتم تمريره له. وشارك في إعلان استقلالها بكتابة دستور جديد لها. وكان رأيه أن يقبل الملك طوعا بحرية كل شيء فيها. مثل حرية الصحافة وحرية الصناعة والتجارة والرأي والتدين. وفي إحدى مراسلاته لصديقه ماديسون قال جملة مشهورة: The earth belongs to the living, and not to the dead أي يجب تغيير القوانين ولا يجب توارث الديون. كما لا يجب السماح للأموات بالتحكّم في الأحياء. فكانت لهذه الجملة أبعادا كبيرة، من نفسية وسياسية واجتماعية. وزيرا للخارجية عاد جيفرسون إلى بلاده بعد خمس سنوات قضاها وزيرا في فرنسا. وقبل بمنصب وزير الخارجية. ولم يرضى عما رآه من نظام اقتصادي تبنته أمريكا. فكان أن التقى مع جورج واشنطن في فيرمونت لمناقشة خطط ألكساندر هاميلتون؛ مسؤول النظام المالي لأمريكا. إذ انتقد أسلوبه المالي الذي رأى فيها انهيار أمريكا، إلا أن واشنطن رأى أنه عبقري وبنظامه تحسنت أحوال البلاد. فأراد جيفرسون الاستقالة ثم عدل عن ذلك لاكتشاف خيانة هاميلتون بنشره لأسرار الخزينة الأمريكية إلى أروبا، وبمنحه لقروض دون موافقة الكونغرس، وبتعرضه للابتزاز بسبب علاقاته المشبوهة مع النساء. لكن تم رفض تلك التهم من الكونجرس لعدم كفاية الأدلة. وقام هاميلتون بالرد على ذلك بتشويه صورة جيفرسون من خلال الكشف عن محاولته لاستدراج بيتي والكر في صباه، وذلك بالكتابة بشكل متخف في الصحف. فاستقال جيفرسون من المكتب في إبريل 1793. وكان أن عرض عليه واشنطن العودة إلى فرنسا، فرفض عبور الأطلسي مرة أخرى. وقضى جيفرسون بعدها 3 سنوات في مونتسلو من يناير 1794 حتى فبراير 1797. نائبا للرئيس بعد تقاعده من وزارة الخارجية، كتب له صديقه ماديسون رغبة الحزب الجمهوري في أن يخلف واشنطن، إلإ أنه رفض ذلك. وعندما صرّح واشنطن باستحالة استلامه لولاية ثالثة، انتخب الفيدراليون جون أدامز وتوماس بينيكني. أما الجمهوريين فاختاروا توماس جيفرسون وتشارلز بينكني. ففاز أدامز وحل جيفرسون في المركز الثاني ليصبح بذلك نائبا للرئيس. وفي هذه الفترة تضررت علاقته مع جون أدامز بعد علاقة استمرت 15 سنة. وذلك عندما أقرّ أدامز قانون الأجانب الذي يستغل قانون الجنسية. فقرر جيفرسون الاستقالة والعودة إلى مونتيسلو. وهناك كتب أهم وثيقتين: الأولى تشرح الإنجيل بشكل مبسط وتم تسميته إنجيل جيفرسون. أما الثانية فهي قرارات كنتاكي والتي كتبها سرا مع ماديسون. رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية تعادل كل من جيفرسون آرون بير في الانتخابات الرئاسية. وكان من المفترض فوز جيفرسون. إذ تم التخطيط على أن يحصل بير على صوت أقل في كل من رود أيلاند وكارولاينا الشمالية أو جورجيا. إلا أن ذلك لم يحصل. فقرر جيفرسون عدم الهرب ومحاربة حقه في الرئاسة. فهدد بتدخّل الجيش لحل المسألة. فتم عمل اقتراع وفشل. إذ حصل بير على 6 ولايات وجيفرسون على 8 ولايات. وكانت هناك ولايتان متساويتان هما ميرلاند وفيرموند. وانتشر موضوع الرئاسة المؤقتة. فبعث جيفرسون برسالة إلى جيمس مونرو، أفاد فيها بنيته في تسليح الولايات الوسطى. وهدد بوضع دستور جديد فثارت شائعات على أن فيرجينا تتسلح لصالحه. واتهمت الصحافة الفيدرالية جيفرسون بإشعال فتيل حرب أهلية. فتم عمل اقتراع ثان، ونال الرئاسة أخيرا. تمكّن من شراء لويزيانا. وبدلوماسيته وافق الكونجرس على منحه مليونان دولار ليتحاور مع نابليون، ونال دعم الكونجرس لقيادة حملة إلى أوروبا للأدب والعلم. ولم يكن رجل دعاية وإعلان. إذ عكست أفعاله أقواله. وعمل على تقليل أعداد الجيش والبحرية. وعالج حرب طرابلس بصرامة قبل أن تتصاعد. وحرر ديفيد براون الذي تم سجنه في زمن أدامز لتنديده بحكم الرئيس، مما يشير إلى جدية جيفرسون في تطبيق حرية الرأي والإعلام الذي انقلب عليه بالنهاية. وفتحت الدولة حدودها للهاربين من الدول الأخرى. وقلّل من الدّين العام وبنفس الوقت الضرائب. وألغى ضريبة الويسكي مما زاد من شعبيته. وكان ضد الحرب لما فيها من تبعات على الاقتصاد والأرواح. وفي فترة رئاسته تعرض لمؤامرة جابيريل. وهو عبد أسود عمره 24 عاما هدف إلى تجييش ألف عبد بالأسلحة البيضاء وقيادتهم الى ريتشموند. وذلك في 30 أغسطس 1780 واجتمع معه بعض العبيد. واجتاح الخوف والهلع بين البيض. وعمل الحاكم جيمس مونرو على نشر الجيش لحماية المدينة. واعتقل بعض العبيد وشنق البعض الآخر. وكان جيفرسون حينها في مونتسيلو. وكتب لمونرو أن يوقف الإعدام ويعجيل بالترحيل بدلا من ذلك. فاشتدت السيطرة على العبيد بعد ذلك وزادت المحادثات حول طرد المحررين منهم. وتم الطلب من جيفرسون بالتحادث مع أفريقيا للاتفاق على ذلك. إلا أنه رفض تعاطفا معهم. عبقري السلام لم يكن جيفرسون عدوانيا ولا اندفاعيا. وإنما مسالما حكيما، ومتأنيا محبا للسلام فيستحق بذلك جائزة نوبل للسلام. وكان محبا للإصلاح ومحاولا للحدّ من النزاعات. ومبادرا للمفاوضات وحتى لدفع الرشوة من أجل تحقيق السلام. فمثلا في عام 1791 أفاد بضرورة رشوة الهنود الحمر للسلام. وكان يؤمن بالعقوبات الاقتصادية بدلا من دخول الحرب كما فعل مع بريطانيا. وتجنّب الحرب مع أروبا باتباعه لأسلوب المفاوضات. وفي آخر سنتين له في الرئاسة كان عليه ضغط كبير من الأمريكان لشن حرب على بريطانيا إلا أنه رفض ذلك. فاستغلت بريطانيا مسالمته، وعملت على سيطرة البحر من خلال الاستيلاء على أي سفينة متجهة إلى فرنسا دون رخصة منها. وزادت التعرفة على القطن. وذات الشيء فعل نابليون. إذ جعل كل السفن الأمريكية مستهدفة من السفن الفرنسية الخاصة. فكان أمام جيفرسون 3 خيارات: الحرب أو الهدنة أو تجاهل بريطانيا. فأقنع جيفرسون الكونجرس في نوفمير 1806 على الموافقة على فرض عقوبات اقتصادية على بريطانيا. وبذلك استعاد المئات من البحارة الأمريكيين وأكثر من ألف سفينة شحن، مما ساهم في قرص الاقتصاد البريطاني وانتعاش الصناعة الأمريكية، التي أصبحت مكتفية ذاتيا. خيانة نائبه تمت محاكمة آرون بير نائب جيفرسون بتهمة الخيانة والتآمر ضد أمريكا في عام 1807. وكان يهدف إلى حل الولايات وشنق جيفرسون. وفي تفاصيل مؤامرته، أرسل الوزير البريطاني لأمريكا في السادس من أغسطس عام 1804 أنثوني ميل إلى لندن رسالة خاصة. وفيها أفاد باستعداد بير على إرسال خدماته للملك لفصل غرب أمريكا. واهتمت الخارجية البريطانية بالموضوع. وفتحت الحوار مع بير. وفي 29 مارس 1805، عرض بير خطة متكاملة للاستيلاء على نيو اورلينز وطلب من بريطاتيا قرضا بمقدار نصف مليون دولار، ونشر قوات بريطانية في المسيسبي. وتم وصفه بنابليون الغرب. وشاركه في المؤامرة كل من جوناثان دايتون، السيناتور السابق لنيوجيرسي، والوزير الإسباني يروجي. وكان الهدف الثاني لبير هو الذهاب الى المكسيك وتحرير الناس وتنصيب نفسه إمبراطورا مع ابنته. إضافة إلى الاستيلاء على نيويورك بقوة من 500 شخص. أي انقلاب! وفي 16 أكتوبر 1806، أرسل كيديان كراينجر أخبارا تلقاها من الغرب إلى البيت الأبيض. وفيها قال أن بير يريد توظيف جيشا مع أوهايو. وفي 22 أكتوبر بعث جيفرسون برسائل إلى الولايات الغربية والمقاطعات تنص على اعتقال بير لحظة تحركه. وأعلن جيفرسون في 27 نوفمبر 1806 تفاصيل المؤامرة للعامة وطلب مساعدتهم لوقف أي تمرد أو عصيان ضد الرئاسة. وهذا ما فعله أردوغان في العصر الحديث ضد محاولة الانقلاب في 15 تموز الماضي بتركيا. فلا قوة أكبر من قوة الشعب! وعند اعتقال بير، كان قاضي المحكمة العليا في حينها جون مارشال. وهو من أعداء جيفرسون. فحرره لاتهامه فقط بعصيان ضد اسبانبا وقت السلام، وبمحاولة انقلاب ضد المكسيك دون التطرق إلى أمريكا. وهرب بير على متن سفينة إلى بريطانيا. تقاعده أفصح جيفرسون عن عدم رغبته في تولي الرئاسة لجولة ثالثة. وفرغ صبره من الانتظار الى حين العودة الى مونتيسلو. فكان أن بدأ بشحن أغراضه هناك. ونجح في زيادة مساحة الولايات إلى الضعف، وفي مواجهة استفزاز بريطانيا وفرنسا للخوض في حرب معهما، وتمكّن من المحافظة على غضبه وغضب الأمريكان. وأبقى الولايات متحدة. وبعد عودته إلى مونتيسلو. تم الطلب منه كتابة مذكراته ورفض هذا الشيء، ثم بدأ في ذلك ولكنه أوقف العمل. وبقي ثوريا لآخر يوم في حياته. إذ استمر بالتراسل مع الرئيس جيمس ماديسون. وأكرمه بالنصيحة والمشورة عند سؤاله فيما يتعلق بحكم البلاد. ثم بنى بيتا اخر للابتعاد عن الزائرين الكثر. وتمكّن من حل خلافاته مع جون أدامز وعادا للتواصل حتى آخر يوم في حياتهما. جامعتهانعكس شغفه في التعليم ببناء جامعة فيرجينيا في منطقة شارلوت سيفيل. وكان حلمه هذا المشروع منذ زمن طويل. وعمل بنفسه على مسح الأرض، ومساعدة المهندسان وليام ثورتون وبينجامين لاتروب بوضع التصميم لمعظم الأبنية. واختار الهيئة التدريسية من باحثين أوروبين. وخطط لأربعة مواد حديثة إضافة إلى اللغات القديمة، ومواد أخرى منها: الرياضيات والعكسرية والميكانيكا والعمارة والبصريات والفضاء والجغرافيا والفيزياء الكيميائية وعلم التشريح والفلسفة والتاريخ الطبيعي والفنون والقانون. وتجاهل الدين إلا كفرع من الأخلاقيات. وحرص على أن تكون كلية الطب نظرية فقط . وكانت رؤيته في هذه الجامعة هي تحرير العقل وتقصي الحقيقة أينما كانت وإلى أينما تقود بصاحبها. وافتتحت الجامعة أبوابها في مايو 1824. وبدأت بـ 218 طالب. وتمّ وصف تصميمها بالمعبد الياباني وبالقرية الأكاديمية. وفاته شهد جيفرسون قبل موته موت الكثير من أقاربه وأصدقاءه. مثل موت ابنته ماريا وحفيداه توم وآن. ومعظم موقعي إعلان الاستقلال الأميركي. أصابه المرض الشديد وكان غير قادرا على الجلوس والنوم. مارضته ابنته مارثا التي كانت تحرص على اعطائه دواء محضّر من الأفيون. مات جيفرسون في 3 تموز. ولم يتمكّن من شهادة احتفال الذكرى الخمسين لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية. بقلم إشراق كمال عرفة
تمهيد هناك الكثير من الضبابية حول موضوع القيادة، إضافة إلى الخلط بينها وبين الإدارة. فهي بداية ليست ذاتها الإدارة، وهذا ما سيتم توضيحه لاحقا. كما أن القيادة لا تنولد فقط مع الإنسان. فيمكن لأي أحد أن يكون قياديا بالتعلم والتدرب على مهارات القيادة كأي مهارة أخرى. فيمكن للمعلم أن يكون قياديا، وذات الشيء بالنسبة للمهندس والطبيب وغيرهم. ومن أهم مهارات القيادة هي الحماس والرغبة الملحة للفوز. إضافة إلى مشاركة الناس في اتخاذ القرار (الشورى). وذلك لما له من أثر في إشعارهم بقيمتهم واحترامهم. وهذا ما حث عليه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)) – سورة الشورى. أما ليكون القيادي ملهما، فعليه العمل بشكل دائم ليتمكن من إلهام الناس من حوله. فهي ليست مجرد خطوة واحدة، وإنما عملية مستمرة، تشمل مهاما يومية. والتي سيتم توضيحها هنا بالتفصيل. وتتعدد النظريات حول القيادة الناجحة، إلا أنها لا تزال غير مثبتة حتى الآن. وبالتالي على أي قيادي تطبيق مختلف ما يعرفه عن تلك النظريات لمعرفة أيها ستناسب مهمته في القيادة، ومن ثم اعتمادها. أولا – الفرق بين القيادي والإداري لمعرفة الفرق بين القيادي والإداري، يجب معرفة مهام كل منهما. فالإداري هو المسؤول عن: سير العمل، اتباع القوانين، توزيع المصادر، السيطرة والتخطيط والإشراف. ولكنه لا يوجه الآخرين، ولا ينشئ فرق عمل، ولا يلهم من حوله كما هو حال القيادي. فالقيادي هو من تحتاجه الشركة عند إجراء التغيير. وذلك لتدريب وتوجيه الموظفين، ولتحسيسهم بالأمان، ولبث مشاعر الحماس والإيجابية لديهم. والقيادي لا يهاب التغيير ويملك رؤية من خلالها يعمل على تحسين وضع العمل وإبقاءه في الريادة. ولينجح في عمله يجب أن يرحب الأفراد بالتغيير وإلا لن يتمكن من تحقيق ذلك مهما امتلك من صفات القيادة. فهناك عقد مبطن بين القيادي والأفراد يجب أن يتحقق، وهو أن يعمل القيادي على توجييهم مقابل منحهم الثقة له والسهولة في تعاملهم معه. وفيما يتعلق بإدارة التغيير التي يختص بها القيادي عن الإداري، هناك سوء فهم حولها يعتقد أنها تشمل تغيير الناس، وهذا غير صحيح. فالإدارة تشمل إدارة الأشياء من مختلف الموارد والمهام. أما الناس فيحتاجوا إلى قيادي يحبهم ويتواصل معهم، يحفزهم ويحببهم بالتغيير، ويساعدهم على تجاوز الصعاب المرافقة للتغيير، وإشعارهم أن بالتغيير لن تتحقق فقط أهداف الشركة وإنما أهدافهم هم أيضا. مثل تطويرهم لمختلف المهارات، فيتمكنوا حينها من تفجير طاقاتهم المكنونة. ثانيا – طرق القيادة هناك ثلاث طرق ستساهم في جعل أحدهم قيادي دون غيره، وهي: المميزات التي تميزه (من هو)، حالته (ماهية المعرفة التي يمتلكها)، وظيفته (ما منصبه). وفيما يلي التفصيل لكل منها: أ. المميزات (صفات القيادي): لا تزال المميزات التي يجب أن تتوفر في القيادي حتى الآن غير واضحة بالنسبة للكثير من الناس. ولتسهيل ذلك، يجب معرفة أولا المجموعة التي ينتمي إليها القيادي: فهل ينتمي للمعلمين أم الممرضين أم الجيش؟ ثم تأتي الخطوة التالية بمعرفة الصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر فيه مع تلك المرغوبة والممكنة. فمثلا ما الصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر في المعلم الجيد؟ وما هي تلك المرغوبة والممكنة؟ حينها سيستطيع أحدهم تحديد مميزات القيادي في هذه الحالة؛ أي إن كان معلما. فالمعلم الجيد لا يكفي أن يكون قياديا وإنما يجب أن تتوفر فيه صفات القيادي، وهي: الحماسية، الأخلاق، المصداقية، اللطافة، الشجاعة، الحكم الجيد، الصرامة والعدل، الواقعية، المرونة، وحسن التصرف مع الفريق دون تفضيل أحدهم على الآخر. وتعد الحماسية أولى صفات القيادة كونها قادرة على إثارة حماس الآخرين، ودفعهم على كشف ذاتهم وقدراتهم المكنونة. والقيادي القدوة هو الذي سينجح في قيادة الناس كونها تفضل القدوة التي تراها لا التي تسمعها فقط. كما في صدق القيادي مع الآخرين أهمية بالغة، وذلك لتمكن الناس من استشعارها وبالتالي منح ثقتها له. والقيادي الجيد لا ينظر على الأفراد كتابعين له، وإنما مشاركين له في المهمة. أما فيما يتعلق بصفة الأخلاق، فهذا ما أشار إليه أيضا ستيفن كوفي في كتابه (العادات السبع لأكثر الناس كفاءة). فالشخص الأخلاقي هو الذي تفضله الناس. فهي تكره الكاذب والمخادع وتقطع علاقتها معه. لذلك وجب على القيادي التحلي بالأخلاق كافة. ولذلك كان الرسول – صل الله عليه وسلم – أفضل الناس خلقا، وذلك لقول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- : (كان خلقه القرآن)، وقوله هو – صل الله عليه وسلم-: (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقول الله تعالى في وصفه: (وَإنكَ لعَلى خُلقٍ عَظيم(4)) – القلم. كما كان معروف عنه بالصدق والأمانة حتى قبل البعثة، ولذلك تم تحكيمه في وضع الحجر الأسود، بقول قريش: (هذا الأمين، رضينا به حكما). وتشمل صفة العدل للقيادي حسن الجزاء. فلا يجوز التبخيس بجهد الأفراد بعدم منحهم راتب يناسب جهدهم، وإلا فإنه سيفشل في كسب إخلاصهم في العمل. ب. الحالة (المعرفة التي يمتلكها القيادي): ليكون أحدهم قياديا، يجب أن يتميز بامتلاك المعرفة العميقة والمميزة ضمن المجموعة التي ينتمي إليها وبشكل يصعب امتلاكها أحد غيره. فمثلا، إن كان طبيبا، يجب أن يمتلك مؤهلات أكاديمية أعلى من الآخرين وخبرة أكثر ليخوله ذلك لأن يكون قياديا. ج. الوظيفة (منصب القيادي): في أي فريق عمل هناك ثلاثة عناصر مشتركة فيه. وهي: المهمة والأفراد والوحدة التي تتمثل بعلاقاتهم وتعاونهم لإنجاز المهمة. وفي كل فريق يجب أن يكون هناك قائدا وإلا سيفشل الفريق في أداء المهمة. ويتم اختيار القيادي إما عن طريق انتخابه أو تعيينه. فمثلا تم تعيين الرسل من الله تعالى. أما الخلفاء فتم انتخابهم من قبل المسلمين. ثالثا– مستويات القيادة هناك ثلاثة مستويات للقيادة: العملية والإدارية والاستراتيجية. فالعملية هي قيادة الأفراد ضمن الفريق الواحد، والإدارية هي المتعلقة بقيادة القسم الواحد، أما الاستراتيجية، فهي التي تتعلق بقيادة كامل الشركة. ولتنجح الشركة، لا يكتفي نجاح القيادي الاستراتيجي فقط، وإنما يتطلب ذلك نجاح كل من العملي والإداري أيضا. ومن أهم صفات القيادي الاستراتيجي الحكمة. وتعني الخبرة والذكاء وحب الخير. أما الصفات الأخرى التي يجب أن يتحلى بها فهي: الأخلاقيات، الرغبة في تحسين وضع العمل، القدرة على القراءة بين السطور، التخطيط للمستقبل، تدريب الآخرين ومساعدتهم واستشارتهم، قوة الشخصية، البحث الدائم عن طرق لتطوير وتحسين العمل، ضبط المشاكل، الحكم الجيد، العدل، عدم الخوف من ارتكاب الأخطاء، عدم التصرف خارج حدود المعرفة، عدم القلق والوجل عند حصول المشاكل، الحماس للفوز، التعلم من التجارب، واستغلال الأحداث بشكل كامل وما ينتج عنها لما فيه مصلحة العمل. رابعا – القيادي الملهم هو القادر على حث الناس ليعطوا أفضل ما يملكونه. ويتحقق ذلك عندما تتشارك القيم بينه وبينهم. هذا إضافة إلى قدرته على إثارة عاطفتهم بشكل إيجابي نحو العمل المكلفين به، ليقوموا بتنفيذه بشكل أفضل من المطلوب. ويتحقق ذلك من خلال معاملتهم بشكل جيد وتلبية احتياجاتهم ورغباتهم وتحفيزهم. وهذا أساس الإسلام بقول الرسول – صل الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه). ولإلهام الناس يجب العمل على إدارة روحهم المعنوية، وذلك كونها مصدر الطاقة المنتجة. ويتحقق ذلك بإعطاءهم الثقة والاحترام وحسن التعامل والعفو عنهم. وهذا ما ذكره القرآن الكريم بقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)) – فصلت. وهو ما فعله الرسول الكريم – صل الله عليه وسلم – عندما زار اليهودي الذي كان يلقي الأذى عند منزله كل يوم، فكان أن دخل الإسلام. فالقيادي الملهم هو القادر على التأثير في الآخرين لجعلهم أفضل حالا. ويشمل الإلهام القدرة على تحفيز الآخرين. وهذا ما يحققه أسلوب المكافأة والعقاب إضافة إلى تعريفهم بالهدف من المهمة. وكلما كان الهدف خيريا؛ أي أقرب إلى خدمة الآخرين مثل مساعدة الفقراء والمساكين، وتحقيق الخير والعدل والسلام والخلافة على الأرض، كان اتقان الناس له. أما الطريقة الثالثة لتحفيز الآخرين فهي تتمثل في تحدي قدراتهم بمختلف المهام الصعبة. فإن كانت المهمة سهلة، لن تشحن روح الفريق من أجل التعاون والعمل معا على إنجازها. ويتميز القيادي الملهم بالقدرة على الرؤية السليمة لتخطيط أفضل للمستقبل. وتتحقق الرؤية من خلال قدرته على فهم الأحداث الحالية واستخلاص الفرص منها لتحسين حال الشركة. كما عليه مشاركة المخاطر مع الآخرين. لا أن يقوم بمهمة التنظير فقط، وهذا يعني مشاركتهم في إنجاز المهام، وإشراكهم في القرارات. ومن أهم طرق الإلهام الأخرى هي الثقة والإيمان بالآخرين وبتميزهم. فيتمكنوا حينها من إخراج قدراتهم المكنونة. فمثلا، عند وجود موظف متكاسل لا يجوز كقيادي العمل على ملاحقته والتأكد من حضوره للعمل ومن إنجازه لمهامه بالشكل المطلوب، فسيتم خسارته في هذه الحالة. وإنما يجب تحسيسه بالثقة في قدرته على إنجاز مهامه على أكمل وجه. وذلك بإعطاءه مساحة من الحرية وبتوفير الجو التحفيزي له والصبر على تغييره. وهذا ذاته ما أشار إليه كتاب (تحفيز طفلك). إذ بإعطاء الطفل مختلف المسؤوليات ومساحة من الحرية مع جو تحفيزي يتمثل بالمكافأة، فإنه حينها سيحاول قصارى جهده ليكون جديرا بالثقة وسيعمل على أداء المهمة المطلوبة منه على أكمل وجه. كما أن افتراض دوما وجود قدرات كبيرة لدى الآخرين، سيحفزهم ليكونوا كذلك. وذلك من خلال احترامهم وتقديرهم ومشاركتهم الرأي. إضافة إلى افتراض الطيبة فيهم. كما أن القيادي الملهم لا ييأس من الآخرين ويؤمن دوما بوجود الخير فيهم. ويعد وجود ثقافة خاصة بالعمل عامل على التحفيز، كونها ستعزز شعور الآخرين بالفخر في الانتماء، مما سيساهم في تعاونهم وتميزهم. وهذا ما ذكره كتاب (بحثا عن التميز) فيما يتعلق بأسباب نجاح الشركات العملاقة مثل إتش بي وديل وماكدونالدز ومايكروسوفت وغيرها. فجميعها تملك ثقافة خاصة تتعلق بأسلوب مميز في خدمة العملاء وتطوير مختلف المنتجات وبتعامل الموظفين مع بعضهم البعض. وهذا أيضا ما أشار إليه كتاب (العادات السبع لأكثر الناس كفاءة)؛ فبوجود بنود خاصة يتفق عليه الجميع فيما يتعلق بالأهداف وأسلوب التعامل والتعاون فيما بينهم، سيزداد نجاح الشركة. ويأتي الإلهام أيضا عندما تكون القيادة بحب. أي إن كان القيادي عاجز عن حب الآخرين، فعليه التخلي عن منصب القيادة لمن يتمكن من ذلك! وهذا يشير على أن الإسلام جاء ليحفز ويلهم المسلمين بعضهم البعض. فالرسول – صل الله عليه وسلم – حث على حب الآخر أكثر من مرة، بقوله الكريم: 1. (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، 2. (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا)، 3. (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه كربةً مِن كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة)، 4. (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). وعلى القيادي الملهم أن يشعر الآخرين بالأمان دوما وحتى في أحلك الظروف. وهذا ما فعله الرسول – صل الله عليه وسلم – حينما اختبأ في الغار مع أبي بكر قائلا له: (لا تحزن إن الله معنا). وأخيرا، إن لم يتمكن القيادي الملهم من إشعار الآخرين بوجود مستقبل واعد لهم، سيفشل في تحفيزهم. وهذا ما جاء به الرسول – صل الله عليه وسلم- حينما وصف الجنة للمتقين، وبقوله تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ (26)) – المطففين. وعلى ضوء جميع ما سبق، نجد أن أعظم القادة إلهاما وأنجحهم على مرّ الزمان هو الرسول محمد – صل الله عليه وسلم-. قراءة لكتاب (تربية البنات)
Raising Girls للاختصاصية الاجتماعية الألمانية (جيزيلا بريشوف) Gisela Preuschoff بقلم إشراق كمال عرفة صدر هذا الكتاب باللغة الألمانية عام 2004 وتمت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية من قبل كريستينا جانكا بنفس العام. ويتحدث عن التربية الخاصة بالإناث لاختلافهن عن الأبناء من الذكور في الناحية الجسدية والعقلية والنفسية. وتطرقت الاختصاصية الألمانية إلى العديد من القضايا الخاصة بتربية البنات. مثل توضيح الفرق في النمو بين البنات والأولاد، وبيان كيفية تطوير شخصية البنت في المنزل والمدرسة، والتعامل مع مرحلة البلوغ، وضبط مشاكل المراهقة، وحماية البنت وتغذيتها، وعلاقتها مع والدها. الفرق بين البنات والأولاد هناك فرق بين الرجال والنساء. والقوية ليست تلك التي تنافس الرجل في مكانه، وإنما تلك التي تتمكن من تحديد هويتها والتي تتميز بالعطاء. وهنا يأتي دور الأم في توضيح ذلك لابنتها. أي معنى أن تكون معطاءة ومع الحق، وأن تملك مكانة مميزة في المجتمع. فالمرأة ليست كالرجل، وتبدأ الفروق بينهما منذ تلقيح البويضة، والتي توضحها النقاط التالية: أولا- الاختلاف في الكروموسومات التي تميّز جنس كل منهما. ففي البنت يكون الكروموسوم الخاص بالجنس هو XX أما في الولد فهو XY. ثانيا – تتأثر البنات بالأصوات أكثر من الأولاد. ويعود السبب في ذلك إلى قيام الأهل بالتحدّث مع البنت أكثر من الولد، مما يطور لديها حاسة السمع بشكل أسرع. ثالثا – البنات أسرع في الحركة والكلام من الأولاد. أما الأولاد فيتطور لديهم القدرة على التصور بشكل أسرع من البنات. رابعا – البنات أقوى عند الولادة من الأولاد، ولهن قدرة أكبر على الثبات في الرحم أثناء الحمل. كما أن لديهن القدرة على التمييز بين الأصوات في الرحم بشكل أقوى من الأولاد. خامسا - لكل شخص جزء أنثوي وآخر ذكوري. والدليل هو امتلاك كل من الذكر والأنثى لذات الهرمونات والأعضاء الجنسية. إلا أنها في البنات تزداد نسبة الهرمونات الأنثوية عن تلك الذكرية، وتضمر الأعضاء الذكورية داخل رحم الأم. سادسا - جلد البنات أرق من جلد الأولاد، ولذلك تحب البنت اللمس أكثر من والديها. سابعا – في عمر 6 أشهر تصبح البنت أكثر استقلالية، فتتمكن من اللعب لوحدها وإسعاد نفسها بنفسها بخلاف الطفل من الأولاد. ثامنا – تنضج البنات بشكل أسرع من الأولاد؛ إذ تظهر لديهن الأسنان بشكل أبكر. ويتعلمن على استخدام الحمام بشكل أسرع. ففي عمر الثلاث سنوات، أكثر من نصف البنات يتخلصن من ارتداء الحفاظ. كما أنهن أعقل وأكثر أدبا من الأولاد لأنهن أسرع في الفهم لقوة التذكر لديهن. تطوير علاقة الأم مع ابنتها يمكن مساعدة البنت على النمو بكل حيوية وشغف للحياة في حال كانت الأم إيجابية معها. حينها ستتمكن البنت من احترام نفسها والتعبير عن احتياجاتها، والشعور بالتميز في الحياة، والاستمتاع بأوقاتها. فالبنت تحتاج من أمها الاستماع لها وعدم انتقادها بشكل دائم، وغير ذلك فإنها ستصرخ وستتمرد وسيتدنى تحصيلها الأكاديمي لعدم شعورها بأهميتها. وتتطور مهارات البنت من خلال التفاعل معها وليس من خلال التلفاز أو أي جهاز آخر كالهواتف الذكية وغيرها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال القراءة لها والإنشاد معها والتكلم معها. ولتعبر الأم عن حبها للبنت عليها أن تكون متواجدة دوما لأجلها، والتواصل والحوار معها، وضمها باستمرار، وإشعارها بأنها محبوبة ومرغوبة، والتواجد بجانبها عند نومها، واللعب معها، والتمشي والتأمل معها، وتعليمها عن مخلوقات الكون كالشمس والقمر والنجوم وغيرها. ويفضل أن تعمل الأم على التكلم مع ابنتها عن الإرث العائلي من مختلف القصص عن الجدات والمهارات التي كن يمتلكنها لتدرك البنت أهمية انتمائها إلى تلك الأسرة. ويجب تطوير قدرات البنت من خلال إعطائها مسؤوليات معينة، والسماح لها بتجربة اللعب بالرمل والطبخ والتلوين. وهذا ما ذكره كتاب (تحفيز طفلك) حول ضرورة إعطاء الطفل مهام صغيرة ليشعر باستقلاليته ولتزيد ثقته بنفسه. ومن الضروري عدم تعويد البنت على تلبية طلباتها الصعبة، مثل طلب حاجة غير موجودة في المنزل أو اللعب عند وقت النوم وهكذا. فالقوانين مهمة كونها تساهم في تعليم الطفل الصواب والخطأ. ويعد تواجد الحيوانات الأليفة للبنت عامل مساعد لها لزيادة تقديرها للآخرين، وحب مساعدتهم. ويمكن للبيت أو المدرسة توفير مثل تلك الحيوانات، كالقطط والأسماك والعصافير وغيرها. التغذية من المهم احترام أهواء البنت في تناول الطعام مع توجيهها إلى تناول الصحي منه. فالطفلة التي تعتاد على على تناول الغذاء الصحي بحسب حاجتها دون التركيز على الكمية في المنزل تقل فرص تناولها للمأكولات المضرة وبالتالي تتجنب خطر التعرّض للسمنة ومشاكلها. وقبول تعاون البنت في الطبخ سيساهم في تطوير ذكائها، مع تعليمها تحضير الأطباق الصحية. إضافة إلى ضرورة اصطحابها للتسوق لتتعلم عن الخضار والفاكهة والمأكولات الصحية. التعليم المدرسي يجب عدم الافتراض المسبق عدم قدرة البنت على دراسة أي مادة. ويتم معالجة الضعف لديها في أي موضوع بتوفير مصادر تعليمية أخرى لها؛ كالكتب والأناشيد ومن أدوات المنزل لتتمكن من تجاوز تلك الصعوبات. ويمكن تطوير مهارات البنت بجلب ما تحتاجه من أدوات يناسب أهوائها. فإن كانت تحب التلوين يتم إحضار لها الأوراق والألوان، وذات الشيء بالنسبة للخياطة والحياكة وصنع الألعاب وحل التركيبات وغيرها. كما من المهم عدم التمييز بين الولد والبنت بإعطاء الولد حق التعدي على البنت في أي حال من الأحوال، سواء كان في الحضانة أو المدرسة. وإنما يجب الاستماع بكل تعاطف إلى شكوى البنت ومحاولة توضيح أهمية احترام الآخر للولد. لا إهمال او معاقبة كلا الطرفين. سن البلوغ يفضل التكلم مع البنت عن وقت البلوغ مبكرا، وتشجيعها على عدم تناول الأدوية المخففة لألم الطمث، واستخدام الأعشاب الطبية بدلا منها. كونها في تلك السن الصغيرة معرضة للإدمان عليها. وتحتاج البنت في تلك المرحلة إلى التوجيه ولكن بشكل لا يقلل من ذاتها لتتمكن من الإصغاء. مع مراقبة لأفعالها دون تشديد أو تراخي. واتباع اسلوب العقاب والمكافأة لتصويب سلوكها. وتم توضيح أنواع المكافأة في كتاب (تحفيز طفلك)؛ والتي تشمل على زيادة من صلاحيات الطفل، كالسهر أو الاحتفال مع الأصدقاء أو التسوق وغيرها. ولا بأس للأهل من القراءة حول موضوع البلوغ والتغييرات المصاحبة للبنت في تلك الفترة مع مشاركة التجارب مع الأقارب والجارات. وتفضل البنت عادة عند بلوغها مرافقة بنات من جيلها على صحبة والدتها. وهنا على الوالدة التعامل بذلك بحكمة من خلال استغلال الأوقات التي تجمعها مع ابنتها للتكلم معها، ومشاركتها في هواياتها المحببة، والسماح لها بالتعبير عن رأيها، واحترامها، ونقدها بشكل بناء، وإعطائها بعض من الحرية في اللباس والطعام، مع فرصة لمشاهدة برامجها المفضلة. وبذلك ستتمكن الأم من جذب الابنة لها لتنصحها ولتجنيبها الانحرافات. ومن الممكن دفع أي طرف تحترمه الفتاة لتوجيهها، كأحد الأقارب مثلا. إضافة إلى تشجيعها على عمل صداقات كونها تتعلم بشكل أكثر ضمن المجموعة وستزيد الثقة بنفسها بشكل أكبر. ولحماية البنت من الأفكار المغلوطة حول الشكل الخارجي وجماله، يتم سؤالها بعمل قائمة بصفات البنات الجيدة وتلك السيئة بحسب وجهة نظرها، ثم مقارنتها مع القائمة التي تعدها الأم. حينها ستتكون لدى البنت فكرة عن صفات البنت الجيدة، وممكن حينها ألا تتأثر البنت بأفكار الأم، إلا أنها ستأخذها بعين الاعتبار. مشاكل سن المراهقة من أبرز المشاكل التي تتعرض لها البنات في سن المراهقة: الاضطراب في تناول الطعام كالبوليميا والأنروكسيا، والإدمان، والاكتئاب. والسبب الرئيس لكل منها هو الإهمال وعدم مراقبة البنت ودعمها والحوار معها بشكل دائم. فتلجأ البنت إلى تلك السلوكيات للتعبير عن غضبها. وهناك أعراض خاصة بالاكتئاب على الأهل مراقبتها لمعرفة إن كانت ابنتهم تعاني منه. وخاصة عند وفاة أحد الأقارب أو عند التعرض لمشاكل في المدرسة. ومن الأعراض المميزة للاكتئاب: التقلب في المزاج، فقدان الاهتمام بعمل أي شيء، تغير واضح في الوزن، خمول الجسم، والشعور بالنقص والذنب. فإن استمرت هذه الأعراض بشكل مستمر على مدى أسبوعين حينها يجب على الأهل التدخل وسؤال المساعدة من مختص نفسي. وعلى الأهل التوضيح لابنتهم أن ارتكاب الأخطاء أمر طبيعي، وذلك لتصحيح فكرتها المغلوطة عن الكمال والمثالية في تلك المرحلة. ويجب عدم تشجيعها على الكذب بعدم المبالغة في العقاب. الخوف على الأهل تجنب حماية ابنتهم بشكل مفرط بشكل يمنعها من تجربة مختلف الأمور في الحياة. فمثلا، يجب السماح لها بتجربة ركوب الدراجة وصعود الدرج والسماح لها بالخطأ لتتعلم، وهناك سور من القرآن الكريم تساهم في تخفيف الشعور بالخوف مع إشعارها بوجود الله المحب لها والحامي من كل شر. ولذلك وجب تذكيرها بالبسملة قبل القيام بأي شيء. وهناك أنواع من الموسيقى التي تساهم في تخفيف توتر البنت مع الهدهدة لها. إضافة إلى التوضيح بأن شعورها بالخوف هو أمر طبيعي ولا داع لإخفائه أو الخجل منه أو الظن بأنه شعور يعتيرها دون غيرها من الناس. ومن ضمن الأمور الأخرى التي تساهم في تغلّب البنت على الشعور بالخوف هو زيادة لياقتها البدنية. مثل تدريبها على ممارسة مختلف الرياضات كالسباحة والجمباز والجري. فكلما شعرت البنت بقدرتها على التحكم بأطرافها زادت ثقتها بنفسها وقل شعورها بالخوف. كما أن تنمية المواهب لديها من شأنه المساهمة في زيادة ثقتها بنفسها؛ كالرسم والموسيقى والشعر والخطابة وغيرها. ويعد إدخالها في مختلف المسابقات الخاصة وسيلة لزيادة تقديرها وقيمة نفسها. وخاصة عند تشجيع الأهل لها، واستمتاعها بشعور الانجاز والفوز، والتصفيق لها، والاحتفال معها. الحماية من التعرّض للاعتداء بتطوير حب الذات لدى البنت واحترامها وتقديرها وإدراك أهميتها وقيمتها، سيتمكن الأهل من حمايتها من الوقوع ضحية الاعتداء. وذلك من خلال قيام الأهل بتوفير الوقت للبنت للتحاور والتواصل مع مدرستها، وإشعارها بالتميز، وتعليمها، والقراءة لها. فالطفل بشكل عام يشعر بقيمته عندما يتم تخصيص وقت له. كما أن تدريب البنت على مختلف رياضات الدفاع عن النفس مثل الجودو والكاراتيه وغيرها من شأنه زيادة ثقتها بنفسها. كما يجب الابتعاد عن الانتقادات السلبية، وجعلها تمارس أنشطة اللعب كون ذلك يزيد من ثقتها بنفسها وتطوير مخيلتها. كما يجب الحرص على عدم ترك البنت لوحدها مع البالغين، سواء كانوا من العائلة أو الغرباء على حد سواء. وفي عصرنا الحالي للأسف نجد انشغال كلا الوالدين في الحياة مما يهدد صحة الطفل النفسية والشعور بقيمة وجوده. لذلك على الأهل إدراك أهمية وقيمة قضاء الوقت مع أطفالهم أولادا وبناتا، واللعب معهم وتعليمهم ودعم هواياتهم والتواصل الدائم معهم. الأم العاملة الأم السعيدة، أطفالها سعداء! والعكس صحيح. فالأم التي تجبر على ترك العمل لأجل البقاء مع أطفالها، ستكون حانقة طوال الوقت ولن تتمكن من تربيتهم بشكل إيجابي. ويكمن الحل في اتباع أي من الطرق التالية: أولا - بقاء الأم في العمل مع ترك الابنة مع أحد الأقارب أو الجيران أو بيوت الحضانة. ثانيا - إيجاد عملا تقوم به من داخل المنزل. ثالثا - تقليل ساعات العمل في المرحلة الأولى من عمر الطفلة. رابعا – اتخاذ القرار بترك العمل ولكن بشكل مؤقت. علاقة الأب مع ابنته إن الأب هو الرجل الأول في حياة البنت، وبالتالي فهو رمز القوة لها. ويساعد وجود الأب في حياة البنت على تقوية شعورها بقيمة ذاتها. ولكن يجب أن تكون العلاقة بينهما بحدود. وفي حال فقدان البنت لوالدها نتيجة الموت أو المرض أو الانفصال، ينبغي إيجاد قدوة بديلة عنه، سواء في البيت أو المدرسة. كالعم أو الخال أو المدرب الرياضي والأستاذ، وهكذا. قراءة في كتاب (صناعة الجوع – خرافة الندرة) للبريطانيان: فرانسيس مور لاييه، وجوزيف كولينز
بقلم إشراق كمال عرفة . حاول المؤلفان دراسة موضوع الجوع بإسهاب وبتعمق. فقاما بالسفر إلى البلاد المتخلفة ودرسا أحوال الغذاء فيها، واكتشفا أن سبب الجوع هو الاعتقاد بأنها مشكلة لا يمكن السيطرة عليها رغم أن الواقع أثبت لهما عكس ذلك تماما. فأصدرا هذا الكتاب ليكشف عن خرافة ندرة الموارد بين الناس وعدم كفايتها لهم، إضافة إلى قيامهما بالكشف عن العديد من الأسرار الأخرى التي تسببت بالجوع حول العالم. واستمرار محاولات الدول العظمى في استهلاك موارد الدول المتخلفة لجعلهم خاضعين وفي تخلف دائم وتبعية لها. . خرافة الندرة تنتشر الكثير من الخرافات بين الناس حول محدودية موارد الأرض. مثل (الغذاء لا يكفي للجميع)، (الانفجار السكاني)، (وجود بشر أكثر مما تتحمله الأرض)، وغيرها. وهذه كلها أكاذيب لا تمت لواقع الحال بأي صلة. فالسبب في قلة الغذاء يعود إلى عدم الاستثمار الكامل للأراضي. فمعظم ملاكي الأراضي يستثمرونها في كل شيء ما عدا زراعة الأغذية. كتلك التي تقوم على تسمين الماشية كما في أراض البرازيل والباراغواي. إضافة إلى زراعة القطن والبن والكاكاو وقصب السكر وغيرها من المحاصيل المالية. وبالتالي فإن السبب الرئيس لجوع الكثيرين هو سوء إدارة موارد الأرض وليس ندرتها! وتقوم أمريكا بالتلاعب بأسعار المواد الغذائية من خلال التحكم الجائر في استغلال موارد الأرض، وفي تسويقها. فكانت أن منعت استغلال 5 ملايين فدان في عهد الرئيس نيكسون في سبتمبر 1972 لزراعة القمح لرغبتها حينه في رفع سعره. ثم عملت على تخفيضه من خلال طرحه بشكل كبير في الأسواق، لتبتلع الطعم باقي الدول وتقوم بشرائه بشكل واسع. ومن جانب آخر، فإنه عند الانخفاض الكبير في سعر المواد الغذائية يقوم المزارعين حينها بترك المحصول ليتلف، لأن تكلفة حصاده وجمعه وبيعه في حينه تكون أكبر من بيعه. وهذا ما حصل في أمريكا في الفترة بين عام 1953و1973 عندما تم إهدار مليار رطل من الفاكهة بسبب رخص الأسعار. وبالتالي يأتي التلاعب بالأسعار كستار لزيادة الربح. وبذلك يواجه العالم مشكلة التعامل مع الفائض وليس الندرة كما يُشاع. . . خرافات أخرى.. تعمل الشركات الكبرى والمتعددة الجنسية على نشر خرافات تتعلق بالقوة البشرية. فتقول إحداها مثلا أن القوة البشرية عائقا لا موردا. وذلك لإقناع الشعوب بالتوجه إلى عالم الصناعة والمدنية. فهي تشيع أنها ستقوم بالاستثمارات المختلفة وخلق فرص عمل للشباب. ولكن وجود تلك المصانع تحرم الكثير من الحرفيين من الوظائف، وتزيد من نسبة البطالة لا تقللها. أما الخرافة الثانية فهي التي تشير بتأخر الزراعة في البلدان المتخلفة لوجود قوة بشرية أكثر من اللازم للعمل. ولكن ذلك غير صحيح. فاليابان وتايوان تمكنتا من تحقيق نجاح لا مثيل له في قطاع الزراعة. وفيهما من الزراعيين لكل فدان ضعف عدد ما في الفليبين والهند. إلا أن إنتاج الفدان الواحد في اليابان هو 7 أضعاف فليبين و10 أضعاف ما في الهند. وهذا يدل على أن وجود عمال أكثر يعني انتاجية أكبر في حال تم توظيفهم بطريقة منظمة ومدروسة. وتقول الخرافة الثالثة أن زيادة عدد البشر سيعرقل تقدم اقتصاد دول العالم الثالث. إلا أن سوء استخدام الموارد البشرية هو ما يؤدي إلى ذلك وليس عددهم. فنتيجة الأطماع الاستعمارية، يتم استغلال الأرض لزراعة محصول واحد أو اثنان فقط، ومن محاصيل التصدير لا الغذاء لإطعام الجياع، كالبن والقطن والكاكاو وغيرها. كما أن تلك المحاصيل توظف القوة البشرية بشكل موسمي وهو في فترة الحصاد فقط. ومن جانب آخر تقوم الشركات باستغلال الأراضي لرعي الأغنام، وهذا يتطلب توظيف قوة بشرية أقل فيما لو تم استغلالها بالزراعة. وبالتالي فإن نتيجة الأطماع وسوء استخدام الموارد هو الذي يؤدي إلى تدهور اقتصاد البلدان المتخلفة. وفيما يتعلق بشائعة وجود بشر أكثر من اللازم، فقد أثبتت فرنسا كذبة ذلك القول. فبحسب مساحتها وتعداد السكان فيها التي تشبه الصين بذلك، تمكنت من القضاء على الجوع خلال 25 عاما. وفي بنجلادش مثلا، يتم بيع الحصاد لدفع فوائد القروض. وهذا دليل آخر على أن مشكلة الجوع فيها ليست بسبب كثرة عدد البنجلاديشيين. أما شائعة الانفجار السكاني، فما يجدر ذكره أن أعلى حد للمواليد كان قد وصل في عام 1970 وبدأ يتضائل بعدها أعدادهم. كما أن زيادة عدد الأطفال لدى العائلات الفقيرة لا تسبب أي ضغط على موارد الأرض. فهؤلاء الأطفال يعملون لإعالة ذويهم. وكما قال أحد القروين: (الأغنياء يستثمرون بآلاتهم والفقراء يستثمرون بأطفالهم). ومن الأطفال من يتم تأجيرهم للعمل لدى المزارع الأخرى ورعاية ذويهم عند عجزهم، - وصدق رسول الله – صل الله عليه وسلم- في حثّ المسلمين على زيادة نسلهم-. ومن جانب آخر، فإن سوء استغلال الأراضي من الشركات الطامعة التي تقوم بزراعة الأرض بمحصول واحد فقط لا أكثر، يعمل على دفع المزارعين إلى النزوح إلى أراض أقل خصوبة، والتي فيها القليل مما يسد رمقهم نتيجة لذلك. فمثلا قامت البرازيل بتهجير العمال الفقراء إلى الأمازون لزراعتها بمختلف المحاصيل الغذائية، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك لتربتها الاستوائية التي لا تناسب معظم المزروعات. وبالتالي فجوع البرازيليين نتج عن سوء استغلال الموارد لا لكثرتهم. فهناك إذن موارد تكفي لكافة البشر، إلا أن أطماع القلة تسببت بجوع الكثير من الناس. . . الجوع في بنجلادش هناك من يموت جوعا في بنجلادش رغم تكدس الغلال بمئات الأطنان. فالفقر يمنع الكثير من البشر من شراء الغذاء. وأكثرهم تعرضا للأذى هم عمال الأرض الذين يزرعون الأغذية ولا يستطيعون أكل حصادها. هذا إضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير عند حصول الجفاف، فحينها تقفز الأسعار من 200 إلى 500 بالمئة. ومن الأسباب الرئيسة للجوع في بنجلادش سوء توزيع الأراضي. فقد كان التجار يقفون في طوابير لشراء الأراضي لأن الجوعى لم يملكوا حينها سوى تلك الأراضي التي عرضوها للبيع بأبخس الأثمان. وهؤلاء التجار أساؤوا استغلال تلك الأراضي، مما أدى إلى مزيد من الإفقار والتجويع لأهل بنجلادش. والحل يكمن في إعادة توزيع الأراضي بشكل عادل. . . الكوارث الطبيعية والمجاعة ليس لغضب الطبيعة أي دور في المجاعة. فما يحصل من فيضان في سنة يكون خيرا للسنة التالية. كما أن وجود الكوارث التي تمنع من استغلال الأرض تكون فترة مطلوبة لإراحة التربة بشكل طبيعي. ولم يثبت أي دور للجفاف في المجاعة. فالزحف الصحراوي جاء نتجية تحكم طبقة من المرابين والجشعين في موارد الأرض. فهو ظاهرة طبيعية والمجاعة ظاهرة إنسانية. والعلاقة بينهما تحكمها الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية. فمثلا، تعاني نيجيريا من الجوع نتيجة الاستهلاك الجائر للتربة مما أدى إلى افقارها وعدم قدرتها على تحمل أي مزروعات أخرى. وتبقى هناك دوما فرصة اصطلاح تلك الأراضي كما حصل في الجزائر بمنطقة اسمها بوسعدو. إذ تم اصطلاح 160 فدانا من خلال زراعة أشجار الصمط والكافور حول الأراضي لمنع الرياح العاتية من اقتلاع المزروعات، ثم تمكنت بعدها من زراعة مختلف أنواع الفاكهة والحمضيات والبقوليات. . . الاستعمار والنهب والسلب تهدف الدول الاستعمارية أو (المؤسسات الزراعية) كما يحب أن يسميها المؤلفان إلى امداد المجتمع الذي تنتمي إليه بمختلف موارد الدول المستعمرة. ومن سياسة الاستعمار سحب الأراضي من ممتلكيها ليضطروا إلى العمل في مناجم الذهب والألماس. وذلك من خلال فرض الضرائب عليهم واستغلال مواسم الكساد لاقناعهم في ترك أراضيهم ببيعها بأبخس الأثمان. تماما كما حصل في افريقيا في الساحل الذهبي ليجبر أهلها على العمل في مزارع الكاكاو. كما يفرض الاستعمار أنواع المحاصيل التي على المالك زراعتها، وذلك عند عجزه في تسديد الفوائد الخاصة بالقروض. ومن الطرق الاستعمارية الأخرى للنهب والسلب اقناع المزارعين بعدم زراعة الأغذية لتوفرها في السوق بشكل أوفر وأغنى. فمثلا، لم تكن تعاني أي من اليابان والهند من التخلف في الزراعة، وإنما تم إشاعة ذلك للسيطرة على مواردهما. وعمل الاستعمار على تدمير السوق المحلي من خلال الصادرات المختلفة كما فعل الأميرال غراي بوضع التعريفات المخفضة على الواردات من أجل منافسة السوق المحلي. إضافة إلى منع المزارعين من زراعة الصادرات بصورة مستقلة. ولمعالجة تمرد المزارعيين المحليين على بيع المنتجات بأسعار قليلة، قامت بريطانيا بإنشاء مجالس تسويق. وهي في الواقع مجالس لتثبيت أسعار الشراء لتقوم ببيعها بأضعاف إلى الخارج، كالفول السوداني على سبيل المثال. وخلف الاستعمار العديد من الدمار الذي أثر على انتاج الغذاء. مثل كراهية الشعوب للعمل الزراعي لربطه بالفقر والبؤس، دعم الطغاة، تدمير العلاقات والتعاون بين البشر لتفضيل طبقة على أخرى، تشجيع القروض، وفرض الضرائب ليصبح الدائنون الملاكيون الجدد للأراضي، وبالتالي التحكم بما يتم زراعته ليصبح صادرات مالية لا أغذية، وأخيرا إفقار التربة نتيجة الزراعة المستمرة. . . انقلاب على التنمية الزراعية عمل كارديناس عام 1934على مشاريع لتحقيق التنمية الزراعية في المكسيك. فأوجد أعداء له في أمريكا وفي وال ستريت. فحصل انقلاب على حكمه عام 1942. وتم إلغاء خططه التنموية. وبدأ التفكير بعدها في شراء الآليات الزراعية والبذور المحسنة. وذلك بدلا من تطوير العامل وتسهيل إشباع احتياجاته من الغذاء. وزادت ملكية الأفراد للأراضي لتصل إلى 2000 فدان بعد أن كان الحد الأقصى للامتلاك هو 250 فدان، ومنها مساحات واسعة ذهبت هدرا دون أي استغلال. إذ في مقارنة بين انتاج المزارع الصغيرة مع تلك الكبيرة، تبين أن إنتاج الصغيرة يصل إلى أضعاف المزارع الكبيرة تصل من 4 إلى 14 ضعفا. والسبب هو الاستغلال الكامل والمخلص في الأرض من قبل مالكها. . . تدمير الشركات المتعددة الجنسية لموارد الأرض تقوم الشركات المتعددة الجنسية بالبحث الدائم عن الأراضي الجديدة في البلاد المتخلفة لزراعة محاصيل التصدير كبدائل عن السابقة نتيجة زراعتها بشكل جائر. فمثلا تقوم شركتي أميركان فود شير كومباني، وباد انتل على استغلال الأراضي في افريقيا للمنتجات الزراعية الربحية، وبغض النظر على مناسبة المزروعات لها، وإن تطلب ذلك تدمير للأشجار المحلية فيها. كما ويتعرض الأمازون إلى تهديد لموارده نتج عن أطماع مختلف الشركات المتعددة الجنسية التي تعمل على قطع وحرق لغاباته. فمثلا، تم حرق مئات الألاف من الغابات حتى ظن المراقبون الجيولويون وجود بركان هائج لارتفاع حرارة الأرض بشكل كبير، ليظهر لاحقا قيام إحدى الشركات الألمانية بالحرق لبناء مزرعة للماشية مكان تلك الغابات. إضافة إلى قيام شركات أخرى على اقتلاع العديد من أشجار الأمازون لتزرع مكانها أشجار أخرى تم نزعها من موطنها الأصلي للاستفادة من أوراقها. وتعمل تلك الشركات على تحويل البلدان المتخلفة إلى أسواق استهلاكية لمنتجاتها. فالعلف قد يمثل ربحا لإحدى الشركات، فتعمل حينه على تشجع تربية الدواجن في تلك البلد، ومن ثم تعطي قروض على العلف لزيادة أرباحها من الفوائد. وحصل ذات الشيء لزراعة الأزهار في كولومبيا. فالقرنفل على سبيل المثال يحقق ربحا يقارب المليون بيسو في السنة أما القمح فربحه لا يتجاوز 12000 بيسو فقط. فيتم حينه زراعة الأرض بالقرنفل لا القمح الذي يحتاجه الجوعى! ومن خبث تلك الشركات ما تجعلها تميل إلى الزراعة التعاقدية لتهرب من التأميم. وفيها تحدد طبيعة المحاصيل المزروعة. تماما كما تفعل شركة نستله في البرازيل. فتلك الشركة لا تملك بقرة واحدة أو حتى مزارع للكاكاو، وإنما توزع البذور الخارجة من معاملها على المزارعين بقروض ثم تقوم بشراء المحاصيل منهم. ومن يحاول التمرد على شروط أي شركة فإنها تحرص على عدم نيله أي تعاقد مع الشركات الأخرى ليموت جوعا مع عائلته. كما أنها تقوم بشراء الشركات المحلية كما تفعل مارس ونستله وجراند بوليتان وغيرها للسيطرة على الأسواق. وفي كتابه (إمبرالية الفراولة) يتحدث إيرنست فيدرعن زراعة الفراولة في المكسيك وأحوال العمال فيها. ويصف بؤسهم بسبب الأجور المتدنية وتفضيل الشركات للمزارعين من الأطفال والنساء. كما أن العمل في مصانعها موسمي مما يجعل العامل يموت جوعا بقية أيام السنة. وتستخدم الشركات المتعددة الجنسية الدعاية والإعلان لكسب ولاء الناس للشركة وليس لمنتجاتها. فهي طامعة كاذبة تهدف إلى رفع سعر الأغذية بتصنيعها كما في حالة البطاطا. فهي رخيصة بحالتها الطبيعية، إلا أن سعرها يرتفع أضعافا حال تحولت إلى رقائق أو بودرة. وتستهدف تلك الشركات الفقراء كمستهلكين لمنتجاتهم. وذلك من خلال نشر مختلف الدعاية والإعلان من ملصقات وبث عبر الراديو. فتقوم بإقناعهم بشراء منتجاتهم بدلا من الغذاء. مثل الدعاية لشراء المعلبات والسجائر والمشروبات الغازية. إضافة إلى الترويج إلى طعام الأطفال ومنه الحليب الصناعي، وذلك بتوفير عينات مجانية مع نشر الأكاذيب حول مشاكل حليب الأم من ناحية عدم كفايته للرضيع. . . التصدير وفائض الانتاج يذهب الفائض في الانتاج إلى التصدير أو لإطعام الماشية أو لنخبة حضارية وليس إلى الفقراء، كما يحصل في المكسيك والفلبين وأمريكا. أو يتم القائه في القمامة إن لم يطابق المحصول معايير التصدير. وتؤثر ارتفاع أسعار التصدير على العمال بشكل سلبي. فمثلا، عند ارتفاع سعر الفول السوداني ينخفض السعر الذي تدفعه السنغال للعمال، وكذلك سعر السكر في مزارع القصب في الدومينيكان، ومزارع الشاي في سريلانكا، وذات الشيء في ساحل العاج. فزيادة الانتاج عند ارتفاع السعر يجعل الحكومات تدفع أقل. وحينها على الفلاحين انتاج أكثر للمحافظة على مستوى الدخل ثابتا. . . حقيقة المبيدات الكيماوية بيّن الكاتبان أن جميع المبيدات الكيماوية ضارة وغير نافعة للمحاصيل. وذلك كونها تقتل الحشرات المفيدة، وتقوي مناعة الضارة منها. وهذا ما أدى إلى انتشار الأمراض بين الناس. كالسرطانات والعقم. وتسكت أمريكا عن هذه الحقيقة لتستمر في تصدير تلك المنتجات إلى العالم الثالث. ومن الأمثلة على تلك الكيماويات الفوسفيل التي طورتها شركة سي كول في تكساس والتي صدرتها إلى مصر. فقد تم تسجيل حالات للتسمم القاتل، واضرابات عصبية، والشلل، ورؤية ضبابية، وعجز في النطق، وخلل في الذاكرة. وكان أن استقال العديد من المسؤولين في تلك الشركات لعدم قدرتهم على تحمل مسؤولية تبعات استخدام تلك المبيدات على البشر. ولا تزال مبيعات تلك المنتجات مستمرة في العالم الثالث رغم حظرها داخل الولايات المتحدة. وتملك شركات المبيدات الحشرية علاقات قوية مع الحكومات لتسهيل سيل منتجاتهم داخل البلاد، وتملك لوبيات ضاغطة قادرة على تسيير أعمالهم والوقوف في طريق من يعمل على كشف حقيقة منتجاتهم. تماما كما حصل حين تم الضغط على إدارة جامعة أريزونا الأمريكية لسحب العلماء من فريق البحث الذي تمكّن من السيطرة على الآفات في إحدى الحقول دون استخدام المبيدات الكيماوية وبكلفة أقل بعشر مرات. وتشترك منظمة الغذاء والدواء مع تلك الشركات بالترويج لمنتجاتها. وينال مشرفي منتجات الشركات في الحكومة راتبين؛ الأول من الحكومة، والراتب الثاني، ويكون أكبر، من تلك الشركات. فكذبة تسميم البيئة للحصول على الغذاء غير مكشوفة بعد للعالم المتخلف. ومن الجدير بالذكر أن البشر لا تحتاج الى المبيدات الحشرية، كون الآفات تأكل جزء من النبات لا كامله. كما أنها غير ضارة للإنسان. وهناك حشرات تتغذى على أخرى، فلا حاجة للتدخل الكيماوي من أصله. . . حقيقة التطوير الزراعي (المصنّع) لا تعد البذور المحسنة والمصنعة في المعامل المختلفة عالية المحصول كما يُشاع عنها. وإنما هي في الواقع شديدة الحساسية أو عالية الاستجابة، كونها أكثر تأثرا بالطقس وتقلباته وأقل مقاومة للأمراض. والبذور المحسنة لا تتطور لتلائم الطبيعة لعدم اعطاءها الوقت الكاف لتتكيف مع الطبيعة. فينتج تطور للآفات وزيادة خطر دمار المحصول. ولذلك لا يتمكن المزارع الصغير من زراعتها لعدم قدرته على تحمل خسارة المحصول. فيضطر المزارع الصغير إلى شراء غذائه من السوق وبالأسعار المعروضة للجميع، الغني والفقير! أما السماد الكيماوي، فهو ابتلاء للتربة. فتغذية التربة بالنيتروجين الصناعي سيعطل قدرتها على امتصاصه لا محالة في المستقبل القريب. ويعد تطوير الآلات الزراعية المختلفة سببا في ارتفاع نسبة الجوعى. فهي في الواقع تحل مكان الأيدي العاملة. فيزيد باستخدامها معدل البطالة. وتنال تلك المكنات شعبية لدى الكثير من ملاكي الأراضي للتخلص من دفع الأجور، ومن الالتزام بدفع الحد الأدنى لها. فنجد انتشار الجوع وزياة نسبة البطالة مواكبا لانتشار الآلة. . . حقيقة المعونات الغذائية يعدّ ثالوث المعونة خرافة أخرى لأنها لا تحقق المعونة للجميع. وهي تذهب إلى الملاكين وليس الفقراء. كما أن منح التنمية تذهب لبناء المنشئات التي تسهل شحن الصادرات من البلاد المتخلفة إلى الدول العظمى، كتشييد الطرق والجسور والموانئ والسكك الحديدية وغيرها. والمعونات عبارة عن قروض بفوائد، تجبر البلاد المتخلفة على زراعة الصادرات للحصول على العملة الصعبة لدفع ما يترتب عليها من ديون. وتشمل المعونات عادة على فوائض الحليب والقمح وغيرها مما تريد أمريكا والاتحاد الأوروبي من التخلّص منه. ومنها ما تكون قديمة كما في بسكويت الذرة الذي تم توزيعه في بنجلادش بعد إحدى الفيضانات والذي كان مخصص لمخابئ الدفاع الأمريكي من الغبار الذري وقت رعب القنبلة الذرية. والكثير من المعونات لا تصل إلى الفقراء، وإنما يتم بيعها للميسورين كما في بنغلادش. ومن أهداف المعونة منع المنافسة المحلية بإغراق السوق المحلي بالمواد الغذائية التي تأتي على شكل المعونات. وبالتالي انتقال المزارعين إلى العمل كعمال بأجور رخيصة لدى الشركات المتعددة الجنسية. أما المعونات التي يتم إرسالها إثر الكوارث الطبيعية، فهي تمنع الزراع المحليين من التصرف في مخزونهم من الغذاء. وهذا يؤدي إلى عدم قدرتهم على تصريفه وخسارته. وتستخدم أمريكا المعونات الغذائية كسلاح للتدخل في مصائر البلاد الأخرى. فهي إن لم ترض عن أي نظام، تعمل على وقف المعونة وترك البلاد تموت جوعا. وفي حال وجدت في النظام ما يلائم مصالحها – وهنا يكون بالعادة نظام مستبد – تعمل حينه على در المعونات عليه وبلا هوادة. . . سر البنك الدولي يعمل البنك الدولي على إغراق بعض الدول بالقروض المالية ليتمكن من إحكام قبضته عليها من خلال إيقاعها في فخ الديون المتراكمة. ويملك البنك وثائق سرية لا يعلم بها أي أحد. إضافة إلى أنه غير محاسب أمام أية جهة؛ سواء من الكونغرس أو أية هيئة قانونية. وجميع مشاريعه سرية، وما يعرض للنشر يتم تعديله. ولا ينفك رئيسه بالتوكيد دوما على مساعدة البنك للفقراء. إلا أنه في الواقع يستفيد من وجودهم ومن زيادة أعدادهم حول العالم. . . كيف يتحقق الأمن الغذائي؟ لا يمكن الوصول إلى الأمن الغذائي بزيادة الانتاج، وإنما بالعمل على تحقيق ما يلي: أولا - التوزيع العادل للأراضي وللخدمات المتعلقة بالزراعة لمنع المرابين والجشعين من إهدار موارد الأرض. ثانيا- التنوع في زراعة المحاصيل الزراعية الغذائية من البقول والفاكهة والخضراوات دون التركيز على محاصيل التصدير كالبن والقهوة والشاي والقطن. ثالثا- تخفيض البطالة من خلال توظيف الشباب في الزراعة. فالصين مثلا، تمكنت من تخفيض نسبة البطالة لتصل إلى 54 بالمئة بمقابل 80 و 75 بالمئة في الدول المتخلفة الأخرى، وذلك عندما عملت على توظيف القوة البشرية في الزراعة. رابعا- توظيف أموال التصدير في الخدمات التنموية. كبناء المدارس وتصنيع الأدوات وغيرها من مشاريع التنمية، وليس على مشاريع الرفاهية من منتجعات وقصور وسيارات وغيرها. خامسا- التقليل من تدخل البنك الدولي في مساعدة البلدان المتخلفة. سادسا- حسن إدارة توزيع المعونات الغذائية الخارجية. قراءة في كتاب الإسلام والاقتصاد للدكتور عبد الهادي علي النجار بقلم إشراق عرفة . يوضّح الكاتب بداية صعوبة دراسة الاقتصاد بشكل كامل ضمن بحث واحد. وذلك لأنه يتطلب عدة دراسات لكثرة جوانبه، فاختص على المنظور الإسلامي لأبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، كالعمل، الملكية، التنمية البشرية والاقتصادية، توزيع الدخل، النقود، معالجة الفقر والتلوث، جهاز السوق، التخطيط الاقتصادي، وغيرها مما ستبينه هذه القراءة. . مفهوم الاقتصاد إن مفهوم الاقتصاد في الفكر المعاصر هو العلم الذي يحكم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بين أفراد المجتمع من خلال انتاج السلع وتوزيعها لإِشباع حاجات الإنسان. وبيّن الكاتب أن الإسلام عالج موضوع الاقتصاد كباقي نواحي الحياة، إلا أن الخبراء من الاقتصاديين يتجنبون دراسة الاقتصاد من المنظور الإسلامي لقصور معرفتهم في الدين. وذات الشيء بالنسبة إلى علماء الدين ممن يتجنبون توضيح الأحكام الإسلامية في القضايا الاقتصادية لعدم توفر المعرفة الاقتصادية اللازمة لديهم. وبالتالي فالكاتب درس الاقتصاد والقانون وحاول من خلال هذا الكتاب بيان بعضا من القضايا الاقتصادية تحت ظلال الإسلام. . بين الكاتب الفرق بين الاقتصاد في الإسلام والاقتصاد الوضعي. فالاقتصاد الإسلامي له طابع تعبدي وبالتالي الهدف منه هو رضا الله وتحقيق الخير للجميع وخلافة الأرض. أما الاقتصاد الوضعي فغايته شخصية ولذلك نجد إباحته للاحتكار والربا وغيرها في سبيل تحقيق المصلحة الفردية وليس مصلحة الجميع. كما أن الأفراد في الاقتصاد الإسلامي يملكون الرقابة الذاتية تمثلا بقول الرسول حول الإيمان وهو عبادة الله كأنك تراه فإن لم تره فهو يراك. وهذا يقي من حدوث السلوكيات السيئة مثل الاختلاس والغش والرشوة وغيرها. أما علم الاقتصاد فهو الذي يبحث بين الموارد المحدودة وحاجات الإنسان غير المحدودة. إلا أن النظرة الإسلامية تعارض مفهوم حاجات الإنسان غير المحدودة. فهي بنظره محدودة. . ثم وضّح الكاتب الفرق بين النظام الإسلامي والرأسمالي والاشتراكي. فالنظام الرأسمالي يحمي الملكية الفردية ويجعلها مطلقة دون أية قيود. أما الاشتراكي، ففيه تتدخل الدولة في الملكيات الفردية. أما الإسلام فهو يقر ويحمي الملكيات الفردية وبنفس الوقت لا يمنع تدخل الدولة إن تحققت مصلحة الجميع تمثلا بقول الرسول – صل الله عليه وسلم-التي تقول لا ضرر ولا ضرار. . ونظرة الإسلام للاقتصاد تشمل الإنسان والموارد. فمن ناحية الإنسان فهو بنظره قادر وواجب عليه استخراج الموارد كون الله تعالى علّم آدم الأسماء كلها. وذلل الأرض له. والموارد تكفي لجميع البشر. فالمشكلة إذن ليست بشحها وإنما لعدد من الأسباب، منها: 1. تعطيل الإنسان لها. 2. إهدارها من قبل الإنسان. 3. الصراع للاستيلاء عليها للبعض دون الآخر، أي الطمع والأنانية. 4. سوء توزيع الانتاج. . وأشار الكاتب إلى مشكلة طبيعة الانتاج من مختلف السلع والبضائع لإنعاش الاقتصاد. وبيّن أن الإسلام عالج هذه القضية من منظور الحلال والحرام. فإنتاج الكحول مثلا قد يفيد الاقتصاد إلا أنه حرام في الإسلام لضرره على المجتمع. وبالتالي يجب انتاج السلع والبضائع التي لا تهدف فقط إلى الربح وإنما إلى الخير وإعمار الكون. . العمل العمل هو المجهود الذي يقوم به الإنسان عن وعي لسد حاجاته المختلفة. والإسلام أمر الجميع بالعمل وليس فئة دون أخرى. والدليل عمل الأنبياء عليهم السلام. مثل سيدنا محمد – صل الله عليه وسلم – الذي عمل في الرعي والتجارة، وسيدنا داوود الذي اشتغل في الحدادة، وسيدنا إدريس في الحياكة، وغيرهم. وفي هذا الموضوع يرى الإسلام ضرورة تدخل الدولة لإجبار الأفراد على العمل مقابل توفير لهم حد الكفاف من آليات ومسكن وطعام ولباس وحتى زواج – وهنا لي ملاحظة حول قمع بعض الحكومات للمنتجات الوطنية في سبيل توفير المنتجات الأجنبية الأسواق الاستهلاكية داخل أراضيها، وهو أمر مخالف تماما لأحكام الإسلام بحسب ما سبق، القارئة.- وفي الموضوع المتعلق بالتعامل مع العمال، يرى الإسلام ضرورة عدم تكليفهم من المهام ما يفوق طاقتهم ومساعدتهم في إنجاز العمل إن لزم ذلك. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم حينما ذكر قصة ذو القرنين. هذا إضافة إلى إعطائهم الأجر المناسب لقوله تعالى في سورة المطفيين: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)). أما فيما يتعلق بالعاملات من النساء. فالإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في المهام والتكاليف والجزاء وراعى الاختلافات في طبيعة كل منهما. إلا أنه هناك البعض من المهام التي لا يجوز للمرأة توليها. مثل رئاسة الوزارات والقضاء والشهادة في بعض الأمور، كالشهادة في الدين. وهذا ليس انتقاصا من المرأة وإنما بسبب طبيعتها المختلفة عن الرجل. وهو أمر جميل يرفع من قدر المرأة. فلا ننسى تكريم الإسلام لها؛ كحقها في الإرث. ولا يعد انتقاصا أن تكون حصتها في ذلك أقل من الرجل وإنما لمسؤولية الرجل في الإنفاق. فالمرأة في الإسلام غير مسؤولة عن الإنفاق وإن كانت غنية إلا أن أرادت هي التطوع برضى منها. كما أن الرجل هو ربّ الأسرة. قال تعالى في سورة النساء: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (34)). أما من ناحية أجر العاملة والذي اضطربت فيه دول الغرب حوله فيجب أن يكون مساويا للرجل. قال تعالى في سورة النحل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)). . التنمية البشرية تعني التنمية البشرية تحرير الإنسان اجتماعيا وثقافيا وماديا ليتمكن من المنافسة والمساهمة في الاقتصاد الوطني والعالمي. أما مفهومها في الإسلام فهو أشمل من ذلك. فهو أمر بعدم قتل الأطفال خوفا من الفقر، وأن تكون الأسرة مبنية على المودة والرحمة، وحرر الإٍسلام عقل الإنسان بدعوته إلى طلب العلم والتأمل والبحث والتفكير. كما اهتم بالجانب الروحي له وتقويته. فأعطى الإسلام بذلك الإنسان كافة الأدوات التي تجعله قويا وقادرا على تذليل العقبات وتحقيق الخير الكثير. فما سبب تخلف المسلمين إذن بالرغم من امتلاكهم لهذا الدين العظيم؟ هناك ثلاثة أسباب: المعنوية والداخلية والخارجية. فالمعنوية هي الشعور بالقهر. والخارجية وجود الأطماع في خيرات بلادهم والتي تتمثل بالاستعمار. أما السبب الداخلي فهو يتمثل برداءة التعليم وسوء التخطيط والتنسيق وتفشي الأمية والفساد بوضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب والتبعية. . الملكية للملكية الفردية في النظام الرأسمالي حرية غير مقيدة؛ للأفراد وللإنتاج. وهذا خلل أدى إلى زيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء. أما النظام الماركسي فهو يرى أن الشرور تأتي من وجود الملكية الفردية وبالتالي يطالب بثورة العمال على الإقطاعيين وأصحاب رؤوس الأموال لينتهي بذلك الصراع الطبقي. وفي النظام الإسلامي، نجد أنه أقر بالملكية الخاصة وحفظها. فهي حق ولكن مقيدة. بمعنى أن الملك هو لله. فهو الوارث والمعطي. كما أن الإنسان يحاسب على ملكيته الفردية وكيفية تصرفه فيها. . أما ملكية الدولة في الإسلام فهي التي لا يجب أن تكون فردية مثل جباية الزكاة والجيش. إضافة إلى حق الدولة في سحب الملكية الفردية إن كانت تقع ضررا على المجتمع. إضافة إلى قيامها بتقنينها من خلال السماح للآخرين من الاستفادة من ملكية أحدهم إن لم ينقص ذلك من ملكه، كامتلاك أحدهم لنهر جار، - أو امتلاك أحدهم لأرض وقام أحدهم على زراعتها والاستفادة منها، كونه في هذه الحالة الأرض تبقى أرضا ولا ينتقص منها شبرا، القارئة -. وما سبق يدخل ضمن إرجاع الملكية لله على أن الإنسان مؤتمن على ما يملكه بما يفيد نفسه والآخرين. ولا ينكر الإسلام التأميم، والذي فيه تقوم الدولة باستملاك الملكية الفردية. وكان التأميم يقع ضمن نطاق ضيق في زمن المسلمين الأوائل لقوة الوازع الديني حينه في الدولة مما جعلها لا تستحوذ على ملكية أحدهم إلا للضرورة القصوى. ومن الأمثلة على التأميم في الإسلام أرض النقيع في زمن الرسول – صل الله عليه وسلم -ليكون مكانا لخيول المهاجرين والأنصار عند الغزو. وذات الشيء في الأراضي الزراعية المفتوحة التي لا يمكن توزيعها كغنيمة وتركها لأهلها لينتفعوا بها كما في فتوحات العراق والشام. . التنمية الاقتصادية أما فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية في الإسلام، فبداية يشترط في المنتج أن يكون حلالا، وأن يتم توظيف عناصر الإنتاج ضمن دائرة الحلال. وهذا من شأنه التقليل من تداعيات الصناعة الذي نشهده الآن من سعار صناعي تسبب في التلوث البيئي، -ومنه الانحباس الحراري الذي بات يهدد الكائنات الحية من نبات وحيوان وحتى من البشر ممن لقوا حتفهم نتيجة الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، القارئة –وهذا مرة أخرى نتيجة خلو الضوابط على عملية الإنتاج في الأنظمة الاقتصادية الأخرى، بحيث لم يعد النفع العام ضمن اعتبارها. . والتنمية الاقتصادية في الإسلام فرض على الفرد والدولة والمجتمع لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)) – الملك، وقوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)) – الجمعة. هذا إضافة إلى قوله تعالى: (َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)) – البقرة، والذي فيه أشار الله تعالى إلى الإنفاق بعد الكسب أو الإنتاج. ومن الجدير بالذكر انشغال المسلمين الأوائل بعمارة الأرض وليس في التنمية الاقتصادية. وهذا أفضل كونه يشمل مختلف مجالات الحياة الإنسانية بما يرضي الله تعالى، -وليس فقط السعي للإنتاج الوفير بغض النظر عن فائدته أو ضره طالما أنه يدر على صاحبه الفائدة المالية، القارئة -. وفيما يتعلق بالمؤشرات التي تميز الدولة المتقدمة عن تلك المتخلفة، ففي الفكر المعاصر يكون المؤشر متوسط الدخل الفردي والذي هو مقصور كونه يشير إلى حد الكفاف لا الكفاية. أما في الإسلام، فإن المؤشر هو حد الكفاية لا الكفاف. والفرق بينهما هو أن الكفاية تعني توفير قوام العيش من خلال إشباع احتياجات الفرد من تعليم وصحة ومأكل ومشرب ومسكن، وإعالة من مرض وقعد وعجز عن العمل من بيت مال المسلمين. أما الكفاف، فهي التي تعني سد الحاجات الأساسية من طعام وشراب ولباس بما يكف المرء عن السؤال. والإسلام طالب بتحقيق حد الكفاية لا الكفاف وعلى أساسه فالدولة التي من تتكلف بأبناء الأيتام وبالعاجزين عن العمل لأجل العيش الكريم ومنه تزويج الشباب من غير القادرين على تكاليفه، وتوفير المساكن للعمال وغيرها. جهاز السوق أجاز الإسلام تثمين السلع بناء على العرض والطلب ولكن من دون ظلم وضرر. وإنما بعدل يلغي الاحتكار والربا وتكنيز الأموال وتخزين البضائع بما يضر العامة وغيرها من الممارسات السلبية. كما أنه أجاز الربح ومختلف العلاقات بين أصحاب المال والعمل بشرط تحقيقها للعدل. ولا يوجد في الإسلام منافسة احتكارية كما هو الحال في النظام الرأسمالي. وإنما منافسة شريفة خالية من الاستغلال والتهريب وفرق السعر والاكتناز. وللدولة الإسلامية سحب الرخص ممن يقوم بتلك الممارسات غير المشروعة. كما أنه لا يفرض أية أنظمة على الشعوب كالأنظمة الرأسمالية والاشتراكية. وإنما المساواة بين الجهد والأجر لقوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8)) – الزلزلة. فالتثمين العادل هو الذي يغطي نفقة الإنتاج مع الربح. وهو واجب على الدولة في متابعته ومراقبته. ورفض الإسلام التبخيس بالأسعار عند المنافسة لأنها تؤدي إلى الخصومة. وعند غلاء الأثمان على الدولة عدم التدخل للإجبار على البيع ببخس. وأما بالنسبة إلى السمسرة فلا يشجع عليها الإسلام. - وهذا يجعلنا نجد أننا نعيش الآن بين كل تلك السلبيات والتي لو تم تطبيق الإسلام لاختفت جميعها ونال الناس العدل والرخاء، القارئة -. . ووظيفة البنوك في العالم الإسلامي تقتصر على تقديم الخدمات للعملاء لتنال عليها الأجر، مثل تأجير الخزائن والودائع وفتح الحسابات، ومن دون التعامل مع الربا والفوائد وغيرها من الممارسات التي حرمها الإسلام. والسبب أن الربا له أضرارا عدة، قام الكاتب بتعدادها على الوجه التالي: 1. التخلف، وذلك لتوقف أصحاب الأموال عن العمل في انتظار تزايد أموالهم. 2. حجز الأموال في أيدي المرابين، وبالتالي توزيع غير عادل للثروة كون العمال وحدهم من يقومون بدفع الفوائد. 3. انعدام الزكاة كون مال المرابين كله حرام، فكيف لهم تزكيته؟ 4. زيادة التضخم. كون الفائدة تضاف إلى رأس المال وبالتالي ارتفاع في الأسعار. والحل يكمن في المشاركة بحيث يقوم البنك بتوفير المال على أن يقوم العميل باستخدامها في استثمار المشاريع المفيدة. وقد يعطيه البنك الخبرة والمشورة حول كيفية إدارة تلك المشاريع. وهناك أنواع أخرى من المشاركة الحلال بين البنوك والعملاء ذكرها الكاتب بالتفصيل في صفحة 92. . النقود اعتمد الناس على المقايضة من سلع مقابل سلع أو خدمات متبادلة. ولكن كان هناك صعوبة في ذلك لرغبة الإنسان الفطرية في الاحتياط للمستقبل، وبالتالي واجه صعوبة تخزين السلع لحاجتها إلى المساحة والاهتمام وتعرضها للتلف مع الزمن وفقد قيمتها. إضافة إلى صعوبة تحديد ماهية رأس المال، وغيرها. فكانت تلك المشاكل وراء اختراع فكرة النقود. وفي الإسلام نجد أن المقريزي والغزالي هما أول من شرح موضوع النقود. فأشار الأول إلى ضرورة التداول بالذهب والفضة لتسيير أمور الناس. أما الغزالي فأشار إلى عدم الاتجار بالنقود من أجل النقود ذاتها وإنما باتخاذها وسيلة لإِشباع حاجات الإنسان وليس كغاية. وبيّن المقريزي أسباب التغيّرات التي تحصل في قيمة النقود. منها: قلة المنتج نتيجة الكوارث الطبيعية والجفاف أو بسبب الفساد في الحكومات والتضخم الناتج في اعتبار النقود سلعة لا غاية. او لزيادة تداول النقود فتصبح متاحة للجميع وتفقد بذلك قيمتها الشرائية. ويعد المقريزي أول كاتب عربي تطرق إلى المشاكل المتعلقة بتغير قيمة النقود على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمجاعات كالتي حصلت في مصر. وبين أن من الأسباب الأخرى للتضخم: انتشار العملة السيئة، ارتفاع أجور العمال وبالتالي زيادة قيمة الإنتاج ومن ثم ارتفاع الأسعار. والحل برأيه الرجوع إلى الذهب والفضة للتداول. ومن المسلمين من كتب في موضوع النقود: ابن خلدون والإمام الحنبلي وابن عابدين. ويدعو الكاتب إلى قراءة أبحاثهم ودراستها في محاولة لحل المشاكل الاقتصادية المعاصرة. . مشكلة الفقر أوجد الإسلام الزكاة لتحقيق التوازن في المجتمع ولحل مشكلة الفقر والمجاعات. وهناك عدة أسباب وراء مشكلة الفقر، مثل: قصور في استغلال الموارد، سوء في توزيع الدخل، عدم الإنفاق في سبيل الله تعالى. وفي الأخيرة قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47)) – يس. وعالج الإسلام الفقر بالدعوة إلى التنمية الاقتصادية واعتبر أن تعمير الأرض من أفضل دروب العبادة. وأيضا من خلال التوزيع العادل الذي يتم عن طريق الزكاة الذي على الدولة واجب تحصيله وتوزيعه على الفقراء وهم في بيوتهم. فالأموال هي لكل الناس وليس فقط للأغنياء وبالتالي للفقراء حق فيها. كما أنه ضبط توزيع الدخول من خلال قيام الذي يملك المال الفائض بإعطاء الفقير منه. فالرسول – صل الله عليه وسلم- قال: (من بات مؤمنا جائعا فلا مال لأحد). ولم يحدد الإسلام حد الغنى، والدليل وجود الأثرياء زمن الرسول – صل الله عليه وسلم -مثل عثمان بن عفان. وإنما أوجب حد الكفاية لكل فرد والذي يتحقق بالزكاة واستعمال الأموال كوسيلة لا غاية كما سبق وتم شرحه. ويقارن الباحث بين الضرائب والزكاة: فالضرائب توجب لأجل المال وفيها يقع الخطأ والصواب كونها من أنظمة البشر. أما الزكاة فقد فرضها الله تعالى وهي بالتالي تخلو من الخطأ. وتهدف الزكاة إلى الخير والرخاء. ويمكن للدولة فرض الضريبة إلى جانب الزكاة إن رأت الحاجة في ذلك لأجل معالجة الفقر وليس لجمع الأموال فقط. . التخطيط الاقتصادي يتطلب التخطيط الاقتصادي إلى جهاز تخطيطي، فلا يكفي الاعتماد على جهاز السوق لمعالجة المشاكل الاقتصادية المختلفة. وإنما على الدول المتخلفة محاولة تطبيق الأجهزة التي اتبعها الغرب والسير على خطاها لتحقيق التنمية الاقتصادية. وفيما يلي بعضا من الدروس المستفادة في التخطيط الاقتصادي المعاصر: 1. التحصّن ضد الموضات الجارية. وهذا يتم بتجنّب الحلول القصيرة الأجل والتركيز على النظم والخطط الخاصة. 2. الفصل بين التخطيط والتنفيذ. ليتمكن الخبراء من إعادة تقييم الخطط الاقتصادية وإجراء التغييرات الممكنة. 3. عدم إغفال أهمية الموارد البشرية وتدريبها بما يكفي لتكون مساهمة بشكل فعال في التنمية الاقتصادية. وبالنسبة للتخطيط الاقتصادي في الإسلام، فهو بداية احترم الملكية الفردية وفرض القيود عليها لئلا يصبح المال محصورا بين فئة محددة من الناس ولتجنب الضرر بالعامة. كما أنه وازن بين الملكية الفردية والاجتماعية بفرض الزكاة. ومنع احتكار أربعة مواد: الماء، والكلأ، والنار، والملح لضرر ذلك على المجتمع. ويمكن للدولة التدخل لتحويل الملكية الخاصة إلى عامة كما حصل زمن الرسول – صل الله عليه وسلم – بأرض النقيع للمنفعة العامة. وأخيرا، أوجب قيام العلاقات الاقتصادية على الأسس الأخلاقية والإنسانية لا المادية فقط. وهذا ما يحققه التكافل الاجتماعي من خلال الإنفاق على الأقرباء من العاجزين وغيرهم. وفي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)) – الأنفال. دعوة إلى التخطيط ومنه الاقتصادي. وذات الشيء بقوله جلّ وعلا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ (110)) – آل عمران. ومن الأمثلة على التخطيط الاقتصادي في القرآن الكريم قصة ذو القرنين وقصة يوسف عليه السلام. ففي قصة يوسف، نجد أن التخطيط الاقتصادي تمثل فيما يلي: 1. العمل الزراعي الدؤوب. 2. تخزين وحفظ الثمار. 3. عدم الإسراف في الاستهلاك. 4. إعادة استغلال الفائض في عملية الإنتاج. 5. حسن استخدام الفائض لتحقيق الموازنة ولإنتاج المزيد من الفائض. 6. أهمية العنصر البشري، يكون فيه العمال مرتاحين وغير مضطهدين، واستخدام ذوي الكفاءات منهم. وفي قصة ذو القرنين: نجد أنه ربط بين العدل والعمل، وبيّن أن الفساد يوجد طغاة التي تستضعف المستضعفين، وأوجب التعاون في العمل وتدريب العمال، واختبر قوة العمل، وحمد الله وشكره على التوفيق. المحافظة على البيئة أشار الإسلام فيما يتعلق بالمحافظة على البيئة إلى أمرين: أنها لا تتعلق بزمن محدد، والثاني استغلال البيئة بما يرضي الله لا استنزافها وبالتالي المحافظة عليها. ويدخل في المحافظة على البيئة اصطلاح الأراضي والعمل على استخراج كافة الموارد. وتأتي أهمية المحافظة على البيئة في الاقتصاد كونها توفر الموارد التي يحتاجها الإنسان من هواء وماء وحيوان ومعادن. والإنسان كرمه الله تعالى وميزه عن الملائكة بالعمل وليس فقط العبادة، فمن واجبه حسن استغلال البيئة دون الإضرار بها. قراءة في كتاب العادات السبع لأكثر الناس كفاءة - ستيفن كوفي
(من أفضل الكتب مبيعا / بيعت منه أكثر من 15 مليون نسخة حول العالم) بقلم إشراق عرفة يتحدث الكتاب عن ضرورة امتلاك سبعة عادات لمن يريد تحقيق الاستقلالية والفردية والنجاح في حياته الشخصية والعائلية والمهنية، وعلى مستوى الأفراد والشركات. وهذه العادات من شأنها مساعدة المرء على حل مختلف المشكلات العصرية التي يعاني منها في حياته الشخصية والعائلية والمهنية. مثل التوتر وضغط العمل، وتمرّد الأبناء، وانعدام إخلاص الموظفين وقلة كفاءتهم، وعدم القدرة على تفهّم احتياجات الزوجة. وقسّم الكاتب تلك العادات إلى قسمين: الأول وفيه العادات المتعلقة ببناء الشخصية القوية من خلال تبني أسلوب عيش يطابق القيم والمبادئ الخاصة بالفرد أو الشركة، ومن ثم كتابتها وتنفيذها. والقسم الثاني يبيّن العادات المتعلقة ببناء العلاقات الناجحة مع العالم الخارجي من خلال تطوير مهارات الحب والاستماع للطرف الآخر، سواء كان ابن أو موظفين أو شركاء في العمل أو إن كانت الزوجة. وذلك لتحقيق مصلحة كلا الطرفين ومن ثم القدرة على التعاون مع الآخر لتحقيق نتائج أفضل على الصعيد الاجتماعي والمادي والمهني. بناء الشخصية الريادية وفيها يتطرق الكاتب إلى ضرورة قيام كل فرد بإعادة النظر في سير حياته والتأكد من أنها تطابق مبادئه وقيمه. فهو يشبّه الشخص المستقل الناجح بالمبرمج الناجح. فالمبرمج وحده من يملك القدرة على كتابة البرنامج (أي القدرة الفردية على إدارة الحياة الشخصية)، ومن ثم كتابته (القيم والمبادئ الخاصة) ومن ثم تنفيذه (إعادة ترتيب الأولويات بما يناسب تلك القيم والمبادئ). وبذلك تتحقق أولى العادات الثلاث لأكثر الناس كفاءة. وبالتالي التمتع بالنجاح والسعادة، ليس فقط على المستوى الفردي فقط وإنما على صعيد الأسرة والعمل أيضا. ويأتي ترتيب الأولويات بالقدرة على إدارة الوقت وعدم إغفال أهمية المهام غير المستعجلة الضرورية لسعادة الشخص؛ وأهمها العمل على إنشاء علاقات دائمة مع العائلة من زوجة وأطفال ووالدين وأقربين. فقد بيّن الكاتب أن كثير من الناس تفني وقتها في إنجاز المهام المستعجلة متغافلة عن أهمية تحديد وقت للعلاقات الاجتماعية وللنفس. وهذا ما يؤدي إلى تراكم المشاكل الصحية والاجتماعية وعدم التمتع بالقوة والراحة والاستمتاع برفقة الزوجة والأبناء. وأشار الكاتب إلى أهمية الإشباع العاطفي للفرد واستقلاليته ليتمكّن من أن يكون مبادرا في حياته وفاعلا وليس متأثرا أو مبالغا في ردة فعله. فالقائد ليس كالمدير. فالأول يملك نظرة شمولية واستراتيجية، والثاني يملك القدرة على التحليل والإمعان في التخطيط والتنفيذ. والريادي بشخصيته من يستطيع أن يكون قائدا ومديرا في نفس الوقت. أي يتمكن من تحديد استراتيجية لحياته وأن يدير وقته ومهامه لتحقيقها. وهذه العادات الثلاث يمكن تبنيها من قبل الشركات إلى جانب الأفراد. فمثلا، في حال اشترك جميع أفراد الأسرة على مبادئ التعامل فيما بينهم لسهلت الحياة داخل المنزل ولقلت المشاكل. وذلك بمعرفة حقوق وواجبات كل فرد فيها على الآخر. وذات الشيء بالنسبة للعمل. فالشركة القادرة على كتابة مهمتها التي تلخّص مبادئها وأهدافها وبالاشتراك مع موظفيها، سيسهل حينها تنفيذ المهام في الوقت والشكل المطلوب وتحقيق الربح المراد. فيجب دائما توضيح شكل المراد للآخرين وكيفية تحقيقه؛ سواء كانوا أفرادا في عائلة واحدة أو موظفين داخل شركة ما. بناء العلاقات الناجحة أشار الكاتب في هذا القسم الأخير من كتابه إلى أهمية بناء علاقات ناجحة مع العالم الخارجي ليتمكّن الإنسان من تحقيق سعادته. وذكر تحديدا ما أمرنا به الرسول e بقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبّ لنفسه)، والتي ترجمها الكاتب بضرورة التواصل الدائم مع الآخر لتحقيق علاقة نجاح لكلا الطرفين (win - win). وذلك سواء كان على الصعيد الشخصي كالزوج مع زوجته أو رجال الأعمال مع بعضهم البعض أو المدير مع الموظفين وهكذا. وأشار بشكل متكرر إلى أهمية تبادل الاحترام والثقة والنزاهة والألفة مع الآخر. كونه حينها يصبح كلا الطرفين أكثر انفتاحا لرأي الآخر والأخذ بها في عين الاعتبار عند المناقشة. وشدد على ضرورة النزاهة كأساس للثقة ومنها إلى الصداقة. وهذا ما بيّنه الرسول e بتحريمه الغش والاحتيال بقوله: (من غشّنا فليس منا). بعد ذلك، أشار إلى أهمية محاولة فهم الآخر بالاستماع الجيد له والمتعاطف معه. وذكر أن كثير من الناس في أيامنا هذه تأخذ موقف الدفاعي حين تستمع لوجهة نظر الآخر. وهذا أمر ليس بالسليم وسيعرقل محاولة الوصول إلى علاقة النجاح أو (win - win) وبالتالي عدم القدرة على معالجة مختلف المشكلات. وللتوصل إلى الاستماع الجيد، بيّن الكاتب أهمية ضبط النفس ومحاولة فهم الآخر والجديّة في فهمه ليتمكّن بعدها من التوصل إلى حل يرضي كلا الطرفين وليس أحدهما على الآخر (win – lose) أو (lose – win). كون تلك العلاقتين من شأنهما منع تدمير العلاقة مع الطرف الآخر وعدم الرغبة بالتواصل معه لاحقا. ولذلك نجد أن الإسلام أمر بالتعاون بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) وأيضا وصف الرسول e المسلمين بالبنيان المرصوص وبالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وبعد الاستماع الجديّ والمتعاطف ومحاولة الوصول إلى حل يلائم الطرفين يأتي موضوع التعاون. وهو أمر هام للشركات التي تسعى إلى التنافس مع غيرها. وهنا أستذكر اتحادات الزيباتسو اليابانية في قراءتي السابقة لكتاب (اليابانيون). والتي فيها يقوم الموظفون من مختلف الشركات على العمل معا من أجل تطوير تقنيات قوية قادرة على منافسة العالم الخارجي. ومع محاولة فهم الآخر والاستماع الدائم له والتعاون معه، يبيّن الكاتب العادة الأخيرة لأكثر الناس كفاءة، والتي تتمثل بضرورة التوازن في تلبية الاحتياجات الجسدية والروحية والعاطفية والاجتماعية للفرد. فمثلا، يجب عدم إغفاله لأهمية تناول الغذاء الصحي وممارسة الرياضة يوميا، والاهتمام بالجانب الروحي لشخصيته والذي ذكرته بالتفصيل في مقالة سابقة لي عن (غذاء الروح)، والتي تتحقق بمداومة الصلاة والدعاء وبمجالسة الصالحين وبالتأمل. وبذلك نجد الحكمة من حثّ الرسول e المسلمين على الاهتمام بالجسد والروح معا بقوله e: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف). وأخيرا، يجمع الكاتب بين تلبية الاحتياجات الاجتماعية مع العاطفية كون الأخيرة تتحقق ببناء مختلف العلاقات مع الآخرين. وبذلك يصبح المرء بتحقيقه لهذا التوازن قويا قادرا على التفكير السليم واتخاذ القرارات الصحيحة ومعالجة مختلف المشكلات التي تواجهه. قراءة في كتاب (تحفيز طفلك) للكاتبة إليزابيث بروير
Motivating Your Child – Elizabeth Brewer بقلم إشراق عرفة . يتحدث الكتاب عن كيفية مساعدة الطفل على عمل ما يحبه من خلال تشجيعه وفهم احتياجاته والاستماع له، من دون الفرض أو الضغط عليه، أو تحسيسه بأنه أقل من الآخرين. وهو يشرح الطرق المختلفة في تحفيز الطفل، ويتألف من ثلاثة أقسام رئيسة، وهي: مفهوم التحفيز والنظريات المتعلقة به في البيت والمدرسة والرياضة، مبادئ التحفيز الأربعة عشر، وتجديد التحفيز. القسم الأول: مصطلح التحفيزبداية، على الأهل إدراك أن التحفيز الناجح لا يأتي إلا بعد إشباع حاجات الطفل الأساسية من الطعام والشراب والراحة والنوم. فالطفل الجائع التعب لا نتوقع منه القدرة على أي إنجاز. وليست تلك هي الاحتياجات الوحيدة للطفل التي ينبغي إشباعها له قبل أن يتمكّن من التعلم والإنجاز، وإنما هناك ثلاثة حاجات أخرى تتعلق ببيئة المنزل وتعامل الأهل معه، وهي: 1. الشعور بالأمن والأمان، فإن كان الطفل يتعرض للإهانات الجسدية او اللفظية أو الشعور الدائم بالقهر وأنه تحت رحمة الآخرين، فإن ذلك سيجعله غير مبال بنفسه، وسيعرضها للعديد من الأخطار التي تهدد سلامته وصحته وذلك في محاولة منه للشعور بسيطرته على نفسه وقدرته على التحكم بها كما يريد. 2. تقدير الذات من قبل الأهل، وتتحقق باحترام الأهل لطفلهما والاستماع إليه والتقليل من انتقاده، إضافة إلى مدحه وتقديره عند قيامه بأمر جيد. 3. الاستقلالية والحكم الذاتي، وذلك من خلال إعطاء الطفل حرية الاختيار، وإعطاءه المجال لإنجاز المهمة بالوقت المناسب والطريقة التي يريدها. ثانيا، بعد إشباع حاجات الطفل السالفة الذكر، تبدأ عملية التحفيز. ولكن يجب على الأهل معرفة معنى التحفيز وطرقه ليتمكنوا من تحفيز طفلهم. أ. مفهوم التحفيزيشمل مفهوم التحفيز على الشعور بقيمة النفس، واليقين بالقدرة على الإنجاز، وعدم الخوف من الفشل. فعلى الأهل عدم تحسيس الطفل بالخزي أو العار أو تأنيب الضمير عند ارتكابه للأخطاء، وذلك بالسماح له بارتكاب عدد معين منها. إذ من دون التوجيه والقدرة على التعلم من أخطائه، سيقوم الطفل بالامتناع عن التعلم والانسحاب والانطواء. وعملية التحفيز ليست بسيطة، وإنما تنطوي على خمس خطوات، وهي: 1. تحديد الهدف المراد تحقيقه: فيجب على الطفل معرفة ما المطلوب منه تحقيقه بشكل واضح وبسيط، والذي يتم بالتعاون مع أهله في تعريفه وتحديده. 2. المهارات اللازمة لتحقيق الهدف: فلا يجب أن نتوقع من الطفل القيام بالكتابة وهو لا يعرف مثلا كيف يمسك بالقلم أو شكل الأحرف. فاليأس والخذلان يأتيان من وجود أهداف تفوق مهارات الطفل وبالتالي الفشل في تحقيقها. ومن المهم عدم استخدام أسلوب المقارنة أبدا بين الأطفال. فلكل طفل قدرات فردية يتميّز بها عن غيره. وفي حال تم مقارنته مع غيره لن يتحقق لديه الرضى الذاتي وسيشعر بالخزي وستختفي شجاعته في تنفيذ أية مهام. 3. التخطيط للوصول إلى الهدف: وذلك من خلال الالتزام بالوقت والجهد للوصول إلى الهدف. ويتم مساعدة الطفل على تعلّم التخطيط من خلال إشراكه في تنفيذ أعمال المنزل، وبتعليمه الالتزام بروتين يومي يشمل مثلا ترتيب سريره وأغراضه الشخصية – وهذا ما تمت الإشارة إليه مسبقا في كتاب الصحة النفسية للمراهقين بأن إعطاء الابن مهام منزلية من شأنه أيضا زيادة الشعور بأهميته وبثقة الأهل فيه وبقدرته على الإنجاز، مما يزيد من تقدير ذاته وثقته بنفسه. 4. تطبيق الخطة: وذلك من خلال تشجيع الأهل لطفلهم ومساعدته عند وجود أي عائق. 5. النجاح: فالنجاح يولد النجاح ويزيد من ثقة الطفل بنفسه، ويرغب حينها بإنجاز أهدافا أخرى. ومن الضروري ثناء الأهل على طفلهما عند نجاحه في المهمة، وبالعديد من الطرق، منها: الكلام التشجيعي، المدح، وضمه وتقبيله مع إعلامه بأنه قد نجح فعلا وحقق الهدف. وهذا سيساهم في زيادة تقديره لذاته، ومن ثقته بنفسه لأنه أدرك أنه قام بشيء جيد استحق عليه كل ذلك الثناء مما يحفزه لتحقيق أهدافا ومهاما أخرى ليستحق عليها الثناء. – ويفضّل عدم الاعتماد على الهدايا المادية كمكافئات للطفل عند نجاحه، لأنه سيمل منها. وهناك الكثير من البدائل عنها، مثل المشاركة في رحلة مع أصدقائه، أو مرافقة الأب في التسوق، أو استضافة أصدقائه في المنزل وهكذا، المترجمة -. ب. نظريات التحفيزأولا – البيتإن نظرة الأهل للطفل لها دور كبير في طريقة التعامل معه. فعلى الأهل التفكير في نظرتهم لطفلهم هل يرونه متكاسلا وغبيا أم ذكيا ومجتهدا؟ وهل هو خامل أم لديه مهارات كامنة؟ وبذلك يتم تحفيز الطفل تلقائيا انطلاقا من تلك النظرة. ثانيا – المدرسةعلى الأهل إدراك أن لهم دور هام في العملية التعليمية تكتمل مع دور إدارة المدرسة والمعلم، فبرؤية الطفل اهتمام الأهل بمدرسته ومتابعته مع أساتذته من شأنه أن يؤثر ذلك عليه إيجابيا فيأخذ حياته فيها بجدية أكثر. ويجب أن تكون بيئة التعليم آمنة وداعمة وإيجابية للطفل، وبعيدة عن الصرامة والشدة. وعند شعور الطفل بالأمان في المدرسة سيصبح حينها راغبا في التعلم. وفي استفتاء للطلبة حول ما يحفّزهم على التعلّم كانت النتيجة بتوفّر الأمور التالية داخل المدرسة: 1. معدات وأدوات جديدة غير تالفة أو مستهلكة. 2. السمعة الطيبة للمدرسة. 3. تطبيق الأنظمة والقوانين. 4. نظام المكافئات للناجح. 5. أسلوب تعليم إيجابي وتشجيعي. ومن الجدير بالذكر أن هناك أمورا تؤثر سلبا على التحصيل الأكاديمي للطفل حال غيابها، وهي: القدرة على الاستماع الجيد، والتركيز، والتذكّر. فعندما يرفض الطفل لأن يسمع في بعض الأحيان، يكون ذلك بسبب عدم فهمه لما يُقال له أو لعدم شعوره بالأمان والثقة بنفسه. ويمكن تطوير عملية الاستماع لديه من خلال التواصل الجيد معه. مثل القراءة له، التكلم معه بشكل إيجابي، وإسماعه ما يحب من الأناشيد والموسيقى. أما فقدان التركيز لدى الطفل، فهو نتيجة عدم قدرته على الاستماع. أما الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة الزائد فيجب عرضهم على مختص لعلاج تلك المشكلة والتي تتسبب لهم بقلة التركيز وصعوبة التعلّم. أما المشاكل التي تتعلق بالذاكرة فتكون غالبا بسبب خلل عاطفي عند الطفل. فهو يميل إلى نسيان ما يزعجه. كما أن صعوبة فهمه من شأنه منعه من تذكر الدرس. ويمكن تحفيز ذاكرة الطفل بحسب سنه. فمثلا: يمكن للأهل مراجعة ما حصل له خلال اليوم في المساء، واستخدام ألعاب التذكر. أما المراهقين فيمكنهم الاستعانة بالملاحظات اللاصقة للتذك. – أو تطبيق التذكير Reminder في الهاتف الذكي، المترجمة-. كما ومن شأن المداومة على قراءة كتب معينة للطفل، وتشغيل الأناشيد المفضلة له لما لها دور في تحفيز الطفل على حفظها وتذكرها. ثالثا – الرياضةيتم تحفيز الطفل من خلال ممارسة الأنشطة الرياضة عندما يشعر باحترامه بسبب مهارته فيها. ويتم زيادة تقديره لذاته بتنمية مهارات مميزة عن غيره فيها. وعندما يظهر على الطفل علامات السأم من رياضة ما، فيتم إما زيادة التحدي فيها أو تعليمه مهارات جديدة. القسم الثاني: مبادئ التحفيز الأربعة عشرالأول – البدء بما هم عليه وليس بما نريدهم أن يكونوايختلف كل طفل عن الآخر، وبالتالي يجب على الأهل إدراك نقاط القوة في أطفالهم وتطويرها – وهذا ما ذكرته الطبيبة النفسية سوزان هوكسيما في كتابها (النساء اللواتي يبالغن في التفكير) حول إحدى الأمهات التي كانت تشتكي تأخر ابنها بالحساب وشغفه فقط في الرياضة، مما جعلها تسأل المعلمة أن تضع له مسائل حسابية حول الرياضة فكان أن نجح فيها، المترجمة-. وهذا من شأنه أن يجنّب الأهل الحكم المسبق على طفلهم. الثاني – مساعدتهم على حب أنفسهموذلك من خلال توفير بيئة مليئة بالحب والدعم داخل المنزل. مثل تخصيص الوقت مع الطفل، وتجنب إهانته، وتقدير آرائه وأفكاره، ومدحه عند إنجازه، والتواصل والحوار الدائم معه، واحترام احتياجاته، والثقة به، والاهتمام بمستقبله. الثالث – الدعم والتشجيع وليس الدفع والتحكم.يتم دعم الطفل من خلال إظهار الاهتمام به والاستماع إليه، وفهمه ومساعدته في اتخاذ القرارات. أما التشجيع فهو بإظهار الحماس له والثقة والإيمان به، ومنحه المكافئات عند نجاحه. أما الدفع الذي يجب تجنّبه، فهو عندما يقوم الأهل بإنجاز المهام بدلا عن طفلهم أو عند إعطاءه وقتا أقل مما يحتاجه لإنجاز شيء ما. إضافة إلى إشعاره بأنه مراقب طول الوقت، وإعطاءه نصائح دون أن يطلبها، وانتقاده الدائم، وتصيد أخطاءه. الرابع – المدح والمكافأة لتحقيق حاجة الطفل إلى الظهوريجب مدح الطفل عند إنجازه وليس فقط انتقاده. ولا ننتظر لمدحه أن يكون جيدا في كافة الأشياء، فنجاحه في أي شيء مهما كان صغيرا يستحق عليه المدح والمكافأة. وهذا ما سيجعله يدرك أهمية جهده وأنه ملاحظ من أهله ومقبول لديهم. الخامس – إيجاد بيئة آمنة تسمح للطفل بارتكاب الأخطاءفي انعدام البيئة التي تحتمل عددا من الأخطاء، فإنها ستجعل الطفل يميل إلى الكذب وإلى استخدام أسلوب الهزل والغش واللف والدوران ليحمي نفسه من اللوم والعقاب. والحل يكون لدى الأهل بضبط الأعصاب، وبمحاولة معرفة سبب خوفه للجوئه إلى الكذب، وبتغيير التفاعل معه ليتوقف عن الكذب. إضافة إلى التحاور والتفاهم معه بهدوء بأن ما يفعله أمر خاطئ، ومحاولة زيادة تقديره لذاته كما تبين سابقا. ويجب أن يخطأ الطفل ليتعلم ويتطور. وإلا فإن إنكاره للخطأ بسبب الخوف من العقاب سيؤخره عن عملية التعلم والنمو. السادس – بناء الثقة من خلال الكفاءةوذلك بتعليم الطفل كيفية الاعتماد على نفسه كون ذلك سيساهم في شعوره بالسيطرة على حياته وأنه كفؤ لذلك. وهذا بدوره سيساهم في زيادة ثقته بنفسه وتحفيزه. ومن الأمور التي يمكن تعليم الطفل القيام بها لوحده هي العناية الشخصية والمساعدة في أعمال المنزل وحل واجباته المدرسية لوحده. السابع – أداء مهام صغيرة في بيئة مرحةلا يجوز للأهل التملص من تربية الطفل وتعليمه وترك ذلك على المدرسة. إذ يقع عليهم الجزء الأكبر في تحبيب الطفل بالواجبات المدرسية من خلال إيجاد البيئة المناسبة لها، وبمساعدته من خلال تقسيمها إلى مهام صغيرة يمكن إنجازها. – وهنا أذكر والدتي وهي تخبرنا عن أختي كيف كانت تبكي عند درس الحفظ، فكانت والدتي حفظها الله تخبرها بكيفية تقسيم الصفحة إلى فقرات صغيرة تحفظها واحدة تلو الأخرى وبذلك تنتهي من درس الحفظ، المترجمة-. ومن الأمور التي تساهم في إيجاد البيئة المرحة استخدام ما يحبه الطفل في تعليمه. كالفاكهة والحلويات والألعاب عند تعليمه العدّ والحساب، واستخدام التطبيقات التعليمية على الحاسوب والهواتف الذكية ولكن بشكل مقنن لئلا يفقد الطفل فرصة التفاعل مع عالم الواقع وتنمية مختلف مهاراته. الثامن – التشجيع على تحمّل المسؤوليةمن خلال إعطاء الطفل الفرصة لاختيار طريقة إنجاز المهمة بشرط الالتزام فيها. مثل توقيت أداء الواجبات المدرسية، أو باختيار كيفية الاستمتاع بوقت الراحة. التاسع – التحديمن طبيعة الطفل السأم بسرعة، وخاصة من أداء الواجبات السهلة، ويشعر أنها تقلّ من شأنه. لذلك على الأهل والمعلّم زيادة حماس الطفل من خلال التدرّج في صعوبة المهام ليشعر بلذة النجاح عند إنجازها. العاشر – إدارة النجاحويكون ذلك بعدم سرقة النجاح من الطفل بإخبار الجميع عنه دون موافقته. أو عند التفضّل عليه بذلك. الحادي عشر – إدارة الفشلوذلك بعدم مقارنته مع الآخرين عند فشله، واحتمال عدد من أخطائه مع تجنّب إهانته وتحسيسه بالذنب والعار. ويتم التعامل مع الفشل بتوضيح خطأه وتشجيعه على إعادة المحاولة. الثاني عشر - التعامل مع الفضول والأسئلةيفضل دوما تشجيع فضول الطفل ليتمكّن من اكتشاف العالم من حوله. ولا يجب إسكاته عند محاولته السؤال أو الاستفسار، وإنما تشجيعه على التفكير في الإجابة أو البحث عنها، أو الإجابة بشكل مبسّط تلائم عمره. الثالث عشر – تشجيع الإبداعوذلك بتوفير الألعاب الخاصة بذلك للطفل، كالرسم والتلوين وإنشاء الكلمات، وتشجيعه على التفكير عند القراءة له أو أثناء مشاهدة التلفاز. الرابع عشر – التساهلمن خلال عدم فرض أسلوب معيّن على الطفل عند حلّه للواجبات. فإن أراد القيام بذلك على الكرسي أو جالسا على الأرض فليكن له ذلك. إضافة إلى تخصيص وقت كاف له لإنجاز المهام المنزلية من دون التضييق عليه، والتحاور الدائم معه والاستماع له ومشاركته عواطفه، والتقنين من التلفاز بدلا من الحرمان. القسم الثالث: تجديد التحفيزيتعرض الكثير من الأطفال إلى أزمات تجعلهم يرتكبون الكثير من الأخطاء ويتأخرون أكاديميا، وعلى الأهل قبل معاقبتهم محاولة فهم الأسباب التي أدت إلى تراجعهم بذلك الشكل. فهل هو مثلا بسبب فقدانهم لصديق أو لحصول الطلاق أو لتغيير المسكن أم لتعرضهم لمشاكل في المدرسة، وعندها يجب إعطاء الطفل الوقت الكاف للتأقلم وعدم الضغط عليه. ومن جانب آخر هناك التأثير السلبي الذي يأتي من بعض أصدقائه. كالتسيب من المدرسة والعصيان وغيرها والتي فيها يظن الطفل أنه بمجاراتهم سيكون محبوبا. وهنا يجب على الأهل توضيح معنى الصداقة لطفلهم، وبضرورة احتفاظه بشخصيته وألا يذوب في شخصيات الآخرين لنيل محبتهم وتقديرهم. ويمكن وقاية الطفل من ذلك من خلال مبادرة الأهل في التعرف على أصدقاءه. مثل دعوتهم إلى المنزل ومحاورتهم وعمل مختلف الأنشطة لهم لمعرفة أفكارهم وميولهم وثقافتهم. وفي حال كان الطفل يعيش أزمة في مدرسته بسبب تعرضه للإهانة والإيذاء اللفظي أو الجسدي من بقية الطلاب أو ما يسمى بالتنمر Bullying، حينها يجب على الأهل التدخل الفوري ومخاطبة إدارة المدرسة لمعالجة ذلك. إضافة إلى التحاور مع بقية الأهالي لتبادل الخبرات حول التعامل مع تلك المشكلة. ومن الجدير بالذكر عدم تشجيع الطفل على مواجهة التنمر بالعنف، كون العنف لا يجلب إلا مزيدا من العنف. . الرابط في الجريدة http://omandaily.om/?p=356063 . نظرة عامة
يتكلم الكتاب عن طبيعة الشعب الياباني منذ القرن الثاني عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر. وذلك في محاولة لتسليط الضوء على سبب نهضتهم العلمية والصناعية الكبيرة، وذلك بعد أن تم تدمير بلادهم بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية واحتلالها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي بداية الكتاب، بيّن الكاتب صفات عامة للشعب الياباني؛ فهو يتميّز بالعزلة بسبب طبيعة بلاده الجغرافية وما فرضه عليه النظام الإقطاعي في القرن الثاني عشر، فكان لذلك الأثر في احتفاظه بهويته الثقافية من وطنية ولغة والاعتماد على نفسه، وخاصة في مجال الزراعة. ولكن مع بدء الثورة الصناعية، أصبح هناك نقص في اهتمامه بالمجال الزراعي مما اضطر باليابانيين إلى استيراد مختلف الأغذية. والطبق الرئيس لهم هو الأرز. وذلك في الوجبات الثلاث اليومية مع قليل من الخضروات، فهو جمالي أقرب منه إلى لذة الطعم بعكس الطبق الصيني. وتبنى منازلهم من الخشب لقدرتها على تحمل الزلازل بشكل أفضل من غيرها. أما مناخ اليابان فهو لطيف ومختلف عن أي بلد آخر؛ فليس فيه حرارة أو برودة عالية إلا في أعالي الجبال مما ساهم بامتلاكها لطبيعة خلابة. أما الأنظمة الإدارية، فقد نقل اليابانيون من الصين النظام السياسي والأراضي. كما تأثروا دينيا بها. ولغتهم مميزة عن بقية اللغات، وهو السبب في افتخارهم بهويتهم. كما أنهم يتميزون بالنظافة والتعاون وأخلاقيات مميزة في العمل التي جاءت أيضا بسبب عزلتهم الطويلة عن العالم الخارجي. وتتميز المرأة اليابانية بالطاعة والإخلاص وبأنها مرهفة الإحساس. الثورة الإصلاحية – عهد ميجي إن أول ثورة إصلاحية في اليابان كانت في عهد ميجي الإصلاحي بأواخر القرن التاسع عشر، وفيها تم التخلص من طبقة الساموراي التي كانت تحتكر كل مميزات اليابان وتحرم الطبقات الأخرى منها وتعاملها كعبيد لها. فتم إلغاء مميزات تلك الطبقة وعملت على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ثم وضعت برنامجا كاملا للتعليم استغرق منها 30 عاما، وقامت بإرسال الطلبة في بعثات خارجية للاستفادة من الخبرات العالمية، وعملت على توطين اليابانيين في الجزر التي كانت تخشى اليابان من أن تقوم روسيا باحتلالها، وذلك من خلال بناء مساكن لهم ومصانع وحظائر للماشية. وعملت الحكومة أيضا على حل مشكلة التضخم والتمرد من خلال بيع المصانع لمن يتمكن من إدارتها بشكل ناجح، وباستخدام القوة العسكرية لمن تمرد من الساموراي على قراراتها. وبذلك تمكنت من تحقيق الأمن الداخلي والسلام لتنطلق في منافسة العالم الخارجي. وكان أن حدثت مجموعة من الانقلابات داخل اليابان، وسلسلة من العمليات الإصلاحية للنظام الإقطاعي والسياسي والدستوري فيها. وأقواها كان ما حدث في القرن العشرين. إذ بعد 80 عاما من كل الإصلاحات اختفت نهضتها وأضحت هباء منثورا، نتيجة هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، فلم تتمكن من الصمود أمام قوة العتاد الأمريكي، وخاصة بعد إسقاط الأمريكيين القنبلة النووية على كل من هيروشيما وناكازاكي. الاحتلال الأمريكي لليابان بعد هزيمة اليابان، وصل إليها الجنرال الأمريكي مارك آرثر لسن قانون ودستور جديد فيها. وعمل على نزع سلاحها والحرص على عدم امتلاكها لأي قوة عسكرية في المستقبل. وأجبرها على توقيع معاهدة تنص على قيامها بتوزيع فائض الإنتاج المحلي إلى الدول التي حاولت احتلالها كنوع من التعويض لها، مثل روسيا والصين وكوريا. ولكن هذا الشيء لم يتحقق لأن اليابان كانت مدمرة بالكامل وفقيرة لا تملك ما يفيض عن حاجها. ولم تنظر اليابان على احتلال الأمريكان لها بنظرة سلبية، وإنما رأت بذلك فرصة ليتم إعادة إعمارها، فكان اليابانيون مستجيبون للتغيرات التي تم فرضها عليهم. وعلى الجانب الآخر أعجب الأمريكان باليابانيين من ناحية انضباطهم وطاعتهم ونظامهم، فكان التعاون جيدا معهم، فلم تكن العلاقة احتلال واستعباد. وكان أن فرضت اليابان على أمريكا قيودا على وارداتها من مختلف البضائع مما كان له الدور في الانتعاش الاقتصادي فيها بعد ذلك. ولكن هذه العلاقة تدهورت عندما حاولت أمريكا التدخل فيما لا يعنيها وتوريط اليابانيين في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كحربها مع فيتنام. ولكن بمجيء رئيس الوزراء أكيدا في النصف الثاني من القرن العشرين، عمل على استخدام السياسة الهادئة في التعامل مع المحتل الأمريكي، ونتيجة لذلك تضاعف معدل الناتج القومي وزادت نسبة التعليم إلى 90% وهو أعلى معدل عالميا، وأصبح هناك انتعاش اقتصادي أدى إلى افتخار اليابانيين بمختلف منتجاتهم الوطنية، من إلكترونية وكهربائية، كالثلاجات والغسالات والكاميرات وأجهزة التلفاز. وبدأت اليابان لاحقا بالتركيز على المنتجات التي تتطلب مهارة فنية عالية لا تستهلك الكثير من الطاقة وذات تأثير منخفض على البيئة. وحرص جميع الشعب في تلك الفترة على زيادة الرفاهية في معيشته باقتناء تلك الأجهزة وتغير أسلوب حياتهم تماما وأصبح لديهم أوقات للفراغ يمارسون فيه الرياضات الراقية كلعب الجولف وتسلّق الجبال. مقارنة بين شخصية الياباني والأمريكي إن العزلة التي عاشها الشعب الياباني جعلته يتكاتف مع بعضه البعض وأن يحبّذ العيش كجماعات، يحترمون ويقدرون بعضهم البعض كل بحسب عمره ومكانته الاجتماعية، وليس كالأمريكي الذي يحب رفع التكلفة. إضافة إلى تعصبهم لهويتهم، ورفضهم للأجنبي، وحرصهم على العمل والجدّ. كما أنهم يحبون العمل كجماعات وليس كالأمريكيين الذين يشجعون العمل والتميّز الفردي، فيؤمن الياباني دوما أن الجماعة فوق الفرد، وهذا ما يجعله يفتخر بالشركات التي يعمل فيها، بحيث يحرص فيها على الولاء والإخلاص الغير متناهي، بعكس الأمريكي الذي يبحث دوما عن مكان العمل الذي يقدّم راتب ومميزات أفضل. ويتميز الياباني بكتمان مشاعره والبساطة وبتجنب المصارحة والمواجهة بعكس الأمريكي، وهذا يؤدي إلى صعوبات في التعامل معه عند اجتماعه مع رجال الأعمال الأمريكيين على طاولة واحدة. والياباني غير قادر على إنشاء علاقات صداقة مع الغرباء بسهولة. ولكن إن تمكّن من إنشاء أي منها فإنه يتفانى فيها بشكل غير اعتيادي. وتختلف الأم اليابانية عن الأمريكية في تربية أبنائها، فهي ترعاهم بشكل حميمي أكثر من الأمريكية التي تفضل أن تضع وليدها في غرفة منفصلة منذ الولادة، وأن تعطيه لمربية تقوم على رعايته. ويفتخر الياباني بامتلاكه لهواية محددة، كتسلق الجبال ولعب الغولف وتنسيق الزهور، بعكس الأمريكي الذي قد يرى هوايته في عمله نفسه. الدين والأخلاق يلتزم اليابانيون بالأخلاق خوفا من العار الاجتماعي وليس من أي دافع آخر، فالنبذ من المجتمع تعد أقصى عقوبة للياباني. ولذلك فهم يظهرون بشكل مختلف عند الحروب أو الثورات، وذلك بالتمرد والعصيان وبتعذيب لا رحمة فيه لأسرى الحرب. كما يلاحظ أن الانتحار ظاهرة اجتماعية شائعة بين الذكور والإناث في اليابان كونها وسيلة للهرب من المواجهة والخذلان والعار. ومن أشهر طرق الانتحار هي سيبوكو. وهي تتمثل ببقر البطن كما كان يفعل الجنود والساموراي. أما الديانة عند اليابانيين، فقد تم إنشاء العديد من الديانات والتي وصلت إلى عشرين ديانة، في محاولة لإشباع الجانب الروحي لهم. إلا أنهم تأثروا بالديانة الكونفوشية الصينية، إضافة إلى البوذية والمسيحية. والأغلبية منهم يؤمن بالشنتو الممتدة من الكونفوشية. أمّا المسيحية فيؤمن فيها أقل من 1% من الشعب. وعند احتلال أمريكا لليابان، قامت بإلغاء الشنتو تخوفا من تطرف معتنقيها وطالبت بفصل الحكومة عن الدين، فأضحت المعابد في اليابان شكليا فقط وللمناسبات. وصار كل بيت في اليابان يملك طواطم وتماثيل للتعبد -وهذا ما لاحظه أخي عند زيارته لليابان، إذ وجد أن اليابانيين يملكون في العلية تمثالا يعبدونه ويتقربون إليه بمختلف الفاكهة. ويمكن للياباني أن يعتنق أكثر من ديانة واحدة في الوقت نفسه. التعليم حرص اليابانيون على تعليم أبنائهم وإن تطلب ذلك التقشّف على أنفسهم. وذلك انطلاقا من إيمانهم بأن التعليم الجيد أساس لمستقبل أفضل. والتعليم الأساسي في الدولة مجانا إلا أن التعليم الجامعي يتطلب النجاح في امتحان محددا للقبول فيها. وهو امتحان معقد وصعب. ومن يفشل فيه يستطيع التسجيل في جامعات خاصة ذات تكلفة باهظة بعكس الرسمية. وأفضل الجامعات الرسمية هي جامعة طوكيو. وتتميز البرامج في الجامعات اليابانية بتفصيلها الدقيق وبجمودها؛ فلا يستطيع الطالب في تخصص ما الدمج مع تخصص آخر. وتسعى جميع الشركات في اليابان إلى توظيف الخريجين الجدد، وتعمل على تشجيعهم على استكمال دراساتهم العليا وعلى حسابها الخاص. وكان أن حاولت اليابان إنشاء جامعة على النظام الأمريكي إلا أنها فشلت وهي جامعة سوكوبا في عام 1973. دنيا الأعمال إن سبب النقلة النوعية والقفزة الهائلة لليابان في تحقيق الازدهار الاقتصادي يعود إلى عدة عوامل. منها وجود اتحادات للمؤسسات تسمى بالزيباتسو. وفيها تتجمع الشركات ضمن رأس مال واحد بحيث تقوم بتمويل بعضها البعض ضمن العديد من المشروعات التعاونية، ويتنقل الموظفين بين تلك الشركات بكل حرية. وتتسم العلاقات بين المديرين والموظفين بعلاقة حميمية كلها التزام وولاء وفخر بعكس الأمريكية التي فيها يتم التشبث بهرمية الإدارة. والسبب في ذلك هو اتباع الشركات لنظام العمل مدى الحياة وامتيازات بحسب الأقدمية، فلن يجد المرء هناك كبيرا في السن يعمل لدى شاب، وإنما سيكون ضمن المستشارين على سبيل المثال مقابل خدماته وخبراته. ومن جانب آخر تقوم الشركات على استثمار موظفيها من خلال تدريبهم على مختلف المهارات. وتقوم ببناء مختلف المساكن لهم وإرسالهم في إجازات على حسابها. كما تفضل الشركات اليابانية الاحتفاظ بموظفيها، فلا تقوم باستبدالهم. وإن احتاجت إلى مهارات غير موجودة فيهم تقوم بتدريبهم عليها. ولذلك لا نجد مقاومة للتغيير من قبل الموظفين عند تطبيق تقنية جديدة، لإيمانهم أن الشركة لن تستغني عنهم وستقوم باللازم ليتمكنوا من تطبيقها واعتمادها في أعمالهم. ولا تتجاوز البطالة في اليابان 2%. ومن العوامل الأخرى التي ساعدت على نمو الاقتصاد الياباني هو العلاقة بين الحكومة والشركات. فهي ليست كما في أمريكا خصومة ونزاعات، وإنما علاقة مساندة ومشورة وتشجيع. فالحكومة لا تفرض شكل الاقتصاد أو تسيره في اليابان وإنما تقوم بفتح المجال لمن يرغب بأي استثمار مهما كان نوعه. الثقافة والأدب وهي التي نقصد بها الصحافة والإعلام والمؤلفات الفكرية. ففي اليابان نظام مشابه لقنوات التلفاز في أمريكا، وهو موّحد لكافة المناطق، مما ساهم في تعميم الثقافة على كافة اليابانيين. وتتميز الصحافة بالحياد والدقة، ومن المعروف أن أفضل الصحفيين هم اليابانيون كونهم لا ينشرون الأخبار إلا بعد التحقق من صحتها. أما المجلات فلا تتميز بالحيادية ولها أن تنشر أراءها الخاصة بحسب ميولها ومعتقداتها. ولا يوجد لدى اليابانيون أي ابداع فكري. فهم ممتازون بالنقل والنسخ لمختلف أنواع التقنية رغبة في الاستمرار في السباق العالمي، ولذلك فهم عمليون أكثر من كونهم نظريون. وكان أن أثر ذلك على عاداتهم وتقاليدهم. فنجد مثلا عزوف الفتيات عن ارتداء اللباس الرسمي الكيمونو إلا في المناسبات الخاصة. وعلى الناحية الأخرى نجد أنهم عاطفيون جدا ويحبون الشعر والغناء. وتتفق جميع فئات الشعب على الانسجام ونبذ أي حركة مقاومة أو تمرد للرغبة المشتركة في النهوض باليابان. المرأة اليابانية لا تتمتع المرأة في اليابان بالحقوق والحريات والمميزات ذاتها التي يتمتع بها الرجل الياباني. فهي أقل منه في ذلك. فأجورها مثلا أقل منه، وكزوجة تتم معاملتها باحتقار من قبل زوجها. وسبب ذلك يعود إلى انتشار الفلسفة الكونفوشية التي تنص على أن تطيع اليابانية أباها ومن ثم زوجها، وابنها في شيخوختها. وهناك القليل من الفتيات ممن يكملن التعليم الجامعي لتفضيلهن الزواج على ذلك. ورفضت المرأة اليابانية الاستجابة لحركات التحرر النسائية لإدراكها أنه فخ لها وسوف يقلل من مكانتها. ففضلت الاحتفاظ بهيبتها كأم وربّة أسرة. وتتميز اليابانية بأنها أقرب إلى المثالية، فهي زوجة مخلصة ولا تحاول خيانة زوجها الذي هو في كثير من الأحيان يتعرف على أخريات أو الجيشا. والجيشا نساء شبيهات ببائعات الهوى ولكن بأسلوب يشمل الرقص والغزل وإثارة المشاعر لدى الرجل. الحيادية والانحيازية مع الآخر بسبب ما تعرضت له اليابان من أهوال الحرب، فهي الآن تتجنب الخوض في أي صراع مع الآخر مهما كان نوعه. لذلك فهي تفضل الحيادية عن الانحيازية في التعامل مع مشاكل العالم الخارجي. وتجنبت فعلا الحروب مع تايوان والصين، وكانت لا تفضل استخدام القواعد الأمريكية على أراضيها للقوة النووية. فهي تهدف إلى الاستمرار بالانتعاش الاقتصادي الذي يتطلب أن تكون مسالمة مع كافة الدول وتطبيع علاقاتها معهم. وبالرغم من محاولة اليابانيين البقاء على الحياد، إلا أنهم أكثر تعاطفا مع الصينيين ويكنون العداوة للروس كون الأخيرة عملت على منازعتهم على أرض سيبيريا. ويحترمون أمريكا كونها مثلا لهم في القوة العالمية، ويكنون مشاعر الود للهند لرؤيتها على أنها أرض تدعو للسلام ونبذ العنف. كما يكرهون مقارنتهم مع أي دولة غير غربية كونه يعتبرونه إهانة لهم. فهم يحتقرون تلك البلاد لتخلفها. التحديات التي تواجهها اليابان إن أول عائق يكمن في علاقات اليابان مع العالم الخارجي هو صعوبة اللغة اليابانية التي يفتخر بها شعبها ويأبى الاستغناء عنها. وكان هناك القليل فقط من اليابانيين ممن تعلم اللغات الأجنبية. كما أنها لا تطوّر أسلحة دفاعية بحسب الاتفاقية التي وقعتها مع الولايات المتحدة الأمريكية على أن تقوم الأخيرة بمهمة الدفاع عنها حال تعرضها لأي عدوان خارجي. وللكوارث الطبيعية أكبر التداعيات على الأرض اليابانية لطبيعتها الجغرافية، سواء كانت على شكل زلازل أو فيضانات، وهذا ما شهدته في إعصار تسونامي. مستقبل اليابان تطرق الكاتب إلى جانبين من مستقبل اليابان المرتقب: التهديدات التي تواجه البلاد، والإسهامات التي تقدمها للعالم. فمن ناحية التهديدات التي تواجه اليابان، نجد أنها تشمل التعرّض للكوارث الطبيعية، الحاجة إلى السلام العالمي للإبقاء على تجارتها نشطة مع العالم، والمحافظة على نظام اجتماعي قادر على أن يجمع اليابانيين في انسجام ووحدة. أما الإسهامات التي يمكن أن تقدمها اليابان للعالم فهي الدعوة إلى السلام العالمي، القدوة للآخر في أساليب الحياة وأخلاقيات العمل، وحلولها المبتكرة للحدّ من تلوّث البيئة. رابط القراءة في الصحيفة: http://omandaily.om/?p=344196 قراءة في كتاب النساء اللواتي يبالغن في التفكير – للطبيبة النفسية سوزان هوكسيما
بقلم إشراق عرفة . يتكلم الكتاب عن سبب قيام النساء بالمبالغة في التفكير ،وبالتحليل المفرط للتفاصيل الصغيرة وللمواقف وللكلمات وللتصرفات من حولهن. وهذا أمرا سيئا للغاية، كون أثبتت الدراسات أن المبالغة في التفكير يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة والضعف في إيجاد الحلول الناجعة. هذا إضافة إلى تسببه بالاكتئاب والقلق والتوتر. . ويبيّن القسم الأول من الكتاب مسببات المبالغة في التفكير، والتي تشمل اختلاف منظومة القيم وتعدد الخيارات في الحياة الشخصية والمهنية مما يسبب الحيرة والتشوش والتفكير في اختيار ما يناسبنا وفي كيفية تحقيقها. إضافة إلى التحليل المفرط للمشاكل والضعف والنقص في الشخصية ومحاولة تعليل ذلك بشكل غير عقلاني مثل المعاملة غير العادلة للأهل أو نتيجة التعرّض للأذى والتحرش وغيرها. كما أن محاولة إيجاد حلولا سريعة وعدم تقبّل تلك التدريجية والتي تتطلب الجهد والصبر من شأنه التسبب بالإحباط لصاحبه نتيجة الفشل في ذلك واللجوء إلى شرب الكحول وتعاط للمخدرات وغيرها من السلوكيات المدمرة للصحة هربا من دائرة التفكير المنهكة للعقل والجسم. كما والمحاولة المستمرة في تحليل المشاعر والتي يشجعها علم النفس الحديث بمحاولة البحث معمقا داخل أنفسنا لمعرفة سبب استيائنا أو غضبنا يسبب التفكير المبالغ فيه، ولا ندرك حينه أنه قد يكون استيائنا نتيجة سببا بسيطا كزحمة السير أو الإنهاك أو الجوع أو التأخر عن الاستيقاظ وغيرها. ومن الجدير بالذكر أن الإسلام عالج مشكلة التفكير والتحليل المبالغ فيه للمواقف الحياتية من خلال قوله تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا). كما أن إدراك الإنسان على أن الدنيا هي دار عمل وأن الآخرة في الحياة الكاملة، من شأنه أن يساهم في ارتقاء تفكيره وتتغيير أولوياته واهتماماته وتركيزه ليصبح كله منصبا على القيام بالأعمال الصالحة ومساعدة الآخرين دون أي اهتمام للسفهاء وغيرهم. قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65)) – الفرقان. . أما القسم الثاني من الكتاب فيوضّح لماذا النساء أكثر عرضة للمبالغة في التفكير من الرجال. فتقول الطبيبة أنهن أضعف من الرجال اجتماعيا واقتصاديا وظرفيا، وبالتالي فإن عدم تمكنهن من تغيير واقعهن أو التأقلم معه من شانه أن يغذي تفكيرهن. كما أن نسبة النساء في التعرّض للعنف وسوء المعاملة والتحرّش أكبر من الرجال، وهي والتي تسبب الصدمة النفسية لهن والتفكير المستمر فيها. كما أن النساء أكثر عاطفة من الرجال مما يجعلهن عرضة للتفكير أكثر في مشاعرهن وعواطفهن. وقد يكون ذلك نتيجة التربية منذ الصغر، إذ يتم تأنيب الولد إن حاول التعبير عن مشاعره ويتم التشجيع على ذلك للبنت، مما يجعلها تبالغ في التفكير بمشاعرها وبأحاسيسها وبنفسها بدلا من التفكير بحلول عملية للمشاكل التي تعترضها. . ويعالج الكتاب في القسم الثالث خطوات التخلّص من المبالغة في التفكير. فيجب أن يقنع المرء نفسه أن المبالغة في التفكير أمر سيء ويضرّه. ثانيا، تغيير التركيز بإلهاء النفس من خلال القيام بأمور إيجابية، كممارسة الرياضة أو الطبخ أو الرسم ومساعدة الناس والمشاركة في الأعمال التطوعية وغيرها. وكنت قد ترجمت خبرا يتحدث عن فوائد الحياكة كهواية مفيدة ومنتجة ومعالجة للتوتر والاكتئاب. ومن الطرق الأخرى للتخلّص من المبالغة في التفكير التأمل والصلاة، والتكلّم مع شخص موثوق به كصديق أو أحد من الأقارب. إضافة إلى كتابة المشاعر والأفكار على الورق والرجوع إليها بعد فترة لمعرفة الواقعية منها من تلك المبالغ فيها، وتذكر المواقف الإيجابية من إنجازات سابقة أو ذكريات سعيدة، والقيام بالأمور المحببة للنفس كتسريحة جديدة للشعر أو التسوّق أو المشي في مكان محبب. . ولا تكفي عملية إلهاء النفس للتخلص من المبالغة في التفكير، وإنما يجب التخلّص من مسبباتها من خلال التخلّص من المشاعر السلبية التي سببها الموقف أو التصرف الذي تم التعرّض له من غضب وحنق واستياء وحزن، وذلك بالمسامحة والعفو والغفران والتي أوصى بها القرآن، ثم تحديد المسبب بعد التجرّد من تلك العواطف. ويمكن ذلك من خلال القبول بتلك المشاعر وعدم إنكارها ثم الانتقال إلى مرحلة التركيز على المشكلة الفعلية وإيجاد حلا عمليا لها. فكثير من الأحيان يكون السبب بسيطا مثل إغفال وجبة الإفطار أو الإرهاق أو عدم النوم بشكل كاف. حينها يجب تجنب اتخاذ قرارات مصيرية خاطئة نتيجة عدم فهمنا للسبب الحقيقي لمشاعرنا السلبية. ثم توصي الطبيبة بعدم محاولة مقارنة الذات مع غيرها، فلكل شخص إمكانيات وقدرات تميزه عن غيره ومحاولة التقليد ستؤدي إلى الفشل والإحباط والظن بأن السبب هو ضعف الشخص نفسه نتيجة سوء معاملته أو تعرّضه للتحرش وغيرها من الأسباب التي يحاول المرء فيها تعليل فشله وتزيد من حنقه واكتئابه وتفكيره. أما الخطوة التالية فهي تتعلق بمحاولة تغيير الظروف، فإن لم يتمكّن المرء من تغييرها عليه القبول بها ومحاولة التركيز على تطوير ذاته أو إيجاد نشاطات من شأنها أن تسعده وتحقق له الرضا والتقدير الذاتي. ومن الجدير بالذكر أنه يمكن تغيير الظروف الصعبة من خلال التدرّج في ذلك وليس بخطوة واحدة. مثلا إن لم يعجب المرء راتبه في العمل عليه أن يحاول أن يطوّر نفسه بدلا من تغييره والبحث عن عملا آخر. ومن المفيد كتابة الحلول المقترحة للمشكلة على الورق، فمثلا إن كانت تعاني المرأة العاملة من الغضب المستمر على أبنائها عليها التفكير بحلول مقترحة كمحاولة تغيير العمل أو طلب مساعدة زوجها في تأديب الأطفال أو التخلّص من ضغط العمل من خلال ممارسة الرياضة قبل الوصول إلى المنزل وهكذا. ومن الخطوات الأخرى للتخلّص من المبالغة في التفكير التوقف عن محاولة تغيير الناس والرضا بحالهم وعدم توقع الكثير منهم. وهذه ما ذكرها القرآن للمتصدقين بقوله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9)) – الإنسان. فالإنسان يكون هدفه رضا الله لدخول جنته ولا ينتظر مقابل من أي أحد. . ولتجنّب الوقوع في المبالغة بالتفكير مستقبلا، يتم الابتعاد عن الأمور المزعجة المسببة لذلك. إضافة إلى وضع أهداف قريبة من الواقع لكي لا يقع المرء في دائرة الإحباط والاكتئاب والتفكير في أسباب فشله في تحقيقها. إضافة إلى الابتعاد عن لوم النفس وتقريعها، ومسامحتها ومحاولة خلق صورة إيجابية عنها. كما أن تنوع المجالات الحياتية واكتساب أصدقاء إيجابيين من شأنه المساهمة في تقدير الذات وزيادة الثقة بالنفس. . وفي القسم الأخير من الكتاب تذكر الطبيبة النفسية أهم مجالات المبالغة في التفكير. وهي العلاقة الزوجية والأسرية والعمل والصحة والصدمات العاطفية. ففي العلاقة الزوجية، تفكر الزوجة كثيرا بطرق إرضاء زوجها وأسباب تصرفاته السلبية. وهنا تنصح الطبيبة الزوجات بالتكلم مع من يثقون به من أجل تحديد الأسباب الواقعية وتجنّب تلك الوهمية السلبية، إضافة إلى ضرورة إشغال أنفسهن في مجالات خارج المنزل من هوايات وأنشطة رياضية والتي من شأنها تقليل تركيزهن على أزواجهن. وأما فيما يتعلق بالعلاقة الأسرية، فإن بعضا من الأبناء يقعون في دائرة التفكير حول صحة أباءهم ومشاعرهم والقلق حول راحتهم. وفي علاقة الأباء بأطفالهم فإن التفكير ينصب على كيفية حمايتهم وتعليمهم في هذا العالم المتخبط والمفتوح. إضافة إلى أن محاولة مقارنة الأطفال بين بعضهم البعض من شأنه إثارة التفكير حول وجود مشكلة لدى أحدهم كونه لا يشبه أخيه أو أخته. وعليه، على الأباء إدراك وجود الفروق الفردية بين أبنائهم واحترام أهوائهم ورغباتهم وعدم جعلهم نسخة عنهم أو وضعهم في طريق أحلامهم الخاصة لا أحلامهم هم. وفي العلاقة المهنية، فإن كثيرا من الناس يظن عند مواجهتهم للمشاكل أن السبب هو العمل فيتم التفكير حول تركه والبحث عن غيره بدلا من التفكير في طرق تطوير الذات لكسب مزيدا من التقدير المهني، كما يجب إدراك أن التطور يتم تدريجيا وليس فوريا وعليه يجب التأني قبل اتخاذ أي قرارات مصيرية في العمل. وحول الصحة، فإن التعرض لأي نوع من الأمراض الخبيثة من شأنه أن يسبب القلق والتوتر والتفكير المبالغ فيه، وهنا تؤكد الطبيبة على ضرورة مشاركة الأهل والأصدقاء من المقرّبين حوله بمخاوفه وهواجسه، ومحاولة كتابتها على الورق، والتفكير في كيفية الاستلهام من المرض لعمل الخير ومساعدة الناس كالمشاركة مثلا في التوعية حول أهمية الفحص المبكر للثدي. فالانعزال من شأنه أن يسبب الاكتئاب للمصاب وأن يؤثر على فعالية العلاج لمرضه. وحول الصدمة الناتجة من فقدان من نحب، تشير الكاتبة إلى أن ذلك فرصة للفاقد على إعادة نظرته للحياة وتجديد إيمانه وترتيب أولوياته من جديد. . وفي النهاية، تتطرق الطبيبة إلى طرق إصلاحية من شأنها التقليل من مسببات المبالغة للتفكير في المجتمع. مثل التربية السليمة للأطفال وغرس المبادئ والقيم فيهم بدلا من تركهم يتشبعون من قيم التلفاز والانترنت والألعاب، وإعادة العلاقة بين الأجداد والأبناء بحيث يبدأ الأطفال بالاستماع إلى خبرة وحكمة الكبار، والتشجيع على الصدقة ومساعدة الناس والتعرّف على أناس جدد يملكون قيم حقيقية حول الحياة. إضافة إلى إزالة أسباب التمييز الجنسي بين الرجال والنساء، وتوعية النساء حول أهمية امتلاكهن لنشاطات متعددة ومختلفة، لا أن تكون حياتهن متمركزة حول محور واحد كالأباء أو الأبناء أو الأزواج. وأخيرا، حث البنات الصغار على التفكير بحلول عملية بدلا من الانغماس في المشاعر والأحاسيس السلبية حول أي موقف يواجهنه. |
تتميز هذه الصفحة بملخصات للكتب القيّمة مع التحليل الشخصي والإضافة والنقد لها
Archives
May 2021
Categories |